قال : كيف أحبب طفلي بالصلاة ؟ قلت : إن هناك سؤالا أهم من هذا السؤال ، فاستغرب من جوابي وقال : وما هو الأهم من قضية تحبيب الأطفال بالصلاة ؟ قلت : قبل الجواب على هذا السؤال لا بد من معرفة البيئة التي يعيش فيها الطفل ، وبناء عليها يمكننا الجواب علي سؤالك ، قال : طيب وماذا تقصد بالبيئة ؟ قلت له : بداية لا بد من معرفة أصناف الوالدين في الصلاة فلكل حالة جوابها ، ومن خلال استقرائنا للواقع فإن لدينا خمس حالات من البيوت في الحرص على الصلاة :
الأولى : أن يكون الوالدان محافظين على الصلاة ، سواء كانت الصلاة في المسجد أو في البيت ، وهذه هي أفضل الحالات التي تشجع الطفل على الصلاة ، لأن الطفل يتأثر بما يشاهد وما يسمع من والديه وخاصة في أول ثماني سنوات من عمره ، وقد يمر على هذا الطفل بعض حالات الفتور بالصلاة وخاصة في مرحلة المراهقة ودخول عالم الصداقة والأصدقاء ، ولكنها حالات طبيعية لا ينبغي الخوف عليه طالما أن أساسه الإيماني قوي ، وعلى الوالدين الاستمرار في تذكيره وتوجيهه نحو الصلاة .
الثانية : أن يكون الأب مصليا والأم لا تصلي ، ففي هذه الحالة ينشأ الطفل في الغالب غير مهتم بصلاته لأنه في سنواته الأولى يكون ارتباطه بأمه أكثر من أبيه ، ويستطيع الأب أن يعالج المشكلة بتدخله الكثير بمرافقة ابنه والجلوس معه والحديث حول الصلاة ، فيشجعه تارة ويحمسه تارة أخرى حتى يكبر ويكون محافظا على صلاته ، أو أن يكثر من الصلاة جماعة معه بالبيت كتدريب للطفل على الصلاة.
الثالثة : أن تكون الأم حريصة على صلاتها والأب لا يصلي ، ففي هذه الحالة تكون المشكلة أخف من الحالة السابقة ، وعلاج هذه المشكلة بعمل بعض الحيل التي تعوض تقصير الأب ، كارتباط الطفل بجده المصلي في حالة لو كان السكن في المنزل نفسه ، أو إشراك الطفل ببعض البرامج والفعاليات في الأندية التي تحرص على الصلاة ، أو ارتباطه بصحبة صالحة أو حلقات تحفيظ القرآن ، فنوفر له بيئة أخرى يكون فيها قدوة بديلة عن الأب كمشرف تربوي مميز يحبه الطفل ويتعلق به فيكون سببا في حرصه علي صلاته.
الرابعة : أن يكون كلاهما لا ينتظم في صلاته كأن يصليا فرضا ويفوتا فرضا أو يجمعا الفروض كلها قبل النوم ، ففي هذا البيت ينشأ الطفل على عدم الحرص على الصلاة بسبب عدم حرص والديه على الصلاة ، إلا أن هذه الحالة أفضل من الحالة التي لا يصلي فيها الوالدان أبدا ، وعلاج هذه المشكلة أن يتدخل طرف خارجي حريص على صلاة الطفل كأن يكون قريب له ، وأذكر أن خالة لطفل تدخلت بمثل هذه الحالة وكانت سببا في حرص أبناء أختها على الصلاة.
الخامسة : أن يكون الوالدان لا يصليان ، وهذه هي من أصعب الحالات التي مرت علي ، فينشأ الطفل غير حريص على الصلاة لأنه لم يشاهد والديه أمامه يصليان ، وأذكر مرة أنا كنا في جلسة بحرية مع شباب صغار فقلت لهم لنصلّ جماعة ، فقال لي أحدهم وعمره 10 سنوات أنا لا أعرف كيف أتوضأ ، فعلمته الوضوء ثم قال : ولا أعرف كيف أصلي كذلك ؟ ، فعلمته الصلاة! ثم علمت أنه تربي في بيت لم يشاهد والديه يصليان ولم يكلمه أحد عن الصلاة ، والغريب أنه بعدما صلى معنا جماعة قال : كنت أتمنى أن أصلي منذ زمن ولكن لم يعلمني أحد ، وظل حريصا على مرافقة أولادنا بعد ذلك.
قال السائل : إن التفرقة بين هذه الحالات الخمس مهمة لأن لكل حالة طريقة وأسلوبا في تحبيب الصلاة للأطفال ، قلت له : نعم وهذا ما قصدته عندما قلت لك هناك سؤال أهم من سؤالك ، ولكن المهم الآن أنت من أي حالة ؟ قال : أنا من الحالة الأولى والحمد لله ، ولكننا نجد معاناة شديدة في متابعة أبنائنا وحرصهم على الصلاة .
قلت له : إن هذه المعاناة طبيعية وستستمر معك لأن الصلاة ثقيلة على الأطفال ، فالطفل يكون في غاية لعبه وفرحه ونحن نقطع عليه أنسه ونقول له تعال نصلّ ، فيقف من أجل الوضوء والصلاة ، ولهذا تلاحظه يتململ وقت الصلاة لأنه يحب اللعب وأن يعيش حرا غير مقيد ، وتلاحظه أحيانا يتحايل عليك ويراوغ من أجل تأجيل الصلاة ، وفي هذه الحالة عليك متابعته وتوجيهه برفق ولين وخاصة إذا كان عمره بين سبع وعشر سنوات ..
واحرص على أن لا تستخدم أسلوب الشرط ، كأن تقول له كلما صليت أعطيتك هدية ، أو أن تلزمه بصلاة السنن مع كل صلاة ، ولا تستخدم أسلوب التهديد فتقول له (إذا لم تصلّ فإن الله سيعذبك بالنار) فيكره ربه ، ولكن استخدم معه أسلوب الإيحاء الإيجابي وهو أنك كلما صليت تقول له (الصلاة تشعرنا بالراحة) ونكرر عليه هذه العبارة ، أو أن نستغل وقت اجتماع العائلة فنصلي جماعة ، ونقول لهم كلمة بعد الصلاة لبيان فضل الصلاة والحرص عليها ، وأذكر أني حضرت حفلة لطفل عمره عشر سنين ، وقد حضر أهله وأصدقاؤه وأحضروا له هدايا وطعاما وبعد الانتهاء من الحفل طلب منه والده أن يصلي بالأطفال إماما تشجيعا له وكان لها أثر كبيرا عليه.
/
/
محبتي