للشاعر الأخضر بركة
*
ماسورةٌ مكسورةٌ في الشمس تنزف بالوحول
وملطّخٌ وجهُ الصباح برغوة الصابون تهطل من مناخير المباني
بائعوا علب السجائر لم يبيعوني سوى ضجري من المعنى الملازم لي
كثوب عباءةٍ متقطّعة
مقهى يثرثرُ مثل منشار،
يجفّ الماء في الأحداق،
تستعصي الوجوه على التبسّم في الوجوه
إيقاع صوت "الراي" ينضح مثل زيت محرّك قد شاخ..
يستهوي ذبابا في الهواء الحامض الأنفاس،
أبغي قهوةً معصورةً والماء،
شعرُ النادل المصفوفُ للأعلى كشوك ناتئٍ متلمّعٍ بالدّهن يشبهُ عُرفَ ديك في المرايا
كلّ شيء في المرايا
لوحة زيتيّة تمشي،
***
يمرّ الناس في علبٍ من الفولاذ،
يحيا النّاسُ في علبٍ من الاسمنت،
يمشي النّاسُ في علبٍ من العاداتِ،
في علب انتخاباتٍ معبّأةٍ بوهمٍ باذخٍ يتخمّر المستقبلُ المعجونبالأطماع ،
فوق شجيرة عطشى وراء الباب عصفورٌ يطير
إلى سماء ما خفيفا، لا بطاقة لا ضرائب لا ديون.. ،
ولا حوالاتٍ، سأحسده
أرى جسدي
ملفّاتٍ مكدّسةً كثقل بضاعة تلفتْ بميناء،
عليك الانتظار إلى انتهاء نقاهة المسؤول،لم أسأل متى،
ورجعتُ،كان مظفّر النوّاب في أصقاع ذاكرة يرشّ القيح فوق خرائط ويصوم عن خبز التبختر في لباس فخامة الدّعر الجديد
تتبذّر الأيّامُ بين يديك مثل دراهم السكّير في الحانات،
مثل شتيمةٍ يزبدّ سوق الوقت في فيه النهار
هذا هواء الروح ينقص في زحام تراكم الأشياء،
والكلمات تنقص مثل ماء مسافرٍ في القيظ،
حتّى نعمة الصمت المضيئة في ظلام الهذر تنقصُ،
ينحني ظهر المعيشة مثل قنطرة تآكل عظمها صدأ المذلّة،
يرسمُ الأطفال في الجدران عوراتٍ بفحم أسودٍ
ويمزقّون دفاتر المعنى المُطبشرِ في المدارس فوق وحل الشارع المحفور،
تزداد انتصارات الضجيج،
مليون مقهى في مكان واحدٍ،وحديقةٌ صفراءُ ،
مدرسةٌ مكسّرة الأبواب، أو علمٌ يرفرفُ،
فوق أكياس القمامةِ، أحسد العصفور،
كنتُ
أمام طابور انتظار الخبز يخرج من لهيب الفرن، تعبرني الكهولةُ
مثل تابوت، أمدّ إلى متسوّلٍ عشرين ديناراً لعلّي قد أصدّ تحرّش الاحباط بي،
*************
غابات حيطان لتقسيم الهواء على مقاسٍ هندسيٍّ،
والشوارعُ
للتسكّع فوق مطّاط المطايا،
مِرْفَقٌ للاتّكاء على الفراغ الفظّ،
جمجمةٌ لتجريب العقاقير الحديثة،
حاجز الأمن المطهّمِ بالكمائن والعطايا،
صار خمّ الوقت أضيق من ممرّ نحو محكمةٍ مؤثّثة بأيتام الطلاق،
بفتيةٍ سرقوا صواع حظوظهم من جُحْرِ وحش الواقع المزدان بالماضي الفخور
كأنّ وعثاء انتمائك للهباء هويّةٌ تمشي على قدمين من نحسٍ يقاسمني الحساء
وراتب الشهر المقتّر في إناء الدَّيْنِ،
أخطو مثل صلصال توشّمَ بالمخاوف والحروز
على رصيف ربّما قد غشّ في تبليطه البنّاء وازدرد الاداريّون ميزانيّة الاسمنتِ،
أوحشني الترابُ،
معفّر وجه الجريدة بالفضائح،
بالمدائحِ، بابتسامات السيّاسيين،
جلد الأرض منزوع ومدبوغ بأحجار القلوب الحادّة الأضغان،
أحصي ما تبقّى في الزحام القاحل المكتظّ، لا أحدٌ،
يُرى في الحشدِ،
صنّاع الهتافِ،
ورافعوه بلافتاتٍ من قماشٍ طوله خمسون ألف عباءةٍ بيضاءَ،
ريعيّون منغرسون في أصص الكراسي
أو هلاميّون منتشرون في بهو الشؤون،
مقاولون يزاولون مهارة الربح المريح
وبهلوانيّون، تجّارٌ صيادلةٌ وعشّابون،
حجّاب الرشاوي، نافخوا الأبواق، أشياخٌ حداثيّون، بيّاعوا الرقى،
أتباعُ أشباحِ البطانات البلاطيّون، حرّاس البطون البكمُ، والباقي غبار الشارع الحافي
***
دفعتُ لنادل المقهى حسابي
وانصرفت،
لحقت بالعصفور
20جويلية 2010
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه
زيارة في الخيال للجزيرة السورية.
للشاعر السوري اسحق قومي
وهذه القصيدة الثانية للجزيرة السورية فشوقي لها لا ينقطع أبدا وكأحلام يقظة ٍ لعاشقٍ مهاجر ...يلجأُ لمثل هكذا أسلوب ٍ علّهُ يُشفي بعضاً من شجونه.فماذا رأى في زيارته الخيالية وماذا قال لها؟!!
وقفتُ بها أجلو العيون َ أسألُ ///هلَّ تُرى مِنْ بعديَّ متحول ُ؟!!
سألتُ أترابي فكان َ جُلُّهمْ /// قَبْراً وبعض ُ منهمُ يتأمّل ُ
مهدي على تلكَ الوهاد ِ، ملعبي /// وملاعبي قممُّ النسور ِ أَرفُلُ
أينَ الرسائلُ في الهوى قدْ أُحرقتْ/// والحزنُ ما بين َ السطور ِ يُثملُ؟؟!!
شتّانَ بين َ الأمس ِ واليوم ِ بها /// تغدو ظِلالاً للهوى تتعلَّلُ
هلْ أُرجع ُ العهدَ سويعاتٍ بيَّ /// أَمْ أَنني ذاك َ الفتى يتحمّلُ ؟؟!!
اللهُ يا عُمرَ الصِبَّا قدْ غادرَتْ /// شمس ٌ تباهت ْ والزّمان ُ الأكحلُ
واقبرَ أخ ٍ من زمان ٍ قدْ سفتْ /// فيه ِ الرّياح ُ فا ستظلَّ بلبل ُ
يبكي على أهل ٍ تَبَعّدُ ، والحِمى /// تبكي غريبا ً والدموع ُ تُبلِّلُ
أَوقفتُ صَحبي في مجالس ِ أُنسها /// وعلى الطلولِ مدامعٌ تتهلّلُ
جفّتْ ينابيع ُ المياه ِ وغادرتْ///وكأنَّ (خابورُ ) أهلي جدولُ
فاضتْ عيوني بالدموع ِ توجُّعاً /// طوراً أُناجيهم وطوراً يأُذهَلُ
أَقسمتُ يا نفسي فلو مرَّ الهوى /// لكتمتُه ُ ،من أجلها أَتحمل ُ
ما بعد َ حُبِّها بقلبي رعشة ٌ /// ما عشتُ إِني حالمٌ مُتَأَمِّلُ
أَترى (جميلو) مثلما عهدي بها /// فتُرابها يغفو بصمت ٍ يقتلُ
وأشاح َ عني عاذلٌ في غُربتي //// ثمَّ بكى في حُرقة ٍ يتساءلُ!!
أينَ الصّحابُ إذا الربيع ُ مُزَهّر ٌ /// أينَ السنونو للدّيار ِ يُقبل ُ ؟!!
وسمعتُ أصوات ُ السنين ِ أَتأتني /// كمْ أنتَ ياغريبُ مُبَجَّلُ ؟!!
إنْ أنسَ لنْ أنسى تراتيلَ الصّبا /// ما زلتُ فيكَ مُتيماً أتغزَّلُ
حُبي لها لمّا يزلْ بي فتنة ٌ/// مهما يَحوكُ الحاسدُ المتململُ
ودَّعتُ أرضَكِ يا (جميلو) والهوى/// نارٌ سعيرٌ في ضلوعي توغلُ
طافتْ على (الخابور) روحي وارتمتْ /// رفُّ الحمائم ِ في الأصائلِ يَهدُلُ
أرضَ الجزيرة ِ ما نسيتُك ِ لحظة ً /// وأنا لشاميَّ ما حُييتُ سأعملُ
خُذني إلى (العاصي) أُقبّلُ حِنّة ً /// ولقرية ٍ في (إدلبي) أَتعجلُ
(شهباءُ) إِني عاشقٌ مترنّمٌ /// مهما ألامُ على الغرام ِ وأُعذَلُ
كمْ تاهت ِ( الزللو) بأثواب ِالمُنى /// فتأوهتْ تشدو كأنّي مُقبل ُ
وكأنني المسحور ُ ،فيما تدّعي /// وكأنها الحسناء ُ بانتْ تسألُ
نُبّهتُ من حُلمي ،غزالٌ شاردٌ /// يسبي العقول َ فيا صِحابُ تمهلوا
ما أروع َ الأحلام َ إنْ جاءتْ كما /// كانتْ هبُّ مع الخيال ِ وتَرفلُ!!
***
اسحق قومي
ألمانيا...شتاتلون
3/2/2008م
جميلو: المقصود بها القرية التي ولدتُ بها وتقع على الطريق بين الحسكة والدرباسية .
الخابور: النهر الذي كان لعهدٍ مصدر رزقٍ للكثيرين.
العاصي: نهر العاصي الذي منابعه من الهرمل (لبنان) قُرب بعلبك ويجري شمالاً يمر حمص وإدلب ويصب في المتوسط وبهذا يكون النهر الذي خالف القاعدة في مجراه في سوريا.
إدلب: محافظة إدلب التي عشتُ بها أياما من خلال المهرجانات.
الشهباء: المقصود بها حلبَ....
الزللو: قرية من قُرى بانياس الساحل كان ليّ فيها أصدقاء ولا زالوا.وقد عشتُ بها مايقرب من سنة ونصف.
: قُبُورٌ . جمع قبر: الْحُفْرَةُ الَّتِي يُدْفَنُ فِيهَا الْمَيِّتُ .
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه
وقفت تغالب شوقها ..
ذات الرّداءِ الأحمر ..
والعطر ضمّخ جيدها ..
في نشوة يتقطّر ..
وارت له الأبواب ترقب لصّها ..
ذاك الّذي بجراءة .. حلّ القيود وقصّها ..
وتحسست معه الطريق إلى الشبق ..
خاضت بحار الشهوة الهيجاء ..
أعجبها الغرق ..
ومضت تغالب شوقها ..
ذات الرّداء الأحمر ...
وتنفسّت في لوعة ترجو الوصال ..
توّاقة لشفاهه.. ومدامها العــذب الزلال...
لمساته إن أهرقت سيل المجون ..
آهاته تلك التي ..
عزفت على وتر السّكون ..
ومضت تغالب شوقها ..
ذات الرّداء الأحمرْ ...
صعد السلالم يرتدي ثوب الوجل ...
ما راعه نيل الرّدى ...
بل مدنفا يرجو القُبل ...
صاد لريّان اللمى عذب الرضاب ..
جيد يعانق نحرها ..
ثم ينتشي فوق الهضاب ..
وقفت تغالب شوقها ...
ذات الرّداء الأحمر ..
وترنّحت في لهفة لمّا دنى وقع الخُطى ..
لمّا تبدّا خلجت ..
أقبل ولا تخشَ الخطى ...
وتعانقا كسحابتين وحلّقا فوق السَّما ...
برقٌ ٌرعيدٌنفثـا ...
فتقاطر الغيث همـا ...
ومضت تعانق جيده ..
ذات الرّداء الأحمر ..
وتقاذفا في حرقة لهب الغرام ..
حتّى إذا النجم هوى ..
وكلاهما نال المَرام ..
ثم ارتدت في حسرة ذاك الرّداء الأحمر ..
وترّنحت في دلّة ..
أو ذاك ما قد أسكر ؟! ...
ثم مضى في دُعجَة ..
والشوق عاد وأزهر ..
أنّى يعود طبـيـبها ..
ذات الرّداء الأحمــــ ر ..
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه
(جنون الموج )
للشاعرطارق فايز العجاوى
*
كتبت قرضي فردتني الاسارير
فقاربي في غمار الموج مأسور
وهمتي هزها الإعصار فأنكسرت
وهل يرد جنون الموج مكسور
وجل اشرعتي قد أصبحت مزقا
فخيطها واهن والغزل مبتور
وفر قبطاني المنكوب من وجل
ومن قنوط فشدتني المقادير...
سعت الى قاربي من طيش قائده
بقية، فهو كالقبطان مخمور
صرحت بالبوح عن قهر بليت به
وليس لي غير هذا البوح تعبير
فثرت عمرا على علج ومغتصب
وظننت أني بهذا الشكل مسرور
وفي صميمي خبا رعب يقيدني
وهل يروم خضم الرعب مذعور
!كأن ما مر من بأسي ومن شيمي
حكاية خبرت عنها الأساطير
ما بان لي نور فجر شع من أمل
إلا وطال شعاع الشمس ديجور
ورافقتني سماء ما تلبسها
لمع لبدر ، فإن اللمع مهدور
أصبح نهاري كليلي كله كرب
شعواء غاب عن آصالها النور
مصائب الدهر كالاهوال قاسية
إن ران عبر حياض الخوف تفكير
فكم قليل بتعظيم نهوله
وكم يقلل هول الهم تصغير
لليم تدبيره القاسي وسطوته
إذا تجاوز وللقبطان تدبير
شدوت للكون من عشق ومن وله
وبحت أغزل لسوحي وهو مهجور
شعرت بالبعد عنه وهو مقترب
فبيننا قام سد دونه سور
وكم وعدت بقبطان يهدهدني
لكنما الوعد تخفيف وتصبير
فإن غشاني تهدم وهو منكسر
لانه عن طريق العدل مزجور
يدعوه للكبت تصريح يرهبه
وكم دعاه الى التسليم تقرير
ما زال رهن خرفات مضللة
يلوح لي وحي حقي وهو مقهور
كأنما العدل ذنب غير مغتفر
وذنب قانص هذا الحق مغفور
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه
آخر تعديل تواتيت نصرالدين يوم 11-29-2018 في 10:17 AM.