حجَرٌ مبْهَم
شعر مصطفى معروفي
ـــــــــــــــــ
في مدار تقود إليه الكواكب
أقعى السديم
وشكّل وجهته نحو
مقبرة الشبُهاتِ
أُقِرُّ بأني اختصرْتُ جنوني
فألفيت رمانة تتميز نارا
إلى أن أضفتُ إليها قميصا
بلون الشهور الرتيبة
(قد طاف بي حجر مبهمٌ
لامستْه يدي
فانطفى مثل ديكٍ حرون)
رأيت المساء الذي دنت الطير منه
يقيس السماء بسنبلة سحبتْ
من ضفائرها وهجا له
سحنة الزلزلةْ
يعرف البرق أني أجيء
سلاحي الثلوج
بنودي الشجيرات ذات اليفاع
وخيلي المواسم حين تقام
على نيةٍ دانيةْ
سأجر المواويل نحو النهايات
والعدد المنحني
إن رهن يدَيَّ صباح يؤسس خدمته
للطيور التي تتجمع
عند الغديرِ
مداري له أفُقٌ
بعضُ آياته الله والرمل
والاحتمال الوضيء،
لكم مصطلاكم
ولي شغفُ الأرض/أملودُها الملكيُّ
وصاحبها المتبتل في حجر ساطع
كفقاعةِ ماءٍ بها افتتنتْ نملةٌ
ساعةَ النومِ،
سوف أدلُّ الطيور على
منبع للزوابعِ
أغسل باليرقات الشموس التي
تحتفي بخيوط الدخان الوسيم.
ـــــــ
مسك الختام:
عيون حبيبي صباحٌ
يحب التجول بين
حقول الخزامي
ليعطي العصافير تاج الولايةْ.
حَيَوَات
شعر مصطفى معروفي
ــــــــــ
1ـ جهة:
صارت أمنيتك أن تمشي
قرب الغابةِ
أن تعبر نهرك رهواً
وتكون الأوْلى بالجهة المشرفة
على الأكمةْ.
2ـ قصب:
قصب يحكي أنثاه
يَصْفنُ بين الساعد
والترقوّة
كنت أظن معابرهُ
أعمق من خيبةِ بطلٍ
والأعلى منها
هوالمطر الأرثوذكسي الواحد.
3ـ مرآة:
أيتها المرآةُ
أنا اليوم أميركِ
والنهر قميصكِ
لو أنسكبُ من الدِّيَمِ الحجلاءِ
وأصبح بين يديكِ
رياحا نابضة بمواقيت النخلِ
على الساحلِ
آهٍ
حينئذٍ
سأكون سعيداً و..... سعيدا.
4ـشجر:
أتذكّر لهبي المتسع الشيِّقِ
أوقِن أنَّ الشجرَ الحانِيَ يغلق
ناشئةَ الليلِ
بقبَّعة البحرِ
ويُوثِرُ
أن يمكُرَ ضربةَ لازبْ.
5ـ طين:
يسبقني الطين إلى
مأثرة الماءِ
ولا يترك لي الفرصةَ
كي أُشْعِلَ خمسَ جهاتٍ
في الأفق الشارد في الشرْق.
ــــــــــــ
مسك الختام:
مشَــيْـــــتُ بدنيا الناس أكشف حالَها
فأحرزْتُ في مشيي الكثيرَ منَ النقَطْ
وألفــيـــتُ أنـــي لـــــو أُغرْبِلُ من أرى
(أهمْ أهْلُ تقوى؟) ربما ما امرؤٌ سَقَطْ
ربما تشبه الأرض بعضي
شعر مصطفى معروفي
ــــــــــ
ها أنا واقفٌ نِصْبَ
بوّابةِ الشرقِ
أقرأ ثَمّةَ فِهْرِسِتَ الريحِ
برزخها نادِرٌ
بينما الماء يهمسُ
والبرجُ يوغلُ في الزَّعمِ
والمصطلى يتثاءبُ
من سيراني
يظنُّ المياه تجيء فرادى
لكي تتحدَّث لي عن عصافيرَ
كانت إلى الأمس تخضرُّ
ساعتَها ينبري النهرُ مؤتلقاً
ويمدُّ إليها ذراعيْهِ
إني إلى نجمتي لحبيبٌ أريبٌ
ولي طرقٌ سهلةٌ للمدائنِ
أحتفل اليوم متقدا
بطقوس البديهةِ
أحمل مزولة الطينِ
علَّ المدينةَ تعرفني
فتقيس بحاناتها خطّواتي
هنا الأرض خلفي
هنا قفصٌ سأراهنُ
أنَّ به بلبلاً قلّما نام
وفْقَ فحولتهِ...
للفراغ الذي صارَ بينَ الأناملِ
غيمُ الخليقةِ
دائرة المشتهى،
للوجوه التي في الجدار
دم الابتداءِ
رواء الكرومِ،
ألا إنني واحدٌ
ربما تشبه الأرض بعضي
وما زلت أمشي إلى النخلِ
ثم أعود إلى البيْتِ
كي أجدَ الأصَّ في الباب منتظرا لي
بكل نشاط وَجيهٍ.
ــــــــــــــــ
مسك الختام:
بارك الله في امرئٍ ذي صَوابٍ
هــوَ أعلى لكن يـــــرانا الأعلى
نحنُ مِــنْـــــهُ أدنى ولكن لديهِ
خـــلُـــقٌ قد سَمَـــا بهِ ليسَ إلّا
إلى جانب البئر
شعر مصطفى معروفي
ـــــــــــ
"في المدارة
سرب من العربات الوطيئة
بالقرب منها
ذباب يطنّ"
يصيح الفتى هكذا
بين كفيه كان يحاصر مروحة
من زبدْ
طائر فوق سطوح الرياح
يمارس نقل أغراضه للفجاج
ويحذر أن يدخل البرج
كي فيه يسرج أروقة الطيف تحت
صدور الحمام
(متى سلم الليل قوس النهار
إلى حانة
ثم سار إلى ذاته؟)
أنت بين الصعود وبين النزول
ألفْتَ تميط من النهر أسماء من رحلوا
وتحب المنازلَ
أنت بها تقيم الطقوس التليدة
تقرأ كف المدى
فتمد المراثي إلى الأصدقاء
بلا صخب
وإني عرفتك تمشي وحيدا
إلى صخرة الوقتِ
تأخذها فجأة
ثم تكبر ضربةَ لا زبْ...
إلى جانب البئر
قد نزلت نخلةٌ
حينما استيقظت
كان يبدو لها
لكأن أصابعها احترقت
وكأن الغيوم تملّكها شجر مولع
باحتدام الغوايات بين أنامله.
ـــــــــ
مسك الختام:
قم إلى الشاعـــر وارفع قدرهُ
ميّتا قد كـــان أو قد كان حيّا
كم ترى من شاعرٍ فوق الثرى
بينما هــمـــتـــــه فوق الثريّا
إنها غيمة جمحت في المدى
شعر مصطفى معروفي
ـــــــــــ
دأبت تكتفي ببعولتها
ثم راغت إلى قصب ناشئ
في يمين البحيرة
أعطته قسْطَ رغاء
وقادت خطاها إلى العتَمةْ
إنها غيمة جمحت في المدى
هرعت تنتقي للبيوت صهيل الظلال
نالت صدى لافِتا
من جميع الجهات
ملكْت رفيف البدايات
أعطي الأيائل تبر الغضا
ومعي الاحتمال
سأشعل في الشجرات معاطف فتنتها
أستميل الهواء الشقيق
إلى رئتي
ثم أنفخ ناي المواسم في
معدن الريح
أغفر للمدن المشمخرّات مَيْنَ ذراها
أنام على برهة متحدّبةٍ
أرْشدَتْهاإلي البروق التي أومضت
داخل المقبرةْ...
إن ذاك القميص الوسيم المعلّق
فوق محيّا الجدار
له أن يقوم بتوبيخ ياقته
إن هي اغتنمت فرصة الليل
واتسعت في الأناقة
حدَّ الغلوّ المبين.
ـــــــــــــــــ
مسك الختام:
مذهبي في الحـيـاة عيشُ حيادٍ
لا أبالــي مـن اشــتــرى أو بــاعا
من نـأى عني قالــيــا قــدْر شبْرٍ
سوف أنأى عنه ـ ولا شكَّ ـ باعا
حدّثني الشيخ الثقةُ
شعر مصطفى معروفي
ــــــــــــ
ها كُم فرحي
إني أحتفل اليوم بدالية العشق
على الأرض وضعت حمولة هوَسي
حتى لاعِجَ لغتي
وتباريح مسافاتي العذبةِ
كم كنت سعيدا
وأنا أرمق قصب النهر الواقف
في الضفة
وأراجعه في مسألة العشب الممتد
إلى عنق القرية
ما زلت إلى الآن أذكّره بوداعته
بالأمس فقط رزت خطاه
فقادتني صوب مواقفه
أبهجني جدا أن أجد الطين ومنذ قديم
كان له سندا
وأرى الطير عليه عاكفة تلقي
بين يديه البيعة تلو الأخرى،
أورقت الأيامُ
أفاء الغيم على الطرقات
بظل خضِلٍ نامٍ
وتمادى حتى قدَّمَ أبراج الصمت
إلى الطينِ علانيةً
وبلا عددٍ
صوّبت النظر إليه
ثم بسطت له يمنايَ
وصرت أطالع ما يزعمه عن شخص الغدِ...
حدّثني الشيخ الثقةُ فقال:
"صباحَ اليوم
تمنى جاري الكثّة لحيتهُ
أنْ لو كل طريق عامّ صار
يجاور ميناءً
وتجنّبَ إكثار الوصف لحالته المدنيةِ".
ـــــــــــــــــ
مسك الختام:
بلا سـبـب مــال عـنـي وصــارَ
يمــارس عكـس الدنـوّ التنائي
فأصبح بعـدُ كلاشــيءَ عندي
وأحسست أني تلاشى عنائي
مثل الطلح على شفة النبعِ
شعر مصطفى معروفي
ــــــــــــ
تسمعني الريح
إذا هي لم تتنكّبْ
لبلابة بيتي
منها أعرف أن الشرق
له جهة ثانية وقريبا
سيسير إليها
حتى يرفع عنه الكلْفةَ ويصير
طريقا مفتوحا
للكرَز خلال مواسمه
تلك اللاتقليدية ،
يرتاح دمي ساعةَ أغلقه
كي ينمو مثل الطلح على
شفة النبعِ
وأصعد من حمَإي
لكأني أقرأ دائرة تحتاج
إلى القوسِ
يؤرقني الطين المضروب
على العتباتِ
فأمتح من مددي
سمة الصمتِ
وأهتف في سمع العالمِ:
"هذا عددي
ولهيبي العذب المخضرُّ
ومشكاتي ذات النفَسِ الشاهقِ"
قبل مجيئي عند النخلةِ
كنت أشيّدُ برجا للفيضانِ
وأجري حتى آخر ظلٍّ
رهنَ يدي
ثم سكبت حماسا منقطع الندِّ
على أسئلتي الخاصّةِ...
اَلمِحنةُ تعرفني
وأنا أعرفها
إذْ لما صادفني الرجل المورقُ
في الشارعِ
قطّب في وجهي
ثم أطال النظر إلى مبنى البلَديّة.
ـــــــــــــ
مسك الختام:
ويحيا قريبا منك من عنك قد نأى
إذا معه قدعشتَ ترضيكَ أخلاقُهْ
ويحيا بعيدا عنــك من أنت جاره
إذا بالأذى أصْمَتْ لك الأذْنَ أبواقُهْ