يا بائعَ الصَّبرِ لا تُشفِقْ على الشَّاري
ناصيف اليازجي
يا بائعَ الصَّبرِ لا تُشفِقْ على الشَّاري
فدِرهَمُ الصَّبرِ يَسوَى ألفَ دينارِ
لا شيءَ كالصَّبرِ يَشفي جُرحَ صاحِبهِ
ولا حَوَى مثلَهُ حانوتُ عَطَّارِ
هذا الذي تُخمِدُ الأحزانَ جُرعتُهُ
كبارِدِ الماءِ يُطفي حِدَّةَ النَّارِ
ويَحفظُ القلبَ باقٍ في سلامتهِ
حتى يُبَدَّلَ إعسارٌ بإيسارِ
إن السَّلامةَ كَنزٌ كلُّ خردلةٍ
منهُ تقُوَّمُ مِن مالٍ بقنطارِ
والمالُ يُدعى صديقاً عند حاجتهِ
وقد يكونُ عدُواً داخِلَ الدَّارِ
يا مَن حَزِنتَ لفَقْدِ المالِ إنَّكَ قد
خُلِقتَ عارٍ وما في ذاكَ من عارِ
كما أتى أمسِ ذاكَ المالُ مُكتَسَباً
يأتي غداً من بديعِ اللُّطفِ جَبَّارِ
حوادثُ الدَّهرِ تجري في البلادِ على
مَراتبِ النَّاسِ مقداراً بمقدارِ
إن الرِّياحَ تُصيبُ النَّخلَ تَقصِفُهُ
وليسَ تقصِفُ غُصنَ الشِّيحِ والغارِ
إذا بقي منكَ أدنَى فضلةٍ صَغُرَت
فإنَّها قِطعةٌ من طُورِ أطوارِ
هَبْ أنكَ الشَّمسُ في الأفلاكِ طالعةً
هل تسلمُ الشَّمسُ من كَسفٍ وأكدارِ
والشَّمسُ في برجِها شمسٌ ولو كَسَفَت
فلا يَحُطُّ عُلاها كسفُ أنوارِ
للدَّهرِ يومٌ علينا لا يدومُ كما
يومٌ لنا لم يَدُمْ في حكمهِ الجاري
لا يلبَثُ الغصنُ عُرياناً بلا ثَمرٍ
حتَّى تراهُ بأوراقٍ وأثمارِ
سَيفتَحُ اللهُ باباً ليسَ تعرِفُهُ
ومنهَجاً غيرَ ملحوظٍ بأبصارِ
إذا قطعنا رجاءَ النَّفسِ مِن فَرَجٍ
فإننا قد قطعنا رحمةَ الباري