- عزف أوجاع -
...الخطأ لم يكن في السلم ، لا بل في المقام ؛
سقطوا بالقناع بلا إيقاع ...!!
- عزف أوجاع ــ/
فما معنى العزف؟ فالمتعارف عليه هو الضرب والدق واللعب على آلة موسيقية، فهل يبقى فعل الضرب والدق أو اللعب ثابتا لما قرنت كلمة "العزف"ب "أوجاع" أم خرجت عن معناها الأصلي. فالعزف المراد في هذا العنوان/عزف أوجاع/ تمَّ داخل النفس والروح الممتلئة بأحزان وأوجاع لا ترى ولا تلمس، وإنما لها علامات تظهر على الوجه والمزاج والتفكير والسلوك المضطرب، ما يجعل الحياة في وجه صاحبها لا تساوي شيئا أمامه.
فالعزف هنا لا يمس الفرح والسرور وتنشيط النفس والذات، وإنما هو عزف ينسل من الفواجع والأوجاع والكوابيس الراقصة داخل نفسية الإنسان الحزين الذي سُدّت في وجهه علامات استمرار الحياة في أمن وسلام.
عزف أوجاع لا ينطبق على شخص معين، وإنما يمس أمة أو شعبا بكامل أفراده. وهنا خرج مفهوم اللعب واللهو المنشط للذات والنفس إلى حالة التأزم النفسي، وتكالب الأوجاع المختلفة والمتعددة التي أوقفت كل المعازف الملموسة، وعوضها الزمن بمعازف حساسة لا ترى، لكنها تفهم مما يعانيه الإنسان في حياته...
فما هي الأوجاع المقصودة في العنوان؟عنوان مخاتل في الدلالة، ومشاكس على مستوى التأويل، ومع ذلك فهو يجمع بين التشويق والاستفزاز القارئ كبوابة مغلقة للنص، ربما تبقى دلالاتها كنص مستقل بنفسه.
...الخطأ لم يكن في السلَّم، لا بل في المقام ؛/ جملة سردية سبقتها نقط الحذف التي تدل على كلام محذوف، مما يدفع القارئ إلى توضيحه قبل الدخول إلى عالم هذا النص القصير جدا، ذلك عن طريق أسئلة تبين المعنى الغائب بين النقط الثلاثة. أين يكمن الخطأ؟ هل يكمن في السلم وحده؟ ما هو المقصود بالسلّم؟ هل يقصد السارد السلم الخشبي أو الحديدي الذي يساعدنا إلى الوصول إلى مكان لم نصل إليه نظرا لطول المسافة بين الأسفل والأعلى؟ أم يعني به السلم الاجتماعي، أو الإداري؟ فهل يعني "المقام" الموضع الذي يقف الإنسان على قدميه؟ فهل تعني الكلمة المكانة داخل جماعة من الناس؟ فهل تعني الموقف المهم؟ فهل تدل إلى تقدم الإنسان في عمره؟ فهل تعني الدرجة والمنزلة؟
كل هذه الأسئلة قد تساعد القارئ على فهم المعنى المراد لكلمة "المقام" التي تم توظيفها في الجملة. وقد يستغني عن الدلالات التي لا تنسجم مع مضمون النص.
...الخطأ لم يكن في السلم ، لا بل في المقام/ نتأمل هذه الجملة من ناحية التركيب اللغوي، فالجملة الأولى/...الخطأ لم يكن في السلم،/ تتضمن نفي الخطأ عن السلم، وإثباته للمقام. فكان "حرف "بل" لا يفيد الإضراب والإبطال، وإنما يفيد الاستدراك بمعنى (لكْن): تُقَرِّرُ ما قَبْلها وتُثْبِت خِلافه لما بعدها.
نستنتج من هذا المعنى أن السلم سليم وصالح لكل المواقف، وإنما العيب في "المقام". أي أن السلم قد يكون في متناول كل الناس، ويمكن لكل واحد أن يجتهد بمقدرته العلمية وثقافته ومعرفته أن يرتقي في السلم الإداري والاجتماعي وفق ما له
من مؤهلات مستحقة. المشكل يبقى في "المقام" الذي يصل إليه الشخص، فيكون قد كسَب درجة عالية ومنزلة رفيعة، فيصاب بالأنانية والعجرفة والتكبر، وينحو نحو الاستغلال، مستفيدا من منصبه الأعلى مسخرا إياه للنهب وتكديس الثروات، فيكون قد ساهم في الفساد الإداري والاجتماعي والمالي بعدما تحايل وتلبس بقناع يستر عيوبه..
سقطوا بالقناع بلا إيقاع ...!!/
من هم الذين سقطوا؟ وكيف كان سقوطهم؟ ما معنى السقوط؟ أهو الانحدار من الأعلى إلى الأسفل؟ هل رسبوا في الاختبار؟ هل أزيلوا من مناصبهم؟ هل كانت أقنعتهم لم تكن مُجدِية وفعالة؟ هل تعرضوا لفضيحة ما؟ هل سقطوا دفعة واحدة، أم سقطوا بالتدريج عبر الأيام والسنين؟
ما دام أنهم سقطوا، فقد فشلوا في مهمتهم وعملهم، فهم ليسوا على قدِّ المسؤولية الملقاة على عاتقهم.. فالقناع الذي كان يسترهم ويحافظ عليهم ليبقوا دوما في المقام قد تهرَّأ وانثقب، فانتشرت حقيقة الغش والتدليس والتزوير بين الناس. فماذا فعل هؤلاء الذين وصلوا إلى هذا المقام؟ انسحبوا دون ضجيج ودون أن ينتظروا اعترافا بهم وبعملهم كمواطنين صالحين.. فخسروا كرامتهم ومكانتهم الاجتماعية...وتركوا أوجاعا كثيرة وراءهم. فكان إيقاع حياتهم باردا وهجينا لا يستسيغه أحد،بعدما سقطوا وهم يحملون أقنعتهم المزورة.
فالنص لم يحدد شخصا معينا ولا جماعة معروفة من الناس، ولا أولئك الذين يتقلدون مناصب عليا، فعندما يظهر كذبهم ونفاقهم ، حتما سيكون السقوط والانهيار، وتنجلي الحقيقة للناس وللوطن. وهذه الإشكالية قد تمس المنتخبين من رؤساء ومديرين و...
قصة مشاكسة على مستوى البناء والتركيب، بلغ فيها اختزال دلالات متعددة ومتنوعة المسالك والفجوات، من الصعب القبض عليها بسهولة دون اجتهاد من القارئ. قراءتي لهذه القصة ليست نهائية. أتمنى أن تأخذ قراءات متعددة، فلكل قارئ منهجه وتوجهه المعرفي في التحليل والتأويل.
تحياتي أخي المبدع المتألق عوض بديوي. جميل ما أبدعت وكتبت.