مررت مترحمّة على روحك أيّها الفقيد العزيز أتصفّح ديوانك الذي يكشف رؤيتك ويحمل سماتك وذاتك ولغتك ونبضك وما تركته
من وعيك في مدارات شعرية إبداعية مكثفةبأحاسيس انسانيّة راقية ضّاجّة بمعاني الحب والسفر والرّحيل والغربة والتّحول في الأحوال في حالات انتابك فيها قلق وتوتّر
وان لم يسعغني حظي في أن التقيك هنا وأعرفك فقد كان أدبكم وشعركم ينبئ عنكم وعن شخصيتكم الفذّة المحبّة الطافحة بأرقى وأسمى المشاعر النبيلة الرّقيقة
وقد كان لحديث أحبّتك هنا فيضه ودفقه حتّى تراني قلت فعلا
المرء حديث بعده
وقد وقفت عند قصيدتكم هذه التي نشتّم فيها الموت وقرب الرّحيل
ومعالجة الموت في هذه القصيدة وتمثّلها ومغالبتها واعتبارها لذّة جاءت هنا بطقوسها ومعانيها لتشي بالغياب
لا تحيري واغفري ذنبي إذا طالَ الغيابْ
إنني في كلِّ يوم ٍمُرْسِلٌ روحي إليكْ
فاسْأليها ما الذي يَجْري عليّْ
وقد باعتنا فقيدنا العزيز بصفة تولّد الدّهشة لدى المتلقي ما استأثر بخلدك وأنت تخاطب الحبيبة
ولم تغب اللّغة الرّديفة للموت[اغفري ...الذّنب...الرّوح...مساءلة الرّوع بعد غيابها]
فقد استغرق تكم حالة الوجد فتفجّر وجدانكم بانفعلات لاحصر لها
كمْ تمنـّيْتُ وكمْ
قد دعوْتُ اللهَ كي تأتي إليّْ
لتزيلي بعض آلامي وآثارَ العذابْ
أنا لا أ ُخفي عليكْ
لم تعدْ نفسي مكانا لملام ٍأو عتابْ
ضاعت ِالأحلام مني يومَ ودّعْتُ الشباب
فكأنه صراع مع ذوات ترفرف حولك لأنّها تحيلك على علاقات وقيّم الحب الذي تظهر فيه الحبيبة والزّوجة مقترنة ببعد قيّميّ راق في حياتك
فهي مدعوّة أن تأتي لتزيل بعضا من آلامك وهي المستأمنة على التّخفيف من عذابك
فالحبيبة هنا لم تمثّلها في صور سلبية وانّما منحتها مساحات من الرّقي والرّفعة لتمسح عنك المك وتواسيك
وقد بدا الكلام في آخر المقطع يرنو الى خلجات نفس تتسرّب اليها السّكينة والطّمأنينة وهي لحظة تصل فيها النّفس مآلها ومصيرها ونهايتها راضية مرضيّة
لم تعد نفسي مكانا لملام أو عتاب
ضاعت الأحلام وودّعت الشّبا
فكأنّما ذاتكم تنكفئ في لحظة تطهيريّة
سأعيش الحلمَ أرجو أن تمدّي ساعة َالموت ِيديكْ
وتقولي أنا أهواك َحبيبي
يا حروفا هرَبَتْ من شفتيكْ
كلماتُ الحُبِّ هل ماتتْ لديكْ
هيَ عندي كلُّ شيءٍ في التمنـّي
أطلِقيها كي أغنـّي
فأنا مُذ غبتِ عني
يكبرُ الحلمُ لديّْ
كي تكوني ساعة َالموت ِقريبه
يرتمي رأسي ويغفو بهدوءْ
حالمًا أنك قد أسكنتِهِ في ساعديْكْ
ليكونَ الموتُ أحلى بين َأحضان ِالحبيبه
وتبلغ النّفس معراجها الأخير في هذا المقطع المثقّل بأجمل الأحاسيس وأرقاها
فالنّفس الشّاعرة فيكم محكومة بمكانة وموقع المرأة عندكم وهي عنوان للسّكينة وهي التي خلقها اللّه لتسكن أليها وهي الأقرب أليك في اللّحظات الحرجة
وما توسيعكم هنا لهذا المعنى الدّلالي وأفقه الا اعترافا بالصّيرورة الوجودية للأنسان وعلاقته بالمرأة
وقد كنت مذهلا في تمريرها بلغة ما في أبعادكم النّفسيّة ومناطقها المعتّمة أحيانا والمضيئة أخرى
وينتهي الموت في قصيدتكم بفقدان صورته الدراميّة التي عادة ما نضجّ منها وتتخلّص من صورتها الفجائغيّة
فأنا مُذ غبتِ عني
يكبرُ الحلمُ لديّْ
كي تكوني ساعة َالموت ِقريبه
يرتمي رأسي ويغفو بهدوءْ
حالمًا أنك قد أسكنتِهِ في ساعديْكْ
ليكونَ الموتُ أحلى بين َأحضان ِالحبيبه
ففي هذا المقطع بالذّات تتحوّل الموت عندكم الى مراحل عروج ذاتكم الطّيبة النّقية نحو حقيقتها السّرمديّة [يكبر الحلم لديّ...كي تكوني ساعة الموت قريبة]
فكأنّ احتفاءكم بالحبيبة هو الإحتفاء بالموت
وقد اتجّه الكلام منكم ليبلغ أعلى مراتبه في حوار يتجّه الى حبيبة تسند الرّاس الى ساعديها ليكون الجميل أجمل وأحلى
كي تكوني ساعة َالموت ِقريبه
يرتمي رأسي ويغفو بهدوءْ
حالمًا أنك قد أسكنتِهِ في ساعديْكْ
ليكونَ الموتُ أحلى بين َأحضان ِالحبيبه
هو الموت الجميل والإيمان بحتميته جعلتك تعبر بنا مقامه بطمأنينة وسكينة ....
وكلّ واحد يتمنّى ساعة الموت أن يسنده ساعد رفيق حبيب قريب
وكم فاض دمعي هنا على شقيق موت مغترباغريبا لم يسنده ساعد في وقت نزعه.....
فقيدنا المنّعم هذه تهويمة وقراءة في وجدانكم الرّائع...
هديّة منّي لروحكم الطّاهرة في ذكرى وفاتكم ....
أختمها بالآية الكريمة من ذكره الحكيم في هذا الشّريط
رد الأستاذ عبدالرسول معله
على قصيدة أمنية على ابواب العام الجديد/عواطف عبداللطيف
الأديبة الكبيرة عواطف عبد اللطيف
وعدتك أن أعود برد يليق بهذه الفريدة وطال علي الوقت فخفت أن أوصف بالنكوث فها هو ردي ولكن اعذريني إن إن كان أقل مما تتوقعيه وذلك لجفاف نبعي ونضوب دلوي وها هو قلمي اليتيم الفقير أتاك ببعض ما التقطه من أشجاري الذابلة فعساه يروق لك فهو جهد المقل
تحياتي ومودتي
يا بنتَ بغدادَ هذا الشجْوُ يُضْنيني = ويَسْتفزُّ احتراقاً في شراييني
ليتَ الدموعَ التي في العينِ نخزنُها = تروي قلوباً على بُعْدٍ تناديني
وتسألُ اللهَ صبراً في تغرّبها = كيما تعودَ إلى الأوطان ِفي الحين
عانتْ من الألم ِالفتّاكِ ما عجَزَتْ = عنهُ الرجالُ فنادَتْ مَنْ سَيُشْفيني
وما دَرَتْ أنَّنا في النار ِمن زمنٍ = حَرْقٌ بنار ٍوذبْحٌ بالسَكاكين
وأرْضُنا بيد ِالمُحْتلَّ قد وُضِعَتْ = والحكمُ صارَ لأغراب ٍمَلاعين
حتى الأشقـّاءُ قد ماتتْ شهامتُهم = والجارُ يسعى لثأر ٍكالشياطين
هذي هيَ الحالُ يا روحاً معذّبةً = أنا المعذّب قولي مَنْ يُداويني
أثارت في شجى فتطفل قلمي عليها بهذه الأبيات المتواضعة
يا سائلين عن الأحباب أين همُ = فبعضُهم برصاصِ الغدرِ قد قتلوا
وبعضُهم تحتَ أنقاضٍ مهدّمةٍ = وبعضُهم لتخوم الأرضِ قد رحلوا
وبعضُهم في سجون الحقد قد دفنوا = وبعضهم للقاء الموت قد نزلوا
ودارُنا بغيوم الحقد قد مُطِرَتْ = وأهلُنا كلُّهم ضاقت بهم حيل
مشرّدون وإن كانوا بموطنهم = معذبون بلا سوطٍ وهم همل
دعي التساؤلَ فالأوجاع تسكننا = فكل شرٍّ إلينا بات ينتقل
جلس يهز رجليه بشدة والشرر يتطاير من عيونه
دقات قلبها تتعالى وهي تنظر اليه ترى ما الذي يخبئه وماذا يريد منها بعد أن منحته روحها وحياتها وغفرت له كل زلاته وخياناته .
وبعد طول أنتظار فتح فمه ليصدر أوامره
-عليك بتجميع حاجياتك خلال عشرة دقائق وإلا....
-وإلا ماذا ؟
-وإلا سأرميها في الشارع عليَّ أن أعيش حياتي بعيداً عنك لم أعد بحاجة لك
بيد مرتجفة أسرعت تلملم حاجياتها وعينها ثابتة على عقارب الساعة وهي تحاول أن تخفي قشعريرة تلازمها وتتذكر تفاصيل عمر ضاع وهي تضحي ليكبر.
وقبل أن يصل عقرب الدقائق الى الدقيقة العاشرة كانت في الشارع بكرامتها رغم الأغماء الذي أغلق كل منافذ الوعي لديها بدأت تتنفس.
حالها حال شعبنا ألم يتودد لها الساسة لينتخبهم ليتم اعتلاء العرش
وعندما يجلس السياسي على الكرسي يطلـّق كل الأصوات التي رفعته
أديبتنا الكبيرة أحسنت الصياغة وأبدعت في الطرق على القلوب المتحجرة