والزمن القادم يرتدى مسوح الفارس المهزوم.. يمتطى ظهر جواد أثخنته الجراح.. تتدلى من سرجه المهترئ قربتا ماء فارغتين إلا من قطرات الثمالة.. يجرجر على الأرض سيفا صدئا ويشرع أعلاه رمحه المكسور..
الزمن القادم طفل مقرور أدركه المشيب قبل الأوان فلم يعرف الصبا ولم يعش لحظة شباب.. ولد عاريا فتغطى بوريقات أشجار زاوية ولملم أطرافه على الطوى..
الزمن القادم شحاذ يجلس فى دروب المدينة العتيقة يعزف على قيثار خرب مقطوع الأوتار يعزف ألحانا منسية ويردد أغنيات الحب القديمة التى لا تطرب أحدا.
زمن مضى، وزمن آخر لن يأتى..
وبينهما حفرة، لا تلمع فى سقفها النجوم الكاذبة، ولا تنبت فى أرضها الغواية التى لها تويج من نار، ولا تزورها نوارس البحر ذات الأجنحة الموحشة. سأسقط فى الحفرة التى كنت تائها عنها، أنشد الحماية والأمان وأعلن انتمائى لهذا الزمان.
سأسقط سقوطا جميلا، يليق بإنسان يعتنق فلسفة اللهو واللعب. سأسقط وأنا أضحك وأغنى، وأرقص معانقا ظلى.
زمن ثالث هو زمانى.. زمن السقوط والفخاخ والأقنعة والطحالب.. زمن الرعب الجميل، الجميل، الجميل.
قد ترتفعون بخيالكم إلى السحب فيبدو لكم ذلك سمواً، وقد تعبرون البحر العظيم فيترائى لكم ممتداً، ولكنى أقول لكم: عندما تبذرون حبة فى الأرض عندئذ ترتقون المرتفع الأعظم، وعندما تحبون الصباح الجميل مع جيرانكم تكونون قد عبرتم البحر الأوسع
نجوم الدنيا ليسوا نجوم الآخرة.. وكم من نجم فى الدنيا مشى خلف جنازته خمسة ملايين وبكاه الباكون وانتحروا على نعشه ثم هو الآن نكرة لا ذكر له ولا اسم فى أسفل سافلين.. وكم من ناس عاشوا لا يدرى بهم أحد وماتوا لم يمش خلفهم ثلاثة وهم الآن فى الجنة لهم معراج وشفاعة.
كلما احتجنا لاتخاذ قرار مهم، يجب أن ننصت لدوافعنا ومشاعرنا، لأن المنطق يحاول أن يخرجنا من حلمنا قائلا أن الوقت ليس ملائما بعد.. فالمنطق يخاف من الهزيمة، لكن الحدس يتمتع بالحياة وتحدياتها.
حين نكون بالأعلى، يبدو كل شىء صغيرا.. تفقد أمجادنا وأحزاننا أهميتها.. فقد تركنا كل ما ربحناه أو خسرناه بالأسفل.. ومن قمة الجبل، يمكنك أن ترى مدى ضخامة العالم ومدى اتساع الأفق
حماقة الإنسان أحيانا وعظمته، هو فناؤه داخل أسئلة يجرى وراءها، وهى مثل أطراف الأخطبوط تتعدد وتلتف حوله، حتى إذا وصلت امتداداتها إلى عنقه وشعر بها تضغط عليه تذكر كم أن أشياء كثيرة ضاعت فى الفراغات الكبيرة. مع ذلك، تظل جرأته الكبيرة هى قدرته اللامتناهية على تحويل الخوف واليأس إلى حالة رومانسية قصوى من الجنون. لكن الخوف كثيرا ما يجعل منا أناسا آليين نتحرك فى أغلب الأوقات بشكل غرائزى.