رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} الحجرات يقول - تعالى ذكره - لأهل الإيمان به ( إنما المؤمنون إخوة ) في الدين ( فأصلحوا بين أخويكم ) إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله . ومعنى الأخوين في هذا الموضع : كل مقتتلين من أهل الإيمان ، وبالتثنية قرأ ذلك قراء الأمصار . وذكر عن ابن سيرين أنه قرأ بين إخوانكم بالنون على مذهب الجمع ، وذلك من جهة العربية صحيح ، غير أنه خلاف لما عليه قراء الأمصار ، فلا أحب القراءة بها ( واتقوا الله لعلكم ترحمون ) يقول - تعالى ذكره - : وخافوا الله - أيها الناس - بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل ، وفي غير ذلك من فرائضه ، واجتناب معاصيه ؛ ليرحمكم ربكم ، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه ، واتبعتم أمره ونهيه ، واتقيتموه بطاعته . ... وقد ذهب بعض أهل اللغة، إلى أنّ إخوة جمع الأخ من النسب، وأما الأخ بمعنى الصديق فجمعه إخوان، فجعل الله الإخوة في الإسلام إخوة في النسب، فأعطاها اسمها توكيدا لأمر المحافظة عليها، وإشارة إلى أنهم في الإسلام إخوة، وأن الإسلام ينتمون إليه كما ينتمي الإخوة إلى أبيهم. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس أفضل من تطوع الصيام والصلاة والصدقة .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) قَالَ الترمذي : وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ : ( هِيَ الْحَالِقَةُ . لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ) . رواه أبو داود ( 4273 ) والترمذي ( 2433 ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي . والله تعالى أعلم مودتي و محبتي للجميع
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
( القول في أقصر سورة في القرآن الكريم )
( وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ 62 فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ 63 مُدْهَامَّتَانِ ) سورة الرحمن
أقصر آية في القرآن الكريم بالعدد المدني هي قول الله تبارك وتعالى (مدهامتان) الآية 63 من سورة الرحمن فهي على كلمة واحدة، وفي العدد الكوفي (حم) الآية رقم ا من الحواميم السبعة، لأنها على حرفين....
أما قناعتي أنا العبد لله فهي ( ن ) ؛ فقد رأها أولياء الله وعباده الصالحين بالكشف والفتح أنها من أسماء الله عز وجل ... ومن دعائهم :{ نون يا نون اشرح لي صدري )
اللهم آمين
_________
1-
وَقَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ . مُسْوَادَّتَانِ مِنْ شِدَّة خُضْرَتِهِمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 25659 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } يَقُول : خَضْرَاوَانِ. * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ , وَيُقَال : مُلْتَفَّتَانِ . 25660 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن بِشْر قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ حَارِثَة بْن سُلَيْمَان السُّلَمِيّ , قَالَ : سَمِعْت ابْن الزُّبَيْر وَهُوَ يُفَسِّر هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمِنْبَر , وَهُوَ يَقُول : هَلْ تَدْرُونَ مَا { مُدْهَامَّتَانِ ؟ } خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة هُوَ الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ حَارِثَة بْن سُلَيْمَان , هَكَذَا قَالَ , قَالَ ابْن الزُّبَيْر { مُدْهَامَّتَانِ } خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ حَارِثَة بْن سُلَيْمَان , أَنَّ ابْن الزُّبَيْر قَالَ : { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : هُمَا خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ . * - حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنِ ابْن عَبَّاس { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : خَضْرَاوَانِ . 25661 - حَدَّثَنَا أَبُو كَرِيَبِ , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ . 25662 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ . 25663 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : عَلَاهُمَا الرِّيُّ مِنَ السَّوَاد وَالْخُضْرَة . 25664 - قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : خَضْرَاوَانِ . 25665 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : مُسْوَادَّتَانِ . 25666 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } يَقُول : خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ نَاعِمَتَانِ . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ : إِذَا اشْتَدَّتْ الْخُضْرَة ضَرَبَتْ إِلَى السَّوَاد . 25667 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : نَاعِمَتَانِ . 25668 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ أَبِي سِنَان { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : مُسْوَادَّتَانِ مِنْ الرِّيّ. 25669 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ } قَالَ : جَنَّتَا السَّابِقِينَ , فَقَرَأَ { ذَوَاتَا أَفْنَان } , وَقَرَأَ { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان } , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَاب الْيَمِين فَقَالَ { وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ } فَذَكَرَ فَضْلَهُمَا وَمَا فِيهِمَا , قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } مِنَ الْخُضْرَة مِنْ شِدَّة خُضْرَتهمَا , حَتَّى كَادَتَا تَكُونَانِ سَوْدَاوَيْنِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن الْحَسَن الْأَشْقَر , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن حَبِير , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { مُدْهَامَّتَانِ } قَالَ : خَضْرَاوَانِ .
_2-______________________
{ حـمۤ } * { تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : ( حم ( 1 ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( 2 ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( 3 ) )
اختلف أهل التأويل في معنى قوله ( حم ) فقال بعضهم : هو حروف مقطعة من اسم الله الذي هو الرحمن الرحيم ، وهو الحاء والميم منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي قال : ثنا علي بن الحسن قال : ثني أبي ، عن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : الر ، وحم ، ون ، حروف الرحمن مقطعة .
وقال آخرون : هو قسم أقسمه الله ، وهواسم من أسماء الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : ( حم ) : قسم أقسمه الله ، وهو اسم من أسماء الله .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( حم ) : من حروف أسماء الله .
وقال آخرون : بل هو اسم من أسماء القرآن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( حم ) قال [ ص: 348 ] : اسم من أسماء القرآن . وقال آخرون : هو حروف هجاء .
وقال آخرون : بل هو اسم ، واحتجوا لقولهم ذلك بقول شريح بن أوفى العبسي :
يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حم قبل التقدم
ويقول الكميت :
وجدنا لكم في آل حاميم آية تأولها منا تقي ومعرب
وحدثت عن معمر بن المثنى أنه قال : قال يونس - يعني - الجرمي : ومن قال هذا القول فهو منكر عليه ؛ لأن السورة ( حم ) ساكنة الحروف ، فخرجت مخرج التهجي ، وهذه أسماء سور خرجت متحركات ، وإذا سميت سورة بشيء [ ص: 349 ] من هذه الأحرف المجزومة دخله الإعراب .
والقول في ذلك عندي نظير القول في أخواتها ، وقد بينا ذلك في قوله : ( الم ) ففي ذلك كفاية عن إعادته في هذا الموضع ، إذ كان القول في حم ، وجميع ما جاء في القرآن على هذا الوجه - أعني حروف التهجي - قولا واحدا .
وقوله : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ) يقول الله - تعالى ذكره - : من الله العزيز في انتقامه من أعدائه ، العليم بما يعملون من الأعمال وغيرها تنزيل هذا الكتاب . فالتنزيل مرفوع بقوله : ( من الله ) .
وفي قوله : ( غافر الذنب ) وجهان : أحدهما أن يكون بمعنى يغفر ذنوب العباد ، وإذا أريد هذا المعنى كان خفض " غافر " و " قابل " من وجهين ، أحدهما من نية تكرير " من " فيكون معنى الكلام حينئذ : تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، من غافر الذنب ، وقابل التوب ؛ لأن غافر الذنب نكرة ، وليس بالأفصح أن يكون نعتا للمعرفة ، وهو نكرة . والآخر أن يكون أجرى في إعرابه - وهو نكرة - على إعراب الأول كالنعت له ؛ لوقوعه بينه وبين قوله : ( ذي الطول ) وهو معرفة . وقد يجوز أن يكون أتبع إعرابه - وهو نكرة - إعراب الأول ، إذ كان مدحا ، وكان المدح يتبع إعرابه ما قبله أحيانا ، ويعدل به عن إعراب الأول أحيانا بالنصب والرفع كما قال الشاعر :
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبين معاقد الأزر
[ ص: 350 ] وكما قال - جل ثناؤه - ( وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد ) فرفع " فعال " وهو نكرة محضة ، وأتبع إعراب الغفور الودود . والآخر : أن يكون معناه : أن ذلك من صفته تعالى ، إذ كان لم يزل لذنوب العباد غفورا من قبل نزول هذه الآية وفي حال نزولها ، ومن بعد ذلك ، فيكون عند ذلك معرفة صحيحة ونعتا على الصحة . وقال : ( غافر الذنب ) ولم يقل الذنوب ؛ لأنه أريد به الفعل ، وأما قوله : ( وقابل التوب ) فإن التوب قد يكون جمع توبة ، كما يجمع الدومة دوما والعومة عوما من عومة السفينة ، كما قال الشاعر :
عوم السفين فلما حال دونهم
وقد يكون مصدر تاب يتوب توبا .
وقد حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : جاء رجل إلى عمر فقال : إني قتلت ، فهل لي من توبة ؟ قال : نعم ، اعمل ولا تيأس ، ثم قرأ : ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب ) .
وقوله : ( شديد العقاب ) يقول - تعالى ذكره - : شديد عقابه لمن عاقبه من أهل العصيان له ، فلا تتكلوا على سعة رحمته ، ولكن كونوا منه على حذر ، باجتناب معاصيه ، وأداء فرائضه ، فإنه كما أن لا يؤيس أهل الإجرام والآثام من عفوه ، وقبول توبة من تاب منهم من جرمه ، كذلك لا يؤمنهم من عقابه [ ص: 351 ] وانتقامه منهم بما استحلوا من محارمه ، وركبوا من معاصيه .
وقوله : ( ذي الطول ) يقول : ذي الفضل والنعم المبسوطة على من شاء من خلقه . يقال منه : إن فلانا لذو طول على أصحابه ، إذا كان ذا فضل عليهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( ذي الطول ) يقول : ذي السعة والغنى .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله ( ذي الطول ) الغنى .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ذي الطول ) : أي ذي النعم .
وقال بعضهم : الطول : القدرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد فى قوله ( ذي الطول ) قال : الطول القدرة ، ذاك الطول .
وقوله : ( لا إله إلا هو إليه المصير ) يقول : لا معبود تصلح له العبادة إلا الله العزيز العليم ، الذي صفته ما وصف - جل ثناؤه - فلا تعبدوا شيئا سواه ( إليه المصير ) يقول - تعالى ذكره - : إلى الله مصيركم ومرجعكم - أيها الناس - فإياه فاعبدوا ، فإنه لا ينفعكم شيء عبدتموه عند ذلك سواه .
والله أعلم.
_____________________________
تفسير القرآن
تفسير الطبري
محمد بن جرير الطبري
دار المعارف
عدد الأجزاء: أربعة وعشرون جزءا
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
[ القول في أطول آية في القرآن الكريم ]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، ( سورة البقرة / 282 ) .
قال اله تعالى في بدايتها :-{ يا أيها الذين آمنوا}؛ يخاطب هنا الذين امنو وليس *جميع الناس قوله تعالى: { إذا تداينتم بدين } أي إذا داين بعضكم بعض؛ و «الدين» كل ما رسخ في الذمة من ثمن أجرة، أو بيع، أو قرض، أو دين، أو غير ذلك. قوله تعالى: { إلى أجل مسمى } أي إلى مدة محددة { فاكتبوه } أي ان تكتبوا الدين المؤجل إلى أجله؛ والفاء تأتي رابطة لجواب الشرط في { إذا }. قوله تعالى: { وليكتب } أللام للأمر؛ وجائت ساكنة لوقوعها بعد الواو؛ وهي مسكنة حتى إذا وقعت بعد الواو ؛ و{ بينكم } تعني في قضيتكم؛ و{ كاتب } نكرة يشمل أيّ كاتب؛ { بالعدل } تعني الاستقامة - وهو ضد الجور؛ والمقصود به ما طابق الشرع؛ وهو ما يتعلق بقوله تعالى: {ليكتب}. قوله تعالى: { ولا يأب كاتب أن يكتب }، أي لا يمنع كاتب الكتابة إذا طلب منه ذلك الشيء. قوله تعالى: { كما علمه الله } يمكن أن تكون الكاف للتشبيه في هذا الموضع ؛ فالمعنى حينئذ: أن يكتب كتابة حسب ما يعلم بحيث تكون مستوفية لما يريد أن تكون عليه؛ ويمكن أن تكون الكاف للتعليل في هذا الموضع ؛ فالمعنى: أنه لما اعلمه الله فلعمل على شكر نعمته عليه، ولا يمتنع ويخفف من الكتابة. قوله تعالى: { فليكتب }؛ الفاء تاتي للتفريع: واللام لام الأمر؛ ولكنها سكنت بسبب وقوعها بعد الفاء؛ وموضع: {فليكتب } مما كان قبلها في المعنى فقد قال بعض العلماء: إنها تأتي للتوكيد؛ ؛ فهي تاتي بموضع توكيد معنوي؛ وقيل ايضا : بل هي تأسيس تفيدنا الأمر بالمبادرة إلى الكتابة. قوله تعالى: { وليملل الذي عليه الحق } أي يملي؛ وهما تعدان لغتان فصيحتان؛ فـ «الإملال» و«الإملاء» تأتي بمعنًى واحد؛ فتقول: «أمليت عليه»؛ و«أمللت عليه» وهي لغة عربية فصحى. قوله تعالى: { وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً }؛ عندما أمر الله عز وجل بأن الذي يطلب منه الحق دون غيره طلب منه أمراً، ونهياً؛ الأمر: { وليتق الله ربه } يعني أن يتخذ الوقاية من العذاب من الله تعالى، فيقول الصدق؛ والنهي: { ولا يبخس منه شيئاً } أي لا ينقص لا في كميته، ولا كيفيته. قوله تعالى: { فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً }، أي لا يحسن التصرف؛ { أو ضعيفاً }؛ الضعف تأتي بمعنى ضعف الجسم، وضعف العقل؛ كما تأتي أيضا بمعنى ضعف الجسم لصغره؛ وضعف العقل لجنونه؛ كأن نقول أن يكون الذي عليه الحق صغيراً لم يبلغ؛ أو أن كان كبيراً لكنه مجنون، أو معتوها؛ فهذا لا يملل؛ وإنما يعني أن يملل وليه؛ { أو لا يستطيع أن يمل هو} أي لا يستطيع أن يملي لخرس، أو غير ذلك قوله تعالى: { فليملل }: اللام هنا لام الأمر؛ وسكنت بسبب وقوعها بعد الفاء؛ { وليه } تعني الذي يتولى شؤونه من أب، أو جد، أو غيرهم. قوله تعالى: { بالعدل } تعني إملاءً بالعدل بحيث لا يجور على من له الحق لمحاباة قريبه، ولا يجور على قريبه خوفاً من صاحب الحق؛ بل يجب أن يكون إملاؤه بالعدل؛ وهنا يقصد بالعدل هو الصدق المطابق للواقع؛ فلا يزيد، ولا ينقصمن دون تعديل . قوله تعالى: { واستشهدوا شهيدين من رجالكم }، تعني أن تطلبوا شهيدين من رجالكم. وقوله تعالى: { من رجالكم } الخطاب هنا للمؤمنين. قوله تعالى: { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان }، تعني إن لم يكن الشاهدان رجلين فرجل وامرأتان. وقوله تعالى: { فرجل وامرأتان }: الجملة تأتي هنا جواب الشرط في قوله تعالى: { فإن لم يكونا... }؛ والفاء هنا رابطة للجواب. وقوله تعالى: { فرجل } تعني الذَكَر البالغ؛ و{ امرأتان } أي أنثيان بالغتان ؛ لأن الرجل والمرأة إنما يطلقان هنا على البالغ. قوله تعالى: { ممن ترضون من الشهداء }: تعني الرجل والمرأتان كائنون مما ترضون من الشهداء؛ والخطاب هنا في قوله تعالى: { ترضون } موجه للأمة بأكملها ؛ يعني بحيث يكون الرجل والمرأتان مرضيين عند الناس. قوله تعالى: { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } فيها عديد من القراءات؛ القراءة الأولى بفتح همزة { أنْ }؛ وعلى هذا يجوز قراءتان في قول الله تعالى: { فتذكر }: تخفيف الكاف: { فتذْكِرَ }، وتشديدها. وقوله تعالى: { فتذكر إحداهما الأخرى } تأتي من التذكير؛ وتأتي لتنبيه الإنسان الناسي على ما نسي؛ ومن الغرائب في التفسير أن بعضهم قال: { فتذكر } تأتي بمعنى تجعلها بمنزلة الذَّكَر - لا سيما على قراءة التخفيف. قوله تعالى: { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } تعني أن لا يمتنع الشهداء إذا ما دعوا لتحمل الشهادة. قوله تعالى: { ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله }، تعني أن لا تمَلّوا أن تكتبوا الدَّين صغيراً كان أو كبيراً إلى أجله المسمى. قوله تعالى: { ذلكم } المشار إليه كل ما سبق من الأحكام؛ { أقسط عند الله } أي أقوم، وأعدل؛ { وأقوم للشهادة } تعني أي أقرب إلى إقامتها؛ { وأدنى ألا ترتابوا } أي أقرب إلى انتفاء الريبة عندكم. قوله تعالى: { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم }: التجارة هنا هي كل صفقة يراد بها الربح؛ فتشمل البيع، والشراء، وتشمل ايضا عقود الإجارات؛ ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى الإيمان، والجهاد في سبيله تجارة. وأما قوله تعالى: { حاضرة } فتأتي هنا ضد قوله تعالى: { إذا تداينتم بدين }؛ فالحاضر ما سوى الدَّين. و قوله تعالى: { تديرونها } تعني أي تتعاطونها بينكم بحيث يأخذ هذا سلعته، والآخر يأخذ ايضا الثمن. قوله تعالى: { فليس عليكم جناح }: هنا يأتي المعنى ففي هذه الحال ليس عليكم إثم في عدم كتابتها. قوله تعالى: { وأشهدوا إذا تبايعتم } تعني أن يبيع بعضكم على بعض. قوله تعالى: { ولا يضار كاتب ولا شهيد }؛ مأخوذة هنا من: الإضرار. قوله تعالى: { واتقوا الله } تعني أن يتخذوا الوقاية من عذاب الله؛ وذلك بفعل أوامره، والعمل على اجتناب نواهيه. قوله تعالى : : { والله بكل شيء عليم } هنا تشمل كل ما في السماء، والأرض.
__________________
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها: أدَّى الله عنه، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها: أتلفه الله))
[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]
___________________
* https://mawdoo3.com/%D8%A7%D8%B7%D9%8...B1%D8%A7%D9%86
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )(9) (الجمعة) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر يوم الجمعة : ( من غسل واغتسل ، وبكر وابتكر ، ودنا وأنصت واستمع غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة ، وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مس الحصا فقد لغا ) الراوي: أوس بن أوس الثقفي المحدث: البيهقي – المصدر: السنن الكبرى للبيهقي – الصفحة أو الرقم: 3/227 والله تعالى أعلم خلاصة حكم المحدث: صحيح
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
(25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(28)
...تأملوا ،إخواني وأخواتي الآية 32 وما فيها من تصوير وبلاغة ؛ يالجمال البيان الذي اجتمع فيها ...!!
( لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ) قوله - عز وجل - : ) ( ولو أنما في الأرض من *شجرة أقلام ) الآية . قال المفسرون : نزلت بمكة ، قوله سبحانه وتعالى : " ويسئلونك عن الروح " ، إلى قوله : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " ( الإسراء - 85 ) ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، بلغنا عنك أنك تقول : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : كلا قد عنيت ، قالوا : ألست تتلوا فيما جاءك أنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم " ، قالوا : يا محمد كيف تزعم هذا وأنت تقول : " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " ( البقرة - 269 ) ، فكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير ؟ فأنزل الله هذه الآية .
ولاحظوا إعراب الآية :
قال قتادة : إن المشركين قالوا : إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع ، فنزلت : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) ، أي : بريت أقلاما ( والبحر يمده ) قرأ أبو عمرو ويعقوب : " والبحر " بالنصب عطفا على " ما " ، والباقون بالرفع على الاستئناف ) ( يمده ) أي : يزيده ، وينصب فيه ) ( من بعده ) خلفه ( سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) وفي الآية اختصار تقديره : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفدت كلمات الله . ( إن الله عزيز حكيم ) وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية ، وعلى قول غيره مكية ، وقالوا : إنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة ، والله أعلم .
____________
* تفسير القرآن / تفسير البغوي /الحسين بن مسعود البغوي / دار طيبة /سنة النشر613 هـ /رقم الطبعة الأولى / الجزء السادس
عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل* الأحوال، وأنهم { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك { تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا } أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود.
{ يَبْتَغُونَ } بتلك العبادة { فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه.
{ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ } أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت [بالجلال] ظواهرهم.
{ ذَلِكَ } المذكور { مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.
وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ } أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.
{ فَاسْتَغْلَظَ } ذلك الزرع أي: قوي وغلظ { فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ } جمع ساق، { يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ } من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهم، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال.
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } فالصحابة رضي الله عنهم، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع الله لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة.
ولنسق قصة الحديبية بطولها، كما ساقها الإمام شمس الدين ابن القيم في { الهدي النبوي } فإن فيها إعانة على فهم هذه السورة، وتكلم على معانيها وأسرارها، قال -رحمه الله تعالى:-
فصل في قصة الحديبية
قال نافع: كانت سنة ست في ذي القعدة، وهذا هو الصحيح، وهو قول الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق وغيرهم.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في رمضان، وكانت في شوال، وهذا وهم، وإنما كانت غزاة الفتح في رمضان. قال أبو الأسود عن عروة: إنها كانت في ذي القعدة على الصواب.
وفي الصحيحين عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، فذكر منهن عمرة الحديبية، وكان معه ألف وخمسمائة، هكذا في الصحيحين عن جابر، وعنه فيهما: كانوا ألفا وأربعمائة، وفيهما، عن عبد الله بن أبي أوفى: كنا ألفا وثلاثمائة، قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: كم كان الجماعة الذين شهدوا بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة، قال: قلت: فإن جابر بن عبد الله قال: كانوا أربع عشرة مائة، قال: يرحمه الله وهم، وهو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة، قلت: وقد صح عن جابر القولان، وصح عنه أنهم نحروا عام الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، فقيل له: كم كنتم؟ قال: ألفا وأربعمائة، بخيلنا ورجلنا، يعني: فارسهم وراجلهم.
والقلب إلى هذا أميل، وهو قول البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع، في أصح الروايتين، وقول المسيب بن حزن، قال شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربعمائة، وغلط غلطا بينا من قال: كانوا سبعمائة، وعذره أنهم نحروا يومئذ سبعين بدنة، والبدنة قد جاء إجزاؤها عن سبعة أو عشرة، وهذا لا يدل على ما قاله هذا القائل، فإنه قد صرح بأن البدنة كانت في هذه الغزوة عن سبعة، فلو كانت السبعون عن جميعهم، لكانوا أربعمائة وتسعين رجلا، وقد قال بتمام الحديث بعينه، أنهم كانوا ألفا وأربعمائة.
فصل
فلما كانوا بذي الحليفة، قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث عينا له بين يديه من خزاعة، يخبره عن قريش، حتى إذا كانوا قريبا من عسفان، أتاه عينه، فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي، قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت.
واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا تكن عنقا قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت؟ فمن صدنا عنه قاتلناه؟ قال أبو بكر: الله ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فروحوا إذا" فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش، فخذوا ذات اليمين" ، فوالله ما شعر بهم خالد، حتى إذا هو بغبرة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش.
وسار النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل" ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتموها" ثم زجرها، فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية، على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث الناس أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش.
فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوها فيه، قال: فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنها، وفزعت قريش لنزوله عليهم، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم، فقال: يا رسول الله، ليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي، إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، فأرسله إلى قريش، وقال: "أخبرهم أنا لم نأت لقتال، إنما جئنا عمارا، وادعهم إلى الإسلام"
وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان، فانطلق عثمان، فمر على قريش ببلدح، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ونخبركم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا، قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك.
وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص، فرحب به، وأسرج فرسه، فحمل عثمان على الفرس، فأجاره، وأردفه أبان حتى جاء مكة، وقال المسلمون قبل أن يرجع عثمان: خلص عثمان قبلنا إلى البيت وطاف به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون" فقالوا: وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص؟ قال: "ذاك ظني به، أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه" واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح، فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر، وكانت معركة، وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما، وارتهن كل واحد من الفريقين بمن فيهم، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل، فدعا إلى البيعة.
فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه، وقال: "هذه عن عثمان" ولما تمت البيعة، رجع عثمان، فقال له المسلمون: اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت، فقال: بئسما ظننتم بي، والذي نفسي بيده، لو مكثت بها سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، مقيم بالحديبية، ما طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت، فقال المسلمون: رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أعلمنا بالله، وأحسننا ظنا.
وكان عمر أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة تحت الشجرة، فبايعه المسلمون كلهم إلا الجد ابن قيس، وكان معقل بن يسار، أخذ بغصنها يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول من بايعه، أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات، في أول الناس، وأوسطهم، وآخرهم.
فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي، في نفر من خزاعة، وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا أماددهم ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن أبوا إلا القتال، فوالذي نفسي بيده، لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره" قال بديل: سأبلغهم ما تقول.
فانطلق حتى أتى قريشا، فقال: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولا، فإن شئتم عرضته عليكم، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي: منهم: هات ما سمعته، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فقال عروة بن مسعود الثقفي: إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، فاقبلوها، ودعوني آته، فقالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلمه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل، فقال له عروة عند ذلك: أي: محمد، أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوها، وأرى أوباشا من الناس، خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ قال: من ذا؟ قال: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك.
وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف، وعليه المغفر فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه، وقال: من ذا؟ قال: المغيرة بن شعبة، فقال: أي: غدر، أولست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء"
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله إن تنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة، إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها جلده ووجهه.
وإذا أمرهم ابتدروا إلى أمره، وإذا توضأ، كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم، خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر، تعظيما له.
فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على كسرى، وقيصر، والنجاشي، والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه، ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم، خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته.
فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له" فبعثوها فاستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك، قال: سبحان الله، لا ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت.
فرجع إلى أصحابه، فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، وما أرى أن يصدوا عن البيت فقام مكرز بن حفص، وقال: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا مكرز بن حفص، وهو رجل فاجر" فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يكلمه، إذ جاء سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد سهل لكم من أمركم" فقال: هات، اكتب بيننا وبينك كتابا، فدعا الكاتب، فقال: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما ندري ما هو، ولكن اكتب: "باسمك اللهم" كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم"
ثم قال: "اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " فقال سهيل: فوالله لو نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني رسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به" فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب.
فقال سهيل: على أن لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك، إلا رددته علينا.
فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟
فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما قاضيتك عليه، أن ترده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد" فقال: فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي" فقال: ما أنا بمجيزه، فقال: "بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: قد أجزناه.
فقال أبو جندل: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب في الله عذابا شديدا.
قال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ألست نبي الله؟ قال: "بلى" قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى" فقلت: علام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا؟ فقال: "إني رسول الله، وهو ناصري، ولست أعصيه" قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قلت: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به"
قال: فأتيت أبا بكر، فقلت له كما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه أبو بكر كما رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء، وزاد: فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق، قال عمر: فعملت لذلك أعمالا.
فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا وانحروا، ثم احلقوا" فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلق لك، فقام فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءت نسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل: { إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } حتى بلغ { بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع إلى المدينة.
وفي مرجعه أنزل الله عليه: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } إلى آخرها، فقال عمر: أفتح هو يا رسول الله؟ فقال: "نعم" فقال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، فما لنا؟
فأنزل الله عز وجل: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ }
الآية. انتهى.
وهذا آخر تفسير سورة الفتح ولله الحمد والمنة
[وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، نقلته من خط المفسر رحمه الله وعفا عنه، وكان الفراغ من كتابته في 13 ذي الحجة 1345 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين آمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
* بقلم الفقير إلى ربه سليمان بن حمد العبد الله البسام. غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات]
المجلد الثامن من تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان من به الله على عبده وابن عبده وابن أمته عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن سعدي
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
[ جماليات تقرير القواعد الإلهية ]
"لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ "الحديد (23)
وأخبر الله عباده بذلك, لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم, ويبنوا *
عليها ما أصابهم من الخير والشر. فلا يأسوا ويحزنوا, على ما
فاتهم, مما طمحت له أنفسهم, وتشوفوا إليه, لعلمهم أن ذلك مكتوب
في اللوح المحفوظ, لا بد من نفوذه ووقوعه, فلا سبيل إلى دفعه.
ولا يفرحوا بما آتاهم الله, فرح بطر وأشر, لعلمهم أنهم ما أدركوه
بحولهم وقوتهم, وإنما أدركوه بفضل الله ومنه, فيشتغلوا بشكر من
أولى النعم, ودفع النقم, ولهذا قال: " وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " أي: متكبر فظ, معجب بنفسه, فخور بنعم
الله, ينسبها إلى نفسه, وتطغيه وتلهيه كما قال تعالى: " ثُمَّ
إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ
عَلَى عِلْمٍ "
تفسير القرطبي
قوله تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض" قال مقاتل: القحط وقلة النبات والثمار. وقيل: الجوائح في الزرع. "ولا في أنفسكم" بالأوصاب والأسقام، قال قتادة. وقيل: إقامة الحدود، قال ابن حيان. وقيل: ضيق المعاش، وهذا معنى رواه ابن جريج. "إلا في كتاب" يعني في اللوح المحفوظ. "من قبل أن نبرأها" الضمير في "نبرأها" عائد على النفوس أو الأرض أو المصائب أو الجميع. وقال ابن عباس: من قبل أن يخلق المصيبة. وقال سعيد بن جبير: من قبل أن يخلق الأرض والنفس. "إن ذلك على الله يسير" أي خلق ذلك وحفظ جميعه "على الله يسير" هين. قال الربيع بن صالح: لما أخذ سعيد بن جبير رضي الله عنه بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: أبكي لما أرى بك ولما تذهب إليه. قال: فلا تبك فإنه كان في علم الله أن يكون، ألم تسمع قوله تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسك" الآية. وقال ابن عباس: لما خلق الله القلم قال له اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. ولقد ترك لهذه الآية جماعة من الفضلاء الدواء في أمراضهم فلم يستعملوه ثقة بربهم وتوكلا عليه، وقالوا قد علم الله أيام المرض وأيام الصحة، فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا، قال الله تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نرأها". وقد قيل: إن هذه الآية تتصل بما قبل، وهو أن الله سبحانه هون عليهم ما يصيبهم في الجهاد من قتل وجرح، وبين أن ما يخلفهم عن الجهاد من المحافظة على الأموال وما يقع فيها من خسران، فالكل مكتوب مقدر لا مدفع له، وإنما على المرء امتثال الأمر.
قوله تعالى: "لكيلا تأسوا على ما فاتكم" أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق، وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فرغ منه لم يأسوا على ما فاتهم منه. وعن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه) ثم قرأ "لكيلا تأسوا على ما فاتكم" إي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم "ولا تفرحوا بما آتاكم" أي من الدنيا، قال ابن عباس. وقال سعيد بن جبير: من العافية والخصب. وروى عكرمة عن ابن عباس: ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرا، وغنيمته شكرا. والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز، قال الله تعالى: "والله لا يحب كل مختال فخور" أي متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس. وقراءة العامة "آتاكم" بمد الألف أي أعطاكم من الدنيا. واختاره أبو حاتم. وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرو "أتاكم" بقصر الألف واختاره أبو عبيد. أي جاءكم، وهو معادل لـ "فاتكم" ولهذا لم يقل أفاتكم. قال جعفر بن محمد الصادق: يا ابن آدم ما لك تأسى على مفقود لا يرده عليك الفوت، أو تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت. وقيل لبرزجمهر: أيها الحكيم! مالك لا تحزن على ما فات، ولا تفرح بما هو آت؟ قال: لأن الفائت لا يتلافى بالعبرة، والآتي لا يستدام بالحبرة. وقال الفضيل بن عياض في هذا المعنى: الدنيا مبيد ومفيد، فما أباد فلا رجعة له، وما أفاد آذن بالرحيل. وقيل: المختال الذي ينظر إلى نفسه بعين الافتخار، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاحتقار، وكلاهما شرك خفي. والفخور بمنزلة المصراة تشد أخلافها ليجتمع فيها اللبن، فيتوهم المشتري أن ذلك معتاد وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالا وزينة وهو مع ذلك مدع فهو الفخور.
قوله تعالى: "الذين يبخلون" أي لا يحب المختالين "الذين يبخلون" فـ "الذين" في موضع خفض نعتا للمختال. وقيل: رفع بابتداء أي الذين يبخلون فالله غني عنهم. قيل: أراد رؤساء اليهود الذين يبخلون ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم التي في كتبهم، لئلا يؤمن به الناس فتذهب مأكلهم، قال السدي والكلبي. وقال سعيد بن جبير: "الذين يبخلون" يعني بالعلم "ويأمرون الناس بالبخل" أي بألا يعلموا الناس شيئا. زيد بن اسلم: إنه البخل بأداء حق الله عز وجل. وقيل: إنه البخل بالصدقة والحقوق، قال عامر بن عبدالله الأشعري. وقال طاوس: إنه البخل بما في يديه. وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى. وفرق أصحاب الخواطر بين البخل والسخاء بفرقين: أحدهما أن البخيل الذي يلتذ بالإمساك. والسخي الذي يلتذ بالإعطاء. الثاني: أن البخيل الذي يعطي عند السؤال، والسخي الذي يعطي بغير سؤال. "ومن يتول" أي عن الإيمان "فإن الله هو الغني الحميد" غني عنه. ويجوز أن يكون لما حث على الصدقة أعلمهم أن الذين يبخلون بها ويأمرون الناس بالبخل بها فإن الله غني عنهم. وقراءة العامة "بالبخل" بضم الباء وسكون الخاء. وقرأ أنس وعبيد بن عمير ويحيى بن يعمر ومجاهد وحميد وابن محيصن وحمزة والكسائي "بالبخل" بفتحتين وهي لغة الأنصار. وقرأ أبو العالية وابن السميقع "بالبخل" بفتح الباء وإسكان الخاء. وعن نصر بن عاصم "البخل" بضمتين وكلها لغات مشهورة. وقد تقدم الفرق بين البخل والشح في آخر "آل عمران".
وقرأ نافع وابن عامر "فإن الله الغني الحميد" بغير "هو". والباقون "هو الغني" على أن يكون فصلا. ويجوز أن يكون مبتدأ و"الغني" خبره والجملة خبر إن. ومن حذفها فالأحسن أن يكون فصلا، لأن حذف الفصل أسهل من حذف المبتدأ.
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}
يعني تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في أموالكم ولا في أنفسكم، إلا في كتاب قد كتب ذلك فيه من قبل أن نخلق نفوسكم {لكيلا تأسوا} يقول: لكيلا تحزنوا {على ما فاتكم} من الدنيا، فلم تدركوه منها {ولا تفرحوا بما آتاكم} منها.
ومعنى قوله: {بما آتاكم} إذا مدت الألف منها: بالذي أعطاكم منها ربكم وملككم وخولكم؛ وإذا قصرت الألف، فمعناها: بالذي جاءكم منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26070- حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} من الدنيا {ولا تفرحوا بما آتاكم} منها.
26071- حدثنا عن الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن قيس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} قال: الصبر عند المصيبة، والشكر عند النعمة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك البكري، عن عكرمة، عن ابن عباس {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} قال: ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا، ومن أصابه خير فجعله شكرا.
26072- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} قال: لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما أتاكم منها.
واختلفت القراء في قراءة قوله: {لما آتاكم} فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والكوفة {بما آتاكم} بمذ الألف. وقرأه بعض قراء البصرة "بما أتاكم" بقصر الألف؛ وكأن من قرأ ذلك بقصر الألف اختار قراءته كذلك، إذ كان الذي قبله على ما فاتكم، ولم يكن على ما أفاتكم، فيرد الفعل إلى الله، فألحق قوله: وبما أتاكم "به، ولم يرده إلى أنه خبر عن الله.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيح معناهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت أختار مد الألف لكثرة قارئي ذلك كذلك، وليس للذي اعتل به منه معتلو قارئيه بقصر الألف كبير معنى، لأن ما جعل من ذلك خبرا عن الله، وما صرف منه إلى الخبر عن غيره، فغير خارج جميعه عند سامعيه من أهل العلم أنه من فعل الله تعالى، فالفائت من الدنيا من فاته منها شيء، والمدرك منها ما أدرك عن تقدم الله عز وجل وقضائه، وقد بين ذلك حل ثناؤه لمن عقل عنه بقوله: {ما أصاب من مصيبه في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} فأخبر أن الفائت منها بإفاتته إياهم فاتهم، والمدرك منها بإعطائه إياهم أدركوا، وأن ذلك محفوظ لهم في كتاب من قبل أن يخلقهم.
.قوله: {والله لا يحب كل مختال فخور} يقول: والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس.
تفسير ابن كثير
يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ) أي في الآفاق وفي نفوسكم ( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) أي من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة وقال بعضهم من قبل أن نبرأها عائد على النفوس وقيل عائد على المصيبة والأحسن عوده على الخليقة والبرية لدلالة الكلام عليها
كما قال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن قال كنت جالسا مع الحسن فقال رجل سله عن قوله تعالى ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) وسألته عنها فقال سبحان الله ومن يشك في هذا كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة وقال قتادة ما أصاب من مصيبة في الأرض قال هي السنون يعني الجدب ( ولا في أنفسكم ) يقول الأوجاع والأمراض وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولانكبة قدم ولاخلجان عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وهذه الآيةالعظيمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق قبحهم الله قال الإمام أحمد < 2/169 > حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا أخبرنا أبو هانئ الخولاني أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ورواه مسلم < 2653 > من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن زيد ثلاثتهم عن أبي هانئ به وزاد ابن وهب وكان عرشه على الماء ورواه الترمذي < 2156 > وقال حسن صحيح وقوله تعالى ( إن ذلك على الله يسير ) أي أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله عز وجل لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون وقوله تعالى ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم ) أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها وتقديرها للكائنات قبل وجودها لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم وما أخطئكم لم يكن ليصيبكم فلا تأسوا على ما فاتكم لأنه لو قدر شيء لكان ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي جاءكم وتفسير آتاكم أي أعطاكم وكلاهما متلازم أي لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا تفتخرون بها على الناس ولهذا قال تعالى ( والله لا يحب كل مختال فخور ) أي مختال في نفسه متكبر فخور أي على غيره وقال عكرمة ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا ثم قال تعالى ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) أي يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه ( ومن يتول ) أي عن أمر الله وطاعته ( فإن الله هو الغني الحميد ) كما قال موسى عليه السلام ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد )
_____________________________
* https://www.lakii.com/vb/a-6/23-629661/
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
[ القول في النفس البشرية وحلم ورعاية الرحمن ]
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) يونس
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله الذي يسيركم، أيها الناس ، في البر على الظهر وفي البحر في الفلك ، (حتى إذا كنتم في الفلك) ، وهي السفن (4) ، (وجرين بهم) يعني: وجرت الفلك بالناس ، (بريح طيبة)، في البحر ، (وفرحوا بها) ، يعني: وفرح ركبان الفلك بالريح الطيبة التي يسيرون بها.
* * *
و " الهاء " في قوله: " بها " عائدة على " الريح الطيبة " .
* * *
، (جاءتها ريح عاصف) ، يقول: جاءت الفلك ريحٌ عاصف، وهي الشديدة.
* * *
والعرب تقول: " ريح عاصف ، وعاصفة " ، و " وقد أعصفت الريح ، وعَصَفت " و " أعصفت " ، في بني أسد، فيما ذكر، قال بعض بني دُبَيْر: (5)
حَـتَّى إِذَا أَعْصَفَـتْ رِيـحٌ مُزَعْزِعَـةٌ
فِيهَـا قِطَـارٌ وَرَعْـدٌ صَوْتُـهُ زَجِـلُ (6)
* * *
، (وجاءهم الموج من كل مكان) يقول تعالى ذكره: وجاء ركبانَ السفينة الموجُ من كل مكان ، (وظنوا أنهم أحيط بهم) ، يقول: وظنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق (7) ، (دعوا الله مخلصين له الدين) ، يقول: أخلصوا الدعاء لله هنالك ، دون أوثانهم وآلهتهم، وكان مفزعهم حينئذٍ إلى الله دونها، كما:-
17595- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: (دعوا الله مخلصين له الدين) ، قال: إذا مسّهم الضرُّ في البحر أخلصوا له الدعاء.
17596- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة في قوله: (مخلصين له الدين) ، ، " هيا شرا هيا " (8) تفسيره: يا حي يا قوم.
17597- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إلى آخر الآية، قال: هؤلاء المشركون يدعون مع الله ما يدعون، فإذا كان الضر لم يدعوا إلا الله، فإذا نجاهم إذا هم يشركون .
* * *
، (لئن أنجيتنا) من هذه الشدة التي نحن فيها ، (لنكونن من الشاكرين) ، لك على نعمك ، وتخليصك إيانا مما نحن فيه ، بإخلاصنا العبادة لك ، وإفراد الطاعة دون الآلهة والأنداد.
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: (هو الذي يسيركم) فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق: ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ) من " السير " بالسين.
* * *
وقرأ ذلك أبو جعفر القاري: ( هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ ) ، من " النشر "، وذلك البسط، من قول القائل: " نشرت الثوب "، وذلك بسطه ونشره من طيّه.
* * *
فوجّه أبو جعفر معنى ذلك إلى أن الله يبعث عباده فيبسطهم برًّا وبحرًا ، وهو قريب المعنى من " التسيير ".
* * *
وقال: (وجرين بهم بريح طيبة) ، وقال في موضع آخر: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [سورة يس: 41] فوحد .
* * *
والفلك: اسم للواحدة ، والجماع ، ويذكر ويؤنث. (9)
* * *
قال: (وجرين بهم) ، وقد قال (هو الذي يسيركم) فخاطب ، ثم عاد إلى الخبر عن الغائب. وقد بينت ذلك في غير موضع من الكتاب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (10)
* * *
وجواب قوله: (حتى إذا كنتم في الفلك) ، ( جاءتها ريح عاصف).
* * *
وأما جواب قوله: (وظنوا أنهم أحيط بهم) ف (دعوا الله مخلصين له الدين).
____________________
*تفسير الطبري
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
الصدق والكذب :
من شمائل محمد صلى الله عليه وسلم أنهُ :
( كان أبغضَ الخُلُقِ إليه ؛ الكذبُ ) رواهُ الإمام أحمد و البيهقي وصححه الألباني . فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّابا .) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال عليه الصلاة والسلام : ( آية المنافق ثلاث ؛ إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان )
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل ؛ " أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم . فقيل : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : نعم . قيل له : أيكون المؤمن كذّابا ؟ قال : لا "
أما عن أحب الخُلُقِ إليه فهو ( الصدق )؛ بل كان فيه أتم صفة عرفه بها الناس حتى قبل البعثة ،وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها : "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على أحدٍ من أهل بيته كذب كذبةً، لم يزل معرضًا عنه حتى يُحدِثَ توبة ) رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إني لأمزَحُ ولا أقول إلا حقًّا)) في المشكاة حديث رقم 4558
وقال عنه ربه سبحانه وتعالى في سورة الصافات :
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ آية 37
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء الآية 80 من سورة الإسراء ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا )
والصدق من صفات الله الكاملة ، ثم من صفات الرسل ، ثم من صفات عباده المؤمنين .