قراءة في قصيدة لا ترجعي
الجو العام للقصيدة:
قصيدة تقطر عاطفة جياشة ،تصف نفسية امرءٍ خسر حبيبته التي خدعته وانتقلت إلى حب شخصٍ آخر ، فيها من العتاب المرِّ ما يبكي القلوب .وقد نجح الشاعر بشكل إبداعي في استدرار عطف المتلقي.
وهي قصيدة كلاسيكية البناء حداثوية المعاني والتصوير الفني.دعونا نتنقل بين أفياء حروفها :
لا ترجعــي
يــا هــذه قـولي ولا تــدعي العتابــــا
فــالقلب أدمن مــذ تلاقينـــا العذابــــا
بدأ الشاعر قصيدته دون مقدمات وقد دخل إلى الموضوع مباشرة معاتباً ، ومعايراً لها بأن قلبه لم يذق منذ التقيا سوى العذاب .هي قصة خاسرة من بداياتها .
قـد كنت لـي بين الحــروف حكايـــة
تشــدو بهـا الآفــاق وانقلبت سـرابـــا
كان قد سطر قصة حبهما بحروفه متوهماً أنها قصة حب حقيقي ، لكنها انقلبت وهماً "سراباً"
فتــركتِ قلبــا قــــد أحبــك مخلصـــا
وعبرتِ نحو التيــه لم تخشي عقابـــا
قابلت الإخلاص بالخيانة ،وكان التعبير إبداعياً باستخدام عبارة العبور نحو التيه ،وبجرأة أيضاً .
ونســيتِ أنـي مــن وهبتــك خـــافقي
وزرعت فيــك الحـب مؤتلقــا شــبابا
وجعلـت منــك عـروس كل دفــاتري
ووهبتك الدفء الذي غمر الهضابـــا
ورســمت أجمـــل لوحـــة لحكايــــة
مجنونة في العشــق قـد مُلئت رغابـا
وبســطت فيـك البحـر تملـؤه النــــوا
رس مثقـلات بالهوى ســحرا مذابـــا
ونثــرت عمـري فـي هــواك مشــيَّدا
قصــرا منيفـــا يشــتهيك اليــه بـابـــا
أشــعلت فيــه الشـوق شــأن مواقـدي
وجعلتـــه ثوبـــا يبـــادلــك الثيـابـــــا
فخذلتــه ومضى شــــراعك باحثـــــا
في بحر غيري مغرما فهوى وغابــا
في الأبيات أعلاه ،عاد الشاعر إلى العتاب المرّ ، مصوراً خذلانها له .وكانت صوراً إبداعية مؤثرة جداً في نفسية المتلقي ،مما جعلنا نعيش اللحظة معه بحذافيرها .
مـا نلـتِ غيــر اليــاس والدنيـــا التي
ملأت جيوبكِ بالحصى وهوت شهابا
قــد عـــاد ركبـك متعبــــا متراخيــــا
ونزلتِ أرضا لا تشـاطرك المُصابــا
فاليــوم تفترشين أرضــــــــــي علها
تحنـو عليــك فينتــشي مـا كان غابــا
أيعــود مــا ذبَحَـت يمينـك بالجـــوى
أيعــود حبٌ قـد أنخـت بــه العذابـــا
أيطيـب فيـك العيــش قاتلــة الهـــوى
من بعــد جـرح غـائر فقـد الصوابـــا
ثم ينتقل الشاعر لتصوير هيئة عودتها خائبةً ، خالية الوفاض من قصة حب فاشلة .وقد صورها كمن عاد بخفي حنين .وأجمل تصوير هو امتلاء جيوبها بالحصى دلالة على خسارتها الفادحة حين باعته لأجل لاشيء.
لا تفـــرحي فــالقلـب أغلــق بــابــــه
عودي لمن أغـراك وانتزع الثيــــابـا
لا ترجعـي, فلقــد نســـيتُ حكـــايتي
وحدائقا لك في الهوى أضحت يبابــا
لا ترجعي, قــد مـات حبـك في دمي
وصنعتُ نعشــا ما تركت عليـه بابــا
ويختم شاعرنا قصيدته بإغلاق باب التوبة والرجوع أمامها. فجريمة كبرى كالتي اقترفتها ليس لها عقاب أقل من أن يقول لها "لا ترجعي" دليلاً على الرفض .
............................
أتوقع أن تكون هذه القصيدة للأستاذ
محمد ذيب سليمان