كنت أقول دائمًا أنّ أجمل المجازفات تلك التي نعيش متعتها
ولا نسأل أبدًا عن نتائجها
وها قد ظهرت النتائج الدامية الآن، مسفرة عن حقل الألغام الذي كنت أحسبه ساحة تزلّج
أمارس فوقها أجمل رقصات العمر!
لست بوضع مريح لأهدأ وأركن لسكينتي التي أصطنعها غالبًا لنفسي
كان النوم أقرب مهرب ألجأ إليه في حالات الطوارئ، إلاّ أنه لم يعد يفتح أبوابه لي كما دائما
لقد هدّني الفقد وانثال عليّ كالبركان الحارق المُذيب
وكاد أن يحوّلني رمادًا لولا لطف الله ويقيني الداخلي باختياره العادل
أفكّر كثيرًا في تلك الأيام الطفيفة المستحبّة التي قضيناها معًا
وكيف كنّا نسرق منها أجمل اللّحظات المحمّلة بطعم الفِطرة والعفويّة
والنشوة التي اكتشفتها وتذوّقت حلاوتها للمرّة الأولى
وكيف كنت أمارس جنوني الخفي بطلاقة قلب وعبثيّة طفلة لا تشبهها إلاّ ابتسامتها العريضة
ولا يهمّها سوى حبّها العذري البريء
ما زال ذلك كلّه يملأ رأسي ويطفح من عينيّ.. يبلّل أمدية الليل بدموع الحسرة والحرقة
عنادك هذا متعِب وصادم يحفر في أعماقي فجوة لا يمكن ترميمها
كيف لك أن تقسو بهذا الشكل المريع؟
وتحرمني من أدنى الأشياء في أقصى حالات الاحتياج وأكثرها إيلاما
تمنع عنّي كلّ ما يمكن أن يشعرني بالأمان، ويخرجني من هذه الوحدة القاتلة
وإن كان بحجم إيماءة صغيرة لا تُرى إلاّ بالعين المسلّحة
يخنقني حبّك الذي طالما منحني الهواء والأنفاس والسكينة!
للبدايات نكهة تبقى عالقة في ذائقة الذاكرة
كـ حليب الأمّ الذي يستمرّ حنيننا إليه حتى الرّمق الأخير
فكيف لو كان كلّ ما عشناه معًا مجرّد بدايات لم تبلغ المنتصف حتى!
يبقى لتلك الأوقات عمقها وأثرها في النفس رغم ما حملت من أنين وشكوى
يبقى لجمالها لذة لن يكرّرها الزمان ولن تعود
ولو سننّا لها كلّ أحاسيس الكون، لأنها إن عادت بذات القوّة ستُشرّح قلبينا
من شدّة انشراحها!
أشتهي غفوة أكفّ بها عن التفكير الذي لا يبرح يومي المتعب
غفوة تأخذني لعالم آخر يسرقني من واقعي الفظّ الثقيل ومن هذه الأرض المتخمة بأنين المستضعفين
وصرخاتهم المتتالية التي استهلكتني عن آخري
لا شيء يدلّ على بشريّتنا.. لا شيء يوحي أننا في بلاد المسلمين إلاّ صوت الأذان
أيّ حياة نرتجيها في غابة يديرها الوحوش من بني إبليس وقد أعطوا لأنفسهم كلّ مبرّرات البطش والتدمير باسم الإنسانية؟
أراني غريبة بينهم، يتيمة بلا عينيك، أسيرة جسدٍ بات أشبه بدمية بلاستيكيّة
تتلاقفها الأزمات فتكبو!
كان عامًا قاسيًا بكلّ ما حملت شهوره وأيامه ولياليه وساعاته
سلبني توازني المادّي والمعنوي بما فيه من بأس وإرادة ومناعة وجلد ولم يمنحني لحظة نسيان واحدة
ليس لأنني لم أكن أملك الشجاعة الكافية لذلك، بل لأنك راسخ في داخلي الصعب كـ سنديانة مُعمّرة
تتناحر جذورها في رأسي بلا رأفة أوهوادة!
أعتذر أناي.. إن كانت ثرثراتي تزعجك
أعتذر على سكب أحاسيس قد لا تبدو مهمّة لك
لكنني أفضفض هنا لأرتاح قليلاً من عبء فقدك الثقيل ولو بشكل جزئي مؤقّت
ولكي تعرف جيّدًا وتتأكّد من صدق مشاعري وتدرك مدى تعلّقي بك
أحبّك..
ولا أطلب منك ما يخلّ بمعتقداتك القلبية الورعة، لأنها تصبّ في مجرى رؤاي وقناعاتي أيضا
إنها المحنة الأجمل التي لا أروم منها خلاصا!
سأقف معك وأشجّعك على ابتعادك المؤلم، ليس لأني عاقلة مثلك
بل لأني أحبّك وأشعر بك وبذلك الشقاء الذي جلبناه لأنفسنا بملء إرادتنا واختيارنا
ساعدني فقط، لأجتاز هذا الوجع الهائل
وأظلّ قابعة كنشوة طازجة بين جنبيك!
لم تُلبِّ الحياة رغباتنا كما أحببنا.. لكنّها أهدتنا فرحة اللقاء
وجمعت روحينا تحت سقف الهوى العذري
ومنحتنا لذة الاعتراف بالحب، ولو كان ذلك لوقت مسروق قصير
لكنه كان كافيًا لأن يجعلني متيّمة بك، مجنونة بتفاصيلك البعيدة التي تتدفّق نشوة كشلالات فيكتوريا
تنحدر بي بصوتها الصاعق الغزير ، تملؤني بضبابها المائي الكثيف من أعلى حرقتي
إلى أسفل انطفائي!