أبكاني اليوم رمزت على أمه فأعاد الي جمر فراق أمي من سنين
أميرة الحبّ ...
أخبريني أميرةَ الحبّ هل بعْــدَكِ يبقى الأحباب لي أحبابا
أو ترَى تُمطرُ السماءُ حَناناً = والينابيعُ تستمرُّ انسكابا
وتغنّى الطيورُ نشوَى برَوْضٍ = عاد يشكو بعدَ الرحيل اكتئابا
هل تُرى الياسمين يُزْهِرُ من بَعْــدِكِ والفُلُّ يَحْضُنُ الأعتابا
وزهورُ الليمونِ تنبضُ بالعطْــر ِ فينسابُ في الضلوعِ انسيابا
في أوجِّ هزات الروح وتضعضع شهقات الآه تشبثت النبضات بمواجع باتت تأكل من أحشاء مفرداتي وما أن
تأتأت بما أريد اغتسلت زفراتي من الآه وتحشرج الصوت في قافيتي
كلّما عنّ ليْ بُكائيَ منها = زدتُ حُبّا لها وطبتُ انتسابا إنّها وحدها تموتُ لنحْيا = هل عرفتُمْ لمثْلها أضرابا
لأبحث عن عصارة الروح ( أمـــــي ) بين كومة الأحلام المتناثرة لأسألها هل رضيت عني حين وضعتها في لحدها
بعد أن تلمست وجهها ووضعت لها وسادة من تراب ناعم أيها السائلون عن عُمْرِ أمّي = والثمانين، قد أسأتمْ حسابا عُمْرُها عُمْرُ روضةٍ نفحتنا = وسنَرْوى من عطرها أحقابا إنّ عُمْرَ الحياة من عُمرِ أمي = كلّما زدْتُ منهُ زادت شبابا
ومع هذا فإن درب الحياة قد تنصلت منه لغة اليأس واستكانت فيه أوراق صفراء تجشمت عناء سنين عجاف
حتى وصلت ذروة السعادة حين اقتص الزمن المر سواد الرأس فأحاله غيوم صيفية تفتقر الى مداد ينقش
هيبتها بين بيادر الحصاد
أخبريني، أميرةَ الحُسنِ، عن نفْ = سي وذودي عن مُقْلتيَّ الضبابا أيُّ حِضْنٍ أُريحُ رأسي عليه = بعد أن غاضَ حضْن أمّي وغابا أنتِ حُبي فمذ تواريت عنِّي = أصبح الخَلْقُ كلُّهم أغرابا
واحتزّ الصوت نشيج صدري وغبت عن نفسي لأتوارى عن النظرات وانا بين حلم ويقضة كمن لا يصدق موت
أمه التي وضعها بيديه في قصرها الجديد ليطمئن عليها
أماهُ .. أماهُ .. أماه أنت تمضين .. وأبقى ..؟!
لهف نفسي عليك يا أمُّ : تمْضيــن وأبقى؟! ما زلت أغلي ارتيابا
في بكائي عليك أبدو صبيا = كلّنا في رحيلها» يتصابى« أنا أبقى يا أمّ ـ ما دمت ـ طفلا = فإذا ما رحلت شِبْتُ وشابا فعن الثغر قد نفيت ابتساما = وعن الشيب قد أزحت النقابا ***** يا إلهي إن كنت أرجو ثوابا = فاجعل الملتقى بأمي ثوابا في نعيم يضمنا فيه بيت = لا نعاني موتاً به أو غيابا بانتظار اللقاء أبقى رهينا = وعلى الأمنيات ألقي الحجابا
****** إنما العمر ساعة أو ثوانٍ = ثم نمضي .. كما أضأتَ ثقابا
إنما المرءُ صفحةُ ُ في كتابٍ = وستطوي الأيامُ هذا الكتابا
أماه لا زلت أبكيك
ماذا أقول ؟ وانا أنتظر اقتراب الموعد الذي يأتيني كل عام فيقذفني في الماضي البعيد ، ويرسل حرفي الممزق بفعل رياح الزمن المعتوه ، في كل عام أجلس منفردا محاورا عمق النفس المتمردة ، وأسرح في متاهات الذاكرة المتمرغة على عتبات الماضي
تتأوه ، تحن ، تئن ، تتوجع ، ذاكرتي التي أتعبتني في زماني ومكاني وقيامي وقعودي
أرسم منها صورة اليد السمراء التي صفعتني يوما وفي الوقت الذي ارتسمت بسمة انحصر فيها ما الأرض من حنان ، اليد المعروقة التي كدّت وتعبت ... صفعتني على خدي وحينما نظرت بعينيها انتشت روحي وهي تقول : اذهب إلى الحقل معي لنجني بعض الزرع
مشيت ساكتا أختلس النظرات إلى لفحة الشمس على خدها ،وإلى نشاطها في مشيتها رغم أن السنين رسمت التجاعيد في تينك الخدين ، أحبها ، وتحسست مكان صفعتها وضحكت ، وحاولت أن أداعبها : لا زال كفك قويا يا أم محمد !
ضحكت وقالت : إذا لم تسمع الكلام سوف تنال كثيرا منه ، وفي ضحكة خبيثة طأطأت راسي أمامها وقلت : ما أحلاك وأنت تصفيعين رقبتي ! هيا اصفعيني ..... انكبت علي تقبلني
وفي كل عام تأخذني هذه الذاكرة المتعبة لأمرّ على قبرها وأوصي طيور السنونو في فصل الربيع أن تزقزق قائلة : في غربته بكى ... في فراقك بكى ... كان يتمنى أن يلمس خدك قبل أن تفارقيه ويفارقك وسوف ترد على الطيور قائلة : قولي له الرجال لا يبكون فترد الطيور عليها ولكنه / رمزت / وما فيها من حنان وحب يبكيك يا أمه ولا يزال يتذكر وهي مغترب عنك وأنت في غرغرة الموت : /لا تخبروا أبا أغيد بيزعل كتير/ نعم يا أمي نعم صدقت فالجرح يتجدد كل عام والألم يكويني
وأوصي نسمات الطبيعة أن تمر بحنان على صفائح قبرها حتى لا تزعج نومتها الأبدية ... أن تمربحنان شديد فقد كانت هي كذلك تملك من الحنان ما يكفي لجيل كامل ، وأوصي القمر وهو بدر أن يلامس تراب ذلك القبر الذي انحيت يوما الثم ترابه
تحلق روحي في فضاءات بعيدة واكون طوال يوم عيدك أردد / ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحي ودمي / /
لا تعتبوا على رجل عركته الأيام أن يبكي في يوم ما من أيام السنة سموه عيد الأم ...نعم أبكي وابكي وأناجيها وأهدهدها ، وأتخيلها قربي تهمس لي وأهمس لها وأقول : يا أمي حفداؤك الذين أحببتهم لا زالوا يذكرونك ولا بد أن نزرع باقة من سنابل القمح التي كنت تحبينها على قبرك
أمي أنت النبراس الذي يقودني طوال عمري
يا نَبْع الخيرْ يا أُمي الحنوني= بفؤادي وبرمشْ عيني مَصُوني
البدر آخد من عيونك لطافي = الشمس من قلبك الدافي سخوني
النجوم مشعشعه بكترة وكثافي= حنانك لا نجوم الكون موني
انت للبشر رمز الشفافي= المنها تعلموا معنى الليوني
يا أرض الحب يا زهور الفيافي= عطورك نفحة اشعاري سقوني
تركوني عل حضنها ضّل غافي =تتشبع نوم عا زنودا عيوني
وتااشرب من نبع قلبا الصافي = يا أفكاري عا حضنا دشروني
يا امي بعصرنا اعملوا مسافي = الظروف وعن حنانك بيعدوني
صرت امشي يا امي متل حافي = على الأشواك حتى جرحوني
الدهر غدار ما عندو نصافي= ورجالوا بالحضارة كفروني
لأنهم خرّبو أصول الضيافي= ورخو بواشق كفرهم عا السنوني
يا امي دخلك بقلبك الدافي= يا ست الكل راح بيضيعوني
ارجعي علينا يا امي واحضنينا = وعلينا كتري اطباق المعوني
يونس محمود يوسف