للخَوخِ الناضجِ طَعمُ أبي
كنتُ أُقلّبُ كلَّ ثمارِ الخَوخِ أُميّزُها عن كَثَبِ
كَي أَنتقيَ الأطرى، وأقطّعَها بالسكينِ شرائحَ
تَصلحُ للمضغِ بلا تَعَبِ
وأقدّمَها بينَ يديه،
فيدعو لي أن يُصلحَ ربي الحالَ وأُحرزَ أَرَبي
فتطيرُ الفرحةُ بي
فدعاءُ الوالدِ عندَ الكِبَرِ كمثلِ دعاءِ نَبي
وأفكّرُ: كَمْ للدهرِ شئونٌ يَعجَبُ منها الناظرُ كلَّ العَجَبِ
قد دارَ الزمنُ
وهذا الشيخُ الواهنُ صرتُ أباه
وصارَ كمثلِ صبي
لم يلبثْ حتى عادَ جنينَ الأرضِ،
وعادَ لِدُنيا الغيبِ ولكنْ ظلَّ على النسيانِ أبي
والآنَ جلبتُ الخَوخَ
ولكن لن يَستمتعَ بعدَ الآنِ بِثَغرِ أبي!
محمد حمدي غانم
في الذكرى الثانية لرحيل أبي
أ. حمدي كامل غانم رحمه الله
فجر يوم 15/5/2015
في رثاء صديقي الشاعر الراحل أ. (حاتم يحيى طه)، رحمه الله
\
أنا لا أصدّقُ.. ربما كَذَبوا
دعني، سأمحو كلَّ ما كتبوا
قالوا ذهبتَ بلا وداعٍ
قلتُ لا
ما كانَ يومًا ناسيا أو طبعُه الهَرَبُ!
إن كان يَنوي أن يَموتَ لَقالَ لي
هو بالغُ التهذيبِ حقًّا، كلُّهُ أدبُ
دَمِثٌ خَجولُ القلبِ مثلُ يمامةٍ
مَرِحٌ عَذوبٌ،
كالبلابلِ قولُه طَرَبُ
وبِرَغمِ رقّةِ قولِهِ
فاللفظُ في أشعارِهِ
عُنوانُه الشَّغَبُ
هو (حاتمٌ طه)
كَفَاهُ بشِعرِهِ الحَسَبُ
ومدرّسٌ يَسقي الصغارَ بدرسِهم ما أبدعَ العَرَبُ
***
أنا لا أصدّقُ،
سوفَ أجلسُ في مكانِ لقائنا
أرنو لساعةِ مِعصمي وأظلُّ أرتقبُ
هو صادقٌ
ما كان أخلفَ موعدًا
أو كانَ أَوهَى عزمَه التَّعَبُ
فإذا بدا، أناْ لن أُعاتبَه على ما أرجفوا
فالصَّـفْحُ بينَ الأصدقاءِ نَقيضُه العَتَبُ
جهّزتُ أشعاري لأُسمِعَها له
لي الفخرُ دوما لو بدا في عينِه العَجَبُ
لا تَسْأَلَنْ..
هي غايةُ التلميذِ: للأستاذِ يَقتربُ
حينًا وأسألُه:
أتُسمِعُني جديدا قد كتبتَ؟
يُجيبُني مُتنهّدا:
لا وقتَ عِندي.. كدتُ أكتئبُ
فأقولُ:
يومًا قد ذكرتَ قصيدةً
ما زلتُ أذكرُها شَغوفا.. إنّها ذَهَبُ
فيها (علي بابا) وعُمْرُ الأربعينَ.. كتبتَها؟
فيكادُ يَنتحبُ:
في زحمةِ الدنيا تَتوهُ قصائدي، والشِّعرُ يحتجبُ
فأقولُ:
هَوْنًا، لا عليكَ، إذا طلبتَ فعنديَ الطلبُ
منّي استمعْ لقصيدةٍ
حتى تَفورَ حماسةُ الإبداعِ،
يُذكي نارَكَ اللَّهَبُ
فيُصيخُ لي مُستمتعا
ويقولُ "يا سِيدي"
غَدَا كالطفلِ يَرنو حالمًا،
في عينِه الرَّغَبُ
***
وأُفيقُ مبتسمًا ودمعي قد جرى
وحدي أًُخاطبُ طيفَه والناسُ قد عَجِبوا
أأكونُ مجنونًا أنا؟
حتما سيأتي ها هنا
ما بينَنا حُجُبُ
ويقول لي:
"يا صاحبي
قدرُ الإلهِ على العبادِ مشيئةٌ تَجِبُ"
هل قد مضَِى؟
أنا لا أصدّقُ،
ربما .. أو ربما لا .. إنها سُحُبُ
في غفلةٍ أحلامُنا
تمضي الحياةُ كأنّنا
في جَدِّها لَعِبُ
لكنّني ما زلتُ أجلسُ في مكانِ لقائنا
حتى إذا هوَ قد مَضَى معَ كلِّ مَن ذهبوا
فَلِذكرياتٍ بينَنا
ما زالَ حيا داخلي
ولِضِحْـكِهِ صَخَبُ
***
أنا لا أصدّقُ.. إنّهم كَذَبوا
ما كانَ ماتَ فَعِندَ اللهِ أَحتسبُ
محمد حمدي غانم
23/5/2017
* علي بابا والأربعون عاما المشار إليها هي فكرة قصيدة راودت صديقي الشاعر الراحل حاتم طه منذ خمس سنوات حينما كان على مشارف سن الأربعين وسألته أكثر من مرة إن كان كتبها أم لا، فكانت إجابته كما في القصيدة.. رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته