غيمات مبتسمات
شعر مصطفى معروفي
ـــــــ
ما فكرت الوردة يوما إلا
في رسم القبلات على خدك
يا امرأة
تمنح للعالم من يدها عطر الحب
ومن شرفة غيمتها
ترسل عينيها
نحو طيور الحلم المنذور
لبسمة هذا العالمِ ،
أجزم معتقدا
ليس هناك من يغرس دمه الواقف مشتعلا
في هذا الكون سوى أنت
وليس هناك من يجرؤ
أن يسكب بين يديه
مشاريع الحب البيضاء سوى أنتِ
أنامِلُكِ المخلوط بها شبق السرو
وعاطفة الأفق الأجمل
هي ما سنحاول أن نمسكه
لتطل البسمة راقصة فوق شفاه الأطفال غدا
ولتشرق فينا شمس أغانٍ خضراء
تقول كفى لمواجعنا حتى ولو كانت دافئة
ولموج البحر تقدّمْ والقِ تحاياك
على الشاطئ وطيور النورس،
فسلاما لك سيدتي
وسلاما للكون
وقد هبّ الصحو إليه من أجفانك
ساعةَ قام ليملأ كأس الفرح الآتي
من راحتك الموقدة الغيمات المبتسمات.
ــــ
نافلة القول:
سألــنـا اللـــه عافــــيـةً لأنــا
نرى أصحابَـها فيــــنا ملـوكا
إذَا باللهِ لم تفـــتـــأْ معـــــافى
فقل "حمدا له" لافُضَّ فوكا
ـــ
رذاذ الزبرجد
شعر مصطفى معروفي
ــــــ
أنا الملح أسكن خاصرة الطين
والكوخ في هضبة القرية التاعَ،
صاحبه كان إذ ينطفئ الأفْق
من عابري الأرض
يخرج في البحث عن نجمة
طرقت مرة بابه ومضتْ،
ستموت وحيدا
وتمسي الرياح تقيل الوداعة منها
وفانوسك المستدير سيفتح
أنفاسه في هزائمنا
إنه روح ماضيك لا يقتنى
إنه عمقنا وفداحة أمدائنا واليمين الغليظة
تحت معاطفنا
صدرك الدائريّ كتاب المباهج
عطر الصداقة
سمت المروج
فخيم الصياح لدى الديَكةْ.
تعجبت منك وأنت تؤكد
أن بنادقنا من أديم السماء
وأن سؤالك ملحمة بقليل من البأس،
حقاً ستبقى وثيراً مدارَ العُذوبة
سوف نقول بأنك
كنت رذاذ زبرجدنا في مواسمه القادمةْ.
ــــــ
مسك الختام:
نيزكٌ
فوق الكنايات تجلى
يمنح الشيء نقيضا
لغةٌ
تشرق من سكّر ريح في انتشاء
مرمرٌ
ينحت في الصخر محياه
صفاتي هي تلكمْ
ونعوتي الكاسرةْ.
غزاة وسنابك خيل
شعر مصطفى معروفي
ـــــ
من أول باب
هرب الليل إلى آخره
وقرنفلة أقعت جانب مقبرة
لا يدخلها الشهداء
أنا لست أرى في إقعاء قرنفلة غير نزوع
نحو الذاتيّة أو غير بلاد
لا راية تملؤها مجدا
حيث هناك غزاة وسنابك خيل تغرق في الدم
تهدم أعضاء الهيكل كي تبني آخر
تنفي ملكوتا وتجيء بآخر
وعلى الشاطئ
وقف السنباد لكي يبحر
هتف الموج :
إلى إشعار آخر
اَلسفن المعجونة بالكشف رست
وتوقف فيها نبض الإبحار
وأنت تحاصرك الأسئلة المشبوبة
تقتات على دمّك
تشعل فيك مدار الجزر العذراء
وتفتح نافذة الثورة في وجهك
قف وتوهج
كل الطرقات تشير إليك
بأنك واحدها وهْيَ نجومك مولعة بالرقصِ
محاصرة هي بالعشب الرامح
لكن أنت تحاصرك الأشياء ببساطتها
تغزل من ظعَن الأحباب مسارك
إنك هاجرة
في كفك تحمل شجر القيظ
ووجهتك المثلى مدن فاضلة
تأخذ من حجر الحكمة أحلى الأسماء.
ـــــ
مسك الختام:
عيون حبيبي ظباء
على ماء نهر
قد اعتلّ ساعةَ حلَّ الأصيلْ،
تروح تزف صباباتها للمساء
وتغدو لتسمع آهاتها
يمررها للصباح حفيف الخميلْ.
عشبة جلجامش
شعر مصطفى معروفي
ــــ
كان الوقت لديَّ غزالا
وثوانيه الممشوقة تسمو لصفات الأرنب
ذي الطول الوثنيِّ
وذي العرض الضارب في الإبهار،
سلالات المطر اشتغلت أمدا
بمفاجأة العشب
أباحت ذاكرة الأرض لمن قال
بغائية البعد الخامس...
إن صهيل الموج بمفرده عسكر في أوردتي
أعطاني مخمله القدسيَّ ومد على كتفيّ
رداء شريعته
كان القصد هو استقصاء تضاريس الغبطة
ولماذا حين يحل الليل
تكادُ ترى العين ملاكا يفقد سمت طلاقته
وله ينشئ قمرا فوق معاصمنا
حتى لا تأخذه الريح إلى الصعلكة
ويفسد كل نوايانا...
ها أنا أجلس
متكئي مأخوذ مثنى وثلاثا من
عتبات الوجع الناعم
من نهد الغيمات اللائي يصنعن ثريد مساءاتي
لي الأرض تمد جناحيها
أرفع رأسي
ليس هناك فصول ترعى صفتي
وتراعي قدْر نبوءاتي
وإذن فلْأمْشِ إلى مائدتي الملكيّةِ
آكل منها فاكهة المعجزة المنذورة لي...
ها أفقي يشهد
أن يدي صارت قاطرةً والريح لها ربان
وشراعي يبحر وعيوني تتغذى بقرابين الدهشة
اِسألْ عني عرجون الماء
فقد سلَّم لي بالأمس سماءً
ومضى فرحا يبحث لي عن عشبة جلجامشَ
بين مدار الجدي وشمس الأرض الثامنة.
ـــــــــــ
مسك الختام:
بعض كوابيسي تأتي تحت ستار الليل
لكي تؤنسني
فأقيم لها حفلا فوق فراشي
تسهر فيه حتى آخر رمق للظلمة.
تلال وتلمودها
شعر مصطفى معروفي
ـــــــ
رائع وشمها مثل ضوء يتيه بجسم سوار
وكل الورود التي بايعت وجهها
خرجت من خميل المواعيد
من شمعة أتحفت كاهل الليل
باللحظة الفارقةْ.
عادةً
يركب الوقت نزف الجدار
تقول النجوم:
تبارك وصفي
وتدخل شرنقة الفرح المستحيل،
تقول الحدائق:
كل زهوري فدائية،
ويقول الفداة:
لنحن رحيق الطريق
مدار البهاء
صهيل ذرى الأرض
تمشي التلال إلينا وتلمودها...
ها هو الولد الألمعي يسيل سؤالا
ويفتح معبره للخطيئة
يمتشق الماءَ ثم يُهيل الأيائل من فوق راحته
إنه سيد المشتهى...أرخبيل النبوّات
يعرفه البدء...يعرفه المنتهى
حيث يمضي كجرح تسلل للطين مختفيا
كي يريه المنافي وكيف تصير مجنحة
ويعلِّمه أين تمرح فتنتها الباهرةْ،
عابرا ضفتي كنت أمشي
ووجهي يحاوره الصمت
لا شيء يدنيه مني
سوى البعد والهاجرةْ،
كان قرب نافذتي
يورق الموج حتى تمام غوايته
وعيون الرمال تتابع خطوته
إذ يروق لها عنفوان الهزيع الأخير
وفاكهة أشعلت قبلة
في يد النجمة الساهرةْ.
ـــــــــــ
مسك الختام:
عند منعطف الشارع العام
كانت هناك قصيدة حلم
تعاني برودة طقس المدينة
لكن شاعرها
كان يرمق عن كثب حشد جمهوره
و هْو يهرب منه إلى ملعب للكرة.
حولك الهواجس تشعل أسماءها
شعر مصطفى معروفي
ــــ
أخذْتُ بساق المسافة
قلت:
أميال ركضي تفي باللغوبِ
ولكن
رأيت المسافة قد ركبتْ رأسها
فاكتشفْتُ بأن الطريق يحاول
حرق ظلالي...
أراك جدارا وسيم الجهات
وطفلا يجرب نقل السماء
وحولك نفس الهواجس
تشعل أسماءها ثم تنسى بأني
إلى الماء أقربُ
إني أؤدي طقوس الشهادة
حيث أميل إلى هيولايَ
أصنع لي وهج الطين
ساعةَ يبتلُّ بالأقحوان...
يحاصرني القول
أمسك جذع المدينة أدخل
سِفْرَ الفتوحاتِ
فوق يدي يزهر الغيم وجها نديا...
أنا الولد المستفزّ
أشيّد موجي من النار...أسكب فوق المرايا نزوحي
ووحدي إلى الأرض أجلب جذوة عشق بلون البنفسجِ
إن دمي حنطة وشهيقي قرنفلة...
أنت لا تطفئ الثلج
أنت تمد المراثي برغوتها
منك نشتق طعم المسافة بين القبيلة حين تهبّ
وبين متاعبها ...
أنا جمر الأحبة
منآهم الآخر المستحب
لديّ متاه الطيور العجيبة
لا أملك الأرض
عندي عمودية الوقت
إذ هكذا أشعل المدن المطفأةْ.
ــــــــــــــــ
مسك الختام:
في جلباب الأب
ستصاب رؤاك بداء الغربة،
و يراعك
سيعاني اليتم
و يبحر لكن
بشراع من صنع سواك.
تأخذ مني الغيوم وتعرضها خامةً
شعر مصطفى معروفي
ــــ
تتأسس في كفه غيمةٌ
هو ماء ويبدو خفير فحولته
ويسير إلى جنبه مطر طارئ...
أيقظت رقصةٌ بمداي المرايا
تخثّر نبض النبوءات في خاتمي
ومضيت إلى جسد الشيح أفرزه
كالمجازات حين تقلّ جدارتها
وإذن لا محل لملء الفراغ لديّ...وجدت الدليل
فهل كان حظي ضئيل الخطورة
حتى تمكَّن من أن يغادرني فجأة...
لأناملنا صيغة...إنها مدن من رماد
ونحن نبايعها وقتما ذاب أوسعها في خطانا التي
ألفت أن نؤوّلَ أشكالها...
أنت تأخذ مني الغيوم
وتعرضها خامةً...تستعير وضاءة أسرارنا
ثم تلقي عليها ظلالك
لسنا نفكر فيك...فنحن قرأنا شفاه النخيل
وجئنا المساء نجوما لأسمائه،
وعْدك المستحيل يحاصر فيك الأيائل
يمتشق السهو كي فيه يغرس طعم الفراسخِ
وهْيَ تذيب صهيل المسافة
تلك حكايته...ومناط اختلالاته
منه للوقت سقنا المدارات ذات الفراغ الوثير
وذات البهاء الوجوديّ...
ها أنت تشرح خطوَ الغزال
وها أنت تمضي تجدد بيعتك الطللية للنهر
كنا نريدك رقما جميلا
فكنتَ هتافا مريرا يثير مناقبنا في صحائفها
ويشير إلى حجَرٍ كان يوقظ نافذةً
وإلى منحنىً فر من جبل خرِبٍ...
من دعاك إلى أن تلمَّ أديم السماء
وتخمش سردابها ثم تُحيي امتدادك ماءً ونارا؟
أدرْ لي يديكَ
لأسكب فوقهما غابة بمراجعها النادرةْ.
ــــــــــ
مسك الختام:
تفر الشمس من تعب النهار
إلى سرير الليل كي تغفو
و عند الفجر
يوقظها النهار
لكي يعانقها
و يأخذها لرحلته الجديدة.
أفتح السنوات التي تتأجل
وِفْقَ إرادتها
أدرك السر حيث أجوز إلى فكرة
آخر السطر تقبع في دفتر الروح
تحتها فُرْشةٌ للغبار
وقلبان لامرأتين تفيضان من معدن نادرٍ
في السهوب كانت الأريحية للماء
أدناه لم يمتلك قاب قوسين حتى استقال
وفضَّل نثْر الغواية من فوق أسمائه.