سعد بن عبادة رضي الله عنه
إنه سعد بن عبادة -رضي الله عنه- زعيم الخزرج، وحامل راية الأنصار، أمه عمرة بنت مسعود، وكان يكنى أبا ثابت، وأبا قيس، وقد أسلم مبكرًا، وحضر بيعة العقبة الثانية مع سبعين رجلاً وامرأتين من الأنصار، وكان أحد النقباء الإثني عشر.
ورغم أن سعدًا كان سيد قومه، لم تمنعه تلك السيادة من أن ينال قسطًا من تعذيب قريش، وذلك أنه بعد أن تمت بيعة العقبة الثانية، وأخذ الأنصار يستعدون للسفر والرجوع إلى المدينة، علمت قريش بمبايعتهم للنبي (، واتفاقهم معه على الهجرة إلى المدينة ليناصروه ضد قوى قريش، فجن جنونهم، وطاردوا المسلمين، حتى أدركوا منهم سعد بن عبادة، فأخذه المشركون، وربطوا يديه إلى عنقه، وعادوا به إلى مكة حيث التفوا حوله يضربونه، وينزلون به أشد العذاب.
يقول سعد: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع عليَّ نفر من قريش فيهم رجل وضئ، أبيض، شعشاع من الرجال (يقصد سهيل بن عمرو)، فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير، فعند هذا، فلما اقترب مني رفع يده فلكمني (ضربني) لكمة شديدة، فقلت في نفسي: لا والله، ما عندهم بعد هذا من خير، فو الله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى (جاء) إلى رجل ممن كان معهم فقال: ويحك، أما بينك وبين أحد من قريش جوار؟ قلت: بلى، كنت أُجير لجبير بن مطعم تجارة، وأمنعهم ممن يريد ظلمهم ببلادي، وكنت أجير للحارث بن حرب بن أمية، فقال الرجل: فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما من جوار، ففعلت،
وخرج الرجل إليهما، فوجدهما في الكعبة، فأخبرهما أن رجلا من الخزرج يضرب بالأبطح، وهو يهتف باسميهما أن بينه وبينهما جوارًا، فسألاه عن اسمي، فقال: سعد بن عبادة، فقالا: صدق والله، وجاءا فخلصاني من أيديهم.
[ابن سعد].
وعندما هاجر الرسول ( وأصحابه إلى المدينة استقبلهم سعد خير استقبال، وسخر ماله لخدمتهم، وعرف سعد بالجود والكرم، وبلغت شهرته في ذلك الآفاق، وكان دائمًا يسأل الله المزيد من رزقه وخيره، فيقول: اللهم هب لي مجدا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلُح عليه. [الحاكم].
وكان الرجل من الأنصار يستضيف واحدًا أو اثنين أو ثلاثة بينما هو يستضيف ثمانين، وكان مناديه يصعد أعلى داره وينادي: من كان يريد شحمًا ولحمًا فليأت. وقد دعا له النبي ( فقال: (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة) [أحمد].
وكان سعد يجيد الرمي، وكانت له فدائية وشجاعة فائقة، قال عنها ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان لرسول الله ( في المواطن كلها رايتان؛ مع علي راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار.
[عبد الرزاق وأحمد].
ووقف سعد بن عبادة موقفًا شجاعًا في بدر، حينما طلب النبي ( مشورة الأنصار، فقام سعد مشجعًا على القتال، فقال: يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
[أحمد ومسلم].
وفي غزوة الخندق تجمعت القبائل الكافرة ضد الإسلام، وحاصرت المدينة، وعرضت قبيلة غطفان على النبي ( أن ينسحبوا من جيش الأحزاب، ولا يقفوا مع الكفار، في مقابل أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة، فشاور الرسول ( كلا من سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في هذا الأمر، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به، ولابد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال رسول الله (: (إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة).
فقال سعد بن معاذ: والله يا رسول الله، ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية، فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله (: (فأنت وذاك) [ابن هشام]. وبعد وفاة النبي ( اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، والتفوا حول سعد بن عبادة منادين بأن يكون خليفة رسول الله ( من الأنصار، ولكن عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح رأيا أن أبا بكر أحق بالخلافة بعد رسول الله (، فوافق المسلمون على رأيهما، وبايع سعد أبا بكر -رضي الله عنه- بالخلافة، وتوفي سعد في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
نسبه
هو : سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن النعمان بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
البيعة
وذلك بعد أن تمت بيعة العقبة سراً، وأصبح الأنصار يتهيئون للسفر، علمت قريش بما كان من مبايعة الأنصار واتفاقهم مع الرسول على الهجرة إلى المدينة حيث يقفون معه ومن ورائه. جنّ جنون قريش فراحت تطارد الركب المسافر حتى أدركت من رجاله سعد بن عبادة فأخذه المشركون، وربطوا يديه إلى عنقه بشراك رحله وعادوا به إلى مكة، حيث احتشدوا حوله يضربونه وينزلون به ما شاءوا من العذاب.
بعد أن هاجر رسول الله إلى المدينة، سخّر سعد أمواله لخدمة المهاجرين. كان سعد جوادا بالفطرة وبالوراثة فهو ابن عبادة بن دليم بن حارثة الذي كانت شهرة جوده في الجاهلية أوسع من كل شهرة. ولقد صار جود سعد في الإسلام آية من آيات إيمانه، فقد قال الرواة عن جوده هذا: " كانت جفنة سعد تدور مع النبي في بيوته جميعا ". وقالوا: " كان الرجل من الأنصار ينطلق إلى داره، بالواحد من المهاجرين، أو بالاثنين، أو بالثلاثة. وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثمانين ". من أجل هذا، كان سعد يسأل ربه دائما المزيد من خيره ورزقه. وكان يقول: " اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه ". ومن أجل هذا كان خليقا بدعاء رسول الله له: " اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة ".
ولم يضع سعد ثروته وحدها في خدمة الإسلام، بل وضع قوته ومهارته. فقد كان يجيد الرمي، وفي غزواته مع رسول الله كانت فدائيته حازمة وحاسمة. يقول ابن عباس: " كان لرسول الله في المواطن كلها رايتان، مع علي بن أبي طالب راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار ".
ترشيحه للخلافة
بعد وفاة النبي اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، والتفوا حول سعد بن عبادة منادين بأن يكون خليفة رسول الله من الأنصار، ولكن عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح رأيا أن أبا بكر أحق بالخلافة بعد رسول الله.
وقد أورد الامام أحمد مبايعته كالتالي: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال: " فداك أبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً مات محمد ورب الكعبة " – وفيه – فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا ذكره وقال: " لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً، سلكت وادي الأنصار " ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: " قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم "، فقال له سعد: " صدقت نحن الوزراء وأنت الأمراء ".[1][2] وفي نص آخر أن أبا علقمة قال لسعد بن عبادة: " ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟! ".
وفاته
قال ابن عبد البر في ترجمة سعد بن عبادة: وقالوا أنه وجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا: قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده. ويقال: إن الجن قتلته. وروى ابن جريج عن عطاء قال: سمعت الجن قالت: قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده. وقال ابن الأثير: فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام. وقال ابن سيرين: بينا سعد يبول قائما إذ اتكأ فمات، قتلته الجن. وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن عون عن محمد أن سعد بال وهو قائم فمات فسمع قائلا يقول قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة، ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده. وعن عبد الأعلى أن سعد بن عبادة بال قائما فرمي فلم يدر بذلك حتى سمعوا قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: أول مدينة فتحت بالشام بصرى وفيها مات سعد بن عبادة. [3]
كان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكان يحسن العوم والرمي؛ ولذلك سُميَ الكامل.
قصة إسلام سعد بن عبادة :
شهد سعد بيعة العقبة مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثني عشر. وكان سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة لما أسلموا يكسرون أصنام بني ساعدة.
أثر الرسول في تربية سعد بن عبادة :
لما أُصيب زيد بن حارثة أتاهم رسول الله ، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله ، فبكى رسول الله حتى انتحب، فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: "هذا شوق الحبيب إلى حبيبه".
ولم يقتصر التعليم أو التربية على الإيمان فقط، بل امتد إلى أكثر من ذلك، فيعلمه النبي بأن يأخذ حذره، وذلك لما دعاه رجل من الليل فخرج إليه، فضربه الرجل بسيفٍ فأشواه، فجاءه النبي يعوده من تلك الضربة، ولامه على خروجه ليلاً، وهذا هو موضع الفقه.
أهم ملامح شخصية سعد بن عبادة :
1- شدة غيرته :
عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 2]، قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله : "يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟", قالوا: يا رسول الله، لا تلمه؛ فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرًا، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: "والله -يا رسول الله- إني لأعلم أنها حق، وأنها من عند الله، ولكني تعجبت أني لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فو الله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته!".
2- جوده وسخاؤه :
كان سعد بن عبادة حاله كحال آبائه في الجاهلية في السخاء والكرم، وكان مشهورًا بالجود، وكان لهم أُطُم[1] يُنادى عليها كل يوم: "من أحب الشحم واللحم، فليأتِ أُطُم دليم بن حارثة". ولمّا قدم النبي المدينةَ كان يبعث إليه كل يوم جفنة القصعة من ثَرِيد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله في بيوت أزواجه.
3- ثباته على رأيه :
ويتضح ذلك في يوم السقِيفة، لما همّ الأنصار ببيعته ثم بعد ذلك آلت البيعة إلى أبي بكر الصديق ، فظل ثابتًا على رأيه، ولم يبايع أحدًا إلى أن مات.
مواقف سعد بن عبادة مع النبي :
موقف سعد بن عبادة في غزوة بدر :
لما أراد الله اللقاء بين المسلمين والكافرين، وكان المسلمون يريدون القافلة، أراد النبي أن يعرف رأي الأنصار، فشاور النبي أصحابه حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقال سعد بن عبادة : "إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكباد الإبل الغماد لفعلنا". فندب رسول الله الناس.
بكاء النبي لمرض سعد بن عبادة :
يقول عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فقال: "قد قضي؟" قالوا: لا، يا رسول الله. فبكى النبي ، فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا، فقال: "ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم، وإن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه".
دعاء النبي لسعد بن عبادة :
يروي أنس أن النبي جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي : "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصائِمُونَ، وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ".
من مواقف سعد بن عبادة مع الصحابة :
موقف سعد بن عبادة يوم السقيفة :
حينما بعث أبو بكر الصديق إلى سعد بن عبادة أن أقبلْ فبايعْ، فقد بايع الناس وبايع قومك، قال: "لا والله، لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي، وأقاتلك بمن تبعني من قومي وعشيرتي". فلما جاء الخبر إلى أبي بكر لم يُلقِ له بالاً، وتركه وشأنه؛ فقد كان سعد بن عبادة وحيدًا في ذلك.
موقف سعد بن عبادة مع عمر بن الخطاب :
لما ولي عمر لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال: إيه يا سعد! فقال: إيه يا عمر! فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ فقال سعد : نعم، أنا ذاك، وقد أفضى إليك هذا الأمر، كان -والله- صاحبك أحب إلينا منك، وقد أصبحت كارهًا لجوارك. فقال عمر : إنه من كره جوار جاره تحول عنه. فلم يلبث إلا قليلاً حتى انتقل إلى الشام، فمات بِحوران.
لم يقل سيدنا سعد هذه الكلمات لسيدنا عمر بدافع البغض والكراهية؛ فإن رجلاً كسعد صاحب رسول الله يعرف تمام المعرفة مقياس الحب والبغض، وأنه لا يكون إلا لله، ولكن قد يكون ترك سيدنا سعد لجوار سيدنا عمر حتى لا تحدث خلافات فتتسع الهُوة بينهما.
بعض كلمات سعد بن عبادة :
كان سعد بن عبادة يقول: "اللهم هب لي مجدًا ولا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه".
وقال يوم السقِيفة بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب؛ إن محمدًا لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ وبكم قرير عين، استبدوا بالأمر دون الناس؛ فإنه لكم دون الناس".
منزلة سعد بن عبادة ومكانته :
روى أبو داود من حديث قيس بن سعد أن النبي قال: "اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة". وروى أبو يعلى من حديث جابر قال: قال رسول الله : "جزى الله الأنصار خيرًا، لا سيما عبد الله بن حرام وسعد بن عبادة".
أهم ملامح شخصيته رضي الله عنه 1ـ شدة غيرته رضي الله عنه:
عن ابن عباس قال: لما نزلت: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا" النور آية 2..
قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ " قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، وما طلق امرأة قط فأجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: والله ـ يا رسول الله ـ إني لأعلم أنها حق، وأنها من الله، ولكني تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى أتى بأربعة شهداء فو الله لا أتى بهم حتى يقضي حاجته!!
2ـ الجود والسخاء:
كان سعد بن عبادة حاله كحال آبائه في الجاهلية في السخاء والكرم وكان مشهوراً بالجود هو وأبوه، وجده، وولده، وكان لهم اطم ينادى عليها كل يوم من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة.
وروي: أن سعداً كان له منادياً ينادي على اطمه: من كان يريد شحماً ولحماً فليأت سعداً، وكان سعد يقول: "اللهم هب لي مجدًا ولا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه.
وعن محمد بن سيرين: كان سعد بن عبادة يعشي كل ليلة ثمانين من أهل الصفة.
وكانت جفنه سعد تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه.
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره.
لقد صار جود سعد في الإسلام آية من آيات إيمانه القوي الوثيق سخره هذا العبد الصلح ذو القدم الوثيق في الإسلام لخدمة دينه وجاهد بماله في الله أعظم الجهاد.
وعن جويريه قالت قيس يستدين ويطعم، فقال أبو بكر وعمر إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه، فمشيا في الناس، فقام سعد عند النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم "إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت".
3ـ حدته وشدته:
ويظهر ذلك جلياً في حادث الإفك لما رد على سيدنا أسيد بن الحضير وتشاور الحيان حتى كاد أن يقع بينهم شر إلى أن أسكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4ـ ثباته على رأيه:
ويتضح ذلك في يوم السقيفة. لما هم الأنصار ببيعته ثم بعد ذلك آلت البيعة إلى أبي بكر الصديق فظل ثابتاً على رأيه ولم يبايع أحد إلى أن مات.
مواقف من حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم موقفه في غزوة بدر:
لما أراد الله اللقاء بين المسلمين والكافرين وكان المسلمون يريدون القافلة أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي الأنصار فيقول أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقال سعد بن عبادة: إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب اكباد الإبل الغماد لفلنا، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس.
وبكى النبي صلى الله عليه وسلم لمرضه:
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه سلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فقال: "قد قضي؟ " قالوا لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا فقال: " ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه. او يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه"..
موقفه يوم فتح مكة:
أخبر ابن إسحاق:عن عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوي امر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كداء وكان الزبير على المجنبة اليسرى، وأمر سعد بن عبادة أن يدل في بعض الناس من كدي قال ابن إسحاق (من المهاجرين): فزعم أهل العلم ان سعداً حين وجه داخلاً قال: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة، فسمعها رجل. قال بن هشام: يقال أنه عمر بن الخطب، فقال: يا رسول الله أتسمع ما يقول سعد بن عبادة؟ ما نأمن أن يكون له في قريش صولة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي:" أدركه فخذ الراية منه فكن انت الذي تدخل بها"..
وذكر غير محمد ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكي غليه أبو سفيان قول سعد بن عبادة حين مر به، وقال: أبا سفيان اليوم يوم ملحمة، اليوم تستحل الحرمة ـ يعني الكعبة ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة، وامر بالراية ـ راية الأنصار ـ أن تؤخذ من سعد بن عبادة كالتأديب له، ويقال: إنها دفعت إلى ابنه قيس بن سعد.
وقال موسى بن عقبة عن الزهري:دفعها إلى الزبير بن العوام فالله أعلم.
موقفه يوم غنائم حنين:
يقول أبو سعيد الخدري: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم حنين قسم للمتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقى والله رسول الله قومه، فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم؟ فقال: فيم؟ قال: فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب ولم يكن فيهم من ذلك شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة فإذا اجتمعوا فأعلمني" فخرج سعد فصرخ فيهم فجمعهم في تلك الحظيرة، فجاء رجل من المهاجرين فأذن له فدخلوا وجاء آخرون حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه فقال: يا رسول الله قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، حيث أمرتني أن أجمعهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار آلم آتكم ضلالاً فهداكم الله،، وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم".
قالوا بلى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا تجيبون يا معشر الأنصار؟ قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وبماذا نجيبك؟ المن لله ولرسوله قال: "والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم جئتنا طريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك، وخائفاً فأمناك، ومخذولاً فنصرناك، فقالوا: المن لله ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوماً أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصر أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار" قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا بالله رباً ورسوله قسماً ثم انصرف وتفرقوا.
موقفه يوم وفاة أمه:
روى البخاري أن ابن عباس قال: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه أخا بني ساعدة توفيت امه وهو غائب عنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شئ إن تصدقت به عنه؟ قال نعم قال فإني أشهدك أن حائطي بالمغراف صدقة عليها.
ومن مواقفه ما أخبر به عروة عن أسامة بن زيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه يعود سعد بن عبادة في بني حارث بن الخزرج قبل وقعة بدر فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المسلمين عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه بردائه وقال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال له عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا فمن جاءك فاقصص عليه. قال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي - قال كذا وكذا ). فقال سعد بن عبادة أي رسول الله بأبي أنت اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب}. الآية.
ويروي أنس رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ"
ومن مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يرويه عبد الله بن سعد الأسلمي، عن آل نضلة الأسلمي، أنهم خبروا أن زاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلت، فحملوا جفنة من حيس فأقبلوا بها حتى وضعوها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: "هلم يا أبا بكر، فقد جاءك الله بغداء طيب"! وجعل أبو بكر رضي الله عنه يغتاظ على الغلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هون عليك، فإن الأمر ليس إليك، ولا إلينا معك"! قد كان الغلام حريصاً ألا يضل بعيره، وهذا خلف مما كان معه. فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله وأبو بكر، وكل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شبعوا.
قال: وجاء سعد بن عبادة وابنه قيس بن سعد بزاملة تحمل زاداً، يومان رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يجدا الرسول صلى الله عليه وسلم واقفاً عند باب منزله قد أتى الله بزاملته، فقال سعد: يا رسول الله، قد بلغنا أن زاملتك أضلت مع الغلام، وهذه زاملة مكانها. فقال رسول الله، قد جاء الله بزاملتنا فارجعا بزاملتكما بارك الله عليكما! أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتك منذ نزلنا المدينة؟ قال سعد: يا رسول الله، المنة لله ولرسوله، والله يا رسول الله، للذي تأخذ من أموالنا أحب إلينا من الذي تدع. قال: صدقتم يا أبا ثابت، أبشر فقد أفلحت! إن الأخلاق بيد الله عز وجل، ومن أراد الله أن يمنحه منها خلقاً صالحاً منحه، ولقد منحك الله خلقاً صالحاً. فقال سعد: الحمد لله الذي هو فعل ذلك! قال ثابت بن قيس: يا رسول الله، إن أهل بيت سعد في الجاهلية سادتنا والمطعون في المحل منا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لهم ما أسلموا عليه".
مواقف من حياته مع الصحابة رضوان الله عليهم:
موقفه في حادث الإفك:
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في حديثها عن حادث الإفك فيما روى عنها:
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فخطبهم، لا أعلم بذلك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيراً ويقولون ذلك لرجل، والله ما علمت منه غلا خيراً، ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي".
قالت: وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي ابن سلول في رجال من الزمع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده فيرها، فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيراً، وأما حمنة فأشاعت ذلك من ذلك ما أشاعت تضادني لأختها فشقيت بذلك، فلما قال رسول الله تلك المقالة قال اسيد بن حضير يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك فو الله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم..
قالت: فقام سعد بن عبادة، وكان قبل ذلك يرى رجلاً صالحاً فقال: كذبت لعمر الله، ما تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا فقال: أسيد بن حضير كذبت لعمر الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين، قالت وتثاور الناس حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر.
موقفه يوم السقيفة:
يقول الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدى أن أبا بكر بعث إلى سعد بن عبادة أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال لا والله لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي وأقاتلك بمن تبعني من قومي وعشيرتي فلما جاءالخبر إلى أبي بكر قال بشير بن سعد يا خليفة رسول الله إنه قد أبى ولج وليس بمبايعكم او يقتل ولن يقتل حتى يقتل معه ولده عشريته ولن يقتلوا حتى تقتل الخزرج ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر فإنه ليس بطائركم فإنه رجل وحدة ما ترك.
هذا ما أجاب به سعد بن عبادة من دعوه إلى مبايعة بي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة وليس له أنصار ولا أغلبية لقد طمع في الخلافة وظن ان قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق من حياتهم إنه توعد وهو بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه.
وقال الإمام أحمد: عن حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في حائفة من المدينة. قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال فداك أبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً أمات محمد ورب الكعبة، فذكر الحديث قال فانطلق أبو بكر وعمر يتعادن حتى أتوهم (أي الأنصار في سقيفة بني ساعدة)، فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا ذكره، وقال لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار" ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنت قاعد: قريش ولاة ها الأمر، فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم فقال له سعد صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء ـ موقفه مع سيدنا عمر بن الخطاب:
لما ولى عمر لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال إيه يا سعد فقال إيه يا عمر فقال عمر أنت صاحب ما أنت صاحبه فقال سعد نعم أنا ذاك وقد أفضى إليك هذا الأمر كان والله صاحبك أحب إلينا منك وقدوم والله أصبحت كارهاً لجوارك فقال عمر إنه من كره جوار جاره تحول عنه فقال سعد أما أني غير مستنسئ بذلك وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك. قال فلم يلبث إلا قليلاً حتى خرج مهاجراً إلى الشام في أول خلافة عمر بن لخطاب فمات. لم يقل سيدنا سعد هذه الكلمات لسيدنا عمر رضي الله عنه بدافع البغض والكراهية فإن رجلاً كسعد صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف تمام المعرفة مقياس الحب والبغض وهو لا يكون إلا لله وأن هذا الأمر هو من مكملات الإيمان كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم من أحب لله وأبغض لله........ الحديث ولكن قد يكون ترك سيدنا سعد لجوار سيدنا عمر حتى لا تحدث خلافات فتتسع الهوة بينهما.
بعض كلماته كان يقول "كان سعد بن عبادة يقول اللهم هب لي مجداً ولا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا بمال اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه.
قال سعد في يوم السقيفة بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
( يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب. إن محمدا عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله ولا أن يعزوا دينه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة فرزقكم الإيمان به وبرسوله والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه حتى استقامة العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بالأمر دون الناس فإنه لكم دون الناس.
ما قيل فيه:
روى أبو داود من حديث قيس بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة"..
وروى أبو يعلي من حديث جابر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جزى الله الأنصار خيراً لا سيما عبد الله بن حرام وسعد بن عبادة.
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة.
وفاته:
قال محمد بن سعد توفي سعد بن عبادة يحوران من أرض الشام لسنتين ونصف من خلافه عمر كأنه مات سنة خمس عشر.مات بحوران سنة خمس عشرة وقيل ستة عشرة. وقيل أن قبره بالمنبحة بدمشق بالغوطة.
وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر ما ذكره غيره أنه تخلف عن بيعة الصديق حتى خرج إلى الشام فمات بقرية بني حوران سنة ثلاث عشرة ي خلافة الصديق. قاله ابن إسحاق المدائني وخليفه: قال: وقيل في أول خلافة عمر قيل سنة أربع عشرة وقيل سنة خمس عشرة وقال الفلاس وابن بكر: سنة ست عشرة..
قال: ابن عبد البر: ولم يختلفوا أنه وجد ميتاً في مغتسله، وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول:
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة رمينا بسم فلم يخطئ فؤداه.
قال ابن جريج: سمت عطاء يقول: سمعت أن الجن قالوا في سعد بن عبادة هذين البيتين.
ومما يدل أنه لم يمت في خلافة عمر بل مات في خلافة أبو بكر:
روى أنه لما خرج من المدينة قسم أمواله بين بنيه فلما توفى ولد له ولد فجاء أبو بكر وعمر إلى ابنه قيس بن سعد فأمره أن يدخل هذا معهم، فقال إني لا أغير ما صنع سد ولكن نصيبي لهذا الولد.