قضية للمناقشة......... المقال منقول
"هل الإقواء خطأ نحوي أم موسيقي؟[1]
اختلَف العلماءُ والباحثون في الإجابة عنِ السؤال السابق، فمِنهم مَن ذهب إلى أنَّ الإقواء خطأٌ نحوي، وقَع فيه الشاعر الذي ارْتكبه في شعره؛ لذلك حَكَموا على النابغة وحسَّان وامرئ القيس وغيرهم مِن فحول الشعراء الجاهليِّين والإسلاميِّين بالوقوع في هذا الخطأ المزْري والشائن، وأنَّ هؤلاء الشعراء كانوا ينطقون قصيدَهم على نمطٍ واحد دون مراعاةٍ لقواعد النحو.
*
ومنهم مَن ذهَب إلى أنَّه من قَبيل الخطأ في موسيقا الشعر، وليس في النحو، بمعنى أنَّ الشاعر لحِرْصه على سلامة الموسيقا في القصيد، كان ينطِق القصيد على مقتضى قواعد النحو، ولا يُبالي الوقوع في الإقواء لاختلافِ حركة الرويِّ بين الرفع والجر.
*
ومِن الذين ذَهبوا المذهب الأول - الإقواء خطأ نحوي - أستاذنا المرحوم الدكتور إبراهيم أنيس، الذي يقول: "لو صحَّتْ مثل هذه الروايات، يجب أن تعدَّ خطأً نحويًّا، لا خطأً شعريًّا، فالشاعر صاحب الأذن الموسيقيَّة، والحريص على موسيقا القافية لا يعقل أن يزلَّ في مِثل هذا الخطأ الواضح الذي يُدركه حتى المبتدِئون في قول الشعر، بله النابغة وأمثاله مِن الشعراء، والذي أُرجِّحه أنَّ النابغة قد نطَق بالبيت:
زَعَمَ البَوَارِحُ أَنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا
وَبِذَاكَ حَدَّثَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدِ
*
وكسر الدال فيه ينسجم مع مِثل هذا النطق مع باقي أبيات القصيدة مِن الناحية الموسيقيَّة، تلك التي يُعنَى بها الشاعِر ويراعيها مراعاةً تامَّة، وبذلك يكون الشاعِر قدْ أخطأ في قواعد النحْو، لا في الموسيقا الشِّعريَّة، وهو ما يُمكن تصوُّره، واحتمال خطأ الشاعِر القديم في قواعد النَّحْو أقرب إلى العَقل مِن احتمال خطئه في أبسطِ قواعد الموسيقا الشعريَّة.
*
وعلى هذا، فما يُسمَّى بالإقواء لا وجودَ له في الشِّعر العربي، قديمه أو حديثه، والواجب أن نبحثَ أمثاله في شِعر القدماء بيْن شواهد النحو[2].
*
وتبِع أستاذنا الدكتور أنيسًا كثيرٌ مِن العلماء والباحثين وذهَب مذهبه، من أولئك الدكتور رمضان عبدالتواب، حيث يقول: "الإقواء في رأي اللُّغويين المحدَثين ليس في الحقيقة مِن الخطأ في الموسيقا، كما يُريد أصحاب العَروض أن يحملونا على هذا الفَهْم، بل هو في الواقِع خطأٌ نحْوي"[3].
*
ولتوضيح ذلك نقول: إنَّ الشاعر يلتزم حركةً معينة في رويِّ القصيدة، فهو يجعل حركةَ الرويِّ متحركة دائمًا في جميع أبيات القصيدة، وهذا شيءٌ لا يمكن أن يتجاهلَه شاعر وُهِب أذنًا موسيقيَّة، ولكنه يمكن أن يغفل عن الإعراب؛ لأنَّه ليس سابقة له، فإذا تصادف وجود كلمة في آخِر البيت يلزم رفعُها لموقعها الإعرابي، ولكن القافية مكسورة مثلاً، فإنَّ الشاعر قد يغفُل عن موقعها الإعرابي، ولكنَّه لا يمكن أن يتجاهَل موسيقا القصيدة وحرَكة الرويِّ[4].
*
ولقد تولَّى الرد عليهما الدكتور محمَّد الطويل فشنَّ عليهما حربًا شعواء، واتَّهمهما بالتجنِّي على الرُّواة واللغويِّين، وعدَّ هذا طعنًا في حفظهم، وشكًّا في ثقافتهم[5].
*
لقد كان الدكتور الطويل مِن أنصار المذهب الثاني - في ردِّه على الأستاذين الفاضلين، حيث رفَض قولهما بأنَّ الإقواء مِن قبيل الخطأ في النحو، وذهَب إلى أنه من قبيل الخطأ في الموسيقا، يقول: "الذي يقْبَله العقل: أنَّ هذه الأبيات التي وقع بها الإقواء أو الإصراف، كانتْ تُقرأ وفق ما يقتضيه النحو فعلاً؛ أي: بها خطأ موسيقي، والشاعِر لسبب أو لآخَرَ لم يحسَّ بذلك، ولكنَّه إذا ذكر عاد إلى خطئِه، وحاول إصلاحَه كما في قصَّة النابغة"[6].
*
وممَّن ذهَب مذهب الدكتور أنيس صديقُنا الدكتور كشك، حيث قدَّم دراسةً طريفة تحت عنوان "الوصل والترخيص في العلامة"، في كتابه "القافية تاج الإيقاع الشعري"[7]، وقد قُمنا بالرد عليه في بحْث منشور في مجلة "عالَم الكتب"[8]، رفضْنا فيه المذهب الأوَّل الذي ذهبَه الدكتور أنيس ومَن تبِعه، كما رفضْنا فيه ما ذهب إليه الدكتور الطويل، ورأينا أنَّ الإقواء ليس عيبًا شعريًّا وليس عيبًا موسيقيًّا، بل لم يكن هناك إقواء قط يُنسَب إلى أيٍّ من الشعراء الذين عيبوا على ذلك، بل كان الأمر مجرَّدَ تَجنٍّ على هؤلاء الفُحول.
*
وسنستعرض بحث الدكتور كشك، مع بيان رأينا في الأمْر مِن خلال بحثنا الذي نشرْناه في "عالَم الكتب":
قدَّم الدكتور كشك دراسةً طريفة تحتَ عنوان "الوصل والترخيص في العلامة"، ويقصد بذلك المصطلح المعروف عروضيًّا بـ"الإقواء"، وذلك حين يخالف الشاعِر عن كلمة في القافية مجرورة وأخرى مرفوعة إعرابيًّا، فالإقواء إذًا، عيبٌ يرتكبه الشاعر: وهو "أن يأتيَ بالضمَّة مع الكسرة، أو - بالكسرة مع الضمَّة، ولا يكادون يأتون إقواءً بالنَّصْب".
*
وخُلاصة رأي المؤلِّف في هذه القضية أنَّ "العيب عيبٌ في منظور النحْوي فقط، أما الشاعِر فسلامة الإيقاع لدَيه هي الأساس الأوَّل"، ويُضيف مؤكدًا رأيه "إنَّ ما ورد عن الإقواء يُنبئ عن أنَّ الشاعر لم يلتفتْ في أبياته إلى وجودِ خطأٍ نحوي، ومعنى ذلك أنَّ الإيقاع كان محفوظًا لا مساسَ به".
*
ولقدِ استشهد المؤلِّف في هذا المقام بأبيات عدَّة، منها دالية النابغة صاحِبة الشهرة الذائعة، التي قال منها:
..............
وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدِ
*
ويعلِّق الدكتور كشك على تلك القصة قائلاً:
"لقد نطق النابغة داليتَه مجرورة، ولم يلتفتْ إلى وجود خطأٍ نحوي؛ لأنَّ نغمة الإيقاع أخذتْه وملكتْ عليه أمرَه، وما أدرك الخطأَ إلا حين عرَض له في ثوبٍ موسيقي، ممثل في غناء القينة له، ومعنى ذلك أنَّه أدرك وقتَها سبيلَ الترخيص النحْوي، وما كان العدول يمثِّل زعمًا كما يرَى الأستاذ الدكتور رمضان عبدالتواب، حيث يقول: "ويزعم الرواةُ أنَّ النابغة قال هذا البيت بضمِّ كلمة الأسود، ولكن المعقول أن يكون كسرها، لينسجمَ الرويُّ في الأبيات"، ويكون بذلك قد أخطأ في قواعِد اللغة؛ بسببِ انشغاله بموسيقا الشِّعر، وأنغام القوافي".
*
وهذا القول مِن جانب المؤلِّف يمثل اتهامًا خطيرًا لفحْل من فُحول العربية الأولى بالجهْل بقواعد اللُّغة، التي هُم أساسها، وكانتْ تجري على ألسنتِهم مجرَى الدم في الجسد، وما احتاج العلماء إلى تقعيدِ اللغة إلا بعدَ الفتوحات، ودخول الأعاجِم في الإسلام، أما أن يقَع رجل مِثل النابغة في ذلك الوقت المبكِّر مِثل هذه الوقعة، فهو ما لا يُمكن أن أصدِّقه.
*
الأقربُ إلى الصواب - في رأيي - أنَّه أخطأ في صناعة القصيدة، حيث استعمل ترخُّصًا قافويًّا ما كان يُدرك أنه يشغل اهتمام الناس إلى هذه الدَّرَجة، بل قل: ما كان يدرك أنه أخطأ إلى حدِّ اهتمام الناس برصْد قينة تردُّه إلى صوابه.
*
ليس الأمر مجرَّدَ ترضية جماعية وزعم رُواة، بل كما قال النابغة نفْسه "دخلت يثرب وفي شِعري صنعة، ثم خرجتُ منها وأنا أشْعَر العرب"، ومن قوله - في مفهومي - أنه دخَل يثرب وفي شِعره خطأ ترْكيبي، وخرَج منها متخلِّصًا منه، مدركًا لأمثاله، وبذلك أصبح أشعرَ العرب، ويلاحظ أنَّه لم يقُلْ بارتكابه خطأ ولم يقلْ: خرجت منها وأنا أعلمُ العرَب؛ لأنَّ العيب لا يتعدَّى مجرد عيب في الصناعة الشعريَّة، أو أنه فعل ذلك وهو لا يُدرك أنَّه خطأ.
السلام عليكم الموضوع رائع بحق يفتح المجال لكثير من التساؤلات حقا
على من يتهمون شعراء جاهليين بالخطأ النحوي او العروضي اقول
انهم ليسوا على خطأ بتاتا والظاهر ان هذه من الضرورات الشعرية التي كانت عندهم
ويمكن تخريج ذلك على النحو الاتي
وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدِ
الغراب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على اخره
الاسودِ : نعت مرفوع محلا مجرور ضرورة لانضباط القافية
....
وهناك شواهد كثيرة في الاقواء لجملة كبيرة من الشعراء على مدى العصور
واتهامهم بالخطأ شيء معيب
حياكم قلبي
السلام عليكم الموضوع رائع بحق يفتح المجال لكثير من التساؤلات حقا
على من يتهمون شعراء جاهليين بالخطأ النحوي او العروضي اقول
انهم ليسوا على خطأ بتاتا والظاهر ان هذه من الضرورات الشعرية التي كانت عندهم
ويمكن تخريج ذلك على النحو الاتي
وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدِ
الغراب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على اخره
الاسودِ : نعت مرفوع محلا مجرور ضرورة لانضباط القافية
....
وهناك شواهد كثيرة في الاقواء لجملة كبيرة من الشعراء على مدى العصور
واتهامهم بالخطأ شيء معيب
حياكم قلبي
شكرا لنقل الموضوع المؤثر والجميل أيها القدير
وإن كان في محصلة الأمر كما مر من جواب النابغة الذبياني أنه خطأ عفوي،
كان لتلافيه أثر وجمال!
ذاك أن العرب القدماء، اعتادوا استنباط قواعد اللغة العربية من ديوانهم الشعري قبل القرآن الكريم.
وعلى هذا؛ نحا معظم النقاد إلى اعتبار حادثة النابغة الشهيرة خطأ وجب اعتباره قاعدة لما بعده؛
انقيادا لمتانة اللغة وجماليتها، والحول دون اللحن فيها، وإن كان يحق للشاعر ما لا يحق لغيره!
إلا في أمور لا بد من التوقف عندها.
شكرا لإثرائنا بهذا الموضوع الجميل
محبتي
شكرا لنقل الموضوع المؤثر والجميل أيها القدير
وإن كان في محصلة الأمر كما مر من جواب النابغة الذبياني أنه خطأ عفوي،
كان لتلافيه أثر وجمال!
ذاك أن العرب القدماء، اعتادوا استنباط قواعد اللغة العربية من ديوانهم الشعري قبل القرآن الكريم.
وعلى هذا؛ نحا معظم النقاد إلى اعتبار حادثة النابغة الشهيرة خطأ وجب اعتباره قاعدة لما بعده؛
انقيادا لمتانة اللغة وجماليتها، والحول دون اللحن فيها، وإن كان يحق للشاعر ما لا يحق لغيره!
إلا في أمور لا بد من التوقف عندها.
شكرا لإثرائنا بهذا الموضوع الجميل
محبتي
الإقواء في الشعر العربي مهما كانت الحجج مرفوض ، و يُعدّ خطأ نحويا لا موسيقيا ...ولا يجوز للشاعر لأنه عيب نحوي فادح لو مال إلى جهة القافية ، و خروجا عن الشعر لو مال إلى جهة النحو.
التوقيع
تـذكّـــــري مَـن لم تُحِـــــبِّيـه = والقلبُ أنتِ دائِــمًا فــيـهِ
ديْن عليكِ سوف يبقَى عالقًا = وليس مِن شيءٍ سيُلغيهِ
العربي حاج صحراوي .