(لن تكون ثمة ضرورة لقطع الدومة . ليس ثمة داعٍ لإزالة الضريح . الأمر الذى فات على هؤلاء الناس جميعا، أن المكان يتسع لكل هذه الأشياء ، يتسع للدومة والضريح ، ومكنة الماء ومحطة الباخرة ) .
يحس المتابع للطيب صالح فى رواياته أنه يقف باستمرار عند نقطة التلاصق ، أو نقطة التوتر ، أو نقطة الالتحام والانفصام ، عند لحظة يكون فيها الماضى كأوهى ما يكون ، والمستقبل كأوهى ما يكون ، ذاك يقين كاد يسقط ، وهذا حلم كاد يتحقق ، فى لحظة الملامسة والملابسة يقف الطيب صالح ، هى لحظة لقاء الماضى بالمستقبل ، يتلامسان كما يتلامس طرفا جرح يكاد يلتئم ، هنا فى هذه اللحظة فى هذا المكان يوقفنا الطيب صالح فى وسط المجتمع السودانى ، فى أمكنة متشابهة فى أزمنة متباعدة .
تقرأ رواياته فتحس تلقائيا أنك انزرعت فى قلب قرية سودانية ، تعيش ظروفها ، وتتحرك فى مجاميعها ، وتجد نفسك ببساطة واحدا منهم ، فالطيب صالح يتيح لك فرصة تكوين الموقف ، أو يترك لك جانبا تشكل من خلاله موقفك . إنه يضعك فى الصورة مباشرة ، وبسرعة . .
لقد جسّم الطيب صالح صورة القرية السودانية فى ضمير قراء القصة العربية ، وأنطق فلاحيها ، وأضفى عليهم من الملامح ما جعلهم اليوم شخوصا حية ، تعيش فى مشاعرنا وتكون جزءا من وعى قراء العربية . وعالم الطيب صالح متكامل ، كما أن فنه متكامل . وأبرز ما فى فنه تعدد الجوانب وخصوبة هذا التعدد . فهو متجانس ومتنوع فى آنٍ واحد .وذو أبعاد كثيرة يمكننا أن ندرسها معا متكاملة ، أو ندرسها منفصلة . ويكننا أن ندرس كل أعماله على أنها وحدة واحدة .
(التكملة لمن يرغب فى حلقات قادمة)
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 06-06-2019 في 01:10 AM.