فى أراضٍ أجنبية أحتفظ
بجسد الطقوس والأشياء القديمة من مسقط رأسى
سعيداً أطلق سراح طائر صغير
احتفالاً بالربيع.
أنا الآن متحرر للعزاء،
وشاكر للرب العظيم
فعلى الأقل، منحت الحرية فى هذا العالم
وماذا تكون فصول السنين غير أفكار لك تتغير؟ ما الربيع إلا يقظة تشرق فى صدرك، وما الصيف غير شاهد على ما فيك من خصب.. ثم أليس الخريف هو القديم فيك يغنى مهدهداً ما لا يزال طفلاً فى صميم كيانك؟ وهل الشتاء لعمرك إلا إغفاءة حبلى بالأحلام، ترى فيها سائر الفصول الأخرى؟
متى يتحول الإنسان من (بحر) إلى (مستنقع)؟
عندما ينحصر فى ذاته، ولا يحزنه البؤس الإنسانى، ولا تحركه النماذج الثائرة فى التاريخ، حين يتوقف الإنسان عن الحب، يتحول من بحر إلى مستنقع.. يركد ويلوثه الاعتياد اليومى..
أن يحب الإنسان فكرة ما.. أن يعشق نموذجاً من نماذج الحنين البشرى للكمال.. أن يقع الإنسان فى هوى كرامة الحياة والأحياء.. أن يعتبر الإنسان نفسه مسئولا عن هموم أكبر من همومه.. أن يتخلى الإنسان عن ذاته ليصير ذاتاً للآخرين.. أن يكتشف الإنسان معنى ابتسام البشر والحيوان والنبات والجماد..
حين يموت هذا اللون من الحب فى قلوبنا، يتحول الإنسان من (بحر) إلى (مستنقع).. وليس فى المستنقعات لآلئ.. وإن كان فيها معلبات فارغة صدئة.. وبغير لآلئ البحار يموت النبل الداخلى للإنسان..
وحين يموت هذا النبل يموت معنى الإنسان.
الإنسان بدون حب.. إنسان ضائع.. متشرد.. بدون أهل.. بدون سكن.. بدون وطن.. بدون شىء يمت إليه بالقرابة.. بدون شىء يمسك عليه وجوده ويلضم لحظاته بعضها فى بعض.. إنه يتبعثر فى ألف رغبة.. كل رغبة تنتهى إلى ملل.. وكل ملل ينتهى إلى يأس.. إنه يصبح مجرد شهوات حلقها جاف تزداد عظشا كلما ارتوت.. لا شىء يملأ ذراعيه.. ولا شىء يملأ قلبه.. ولا شىء يملأ عينيه.. زائغ.. زائغ.. على الدوام.. إن الجحيم أهون.. إن الموت أهون.. من أن نعيش حياتنا بلا حب..
وأعظم حب هو أن نحب الخالق العظيم الذى خلقنا ونعطى له وجهنا كما تعطى زهرة عباد الشمس وجهها للشمس.
يحيا الإنسان، حتى لو شاءت له الطبيعة أن يموت، عندما يريد أن يحيا.. ويموت الإنسان، حتى لو لم تشأ له الطبيعة أن يموت، عندما يريد أن يموت.
نكون قساة مع الأغيار عندما نكون رحماء بأنفسنا، ونكون رحماء مع الأغيار عندما نكون قساة مع أنفسنا.
أفضل الأصدقاء أصدقاء لم تُلزمنا الأيام لاستجداء عونهم.
الإبداع كالنبوءة، دهليز تيه: من خرج منه لا يجد السبيل إليه، ومن دخله لا يجد السبيل للخروج منه.
البعض يذهبون إلى حد بيع الروح فى سبيل العيش، ولا يدرون أن للعيش يكفى استخدام الجسد.
من شوك هذا الحزن تنبت وردة هذا الأمل.
من لثام الفداء هذا تقدح شرارة الحب للأرض، للإنسان
وإذا محرقة ألف عام، فى سعيرها طير عظيم يغنى
أغنية تملأ الأرض والشمس، والبحار السبعة كلها
لهذا يتضاعف حزنى شتاءً، ليس لأنى أتذكر أكثر، ولكن لأنى أتذكر بشكل أصدق، وبلغة صريحة جارحة، تجعلنى أعترف بنفسى، وبقلبى المتعدد اللغات، حتى لو عاقبنى البرد، والهجير، والوحدة.. كانت النار التى تأتى أحيانا مثل نعيم معكوس، هى التى تحرضنى على انكشافات كهذه، انكشافات الحب الكبير.
ما أعتاها موجات الشوق، أول مرة أجرّب كيف تدغدغ الأرجوحة الجسد حين يهبط من شاهق الحزن لبئر العسل.. وخلسة فاجأنى شعاع الشمس فما عُدت أرى غير الضياء.. لماذا التلكؤ؟ لماذا أهشّ العصفور الاخضر الذى جاء ليطعمنى الحبوب؟ سأعيش.. الحياة ليست فستقة فارغة.. والأشجار حبلى بالثمار.. والمراكب تعبأت بالعطاشى لموج البحار.. وصار للعمر معنى.. سأعيش فى حجر الاحلام الزاهية.. لم تعد الأسفار تشدنى إلى المدن المتناثرة، صارت مدينته محطّ القلب الذى لا يهدأ والحلم الذى لا يبور.
فالإنسان - فى الحقيقة - لا ينتمى إلى زمان أو مكان، إلا بقدر انتمائه لنفسه، فأنت إذا انتميت إلى ذاتك، فلسوف ينتمى إليك الناس، لأنك ستسعى إلى تحقيق هذه الذات من خلالهم، وبالتفاعل معهم، ومن هنا يأتى الانتماء إلى الزمان والمكان.
وحسرة الغنى الذى لا يجد من يأخذ منه أشدّ من حسرة السائل الذى لا يجد أحدا يعطيه.. ألا ليتنى كنت عينا جافة نضب معينها، يلقى فيها الناس بالحجارة.. فلعمرى إن ذلك لأكرم على النفس وأهون من أن أكون منبعا للماء الجياش يمر به الناس فلا يشربون.. ألا ليتنى كنت قصبة تطؤها الأقدام.. فلعمرى إن ذلك لأفضل من أن أكون قيثارة أوتارها من فضة، فى دار ربّها بلا أصابع، وأطفاله صم لا يسمعون.