♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ ﴾ الآية لمَّا ضرب الله سبحانه المَثل للمشركين بالذُّباب والعنكبوت في كتابه ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله سبحانه فأنزل الله تعالى: ﴿ إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ ﴾ لا يترك ولا يخشى ﴿ أن يضرب مثلًا ﴾ أَنْ يُبيِّنَ شبهًا ﴿ ما بعوضةً ﴾ ما زائدة مؤكِّدة والبعوض: صغار البق الواحدة: بعوضة ﴿ فما فوقها ﴾ يعني: فما هو أكبر منها والمعنى: إنَّ الله تعالى لا يترك ضرب المثل ببعوضةٍ فما فوقها إذا علم أنَّ فِيهِ عبرةُ لمن اعتبر وحجَّةً على مَنْ جحد (واستكبر) ﴿ فأمَّا الذين آمنوا فيعلمون ﴾ أنَّ المثل وقع في حقِّه ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بهذا مثلًا ﴾ أَيْ: أَيُّ شيء أراد الله بهذا من الأمثال؟ والمعنى أنهم يقولون: أَيُّ فائدةٍ في ضرب الله المثل بهذا؟ فأجابهم الله سبحانه فقال ﴿ يضلُّ به كثيرًا ﴾ أَيْ: أراد الله بهذا المثل أن يضلَّ به كثيرًا من الكافرين وذلك أنَّهم يُنكرونه ويُكذِّبونه ﴿ ويهدي به كثيرًا ﴾ من المؤمنين لأنَّهم يعرفونه ويصدِّقونه ﴿ وما يضلُّ به إلاَّ الفاسقين ﴾ الكافرين الخارجين عن طاعته.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ﴾: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ [الْحَجِّ: 73]، وَقَالَ: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ﴾ [العنكبوت: 41]، قالت اليهود: ماذا أَرَادَ اللَّهُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ؟ وَقِيلَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَا نَعْبُدُ إِلَهَا يَذْكُرُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي ﴾، أَيْ: لَا يَتْرُكُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ ﴿ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ﴾؛ أي: يَذْكُرُ شَبَهًا، ﴿ مَا بَعُوضَةً ﴾، مَا: صلة، أي: مثلًا بالبعوضة، وبعوضة: نَصْبُ بَدَلٍ عَنِ الْمَثَلِ، وَالْبَعُوضُ صغار البق، سمّيت بعوضة لأنها بَعْضُ الْبَقِّ، ﴿ فَما فَوْقَها ﴾، يَعْنِي: الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: فَمَا دُونَهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾: بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، ﴿ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ﴾، يَعْنِي: الْمَثَلُ هُوَ ﴿ الْحَقُّ ﴾: الصِّدْقُ مِنْ رَبِّهِمْ، ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ﴾؛ أَيْ: بِهَذَا الْمَثَلِ، فَلَمَّا حَذَفَ الألف واللام نصب عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ﴾ من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فَيَزْدَادُونَ ضَلَالًا، ﴿ وَيَهْدِي بِهِ ﴾، أَيْ: بهذا المثل كَثِيرًا من الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَقِيلَ: هُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هَلَكَ، ﴿ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ﴾: الْكَافِرِينَ، وَأَصْلُ الْفِسْقَ: الْخُرُوجُ، يُقَالُ: فَسَقَتِ الرطبة إذا خرجت عن قِشْرِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [الْكَهْفِ: 50].
_______________
تفسير القرآن الكريم
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/110591/#ixzz4cpFeGsZH
لمزيد من الفائدة
_____________
( حديث نبوي شريف مع ضوء )
الذكي و العاقل هو الذي يختار ما عند الله :
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع))
[أحمد والترمذي عن المستورد بن شداد]
نعيم الدنيا ما هو إلا قطرة من بحر الآخرة
أوضح مثل سافرت إلى الساحل، ركبت قارباً إلى أرواد، غمست أصبعك بماء البحر ورفعته، هذه الأصبع كم حمل من البحر؟ يمكن قطرة واحدة، القطرة هي الدنيا، والبحر هو الآخرة، البحر المتوسط، المحيط الهندي، المحيط الهادي، المتجمد الشمالي، الجنوبي، الأطلسي:
((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع))
بربكم الذي لا يعمل إلا للدنيا فقط، وينسى الآخرة، الذي لا يدخل الآخرة في حساباته إطلاقاً أليس غبياً؟ أليس أحمقاً؟ أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، مرة كنت بمدينة فيها متحف من أندر المتاحف، اطلعت على أكبر ألماسة في العالم، قيل: ثمنها مئة وخمسون مليون دولار، حجمها تقريباً بحجم الجوزة، لو وضعوا لك على الطاولة الألماسة نفسها، وضعوا لك إلى جانب الألماسة كأس كريستال ثمنه ألف ليرة، وإلى جانب الكأس الكريستال وضعوا لك قطرميز بلور أزرق، ثمنه عشرون ليرة، الآن تختار، فأنت أخذت أكبر شيء، منتهى الحمق، منتهى الغباء، منتهى الجهل، والله هذا المثل الصارخ بين ألماسة ثمنها يقدر بمئة وخمسين مليون دولار، بحجم الجوزة، وبين كأس كريستال ثمنها ألف ليرة، وبين وعاء بلوري أزرق ثمنه عشرون ليرة، أنت اخترت أكبر حجم، لذلك من هو الذكي؟ من هو العاقل؟ من هو الموفق؟ الذي يختار ما عند الله.
الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له :
الله عز وجل طمأنك قال تعالى:
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾
[سورة الضحى: 4]
______________
رابط الموضوع لمزيد من الفائدة :https://www.nabulsi.com/blue/ar/art.p...208&sssid=1209
قَالَ الْعَلَّامَة أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بْن عُمَر الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره وَعَلَيْهِ إِطْبَاق الْأَكْثَر , وَنُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَيُعْتَضَد لِهَذَا بِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فِي صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة " الم " السَّجْدَة وَ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان " وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : " الم " وَ " حم " وَ " المص " وَ " ص " فَوَاتِح اِفْتَتَحَ اللَّه بِهَا الْقُرْآن وَكَذَا وَأَمَّا قَوْله " أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ " أَيْ هِيَ مُحْكَمَة فِي لَفْظهَا مُفَصَّلَة فِي مَعْنَاهَا فَهُوَ كَامِل صُورَة وَمَعْنًى ; هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَمَعْنَى قَوْله " مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير " أَيْ مِنْ عِنْد اللَّه الْحَكِيم فِي أَقْوَاله وَأَحْكَامه خَبِير بِعَوَاقِب الْأُمُور.
___________________
*تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير. ولمزيد من الفائدة : https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A...87%D9%88%D8%AF
________________________________
( شيبتني هود وأخواتها ) ما هي أخوات هود من السور ؟
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث روي بأسانيد كثيرة ، وعلى أوجه مختلفة ، مدار هذه الأوجه كلها على أبي إسحاق السبيعي **الراوي الثقة المشهور ، ولكن الوجه الذي رجحه أهل العلم من المحدثين النقاد هو الوجه الآتي :
عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عكرمة ، عن أبي بكر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا السند منقطع ما بين عكرمة وأبي بكر رضي الله عنه ، فيكون الحديث ضعيفا .
ودليل كون هذا الوجه هو سند الحديث الذي روي به ، وأن ما عداه من الأوجه إنما هي أخطاء من الرواة : أن هذا الوجه رواه عن أبي إسحاق السبيعي ثلاثة من الثقات الحفاظ ، وهم :
1- أبو الأحوص سلام بن سليم : كما في سنن سعيد بن منصور (5/370)، ومصنف عبد الرزاق (6/151)
2- زهير بن معاوية : كما في " العلل " للدارقطني (1/204)
3- إسرائيل بن يونس : وإن كان قد اختلف عليه أيضا ، لكن أكثر أصحابه يروون عن إسرائيل حديث أبي إسحاق على هذا الوجه ، ومنهم صاحبه عبد الله بن رجاء ، وهو من المقدمين في إسرائيل ، ولذلك رجح الإمام الدارقطني هذا الوجه عنه ، كما في " العلل " (1/203) فقال : " لم يذكر فيه ابن عباس ، وهو الصواب عن إسرائيل " انتهى.
وأما الأوجه الأخرى التي رويت عن أبي إسحاق السبيعي ، فهي :
إما يرويها بعض الضعفاء أو المتروكين عنه فلا تقبل .
وإما يرويها بعض الثقات ، ولكن روايتهم مرجوحة ، لمخالفتهم من هم أوثق منهم وأكثر عددا، خاصة أن إسرائيل بن يونس كان يقول عن نفسه : كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن . وقال فيه ابن مهدي : إسرائيل في أبى إسحاق أثبت من شعبة والثوري . انظر: " تهذيب التهذيب " (1/263)
جاء في " العلل " (2/110) لابن أبي حاتم رحمه الله :
" سئل أبي عن حديث : أبي إسحاق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شيبك ؟ قال شيبتني هود . الحديث .
متصلا أصح - كما رواه شيبان - أو مرسلا - كما رواه أبو الأحوص - مرسلا .
قال : مرسل أصح " انتهى .
وقال أيضا :
" رواه شيبان ، عن أبي إسحاق ، عن عكرمة ، أن أبا بكر ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أشبههما بالصواب ، والله أعلم " انتهى.
" العلل " (2/134)
وقال الإمام الترمذي رحمه الله :
" سألت محمدا – يعني البخاري - أيهما أصح ؟ فقال : دعني أنظر فيه . ولم يقض فيه بشيء " انتهى.
" العلل الكبير " (2/371)
وقال السخاوي رحمه الله :
" قال الدارقطني - في ذكر علله واختلاف طرقه في أوائل كتاب العلل ونقله حمزة السهمي عنه - أنه قال : طرقه كلها معتلة " انتهى.
" المقاصد الحسنة " (ص/360)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" هذا مرسل صحيح ، إلا أنه موصوف بالاضطراب " انتهى.
" المطالب العالية " (3/342)
وقال أيضا رحمه الله :
" مضطرب ، اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي " انتهى.
" النكت على ابن الصلاح " (2/774
وتابعه السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص/305)
والخلاصة أن الحديث فيه انقطاع ما بين عكرمة وأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فلا يمكن الجزم بصحته وهذه العلة قائمة .
ثانيا :
على فرض تصحيح الحديث وقبوله ، خاصة وأنه يتعلق بالرقائق ، وهذه الأبواب ما زال العلماء يتسَمَّحون في رواية الأحاديث فيها ، والتحديث بها ، والعمل بمقتضاها ، فأخوات سورة هود التي ذكرت في الحديث أنها شيبت النبي صلى الله عليه وسلم هي :
الواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، والتكوير .
هكذا وردت أسماء هذه السور في بعض روايات الحديث التي صححها الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الصحيحة " (رقم/955) وإن كان الأصوب الحكم بضعف الحديث .
وهناك بعض الزيادات في بعض الروايات أيضا :
سئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن المراد بأخوات هود في حديث : ( شيبتني هود وأخواتها ) ؟
فأجاب بقوله :
المراد بهن :
( الواقعة ، والمرسلات ، وعمّ ، والتكوير ) رواه الترمذي والحاكم .
و – زاد - الطبراني : ( والحاقة )
و – زاد - ابن مردويه ( وهل أتاك حديث الغاشية )
و – زاد - ابن سعد ( والقارعة ، وسأل سائل ، واقتربت الساعة ) " انتهى.
" الفتاوى الحديثية " (ص/116)
يقول المناوي رحمه الله :
" ( شيبتني هود ) أي سورة هود ( وأخواتها ) أي وأشباهها من السور التي فيها ذكر أهوال القيامة ، والعذاب .
والهموم والأحزان إذا تقاحمت على الإنسان أسرع إليه الشيب في غير أوانه " انتهى.
" فيض القدير " (4/221)
والله أعلم .
____________________
** https://islamqa.info/ar/146446
قوله تعالى ( ولنبلونكم ) أي ولنختبرنكم يا أمة محمد واللام لجواب القسم تقديره والله لنبلونكم والابتلاء من الله لإظهار المطيع من العاصي لا ليعلم شيئا لم يكن عالما به ( بشيء من الخوف ) قال ابن عباس يعني خوف العدو ( والجوع ) يعني القحط ( ونقص من الأموال ) بالخسران والهلاك ( والأنفس ) يعني بالقتل والموت وقيل بالمرض والشيب ( والثمرات ) يعني الجوائح في الثمار وحكي عن الشافعي أنه قال الخوف خوف الله تعالى والجوع صيام رمضان ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات والأنفس الأمراض والثمرات موت الأولاد لأن ولد الرجل ثمرة قلبه
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا الحسن بن موسى أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي سنان قال دفنت ابني سنانا وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني فقال ألا أبشرك حدثني الضحاك عن عرزب عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته أقبضتم ولد عبدي قالوا نعم قال أقبضتم ثمرة فؤاده قالوا نعم قال فماذا قال عبدي قالوا استرجع وحمدك قال ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد "
( وبشر الصابرين ) على البلايا والرزايا ثم وصفهم فقال
( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله ) عبيدا وملكا ( وإنا إليه راجعون ) في الآخرة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا محاضر بن المورع أخبرنا سعد عن عمر بن كثير بن أفلح [ ص: 170 ] أخبرنا مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مصيبة تصيب عبدا فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها قالت أم سلمة لما توفي أبو سلمة عزم الله لي فقلت اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال سعيد بن جبير : ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام ألا تسمع لقوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام " يا أسفى على يوسف " ( 84 - يوسف )
( أولئك ) أهل هذه الصفة ( عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) صلوات أي رحمة فإن الصلاة من الله الرحمة ورحمة ذكرها الله تأكيدا وجميع الصلوات أي رحمة بعد رحمة ( وأولئك هم المهتدون ) إلى الاسترجاع وقيل إلى الحق والصواب وقيل إلى الجنة والثواب قال عمر رضي الله عنه نعم العدلان ونعمت العلاوة فالعدلان الصلاة والرحمة والعلاوة الهداية .
وقد وردت أخبار في ثواب أهل البلاء وأجر الصابرين منها ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يصب منه " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا عبد الملك بن عمرو أخبرنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " . [ ص: 171 ] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أنا محمد بن عبيد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله لي أن يشفيني قال " إن شئت دعوت الله أن يشفيك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت : بل أصبر ولا حساب علي .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو سعيد خلف بن عبد الرحمن بن أبي نزار أخبرنا أبو منصور العباس بن الفضل النضروي أخبرنا أحمد بن نجدة أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني أخبرنا حماد بن زيد عن عاصم هو ابن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشد الناس بلاء قال الأنبياء والأمثل فالأمثل يبتلي الله الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا ابتلي على قدر ذلك وإن كان في دينه رقة هون عليه فما يزال كذلك حتى يمشي على الأرض وما له من ذنب "
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن عظم الجزاء عند الله مع عظم البلاء فإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط "
أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة " [ ص: 172 ]
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد "
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجب للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر . فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته " .
______________________
تفسير البغوي
الحسين بن مسعود البغوي
دار طيبة
عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
القول في فضل سورة الشرح
__________________________________________________ ____________
{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ }
وهي مكية
يقول تعالى -ممتنًا على رسوله-: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقًا حرجًا، لا يكاد ينقاد لخير، ولا تكاد تجده منبسطًا.
{ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ } أي: ذنبك، { الَّذِي أَنْقَضَ } أي: أثقل { ظَهْرَكَ } كما قال تعالى: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } .
{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته.
وقوله: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى: { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا " .
وتعريف " العسر " في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير " اليسر " يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.
وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر -وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ- فإنه في آخره التيسير ملازم له.
ثم أمر الله رسوله أصلًا، والمؤمنين تبعًا، بشكره والقيام بواجب نعمه، فقال: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } أي: إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء.
{ وَإِلَى رَبِّكَ } وحده { فَارْغَبْ } أي: أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عباداتك .
ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين.
وقد قيل: إن معنى قوله: فإذا فرغت من الصلاة وأكملتها، فانصب في الدعاء، وإلى ربك فارغب في سؤال مطالبك.
واستدل من قال بهذا القول، على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات، والله أعلم بذلك تمت ولله الحمد.
__________________________________
فقد جاء في لباب النقول في أسباب النزول للإمام السيوطي قال: نزلت لما عَيّر المشركون المسلمين بالفقر... وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية: إن مع العسر يسرا... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا، أتاكم البشر، لن يغلب عسر يسرين.
وفي تفسير ابن كثير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي مسألة وددت أني لم أسأله، قلت: قد كان قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح، ومنهم من يحيي الموتى... قال: يا محمد ألم أجدك يتيما فأويتك؟ قلت: بلى يا رب، قال: ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قلت: بلى يا رب، قال: ألم أجدك عائلا فأغنيتك، قلت: بلى يا رب، قال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أرفع لك ذكرك، قلت: بلى يا رب.
وعلى العموم فالسورة مكية باتفاق المفسرين وهي تتحدث عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه الرفيع عند ربه عز وجل، وقد تناولت نعم الله العديدة على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بقصد التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه هو وأصحابه من أذى المشركين في سبيل الدعوة إلى هذا الدين العظيم.
والله أعلم.
____________________
* https://www.imadislam.com/tafsir/094_01.htmمرجع التفسير
** https://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...d&Id=68874مرجع الأحاديث الشريفة
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
{ القول في سورة قريش فضلها وأهميتها }
قوله تعالى : لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف .
اختلف في اللام في " لإيلاف قريش " ، هل هي متعلقة بما قبلها ، وعلى أي معنى . أم متعلقة بما بعدها ، وعلى أي معنى .
فمن قال : متعلقة بما قبلها ، قال متعلقة بجعل في قوله : فجعلهم كعصف مأكول [ 105 \ 5 ] .
وتكون بمعنى لأجل إيلاف قريش يدوم لهم ويبقى تعظيم العرب إياهم ; لأنهم أهل حرم الله ، أو بمعنى إلى أي جعلنا العدو كعصف مأكول ، هزيمة له ونصرة لقريش نعمة عليهم ، إلى نعمة إيلافهم رحلة الشتاء والصيف .
ومن قال : متعلقة بما بعدها ، قال " لإيلاف قريش إيلافهم " الذي ألفوه أي بمثابة التقرير له ، ورتب عليه ، " فليعبدوا رب هذا البيت " . أي أثبته إليهم وحفظه لهم .
وهذا القول الأخير هو اختيار ابن جرير ، ورواه ابن عباس ، ورد جواز القول الأول ; لأنه يلزمه فصل السورتين عن بعض .
وقيل : إنها للتعجب ، أي اعجبوا لإيلاف قريش ، حكاه القرطبي عن الكسائي والأخفش ، والقول الأول لغيره
وروي أيضا عن ابن عباس وغيره ، واستدلوا بقراءة السورتين معا في الصلاة في ركعة قرأ بهما عمر بن الخطاب ، وبأن السورتين في أبي بن كعب متصلتان ، ولا فصل بينهما .
وحكى القرطبي القولين ، ولم يرجح أحدهما ، ولا يبعد اعتبار الوجهين ، لأنه لا يعارض بعضها بعضا .
[ ص: 110 ] وما اعترض به ابن جرير بأنه يلزم عليه اتصال السورتين فليس بلازم ; لأنه إن أراد اتصالهما في المعنى ، فالقرآن كله متصلة سوره معنى .
ألا ترى إلى فاتحة الكتاب وفيها اهدنا الصراط المستقيم [ 1 \ 6 ] ، فجاءت سورة البقرة : ذلك الكتاب لا ريب فيه [ 2 \ 2 ] ، وبعدها ذكر أوصافهم وقال : أولئك على هدى من ربهم [ 2 \ 5 ] ، فأي ارتباط أقوى من هذا ، كأنه يقول : الهدى الذي تطلبونه في هذا الكتاب فهو هدى للمتقين ، وإن أراد اتصالا حسا بعدم البسملة ، فنظيرها سورة براءة مع الأنفال ، ولكن لا حاجة إلى ذلك ; لأن إجماع القراء على إثبات البسملة
بينهما ، اللهم إلا مصحف أبي بن كعب ، وليس في هذين الوجهين وجه أرجح من وجه .
ولذا لم يرجح بينهما أحد من المفسرين ، سوى ابن جرير رحمه الله :
وصحة الوجهين أقوى وأعم في الامتنان وتعداد النعم .
والإيلاف : قيل من التأليف ، إذ كانوا في رحلتيهم يألفون الملوك في الشام واليمن ، أو كانوا هم في أنفسهم مؤلفين ومجمعين ، وهو امتنان عليهم بهذا التجمع والتألف ، ولو سلط عليهم لفرقهم وشتتهم ، وأنشدوا :
أبونا قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
وقيل : من الإلف والتعود ، أي : ألفوا الرحلتين .
فللإبقاء لهم على ما ألفوه .
وقريش قال أبو حيان : علم على القبيلة .
وقيل : أصلها من النقرش ، وهو الاجتماع أو التكسب والجمع .
وقيل : من دابة البحر المسماة بالقرش وهي أخطر حيواناته ، وهو مروي عن ابن عباس في جوابه لمعاوية
وأنشد قول الشاعر :
وقريش هي التي تسكن البحـ ـر بها سميت قريش قريشا
[ ص: 111 ] تأكل الرث والسمين ولا تترك فيها لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا
وقوله تعالى : رحلة الشتاء والصيف ، هو تفسير " لإيلاف " سواء على ما كانوا يؤالفون بين الملوك في تلك الرحلات ، أو ما كانوا يألفونه فيهما .
ومن الأحاديث الشريفة قال مجد الدين الفيروزابادي:
فضل السّورة:
فيه من الأَحاديث الضعيفة: «من قرأها أُعطي من الأَجر عشر حسنات بعدد مَنْ طاف بالكعبة واعتكف بها»، وحديث علي: «يا علي من قرأها فكأَنَّما قرأ ثلث القرآن، وكتب الله له بكلّ آية مائة حسنة».
__________________________
* https://library.islamweb.net/newlibra...no=106&ayano=2
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
{ القول في سورة الفيل وأهميتها وارتباطها بسورة قريش }
هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش ، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل ، الذين كانوا قد عزموا *على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود ، فأبادهم الله ، وأرغم آنافهم ، وخيب سعيهم ، وأضل عملهم ، وردهم بشر خيبة . وكانوا قوما نصارى ، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان . ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ، ولسان حال القدر يقول : لم ننصركم - يا معشر قريش - على الحبشة لخيريتكم عليهم ، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه ، خاتم الأنبياء .
وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب ، قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس - وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا - هو الذي قتل أصحاب الأخدود ، وكانوا نصارى ، وكانوا قريبا من عشرين ألفا ، فلم يفلت منهم إلادوس ذو ثعلبان ، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام - وكان نصرانيا - فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة ; لكونه أقرب إليهم ، فبعث معه أميرين : أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف ، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار ، واستلبوا الملك من حمير ، وهلك ذو نواس غريقا في البحر . واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران : أرياط وأبرهة فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا ، فقال أحدهما للآخر : إنه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا ، ولكن ابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك . فأجابه إلى ذلك فتبارزا - وخلف كل واحد منهما قناة - فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف ، فشرم أنفه وفمه وشق وجهه ، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله ، ورجع أبرهة جريحا ، فداوى جرحه فبرأ ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن . فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ، ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته . فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه ، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف ، وبجراب فيها من تراب اليمن ، وجز ناصيته فأرسلها معه ، ويقول في كتابه : ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه [ ص: 484 ] وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك . فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ، ورضي عنه ، وأقره على عمله . وأرسل أبرهة يقول للنجاشي : إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها . فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء ، عالية الفناء ، مزخرفة الأرجاء . سمتها العرب القليس ; لارتفاعها ; لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها . وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ، ونادى بذلك في مملكته ، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك ، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا ، حتى قصدها بعضهم ، وتوصل إلى أن دخلها ليلا . فأحدث فيها وكر راجعا . فلما رأى السدنة ذلك الحدث ، رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة وقالوا له : إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به ، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة ، وليخربنه حجرا حجرا .
وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا ، وكان يوما فيه هواء شديد فأحرقته ، وسقطت إلى الأرض .
فتأهب أبرهة لذلك ، وصار في جيش كثيف عرمرم ; لئلا يصده أحد عنه ، واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله ، يقال له : محمود ، وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لذلك . ويقال : كان معه أيضا ثمانية أفيال . وقيل : اثنا عشر فيلا . وقيل غيره ، والله أعلم . يعني ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان ، وتوضع في عنق الفيل ، ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة . فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا ، ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت ، ورد من أراده بكيد . فخرج إليه رجل [ كان ] من أشراف أهل اليمن وملوكهم ، يقال له " ذو نفر " فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله ، وما يريد من هدمه وخرابه . فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه ، وأسر " ذو نفر " فاستصحبه معه . ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخشعمي في قومه : شهران وناهس فقاتلوه ، فهزمهم أبرهة ، وأسر نفيل بن حبيب ، فأراد قتله ثم عفا عنه ، واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز . فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم ، الذي عندهم ، الذي يسمونه اللات . فأكرمهم وبعثوا معه " أبا رغال " دليلا . فلما انتهى أبرهة إلى المغمس - وهو قريب من مكة - نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها ، فأخذوه . وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب . وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة ، وكان يقال له : " الأسود بن مفصود " فهجاه بعض العرب - فيما ذكره ابن إسحاق - وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش ، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت . فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم ، وبلغه عن أبرهة ما قال ، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته [ ص: 485 ] وحرمه ، وإن يخلي بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه . فقال له حناطة : فاذهب معي إليه . فذهب معه ، فلما رآه أبرهة أجله ، وكان عبد المطلب رجلا جميلا حسن المنظر ، ونزل أبرهة عن سريره ، وجلس معه على البساط ، وقال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال للترجمان : إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فقال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ؟! فقال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال : ما كان ليمتنع مني ! قال : أنت وذاك .
ويقال : إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت ، فأبى عليهم ، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله ، ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رءوس الجبال ، تخوفا عليهم من معرة الجيش . ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، وقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :
لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ، ثم خرجوا إلى رءوس الجبال .
وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة ، لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق ، فينتقم الله منه .
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله - وكان اسمه محمودا - وعبأ جيشه ، فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بأذنه وقال ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام " . ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل . وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل . وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم ، فأبى ; فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك . وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان .
مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت . وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق هذا . ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز ، ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة ، وجعل نفيل يقول :
[ ص: 486 ]
أين المفر ؟ والإله الطالب والأشرم المغلوب غير الغالب
قال ابن إسحاق : وقال نفيل في ذلك أيضا :
ألا حييت عنا يا ردينا نعمناكم مع الإصباح عينا
ردينة لو رأيت - ولا تريه لدى جنب المحصب - ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا !
وذكر الواقدي بأسانيده أنهم لما تعبئوا لدخول الحرم وهيئوا الفيل ، جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب [ فيها ] فإذا وجهوه إلى الحرم ربض وصاح . وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ، ليقهر الفيل على دخول الحرم . وطال الفصل في ذلك . هذا وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة ، منهم المطعم بن عدي وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومسعود [ بن عمرو ] الثقفي ، على حراء ينظرون إلى ما الحبشة يصنعون ، وماذا يلقون من أمر الفيل ، وهو العجب العجاب . فبينما هم كذلك ، إذ بعث الله عليهم طيرا أبابيل ، أي قطعا قطعا صفرا دون الحمام ، وأرجلها حمر ، ومع كل طائر ثلاث أحجار ، وجاءت فحلقت عليهم ، وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا .
وقال محمد بن كعب : جاءوا بفيلين فأما محمود فربض ، وأما الآخر فشجع فحصب .
وقال وهب بن منبه : كان معهم فيلة ، فأما محمود - وهو فيل الملك - فربض ، ليقتدي به بقية الفيلة ، وكان فيها فيل تشجع فحصب ، فهربت بقية الفيلة .
وقال عطاء بن يسار ، وغيره : ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة ، بل منهم من هلك سريعا ، ومنهم من جعل يتساقط عضوا عضوا وهم هاربون ، وكان أبرهة ممن يتساقط عضوا عضوا ، حتى مات ببلاد خثعم .
قال ابن إسحاق : فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون .
وذكر مقاتل بن سليمان : أن قريشا أصابوا مالا جزيلا من أسلابهم ، وما كان معهم ، وأن عبد المطلب أصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة .
[ ص: 487 ]
وقال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة : أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤي به مرائر الشجر الحرمل ، والحنظل والعشر ، ذلك العام .
وهكذا روي عن عكرمة من طريق جيد .
قال ابن إسحاق : فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة ، لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) [ سورة قريش ] أي : لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه .
قال ابن هشام : الأبابيل الجماعات ، ولم تتكلم العرب بواحدة . قال : وأما السجيل ، فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب . قال : وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج : الحجر ، والجل : الطين . يقول : الحجارة من هذين الجنسين : الحجر والطين . قال : والعصف : ورق الزرع الذي لم يقضب ، واحدته عصفة . انتهى ما ذكره .
وقد قال حماد بن سلمة : عن عاصم ، عن زر عن عبد الله - وأبو سلمة بن عبد الرحمن - : ( طيرا أبابيل ) قال : الفرق .
وقال ابن عباس والضحاك : أبابيل يتبع بعضها بعضا . وقال الحسن البصري وقتادة : الأبابيل : الكثيرة . وقال مجاهد : أبابيل : شتى متتابعة مجتمعة . وقال ابن زيد : الأبابيل : المختلفة ، تأتي من هاهنا ، ومن هاهنا ، أتتهم من كل مكان .
وقال الكسائي : سمعت [ النحويين يقولون : أبول مثل العجول . قال : وقد سمعت ] بعض النحويين يقول : واحد الأبابيل : إبيل .
وقال ابن جرير : [ حدثنا ابن المثنى ] حدثني عبد الأعلى ، حدثني داود عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ; أنه قال في قوله : ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) هي : الأقاطيع ، كالإبل المؤبلة .
[ ص: 488 ]
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس : ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) قال : لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب .
وحدثنا يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : كانت طيرا خضرا خرجت من البحر ، لها رءوس كرءوس السباع .
وحدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير : ( طيرا أبابيل ) قال : هي طير سود بحرية ، في منقارها وأظافيرها الحجارة .
وهذه أسانيد صحيحة .
وقال سعيد بن جبير : كانت طيرا خضرا لها مناقير صفر ، تختلف عليهم .
وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء : كانت الطير الأبابيل مثل التي يقال لها عنقاء مغرب . رواه عنهم ابن أبي حاتم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير ، قال : لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل ، بعث عليهم طيرا أنشئت من البحر ، أمثال الخطاطيف . كل طير منها تحمل ثلاثة أحجار مجزعة : حجرين في رجليه وحجرا في منقاره . قال : فجاءت حتى صفت على رءوسهم ، ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها ، فما يقع حجر على رأس رجل إلا خرج من دبره ، ولا يقع على شيء من جسده إلا وخرج من الجانب الآخر . وبعث الله ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعا .
وقال السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( حجارة من سجيل ) قال : طين في حجارة : " سنك - وكل " وقد قدمنا بيان ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقوله : ( فجعلهم كعصف مأكول ) قال سعيد بن جبير : يعني التبن الذي تسميه العامة : هبورا . وفي رواية عن سعيد : ورق الحنطة . وعنه أيضا : العصف : التبن . والمأكول : القصيل يجز للدواب . وكذلك قال الحسن البصري .
وعن ابن عباس : العصف : القشرة التي على الحبة ، كالغلاف على الحنطة .
وقال ابن زيد : العصف : ورق الزرع ، وورق البقل ، إذا أكلته البهائم فراثته ، فصار درينا .
والمعنى : أن الله ، سبحانه وتعالى ، أهلكهم ودمرهم ، وردهم بكيدهم وغيظهم لم ينالوا خيرا ، وأهلك عامتهم ، ولم يرجع منهم بخير إلا وهو جريح ، كما جرى لملكهم أبرهة ، فإنه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء ، وأخبرهم بها جرى لهم ، ثم مات . فملك بعده ابنه [ ص: 489 ] يكسوم ، ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة ، ثم خرج سيف بن ذي يزن الحميري إلى كسرى فاستغاثه على الحبشة ، فأنفذ معه من جيوشه فقاتلوا معه ، فرد الله إليهم ملكهم ، وما كان في آبائهم من الملك ، وجاءته وفود العرب للتهنئة .
وقد قال محمد بن إسحاق : حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن عائشة قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين ، يستطعمان ورواه الواقدي عن عائشة مثله . ورواه أيضا عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : كانا مقعدين يستطعمان الناس ، عند إساف ونائلة ، حيث يذبح المشركون ذبائحهم .
قلت : كان اسم قائد الفيل : أنيسا .
وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " من طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل بن خالد ، عن عثمان بن المغيرة قصة أصحاب الفيل ، ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن ، وإنما بعث على الجيش رجلا يقال له : شمر بن مفصود ، وكان الجيش عشرين ألفا ، وذكر أن الطير طرقتهم ليلا فأصبحوا صرعى .
وهذا السياق غريب جدا ، وإن كان أبو نعيم قد قواه ورجحه على غيره . والصحيح أن أبرهة الأشرم الحبشي قدم مكة كما دل على ذلك السياقات والأشعار . وهكذا روى ابن لهيعة ، عن الأسود ، عن عروة : أن أبرهة بعث الأسود بن مفصود على كتيبة معهم الفيل ، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه ، والصحيح قدومه ، ولعل ابن مفصود كان على مقدمة الجيش ، والله أعلم .
ثم ذكر ابن إسحاق شيئا من أشعار العرب ، فيما كان من قصة أصحاب الفيل ، فمن ذلك شعر عبد الله بن الزبعري :
تنكلوا عن بطن مكة إنها كانت قديما لا يرام حريمها
لم تخلق الشعرى ليالي حرمت إذ لا عزيز من الأنام يرومها
سائل أمير الجيش عنها ما رأى ؟ فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ستون ألفا لم يؤوبوا أرضهم بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
كانت بها عاد وجرهم قبلهم والله من فوق العباد يقيمها
وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري المري :
[ ص: 490 ]
ومن صنعه يوم فيل الحبو ش ، إذ كل ما بعثوه رزم
محاجنهم تحت أقرابه وقد شرموا أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه مغولا إذا يمموه قفاه كليم
فسول أدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا يلفهم مثل لف القزم
تحث على الصبر أحبارهم وقد ثأجوا كثؤاج الغنم
وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي ، ويروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة :
إن آيات ربنا باقيات ما يماري فيهن إلا الكفور
خلق الليل والنهار فكل مستبين حسابه ، مقدور
ثم يجلو النهار رب رحيم بمهاة شعاعها منشور
حبس الفيل بالمغمس حتى صار يحبو ، كأنه معقور
لازما حلقه الجران كما قطر من ظهر كبكب محدور
حوله من ملوك كندة أبطال ملاويث في الحروب صقور
خلفوه ثم ابذعروا جميعا كلهم عظم ساقه مكسور
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
وقد قدمنا في تفسير " سورة الفتح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أطل يوم الحديبية على الثنية التي تهبط به على قريش ، بركت ناقته ، فزجروها فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء ، أي : حرنت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل " ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون فيها حرمات الله ، إلا أجبتهم إليها " . ثم زجرها فقامت . والحديث من أفراد البخاري .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : " إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب " . آخر تفسير سورة " الفيل " .
___________________________
*
تفسير القرآن / تفسير ابن كثير/ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي / دار طيبة / سنة النشر: 1422هـ / 2002م
عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
{ لطيفةٌ قرآنية.. وكلُّ كلام الله لطيفٌ جميل! }
في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:1]
فقدَّم ذِكرَ الموت على الحياة، مع أننا نَحيا أولًا ثم نَموت!
والسِّرُّ في ذلك -كما نصَّ العلماء-: أن الأصل في الإنسان.. الموتُ لا الحياة، والعدمُ لا الوجود، والفَناءُ لا البقاء!
كما قال تعالى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم:66].
وقال تعالى: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} [الإنسان:1].
فاللهمَّ اجعَل آخرَ عَهدِنا بهذه الدُّنيا؛ مِيتَةً تُرضِيك!
__________________________
(عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نورا ما بين السماء والأرض " انفرد به أحمد )
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) سورة النساء
جاء في معظم التفاسير أنها : نـزلت في عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قَبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة، ودخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان ; فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الآية: فداهُ أبي وأمي! ما سمعته يَتلوها قبل ذلك!
وروى الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. يعني حجابة الكعبة.
وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له فقال: هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر.وعلى هذا، فلا يجوز أخذ مفتاح الكعبة من آل طلحة.
والله تعالى أعلم.
مودتي و محبتي للجميع