(متصفح الكبرياء)
دمعة في يوم عيدك أماه
عيد الأم في الجولان المحتل
عيد الأم, أينما يحل, تفيض فيه مشاعر الحب والوفاء, وتنحني الهامات تقبل تلك الأيدي التي تصنع الحنان, لكن هذا العيد بالنسبة للجولانيين أمهات وأبناء وبنات هو مناسبة لاشتعال الشوق في الحنايا وتفجر المآقي بالألم والدموع, مناسبة يصبح فيها تقبيل أيادي الأمهات أمنيات يحول دونها شريط إسرائيلي شائك يحز الأرض والأيدي والأشواق... ففي21 آذار من كل عام, تضرب الأمهات والبنات والأبناء داخل الجولان وخارجه موعداً مشتركاً فيما بينهم للتوجه نحو الشريط اللعين لإطلاق سيل من النار, نار الدموع الساخنة في المسيل على الخدود المكتوية بحرارة الملح والدمع الحزين, وأيضاً لإطلاق الأشواق المحبوسة بسبب الفراق, اطلاقها عبر التلويح بالأعلام السورية والمناديل البيضاء..
في كل عام يتجه الجولانيون إلى موقع عين التينة أو وادي الدموع وهم يعتقدون بأن الرحلة ستؤدي إلى شيء من السكينة في الروح والاطمئنان في القلب, وأن رؤية القامات والأيدي الملوحة بالمناديل البيضاء وسماع كلمات الحب والأشواق التي تنقلها نسمات الرياح ستخفف من استعار جمر الحنين.. لكن النتيجة غالباً ما تكون معاكسة، إذ يزداد الألم ويتصاعد القلق بسبب خبر غامض أو كلمة طارت دون قصد فتذكر بوحشية الاحتلال وقسوته..
إنها رحلة طويلة فيها آلام إنسانية قاسية ومعاناة مضاعفة تعيشها كل نساء الجولان منذ أربعة عقود، فالمرأة الجولانية تحيا خلف قضبان القهر والاحتلال وتغرق بين آلام الفراق والحرمان وتعيش معاناة متواصلة في ظل واقع احتلالي قائم على التعسف والوحشية والقمع بحق الجولان وأبنائه... احتلال وظلم لم يميز بين امرأة وطفل وشيخ.. وتشارك في كل تفاصيل مسيرة النضال والمقاومة, فهي الأم المعطاء والصامدة والمناضلة والشهيدة والأسيرة خلف القضبان تكابد آلام البعاد عن بيتها وأبنائها وذويها..
واليوم في عيدها لا تزال تلك الأسلاك الشائكة تسرق منها الفرحة والضحكة, فأمهات الاسرى ما زلن ينتظرن بطاقات المعايدة من أبنائهن, والصبايا اللواتي تزوجن من وإلى الجولان ما زلن ينتظرن تلك اللحظة التي تسمح لهن بتقبيل يد ست الحبايب وبمعايدتها والقول لها كل عام وأنت بخير يا أمي..
الأسلاك الشائكة, حقول الألغام, ممارسات العدو الإجرامية, كلها تقف ضد هذا العيد وتمنعه أن يكون مناسبة للتواصل, فالجولان الأسير منذ أربعة عقود كل عام يكتب بطاقة معايدته للأمهات بدماء الشهداء, ووقفات العز للأبطال المقاومين الأسرى خلف القضبان.. في محاولة لإزاحة هذا الكم من المعاناة من قلوب أمهات الجولان اللواتي يعشقن الحرية المقاومة وقد سجلن صفحات مشرقة في السجل النضالي الخالد للمرأة السورية..
هكذا هو عيد الأم في الجولان, مناسبة لاستحضار الشهداء والشهيدات, والأسرى المعتقلين داخل السجون الإسرائيلية, مناسبة لتسليط الضوء على معاناة النساء الممنوعات من السفر لزيارة ذويهن في الوطن الغالي.. ولكن في الوقت نفسه هو تطلع لأمهات لا يعرفن اليأس والخنوع, لأمهات كن وما زلن مدارس في الصمود والبقاء وتربية الأجيال وزرع الأمل في نفوسهم بأن الجولان عائد وأن الاحتلال زائل لا محال..
لهن جميعاً ولكل الأمهات في العالم ألف تحية حب وإجلال.. وكل عام وكل الأمهات بألف خير..