من غير مكان أو زمان ..
فالمباح لا تحدّه أرض ولا سماء..
ولا شجر ولا ماء
ولا حياة ولا فناء
فالزمن يتكرر
والفكر تغيّر
وسبعة وعشرون عاما ً مضوا..
ولو-وهي لا تنفع-عدتُ..
لقسوت على الكلمات أكثر..
فعذراً للزمن العائد مني..
لست أنا !
ما كان ..أصغر
والموت أصبح أكبر.
تســتفُّ مـن أعمارنا صــوراً
ريح الصِبا في الصبِّ ما بَرَدا
هــل كــان يعشقُ حَــدَّه فغــدا
حَــدَّاً فسامَ الـدفء وابتردا؟!
(14)
*******************
محمد عبد الحفيظ القصاب
1993
............
لوحة إبداعية ناطقة لألوان الجمال..
وأيّ جمال هذا الذي تتعدد فيه المعالم، وتنبثق منه العبر وتحلق منه آفاق الفكر في مراحل من التأمل والتدبر بين أعماق النص..
هذه اللوحة لا تكفي لقراءة واحدة لأن بالتكرار عملية اكتشاف لجماليات اللغة وتعددها في عملية الطرح، عدا عن تنويع في الرمزية والدلالات والأبعاد التي تنقل المتلقي من لوحة لأخرى بمفاهيم متعددة، تحمل هوية النص بأكثر من مضمون، وتجعل المتلقي في عملية بحث بين أروقته لاستخراج الكنوز من أعماقه، وهذا ما يرفع من قيمة القصيدة عالياً..
القصيدة تمتلك عناقيد التضاد، مما يضفي لها القوة والمتانة في تراكيبها البنائية، ويدلي ذلك على براعة الشاعر وحسن توظيفه للحرف..
من هذا التضاد:
الحزن، الفرح/ العقل، الجهل/الدفء، ابتردا...
هذا التضاد، قد تكوّن منهما وحدة روحية حسية متكاملة الألوان، تضفي على القصيدة نواع من الدهشة والصور المبهرة، ما يزيد الحلاوة والطلاوة على لسان المتلقي، إضافة إلى لون الاستفهام الذي يبدأ من العنوان/أهنا يباحُ الموت؟/ أهـــنا أقـامت بعد مـا وجـدتْ
وجـدي وهامت شطرها جَلـَدا ؟/
وانتهاء بالقصيدة بقول الشاعر:
/هــل كــان يعشقُ حَــدَّه فغــدا
حَــدَّاً فسامَ الـدفء وابتردا؟!/
هذه الأسئلة جاءت كنوع من فتح باب التفكر والبحث عما وراء هذا الطرح من الاستفهام، كمرحلة يتعلق بها المتلقي، لتفيض عليه عملية البخث عن جوابه، وهذا بحد ذاته نوع من أنواع الذكاء البنائي للتراكيب اللغوية التي تثير الحس الجمالي في القصيدة والتي تعزز روح الانسجام ما بين الشاعر والمتلقي، وهذه هي البراعة والحرفية في التكوين اللغوي ورسم حدود الصور الشعرية التي تغري الذائقة الغنية..
ومما زاد من عملية الجمال أيضاً، بعض الحروف والكلمات التي تتكرر وفق النسق المتكامل للغة المتوهجة التي تدعم أعمدة النص بالثبات والقوة، كتكرار:
/لا/ ستة مرات،
/قد/مرتان،
/أبقى، يبقى/
/أهنا/ مرتان
/حسدٌ، الحسدا/
هذه التكرارات تضفي على القصيدة موسيقى تطرب لها الآذان عند سماعها واللسان عند النطق بهم..
وكذلك نرى كلمات تخرج من حروفها المتشابهة إيقاع موسيقي عذب كقول الشاعر: / وجدتُ، وجدي/ حدّا، حدّه/
فالتكرار للحروف أو الكلمات، تعدّ من الموسيقى الشعرية التي تطرب القلب وتثير العواطف في النفس تعلقاً بها، من خلال النغمات الصادرة من خلفية التكرار الذي يشير لحرفية الشاعر في تراكيبه البنائية، مما يثير دهشة المتلقي..
الشاعر الراقي الكبير
أ.محمد عبد الحفيظ القصاب
نسجتم من الشعر صوراً إبداعية ذات دلالات وأبعاد تشير لقدرتكم في نسيج الحرف وما تخيطون من حرير اللغة على صفحات الشعر الراقي
دمتم ودام الألق منبع الجمال والرقي لقلمكم الرشيق..
دمتم بحفظ الله ورعايته
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية