كيف نكتبُ قصيدةً واحدةً عَنِ الموت
الشاعر: محمود سليمان
\
فعلها ومات
مات عبد الرسول معله
لكنَّ روحَهُ التي تضج
ُّ بالفرح
تعرف كيف تنادي علينا واحداً واحداً
وتتركنا عيالاً طائشينَ في حلقةِ الشعر
ننادي يا أبانا الذي رحل
كيف نكتبُ قصيدةً واحدةً عن الموت
نعم فعلها
دون أن نكملَ حديثاً
أدرجناهُ في أجندةِ المواعيد
وذهب لينامَ وحدَهُ ..
يا حارسَ الضحكة
من يحرسُ الشعرَ
ويأخذُ بيدِهِ إلى بابِ البيت
من يدلُّ الغريبَ
على سفحِ هذا الجبلِ
من يجرُّ القصيدةَ إلي موعدِها الذي هربَ
من يُكملُ ذاكَ الحديثَ القديمَ؟
أنت أخرُ صدفةٍ طيبةٍ
بحَّةً صوتٍ عراقيٍ أعزلَ إلا من
قصيدتِهِ وروحِهِ التي تضجُّ بالفرحِ
صهرَ كنعانَ وبابلَ وحمورابي
وابن ماءِ التعبِ
لماذا تركتَ القصيدةَ تبكي ؟
هل حقا رحلت يا أبي؟؟
من سيشجعني أن أواصل المسير؟
من سيمسك بيدي ويرشدني إلى الصحيح؟
من سيعلمني الإعراب ويدلّني على أخطائي؟
من سواك يا أيها الكبير يسمعني
أحبك فهل تسمعني؟
تتلاطم أمواج القسوة بليلنا العاصف
من البعيد ..
ترتل مزامير الفقد نشيدَ الرحيل
تغيب مواسم الفرح
تنعدم الرؤية
تتهاوى الأشجار
مداراتٌ غريبة تنسج حولها هالاتِ وجع
مع دورة الفصول
يمتد فضاءٌ باتساع الرؤية
يغيّر المدى
نرتجف برداً في عز الصيف
يتصبب العرق في أوج البرد
ينصهر أنين الصوت
يتلاحم مع نزف الجرح
نتجرّع مرارة الصبار ولسع الأشواك
ورماد الشوق المنثور على صدر الأيام يحكي تأريخَ اللوعة
ووقعَ الخسارة ..
تتساقط أحرفنا.. ترتدي الحزن
تولول الأقلام
ويعتصر الألم ما بين السطور
وعلى جذوعه الملتاعة
تبكي القوافي.. ويئنّ الدرس
والليل بلا لون
والماء مُرٌّ
يسقي النهار كأس لا حول ولا قوة
والهواء غريبٌ ثقيل
و تنعق الغربان..
وآلة الجسم تتحرك عبرَ الخدر الكامن في الأوصال ..
تغوص في غياهب آبار الروح
وحنين الألم المثخن بأوجاع الغياب
يرحل النقاء خلف وادي البعد السحيق
يرافقه صوت نحيب مخنوق
طارقاً أبواب المستحيل المصلوبة على نوافذ الوهم
في مسيرة الزمان
وسراب الأحلام
يخيم الوجوم على وجه الليل
تتكسر حشرجة الموت
تستعر الجراح
يتدحرج الصوت....آآآآه
ويتيه الحلم
في أماكنَ ومحطات
لم يبق منها سوى أصداء الوجع
قصائد يغطيها جناح الحزن
ودموع محترقه بلهيب الفقد
وخيط نبض معلق
على رصيف ذكرى
بانتظار مرور الشمس
ووهج الحرف
وضوء القنديل
يسألني ما الذي حصل
كيف سأشرح له ؟
كيف سأشرح لهم ؟
ومن منهم سيفهم أو يعي عمق ما حصل !!
لقد ترجل... أفل نجم من سماء العراق
وترجل حامي لغة الضاد عن فرسه
هكذا بكل بساطة يتعمق الجرح في الفؤاد
يترك أثراً لا يمحى... لن يمحى
فما نسينا يوماً من ترجلوا وهم في قباب العلياء يرتعون
وكيف ننسى فارساً مطيته الحرف... الأدب... والإنسانية
هل رأيتم كيف يترجل الفرسان؟
يترجلون وقوفاً ويتركون مكانهم يملأه ضجيج الفاجعة
هكذا كان هو
إنساناً... أديباً... شاعراً
عاش بأخلاقه التي لا محالة ستكون شفيعه عند رب غفور
هل تراهم يفهمون
أن الفقد العام وأن الجرح أعمق من عميق
وأن القلب يبكي الأوفياء المخلصين؟
هل يعلمون
أن الكبار يموتون كأعجاز النخل لا يسقطون
وأنه كان كبيرهم بما ملك
وأطيبهم
وأكثرهم قرباً من قلوب من عاشروه؟
هل يفقهون
كيف تكون الخسائر عندما يترجل العمالقة دون سابق إنذار
دون أن يميل جنبهم صوب الفراش؟
لله درك من فارسٍ
ترجل بقمة مجده صوب الخلود
بكتك عيون كل من خططت له كلمة يا أبا عدنان
إلى الجنان... إلى الجنان بإذن الرحيم الرحمن
عهداً ستبقى من وشوم الذاكرة
وممن حفروا أسماءهم في دفاتر المجد
طب مقاماً يا كبير
فمثلك لا يليق به إلا الطيب
رحماك ربي بمن وفدك
اللهم أنه كان عند حسن ظن الجميع
فكن به خير شفيع