للرِّيح تتركني.. لإجداب السماءِ!
للبرد يوقف في شراييني دمائي!
للوحشة الشمطاءْ..
للسُّهد.. للاعياءْ!
لمرارة الذِّكرى.. لأحلام اللقاءْ!
للوجد يلسع ناهدي.. كالحيَّة الرقطاءْ!
للدَّمع يفضحني.. وما عرف الحياءْ!
*****
لا.. لا تدعني.. يا حبيبي.. في العراءِ
فالليل يرعبني.. وأنيابُ الشتاءِ
وأنا حبيبتكَِ الضعيفة.. قد أموتُ من الجفاءِ
*****
خذني إليكَ.. فسوف يسقمني نواكْ
وانقذْ رفيقتكَ الوحيدة.. من هلاكْ
وأنا الَّتي أسعى بهدْيِكَ.. أقتفي دوما خطاكْ
أنا ليس لي أحدٌ سواكَ..
وليس لي سندٌ سواكْ
*****
رحماكَ لا ترحلْ.. إذا نادى الرحيلْ
من ذا يروِّي الورد في عبِّ الخميلْ؟!
سيجفُّ وردي لو رحلتْ..
وتجفُّ أعشاب الحقولْ
لا.. لستََ تعني ما تقولْ!
فلسوف لن تبخل عن أرضٍ سيولْ
ما دام فيها سائلٌ يجري..
ويحمي من ذبولْ..
*****
إني أُحسُّ كأنما سُرقتْ ثيابي
عريانةٌ.. والناس حولي في اصطخابِ
كلُّ العيون تلوكني.. وتقوم سرّاً باغتصابي
تالله.. لا تترك لهم هذا الجسدْ!
يتطلعون إليه.. عيناً مِنْ حسدْ
هاتِ اعطني منكَ السِّتارَ..
ودعْ على عنقي التستُّرْ
أنا كلُّ ما صنعتْ يداكْ
لا .. لا تدعْني إنَّني لكَ أنتَ..
لا أحدٍ سواكْ.
*****
***
*
دمشق- 6/3/1972
نبيه محمود السعديّ
أرجو جلالكِ في الهوى.. أن تفهمي ما أقصدُ
أن تعرفي أني غـريقٌ في الهوَى.. يسـتنجدُ
هـذا أنيـنٌ غــائمٌ.. في داخـلِي يتــردَّد إطلاقهُ.. بيديكِ أنتِ.. وليس لي فيـهِ يــد
*****
عفواً.. إذا سـاءتكِ منِّي كلـمة ٌ.. أو مقصدُ
لو قلتُ: راقتْكِ الظُّـنونُ بأنَّ حـبَّكِ معــبدُ
مَنْ زارهُ.. لا بـدَّ يسـجدُ طائعاً.. أو يُطـردُ
وبأنكِ "الهُـبَلُ" الذي لو قالَ كـفراً.. يُعــبدُ
نَذرَ الشَّبابُ لكِ النُّـذورَ.. وقدَّسوكِ.. ومجَّدوا
والحبُّ.. كالكلبِ الذليلِ.. أمام عرشكِ يسـجدُ
نظراته سـيلُ الرَّذاذ.. على حـذائكِ يجـمدُ
*****
عفواً.. إذا سـاءتكِ منِّي كلمة ٌ.. أو مقصـدُ
لو قلت: أوهمكِ التجنِّي أنَّ صـدركِ موقــدُ
يقـتاتُ لحـمَ العاشـقينَ.. ونـارُهُ لا تخمدُ
فيسـيل دفؤهُ في عروقـكِ.. تنتشِي وتعربدُ
وعلى خـدودكِ يَسـتَهِلُّ.. فبالدِّما تتــورَّدُ
فالحـبًُّ نـارٌ.. والحـبيبُ فراشـة ٌ تتبـدَّدُ
*****
عفواً.. إذا سـاءتكِ منِّي كلـمة ٌ.. أو مقصدُ
لو قلتُ: قلبُكِ في الهوى أسطورة ٌ.. لا توجدُ
والحـبُّ عـبدٌ مُسْــترقُّ.. للمـذلَّة يولـدُ
تستعملينهُ كيفَ شــئتِ.. وكيفما يتحــدَّدُ
فقـلادة ٌ.. أو خنجــرٌ بدمِي أنا يتعــمَّدُ
*****
عذراً.. إذا سـاءتكِ منِّي كلمـة ٌ.. أو مقصدُ
فالنرجسيَّة فيكِ أنـــواءٌ.. وغــيمٌ أسودُ
لا.. ليس عندك في الغـرام مقرَّبٌ.. أو مُبعدُ
فجميعهم خدمُ الغــرام.. كما يشاءُ تجدَّدوا
والصبُّ سنبلةٌ بحـقل الحـبِّ.. يوماً تُحصدُ
وعليَّ أن أشـدو بفضلكِ معـلنا.. وأغـرِّد
وأطــرِّزُ الآياتِ راياتٍ لقدســـكِ تـُعقدُ
*****
فالشـكر.. إذ أبقيتِ ما أهــذي بهِ.. وأردِّدُ:
يا ربَّةََ الحـبِّ العظــيم.. أنا كسـيحٌ مُقعدُ
سـبحان قدرتكِ الجليلة.. تسـتجيب.. وتُنجدُ
لولا غرامكِ.. كان جزءاً من عظامِي المَقعدُ!
*****
***
*
القاهرة- 6/6/1974
نبيه محمود السعديّ
مكاشفة
ألقيتها في أمسية شعرية في قاعة محاضرات فندق ويستن هوتيل في مدينة ديترويت في الولايات المتحدة الأمريكية..
يا أيُّها الإخوان.. والأخواتُ..
ما سافرتُ من بلدي القصيَّهْ
إلا وفي صدري لكم منها وصيَّهْ
*****
فقبيلما رفع الرَّحيل شراعهُ..
وصلتْ.. تودِّعني بصمتٍ.. أمَّتي الثكلى
فغصَّتْ.. وانحنتْ..
تخفي على الخدَّينِ دمعاتٍ سخيَّهْ
ثم انطوتْ في حيرةٍ..
وكأنها نسيتْ حروف الأبجديَّهْ!
قالتْ.. وما قالتْ..
ولكنِّي شعرتُ بوجدها.. نارا قويَّهْ..
تجتاحني.. وتصوغ من شوقي.. ومن حبِّي لكم أحلى تحيَّهْ
*****
وقفت تودِّعني ك "لبنانَ" الجريحِ..
جنوبُه! يلتفُّ بالعتبى..
على كلِّ المحافل والجهات العالميَّهْ
أنفاسُها الحرَّى!.. تلامس حرقة "الجولانِ"..
في أفران من وُصفوا بأصحاب القضيَّهْ
مأخوذةًٍ بأزيز نيران "الخليجِ"..
بوقعها الغربيِّ.. تعزفه طبولٌ مشرقيَّهْ
وعلى الخدود.. وجيدها.. بعض الدماءِ
من الجراح المغربيَّهْ
*****
وقفت.. وفي نظراتها إصرار سوريَّا..
وحسرتها على جمع السيوف اليعربيَّهْ
وتطلعتْ نحوي.. وسالتْ دمعة ٌ..
فيها اختصارٌ للشجونِ.. لكلِّ أحزان البريَّهْ!!
*****
يا إخوتي!
في جعبتي من أجفن الأوطان.. أشواقٌ نديَّهْ
تُهدَى إليكمْ.. أيها الأبناء.. من آبائكمْ..
من أمَّهاتٍ.. تحت أقبية الفراق.. تموتُ حيَّهْ
وتظلُّ تحكي عن رسائلكمْ..
متى تاتي إليها من هناك.. على رياحٍ موسميَّهْ؟!
ما زال يشغل ذهنها.. ذاك الفتى..
يسعى إلى المجهول.. محمولا بأجنحة الحميَّهْ
وعتاده للغربة الحرباء.. بعضُ حقيبةٍ..
وعزيمة ٌ.. أجدى وأمضى من رصاص البندقيَّهْ
وتذوب في بحر الظلام ظلالهُ..
لكنَّه يُبقي على شواطئه بقيَّهْ
وتظلُّ تذكر طفلها في مهده الخشبيِّ..
في خطواته الأولى.. ومرحلة الشباب الأوليَّهْ:
"أيَّام كان الشمل مجتمعاً..
أيَّام جمَّعنا الرغيف.. بطيب أنفاس شهيَّهْ"
*****
يا أنتمُ.. يا صرخة الرفض التي دوَّتْ
بآذان الحضارات الدعيَّهْ
يا جذوة الشمم العتيق.. وأهلهِ؛
أهل الشجاعة.. والإرادات القويَّهْ
يا من شققتم في التغرُّب دربكمْ..
بمعاول الإصرار.. بالهمم العليَّهْ
وفديتمُ الوطن المصاب.. إذا دعا
وجملتمُ الأوزار.. بالنفس الرضيَّهْ
*****
لقد اغتربتُ.. وبتُّ أعلم ما اختفى في الغربتينِ..
من الشقاء.. من الهموم المهجريَّهْ
وعددتُ أيام البعاد ثوانياً.. وثوالثاً..
حتى سقطتُ على صدى عدِّي ضحيَّهْ
عانيتُ من شوق الغريب لموطنٍ.. ألماً
يهون لمثله وقع المنيَّهْ
لأمرُّ من ألم التغرُّب والفراق دروبُهُ.. لو أنَّها بقيتْ على القاصي قصيَّهْ
*****
***
*
ديترويت- الولايات المتحدة الأمريكية
10/10/1995
نبيه محمود السعديّ
عاش جدي عمرا ناف عن المئة وعشرة أعوام.. سألته يوما: هل ساورك الندم في يوم من الأيام؟ فأجابني عقب إطراقة صمت طويلة: نعم؛ أندم على كل ساعة نمتها في أيام شبابي!!
يا حبيبي.. لا تنمْ!
لن يدوم الليل إلاّ ساعةً..
بعدها.. يمحو الصباحْ..
وخيوط الفجر.. لذّات الألمْ
*****
وجهك الآخر.. يا هذي الحياةْ..
سوف يأتي جامداً.. مثل الصَّنمْ..
فنعاني من تماديه الرَّهيبْ..
عبثََ التَّكْرار في القلبٍ الكئيبْ
وضياعُ الوقت.. يتلوه الندمْ..
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
كيف لا نمتصُّ ساعاتِ الغرامْ!
مثلما التربةُ تمتصُّ المطرْ!
مثلما الأزهار تمتصُّ الغمامْ..
سوف نفنى.. ونبيدْ..
دون أن يبقى أثرْ
سوف تستهلكنا أعمارنا
فلماذا هي تستهلكنا؟!
نحفظ الجسم.. فيفنيه الزمنْ!
فلماذا نحن لا نحرقهُ!
كيفما شئنا.. بنارٍ وحممْ!!
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
ضرباتُ السَّاعة البلهاء تُدميفيالفؤادْ
إنَّها تحمل فأساً قاطعهْ..
بأكفٍّ بارعهْ
حطِّمِ الجسم بحبٍّ.. وودادْ..
بعناقٍ.. واحتراقٍ.. وسهادْ
لا تدعْ قتلي لأنياب المحنْ!
حين لا بدَّ من الموت.. فقمْ..
واعْطني.. يا قاتلي.. موتاً حسنْ
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
إنَّما النَّائم ميْتٌ.. وحرامٌ أنْ نموتْ
وحرامٌ أنْ تذوقَ الموتَ أجفانُ الشَّبابْ
فشبابانا لإنعاش الهوى..
لا لموتٍ خُلِقا!
دعْ يدي كالطَّير.. تغدو وتؤوبْ..
قبل أنْ تحرقها نارُ الزمنْ!
دعْ فمي في نشوة الخمر يذوبْ
قبل أنْ يَلْحََفَهُ برْدُ الكفنْ!
ضمَّني.. واعصرْ شبابي.. طالما
لم يسِلْ من جوفه.. ذاك الألمْ!
لا تذرْ للجوع في صدري رسوماًَ ودِمَنْ!
ضمَّني.. آهٍ حبيبي ضمَّني!
خيرُ دربٍ.. للفناءْ..
أن يجيءَ الموت من عشقٍ.. وضمْ.
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
فغدا.. يدركنا برْقُ المشيبْ
ذلك المنسابُ في ليل المغيبْ
بعده.. يهمي المطرْ
وخيول العمر يُعييها السَّفرْ..
فيصير الصدر قبراً.. وأمانينا حُفرْ..
لا يواسيها القمرْ
أهِ من أيَّامهِ.. ذاك المشيبْ!
إنَّني أسمعه يأمرني..
باكتفاءٍ وحذرْ..
وبقايا تدَّخرْ
لا تخبِّني لهُ!!
واعْتصرْني.. وأنا غصنٌ رطيبْ
لا تدعْ فيَّ مياهاً.. وثمرْ!
واقذفِ الأحشاء في جوف اللهيبْ!
سوف لا أبقي له غير الرِّممْ..
سوف لن يبقى له إلا الرِّممْ
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
***
*
نبيه السعديّ