مِنْ لحظةِ الصمتِ التي أهواها = أطلقتُ بوحي سارحاً برؤاها
علَّقتُ حزني في سحائبِ عشقها = تمضي إليها تستثير نَدَاها
ونظمتُ شعري فوق رمشِ عيونها = قد راقصتْ نظراتِها نجواها
أنا إنْ كتبتُ قصيدةً لم تُكتَمَلْ = حتى تعانقَ حرفَها كَفَّاها
أنا لا أغنِّى غنوةً سطَّرتها = لكنَّ نبضَ فؤادها غنَّاها
وأكادُ أغربُ في صباح قصائدي = وأكونُ طيفاً عابراً بسَمَاها
فانبشْ برفقٍ عن معاني أحرفي = فالصمتُ فوق أنينها غَطَّاها
تمشي على جرحِ الفؤادِ تدلُّلاً = فَهَمَى بها , قد طابَ لي ممشاها
كنَّا نقبِّلُ في الزهورِ ربيعَنا = زيفاً غدا ؟ تلهو بهِ شفتاها
إن كان وصلي في الهوى تجتثُّهُ = حاولتُ زَرْعَ تَشتُّتي بنواها
عشرونَ عاماً غارقاً في غربتي = تجتاحني أمواجها وأساها
أنا إنْ أجدني تائهاً في غربتي = رسمتْ حدودَ مسيرتي عيناها
ناديتُ من جرحي القديمِ وها أنا = ابنُ الجراحِ ولم أنادِ سِوَاها
وألامسُ الأشياءَ بعد رحيلها = فأروحُ ألمسُ دفأها وجواها
وسقيتُ أزهارَ الودادِ بدمعتي = فاحتْ حنيناً لا أشمُ شَذاها
وجعلتُ من نبضِ الفؤادِ بشاشةً = رغم الجوى بالقلبِ حين أراها
تجري سفينةُ حزننا في أدمعي = والليلُ رغمَ الليلِ ما أرساها
تاهتُ دروبي عند خطْواتِ النوى = ولقد حواني التيهُ يومَ حَوَاها
كنا نعانقُ وصلنا قبل النوى = ولقد غزاني بغتةً وغزاها
لي في الأماني يأسها عند النُهى = هل يلتقي يأسُ المنى بمناها؟
كم كنتُ أغرقُ في مدامع حيرتي = لولا ابتسامةِ ثغرها لولاها
كانت تطلُّ كنجمةٍ في ليلتي = مَنْ يا تُرى عن عالمي أخفاها؟
وعلى ضفاف الحب أزرعُ جنتي= وأسيرُ وحدي كي أفارقَ وحدتي!!
فإذا وصلتُ فإنَّ قلبي متعبٌ= فأدورُ خلفي كي أضمِّدَ مهجتي
خمسون تاهتْ في دروبي خطوتي= يا ضوءَ قلبي كيف تخفي ومضتي
لي نجمتان ,- إذا صعدتُ سماءكمْ-=وأعودُ أحملُ في ظلامي شمعتي
شجرُ البكاءِ على حدود لقائنا = يكفي بأنْ أروي اللقاءَ بدمعتي
يا راشفاً ليل الغرامِ لصبحهِ= قد ذاب ليل غرامنا في رشفتي
رقُصُتْ نشاوى الحب فوق جراحهمْ= ونجومِ ليلي قد رقصنَّ لنشوتي
العشقُ ينبتُ في الجراح صبابةً= تُروَى بماء الحبِّ , تُزهرُ صبوتي
عانقتُ في الليل الطويلِ هدوءهُ= لكنّهُ لم يأتِ يسكنُ ثورتي
لي في ربيع الشعر بعضُ زهورهِ= وعلى قفار الصمتِ تسكنُ دوحتي
ما زال في صمتي لسرِّي حيرة= والجهر بالأشواق يشعلُ حيرتي
قالوا بأنَّ العشقَ يتركُ عِلَّةً= داويتُ روحي في الغرام بعلّتي
نُبّئتُ أن الشعر يزهر شاعراً= يا شعرَ قلبي كيف تزهرُ روضتي ؟
ما كان ذنبي يا رفاقي أنني= تحت القصائد أختفي في لوعتي
أنا تحت أقدامي أسيرُ كهاربٍ= لا شيء مِنِّي ظاهرُ في مشيتي
زرعوا القصائد –فاعلاتن فاعلن-= وزرعتُ في أرض القصيدة نبرتي
ما همَّني في الشعر إلا صدقهُ= صدق المشاعر حين تخبو ومضتي
أنا عاصر الأحلام في كأس النوى= قد تجمع الأحلامُ بعضَ تشتُّتي
إنْ غيَّرَ التاريخُ لونَ دمائهم= أنا لن أغيِّر في مسائي صورتي
ألقيتُ قلبي تحت عرش مليكتي= قالت : ترفقْ قلتُ كيف حبيبتي؟
إنْ تَكْثُرِ الأحلامُ تقتلْ بعضها= يكفيكِ حلمي لا يقاتلُ رؤيتي
عانقتها قبل الرحيل بدمعةٍ= رسمتْ على دربي خريطةَ رحلتي
هاتي خدودكِ كي تقبِّلها يدي= أشتاقُ تَقبيلَ الخدود بمسحتي
دافعت عن حبٍ عفيفٍ طاهرٍ= يروي القلوب وتلك كل قضيّتي
ما كنتُ يوماً قاسياً فلْتعلمي= لكنَّني أحنو عليكِ بقسوتي
آهاتُ خطْويَ أنَّني لا دربَ ليْ =والدمع مِنْ بوحِ العيونِ ردائي
كمْ كنتُ أمشي تحت أرضِ مواجعي = طالتْ مسيراتُ الجراحِ بدائي
الروح تسري في تباريح المنى = وتثورُ فيها راحتي وعنائي
وتموتُ أحلامي على ميلادها = فشهيقُ حلمي في زفيرِ هوائي
قَطَّعتُ شعري من غصون مواجعي= وزرعتُ منهُ فسائلاً بعَرَائي
نبضاتُ قلبي في حنايا أحرفي= والحرفُ في صمتِ الكلامِ ندائي
يسري لهيبُ الشوقِ برداً في دمي= منهُ اسْتحمَّ العشقُ في أحشائي
لن ينحني ضعفي برغم هزيمتي= وقهرتُ في أرض الهوى إغوائي
لي أمنياتٌ في مساواتِ الرجا= حَمَلَتْ بها , تمشي على اسْتحياءِ
يا ليلَ عُرْسٍ في غرامِ حبيبةٍ= يأتي لها , بالنورِ والحنَّاءِ
فَلْتنْتظرْ عاماً مضى في عشقها= واْزرعْ زهورَ الصبحِ في إمْسائي
أشتاقُ أنْ أسقي صحاري بعدنا= بالوصل ينبعُ من رُكام رجائي
لمْ يبقَ لي في العشق إلا طُهرهُ= والطُهرُ في في عشق الحبيبِ رثائي
مِنْ طُهرِ عشقي إدَّعيتُ حصافةً= وأظنُّ أنِّي سيدَ البُلَهَاء
فتمشي الأراضي على خطوها!
تجرُّ المدى من دموعِهْ
وأحزانِه الراسياتِ
لتخلعَ عنه الأفولَ
ويلبس من زهوها
فيهويْ فؤادي
أسيراً وفي نبضها
****
وتمشي
تكحِّلُ عينَ الذي قد رآها
بكحلِ التقى
فتخجلُ عيناهُ , في الأرضِ يهويْ
يُقَيِّلُ هذا الثرى
ويحضنُ كلَّ الدموعِ
*******
هو الفجر يصحو
يقبّل أهدابها
ويأخذ من سودهنَّ ضياءَهْ
يوزع فوق الزهور انتشاءَه
وتمشي
فتمشي الأغاني
على حنجراتِ الهمومِ
تُبَدِّدُ لحنَ النُواحِ
وتمشي
فتُغرِقُ في قطرةٍ من دماء الحياةِ
خريفَ المواتِ
ترشرشُ فوق الحكاياتِ ماءَ الورودِ
وتعلن للصمتِ – الأميرِ-
بأنَّ الحديثَ ابتدا
وتمشي
فيأتي صباحُ الودادِ
فيسري بشمس اللقا
فتدفئ من خدها ذا المدى
وتمسحُ عنا القلاحَ
وتمشي
على هُدْبِ من ينظرون
بربكِ كيف التقينا؟
ولم يبقَ في الود غير الوداع الأخيرِ
ولم يبقَ في الزهر غير اصفرار الخدودِ
ولم يبقَ في الحب غير احتضاري
كتبتكِ سطرَ امتدادِ الرحيلِ الى جنةٍ من جحيمي
ليبدأَ في قلب هذي السطور امتثالي
لسرٍّ سيُفضحُ عند ابتداءِ اكتمالي
وتمشي , فتمشي....
على جفن هذا القصيد الأماني
خالد قاسم