قبل أن أخط هذا السؤال غمسته بتاريخ من ليال طويلة لم تذق طعم النوم..ووزعته على دروب المدينة العتيقة التى دغدغتها أثار خطانا المرتبكة..ثم عمّدته بلفحة شمس قبيل الغروب.
أتسائل، وأستعيد كل اللحظات الهاربة ويشتعل فيَّ الحنين..
أستعيد اللحظة صوت خفقات قلبك التى كانت تٌشعل مجامر اللهفة وتضيئ روحي بأشعة الحب...وتغرسني وردة على ثغر الأحلام المشتهاة..
أستعيد اللحظة نبرات صوتك المبحوحة التى كانت تنزرع في أذني فتسري في عروقي ثورة أشبه بزلزال يراقص كل شيئ بعنف ويغير طبيعة الأشياء..
أستعيد اللحظة حضورك الذي كنت أكتحل به فتكتمل زينتي وتنضج أنوثتي..
أستعيد اللحظة مراسم انتظاري لك..كنت أربت على كتف الياسمين المتكئ على شرفتي وهو يوزع قبلات مجانية على المارة زكاة عن ثروة الحب التى كنا نمتلكها ذات ثراء..
كنت أشرع ذراعي للسماء التى كانت تمطر حباً لينبت الياسمين في جديلتي..أناغش الطيور، وأراقص بندول الساعة الذي كان يطوق لهفتي دقيقة بدقيقة.
أستعيد لحظات خوفي من فقدك .. مجرد التورط في فكرة غيابك كانت تسحبني الى منافي الكأبة لأنكفء على نفسي وأستعرض سيناريوهات الرحيل وما بعد الرحيل..
رغم إنني بدأت أتماثل للشفاء منك الا أن فنجان قهوتي مازال يوقظ في عمقي شهوة التفكير بك، مازلت أحرص على طقوسه التى تعودناها..وحده فنجان القهوة الذي بقي على حاله في كومة الحطام التى خلفتها ورائك...ومن بين كل الحطام مازلت أنقب لك عن ألف عذر..
أهرب لكن الأسئلة تحاصرني بعناد..أهملها..أتجاهلها.. وعند أقرب لحظة حنين تعود لتنتحر برصاصات الإجابات الفارغة.
اليس غريباً أن يشحب النبض في عنفوانه ويلف الضباب المشاعر بهذه السرعة؟؟؟
اليس ظلماً أن يٌهدر نبضنا على مفارق طرق لم تحتمل رؤيتنا سوياً؟؟؟
أليس مؤلماً أن تٌقطع شعرة كانت بمثابة جسر ينقلنا ما بين مدننا وجزرنا؟؟؟
أليس موجعاً أن تتركني عالقة بين كلماتك ..أتحسس العتمة بين حروفها وأتعثر في تعبيراتها التي لا تشبه أفعالك؟؟؟
آه لو تعلم...
لو تعلم كم هو أحمق الانتظار لقطار تعلم بأنه لن يتوقف في محطتك أبداً وتكتشف بأنك ترتشف السراب حتى العطش..
لو تعلم كم هو مرهق الحلم الذي يرافق طيفك في رحلة تخطف النوم من عيني وتشعل فتيل الآه في صدر ممتلئ بزفير يحمل رائحة تبغك..
آهات تتزاحم في أروقة رئتي تنذر بعاصفة من الحزن..ووجع يسكن دروب الروح المستعرة بالشوق فأركض بين أروقة الانتظار لكنني أعود كل مرة بخفي الفقد..
كم هي سخية خيالاتنا ودموعنا عندما تنام في حضن أمنية شاحبة..
كم هي موجعة أشواقنا عندما تتمرغ في غربة المسافات وخرافة الأوهام..
أشعر بأن عينيّ الآن مؤهلتين لاستيعاب كل غيمات البكاء وانني سأمطر بما تيسر على كومة أوراقي التى تعودت أن تقاسمني حالات الدهشة والذهول..
وتتناسل الأسئلة...
تباً لأسئلة تٌمعن في حصاري على أنغام نبضي المنهك ..معزوفة أشبه بعزف جنائزي تطرق أذني، فأغمض عيني في محاولة بائسة مني لمنع هطول مطر الحزن ، وأسدل عباءة أهدابي حتى لا ينفلت بعض إحساسي وتنكشف براءة ذلك الحلم الآفل..
يتجذر فيَّ الأرق ويتسلل بخبث الى مرافيء الذاكرة فيوقظ في حنين يستفز نبض قلبي وينساب صوت فيروز مغرداً في دمي:
“أنا عندي حنين ...ما بعرف لمين ...أنا خوفي يا حبي لتكون بعدك حبي.. و متهيألي نسيتك و أنت مخبى بقلبي.."
كم يتشابه العشاق في خوفهم وحنينهم....
حان الوقت لأتوقف كي ألتقط أنفاسي قبل أن تشيخ الروح ويتلاشى العمر..
سأتوقف حتى أستردني..
سأتقمص دور نورس مهاجر ..سأسافر بدون هوية أو جواز سفر..سأكتفي بذاكرة مفخخة بتفاصيل كثيرة قابلة للانفجار دون سابق إنذار لتشعل حرائق الحنين.
سأطبطب على جرحي وأرتقه بما تبقى من نبض..
سألعب لعبة النسيان تارة واللامبالاة تارة أخرى..
سأدور حول ذلك الضوء المحتضر المنبعث من ذاكرتي كفراشة علّي أصطدم بك وعندها فقط سأعرف كم تضائل حجمك في قلبي..
سأردني لنفسي رداً جميلاً وسأحترف الضحك في وسط مدينة ملبدة بغيمات الحزن..
سأختبئ خلف ابتسامة مرسومة بعناية ورمشة هدب قادر على اخفاء كل ملامح الشقاء..
سأتحرك ..سأتنفس..سأكل ..سأشرب ..سأمارس الحياة بكل طقوسها رغم ان كل ما بداخلي معطل..
سأنتعل الطرقات التى تؤدي إلى اللا مكان..
سأمحو من ذاكرة الأيام اسمك وتفاصيلك الكثيرة التى تدمي مشاعري حتى لا أجلد ذاتي بذنب حبك..
سأتوقف هنا عند مفترق الرغبة لأختار وجهتي ..
رغبتي في الهروب من منك...
رغبتي في الهروب اليك..
رغبتي في نزف الحزن المعتق على أرصفة الطرقات..
رغبتي في إخماد جمرة حنين ترقد تحت الرماد..
رغبتي في إسكات ذاكرة تحاصرني بالتفاصيل..
وتتقافز هنا أسئلة من نوع أخر..
هل نحن قادرون على إعادة تأهيل مشاعرنا إثر خيباتنا العاطفية؟؟...
هل نحن قادرون على تدريب ذواتنا للقفز الطويل من فوق مناطق الألم؟؟..
هل نحن قادرون على تقمص دور القديسين لتصبح قواميسنا مزدحمة بحكايا الصفح والغفران؟؟
هل نحن فعلاً قادرون على إعادة ترتيب كرياتنا الدموية وترميم نبضنا؟؟؟
وإذا اشتعلت نوبات الحنين..ياترى من سيطفئها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رجاء أخير لك...
أستحلفك بعدد دقات نبضك الغائبة وبعدد الأيام التى لن تأتي أن لا تكمم قلمك لعله يعترف ذات ذكرى، ويشيع الأسئلة الحائرة الى مثواها الأخير..
سلوى حماد
التوقيع
فلسطينية أقولها بكل فخر ودوماً سأكون
نغمة عز ترحل بين الفاء والنون
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 11-02-2014 في 09:00 AM.