"تحرّضنى مغانيك
لأغرس ظفر محراثى ... بلحم الروح و الطين
أقلّب ظهر أيامى فألقاك
و تسعى عبر سوسنتى مراثيك
يحاكمنى شذى و يقصينى
و إن أفلست أشنقه بلا دين
يخرّ الليل صاحبتى و يعفينى
فما تأتى مغرّدة أمانيك
و أسرى ليس تعرفنى ... ثريّاتى و خلجانى
برغم اللام و النون ... تعاودنى مراعيك
فألثم صبحك الراضى ... و أرجائى تداويك
هنا كم بتّ أسحقه و يطوينى
فراق لا أبادره ... ملاقينى
و أعدو كيف ترفعنى أياديك
و تغذونى أجنّتها !
فأغفر ثورة فغرت خطاياها
و تخبرنى مراراتى ... بأنى لاهث وحدى
لأرقب قدح أحصنة ...
تدوّخنا مراميها ...
و لكن فى سنابكها : مراميك
..............................
صدى سوّفت باكره ...
و آخره ... ينادينى" .
تموج الملاحم فى مخدعى
و تهفو الدماء إلى مصرعى
أنحّيك يا قاتلى علّنى
أخطّ الحقيقة لا أدّعى
فيا ويح نفسى إذا صنتها
و يا ويلها فى شفا المرتع
حصار النهايات فى صولتى
و شوق البدايات فى أضلعى
حصدت الرجاء الهنيء الفتىّ
بغرس الضراعة من أدمعى
دعوت و لبّى الصباح الأبىّ
و قبل احتدام الرؤى يمنع !
و هذا المساء الرقيق استوى
على واحة من صبا طيّع
و أين العذاب و عهدى به
كخوف عزيز الأسى موجع
تمرّ القوافل لا تنتهى
و ليل المرارات للهجّع
يصبّ الخيالات فى أحرفى
فتصبو إلىّ من المنبع
و سيّان عندى مرور النسيم
و زحف الأعاصير للأربع
حقول الأزاهير : لن تورقى
و يا فجر كيف هدى المولع
حديث ألحّ على خاطرى
فمازال للحظ من مرجع
رويت البراءة شهد الندى
و لكن طفل الهوى مرضعى
فعدت بغير الذى جئته
أحاذر أن يختفى موضعى ! .
من لى بلحن يرقص الأطيارا
ليصوغ نهرا شيّقا جبارا
فيشقّ سهلا أو يبوح بحارا
ظمآن يسبح ثورة و فرارا
و النفس تزفر دمعتى أشعارا
أجترّ وردى بعدها إعصارا
من لى بقلب فى الحياة طروب
أو حرّ فكر يستبيح غروبى
يا ليل عمرى أنت كل نصيبى
سافرت عنك و للمصير دروبى
من أىّ صوب لفحة التعذيب
سكنت و بى شوق يبيد هروبى
من لى بوجه يبزغ الإشراقا
أو حلو خطو يقنص الإخفاقا
يختال عندى زهرة و فراقا
فمتى يعود مراوغى خفّاقا
يغذوه حلمى غاديا رقراقا
صانتك عينى رائعا دفّاقا
من لى بحب يحضن الأمواجا
و يفيء عرشى مرتقى و سراجا
للغيب أرنو لا أروم سياجا
يستلّ من صدرى فتى وهّاجا
ألقيه فى همّ الصبا مهراجا
فيرقّ حتى يستحيل فجاجا
من لى بعصر يمقت التزييفا
و رجال حقّ يسطعون حليفا
و أنا أصارع قاتلىّ نزيفا
مرقا على وطنى دمى و خريفا
و جلدت فى نزق هواك شريفا
تاريخ "قدسى" لن يساق حروفا .
عن الأحباب أستفتى
حصار البدء فى شفتى
و كم من مرة عبروا
إلى الأغوار فى صمتى
و عادوا ليت ما عادوا
كلفح النار إن تأتى
فباح العمر يا وعدا
و صار نداؤه أنت
وطيش الموج مزّقنى
و حتى بعدما كنت
و جنيّات أفكارى
تقيم الأرض من تحتى
غسلن بنورها كدرى
و باتت فى مخيّلتى
تلوّن ظل أيامى
و تبهج بالأسى نحتى
يفوح العطر محتشما
و يغزل بالهوى وقتى
لينسج ثوب حاناتى
على أنغام طيّعتى
فللأحباب أشواق
تعذّب جرح أغنيتى
هنا تفترّ ظامئة
و ملح اليمّ فى صوتى
أصب الماء فى فمها
لمرّ اليأس من فوت
و أعصر وجه مأساتى
لأسقى شهد سيدتى
يرفّ الخيل فى حلمى
فيبعث منتهى ثقتى
و للأحباب أحباب
تسافر خلف ألويتى .
يمرّ العمر يلفحنى / مع الأشواق تذكار
و ليل الحلم مفترس / مليح الهمّ جبّار
صبيّا كنت يا أملى / إليك تشبّ أخيلتى
و فى جنّات أيامى / عدمت مثاب معصيتى
حبيب لمّ أشتاتى / لأشرب قهوتى عنده
فأمهلنى إلى أمس / لتسكن دمعتى خدّه
صباحك عاد يغزونى / بشلاّلات أضواء
و مكتوفا أحاوره / ليشقى عمق أحنائى
و تلك النظرة الحيرى / قبيل رحيلك الثانى
سرت أنحاء أوصالى / و أغرت بالهوى شانى
لوجهك صغت أغنية / فيقبع رهن مرآتى
و صوتك ظلّ ألحانى / و وحى الفرحة الآتى
سبحنا فوق أمواج / عتياّت تحاصرنا
و لاح البدر مخطوفا / بأنسام تسامرنا
أسلّم رغم عينيك / عذابى كل إصرارى
و أغرف من رحيق الصبرما يغتال إبحارى
و ننحت صخرة الماضى / عفيّات من الحسره
سأحفر فيك أشعارى / طليق الوهم و الفكره
هنا غامرت أزمانا / طريدا مثل أوراقى
و أرجع لست أنساها / حفيّا طى أحداقى
و كان الوعد مجنونا / يطيح الزهر عن كفّى
و يجلدنى مزاميرا / تصبّ الوشم فى سيفى
و لما عزّنى مللى / و طاف الكون أسيانا
رأيت الفجر مرتدّا / و ضاع الحلم عنوانا
ربيعا دام لقيانا / لصيق الدفء مؤتلفا
يضيق بعطره صدرى / ثرىّ اللون مختلفا
و لفّ شتاؤه صيفى / فأمطر غربة الدرب
متى يا طيش أسمعها / "مساء الحب يا قلبى" .
لماذا أعيش : سؤال ألحّ على الأقدمين ..
و لا زال رغم احتواء الزمان ... يدور مع ألسن المحدثين :
لأعرف ربى و لست أقيم إليه السبيلا ؟
و أجهل حتى رفيقا دليلا ...
فأختار صمتى المنيع الأسير...
ليخلد شعرى ... و عمرى أقصر من نبضتين بقلب الوجود !
و لكن هو الأمل المستطار ...
لزهرة حبى ... و قد نبت الصبّار فى عوده ؟
فملت بساعده أرتوى ؛ ذبول الغرام على عهده ...
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لماذا أعيش : تسابيح روح هى اليوم أبعد عن راحتى
تعود بأمسى من الغابرين و تنطق حيرته المبهمه
و تألف ترداده بينما ...
تهوّم الآن بين النجوم ..
فيقنط عقلى ؛ و تزرو رياح بنفسى الشكوك !
تطلّ و تخفى نقاء الضمير و طيب النوايا إلى المستحيل
و فكرى حبيس الزوايا و عبد الطلول !
ـ ـ ـ ـ ـ
لماذا أعيش : مقال خطير و أيسر منه مرور النسيم ...
أهذا السؤال لقد أكبرتك الظنون ...
و سوّاك فعل الهوى باليقين ...
و ما كان أجدر منه إنزواء ...
كتلك الخرافة لا تستبين
يلوك تحدّثها المغرمون ؛ بدكّ حصون الحضارة فى كل حين ...
ـ ـ ـ ـ ـ
لماذا أعيش : كلام ضئيل يخرّ صريعا أمام هبوب الحقيقه ...
لكل أولئك سوف أعيش :
لأرفع للربّ شوق الخلاص ...
و خضر القصائد من مهجتى ...
و أسمع عينيك لو تشهدا : ضياء تزفّا إلى المنى !
فلما يرفرف بى عطرها ...
أطير لغصن بعيد وحيد !
أسامره ثمّ عن قصتى...
و تنصت كل الطيور ...
و أحكى لهن حديث فؤادى كما النظرة ...
فيضحكن ضحكى لها و يبكين مثلى هنا !.
شعر / عمر غراب
فى عصر كان الحب أثيريّا ... و الأحلام رخاء
دام البدر ألوفا .. أصفى من بلّور ذاب
وسعت دنياى شبابى و اصطفّ الرفقاء
صادفت عيونك فالتفّت حولى الأشياء
تأخذنى صغراها نحوك فى ألق منساب
و إذا شئت الكبرى ؛ أصغت فى همهمة هوجاء
وحدى لكن لست وحيدا يا أملا قد هام
أنت حياة منها تسرى ـ لو تبغين ـ آلاء الأيام
تفرح نفسى الحرّى .. أنّى بحت لتلك الكلمات المنتشيات
توقن روحى : أنك معنى وجودى ؛ لون صباحى ؛ عطرى الممراح
أنت لقلبى وعد : أن تتحقّق فى صحواتى ؛ ما خال الناس سراب الأوهام
أغفو أجدك .. أرنو أجدك ؛ أغمض عينى أو أتملاّك سواء
قدرى عندك جعل الأضداد بعمق فؤادى / يترادفن كجوهره المعطاء
ماذا يغنى إن ضيعتك عن عمرى / أو حتى سوّف فجر لقاء
بل سوف تكفّ و أبدا أحلى الأنغام
أغنياتى : أنت شذاها .. و التصاوير التى كم تملّقها الخيال
كيف تصبو فى غيابك يا أناشيد الرجاء
لحت فأوحى وجهك لى أمنية / عادت بعد رحيل / أغرق فى طىّ الأكوان .
تداعيات :
شعر / عمر غراب
1
ذات العينين الملهمتانى لثم الشوق
ذات النبرات الحيرى تهمس رسم الحق
ذات الخطوات مشيناها عند الفجر
ذات الشمس الحرّى تلقف جمر السحر
ذات المقعد من وقفتنا ضاق و مل
ذات الطرقات طويلا سار الليل
2
أين اليوم نقاؤك طهرى بل أين القلب ؟
أو قد غالته رؤى نفسى و زحام الدرب
آه منها لو عادتنى أو أهدتنى صمت الموت
و الآن أمرّ عليها لا يلقانى غير الفوت
أبكى ساعتها مثل الأمس ضحكت لوعد الحب
فدموعى كانت مرساة إن ثار الموج
3
ذات النظرة منها صغت العمر
هى صارت بعد غريق حوارى من إبريق الحزن
تتجرّد عنها أشجانى و يضجّ السمت
خانتنى حكمة أيامى فشنقت الصبر
أتأرجح بين تعاويذى و بهاء الصدق
4
ذات اللفتة كم أغرتنى لما حارت أن أفترّ
لا تذكرنى حين أراها قدر اللمح
ذات الوحدة قد جمعتنا دون الكل
كيف صباحى لم يعرفنى حتى ران غروبى الباكر فوق زوايا الروعات و حل
ذات الرقة منها انسابت نفحات الخلد
ذات الخصلات المصفوفة حول النحر
ذات اللحظة أغرقناها بالفرح الحر .
شعر / عمر غراب
أعليت أشجانى بصمتك قاتلى
و حديث عينيك الذى لم يعقل
كيف افترست عوالمى و تفرّدا
و بنيت صرحا من ضياع مذهل
أشقيت أحلامى بما ظلّلته
و أبحت للأيام بعض تجملى
هى نشوة كم تستحيل مدائنا
أرقت على صدرى و لم تتململ
مازلت أذكرها و أعرف أننى
قد صرت فى عبق يطيح بموئلى
أسرفت فى شنقى فبت تزورنى
و الموج يقذفنى لأسوأ منزل
قمر على سفريطوف ملوّحا
فعبير خديه المثير قرنفلى
يهفو إلى طيشى و كل ملاعبى
عطشى يغيّبها الضلال المصطلى
جوعان يأكلنى جنون ظالم
يحتدّ فى زمنى كأن لم يفعل
أشتاق رقتها و صفحة فجرها
؛ إيقاع ثورتهابسحر غائل
حاولت يا أملى أعود فلم أجد
غير الضلال يشقّ فارع مدخلى
شجر تصادره الظنون مشرّق
يصطفّ من حذر بنصف مغلّل
ظمآن يجتاح السراب مخادعى
غرقا ؛ فإن أغدقت لم يتقبّل
كالمدّ أوجاعى فهن روائع
أسفى لفيض من صباك مؤجّل
حتى إذا غادرت شطآن الأسى
كسرت تماثيلى و ألقت معولى
أين الحقيقة علّها تشفى رؤى
عبثت بما يدمى جديد تخيّلى
سقطت على وهم تلوذ بفاجر
ألف الضراعة عند كل تسوّل
تجتاز أوردتى نهاية موقف
مرّ المشاعر كالحريق الأوّل
غاد إلى الأوطان ليس تروقنى
إلا ضراوتها تشيّب مغزلى
يا "قدس" جرحك فى فؤادى غائر
من ذا يطاردنى بوجه هازل ! .