احرصى أيتها السماء العليا، على أن أنهى عملى اليومى.. لا تتركينى أتهاوى تعبا.. كلا، ما هى بأحلام فارغة: هذه الأشجار التى هى الآن أعواد، ستمنحنا ذات يوم ثمارا وظلالا.
ذلك أننا عندما نطارد حريتنا غالبا ما نكتشف أننا لا نطارد شيئا سوى أنفسنا، سوى أنبل ما فينا، سوى حقيقتنا.. هذا يجعل الطريدة أبعد منالا من السماء برغم يقيننا بأنها أقرب لنا من حبل الوريد.
أم هى الدمعة الساخنة التى ترتجف مرتعدة داخل برودة الصدر تخشى أن يجمدها التماسك وتثلجها محاولات الصبر تتخذ عافيتها المقاومة لانهيار الدموع.. فتصاب هذه الدمعة بالحمى، تصعد حرارتها حتى سقف الدماغ وتغلى فى الجسد بأسره فتتداعى لها سائر الخلايا بالحمى.. حتى تتمكن من الانفلات والوثوب إلى الجفن.. فتهتز تترنح إثر مقاومة طويلة، وتنزلق من العين ساخنة ملتهبة تفك سطح الثلج المصطنع فينكسر شظايا.
وما كدر صفاء النفوس وأزعج سكونها وقرارها، وسلبها راحتها وهناها مثل عاطفة البغض، ولا أنار صفحتها وجلى ظلماتها مثل عاطفة الحب، فأشقى الناس جميعا المبغضون الذين يضمرون الشر للعالم، فيجزيهم العالم شراً بشر.. وأسعدهم جميعا المحبون الذين يحبون الناس ويمنحونهم ودهم وصفاءهم، فيمنحهم الناس من بنات قلوبهم مثل ما منحوهم.
إن السعادة ينبوع يتفجر فى القلب، لا غيث يهبط من السماء، وإن النفس الكريمة الراضية البريئة من أدران الرذائل وأقذرها، ومطامع الحياة وشهواتها، سعيدة حيثما حلت.. فمن أراد السعادة فلا يسأل عنها المال والنسب، وبين الفضة والذهب، والقصور والبساتين، والأرواح والرياحين، بل يسأل عنها نفسه التى بين جنبيه فهى ينبوع سعادته وهنائه إن شاء، ومصدر شقائه وبلائه إن أراد.
إن معظم الناس أشبه بورقة شجر ساقطة تلف وتدور فى الهواء، ثم ترف وتهوى إلى الأرض، ولكن هناك فئة قليلة أشبه بالنجوم التى تسلك مسارا محددا، فلا رياح تصل إليهم، وفى أنفسهم يستقر المرشد والطريق.
تكسونا الحياة كرداء سحرى لا تبلى خيوطه وتحضننا السماء فنحن فيها مقيمون قبل الحياة وبعد الموت، والجحيم والفردوس فى نفوسنا يتناوبان.. تغزونا الحياة فى الاندحار وفى الانتصار، فنحن أبطالها ونحن ضحاياها سواء أشئنا أم لم نشأ.
الأشياء التى ظننتها حقيقية ثبت أنها ظلال، والحقيقة هى ما ظننتها ظلالا خاصة.. تلك عزلة كريهة لعقل مجنون! الآن أستطيع أن أحيا علنا.. فالحرية ألم من نوع مختلف عن ألم السجن.
كل شىء نبيل يمكن أن يكون اداة سمو وأداة عبث، وإن العبرة أحيانا باليد التى تتناول الأشياء لا الأشياء فى ذاتها، فاليد القذرة قد تلطخ كل نظيف، واليد المطهرة قد تنظف كل قذر