كثيرًا ما أغمض عيني لأستحضر ملامحك الحبيبة
في محاولة لاسترجاع صفاء وجهك، ابتسامتك، وقهقهات تلك الليلة الليلاء التي لا تقاوم
ياااه.. ما أبعدك عن لحاظي وما أقربك إلى نفسي!
ماذا أفعل بي..؟ وكيف أداوي نوبات اشتياقي التي أصبحت قريبة من بعضها
من علّمك القسوة أيها الرقيق؟
سعيدة بهذا العذاب الذي ينبع من عذوبة معناك، سعيدة بانهياري العارم وأوهامي المخاتلة
حين أردّد كلّ ليلة "مهتدون علينا" فيرتعش لها كياني الهش وأصدّقها جدًا
لأحصد بَسيلة الخواء على شفا إخفاق وخيبة!
كم أشتهي أن أصفع هذا الحبّ اللجوج
أن أغضب بجدّية من تجاهلك وتعاميك المقصودين، أن أكرهك وأعاديك
لكن هناك ما يمنعني ويلجم جماح نفسي من أن تثور وتنتفض وتنسى
حبّك مُهلك الكرامات العظمى
وما بيننا هائل وكبير.. أكبر بكثير من أن يقاوم ويندثر ويمحى!
موقفك الغامض هذا ولّد في جروحًا ودموعًا وعلامات استفهام جمّة
بتّ أشتهي الموت رغم أني أعيشه ببطء فتاك
أريده دفعة واحدة بلا فواصل وتدرّجات، أريد اختراق الحاجز الذي يفصل بين العالمين
أكره الوقوف هنا حيث كتل الضباب الوهميّة بين الحياتين!
أشتهي انتزاع هذا الجسد البائس بقلبه وذاكرته وأشواقه ورميه بعيدا
سأسعى جاهدة لتحقيق هذا الرحيل العبقري الوديع
فليس أجمل من موت سببه حبّك!
اخترقني طيفك منذ قليل
شبح يشبه مصباح الفقراء الخافت الذي يهندم العتمة بتذبذب جذوته
أتى من بعيد وحطّ على مشكاة روحي المتأرجحة بين يقظة وإغفاءة قبضتُ عليها بشقّ الأنفس!
سرت حرارته في نفسي كما يسري الدم الساخن في جسد بارد أوشك على مفارقة الحياة
ضخّ الدفء في أوردتي، وغيّر مسار أفكاري المتعبة
إنه أنت.. نعم أنت، ذلك العاشق الودود
جئت أخيرا بكامل أناقتك الروحية، مجرّدا عن كبريائك وجفائك وقسوتك
كنت تنظر إليّ بحنان عتيق أعاد للقلب ذاكرته الوردية
لم أجرؤ على الكلام، وبقيت صامتة أتأمّلك لساعات طويلة
لم تتجاوز الدقائق واللحظات!
تصفّحت رسائل يومياتي إليك ذات صدفة جلست أبحث فيها عن تأريخ قديم
تأمّلت كلماتها المحشوّة بالقهر والرجاء، ساقتني لأزمنة أسطورية كأني أكتشفها للمرّة الأولى
لا شيء فيها يثير الانتباه سوى ظنوني البريئة التي أوهمَتْ عقلي ببقائك المؤبّد على قيد حبّي!
لم يكن للرحيل حيّزا في طابور أفكاري الناشئة
فجأة وبلا سابق إخطار اكتشفت أنني قابلة للهزيمة، ويمكنني أن أذوي
وأتلاشى وأحلامي في أية لحظة كورقة خريفية صفراء في مهبّ الريح
سرقتني الرسائل مني لساعات طويلة قادتني لأسئلة لم أكن لأطرحها على نفسي
لولا الذي حدث
لا أنوي أن أكون أفضل حالا مما أنا عليه اليوم
أحبّ ذاتي البريئة رغم سذاجتها المتخمة بالعفوية ولن أتنازل عنها متجاهلة الكثير من الأفكار التي غالبا ما أهبها صفة الاحتلال والمواطنة
الأفكار التي تراود عقلي عن اتزانه، وقلبي عن جلادته
لا أعلم حقيقة كيف تجتمع الأضداد في نفسي المتعبة وكيف تساهم الظروف بدكتاتوريتها بالالتفاف حول عواطفي
محاولة كسري رغم إصرار جأشي على الثبات
لا أطمح الآن بأكثر من استرجاع هويتي المفقودة، وعودتي لسابق عهدي الآمن برغم اضطرابه الشكلي!
أشعر بالبرد كلّما تسلّلتْ خلجاتي لتلك المحطّات القارسة
أشعر بخيبتي التي لن تعترف بها الأعماق ولا بألف بيّنة وحجّة!
أذكر عندما كنتَ تسألني عن كيفية التقاء روحينا، واعتناق قلبينا
عن ذلك السرّ الذي طالما احتلّ مساحة شاسعة من تفكيرنا
كنتُ أتأمّل طويلا في الكلمات محاولة قراءة ما تخفّى وراء السؤال
وكنتُ أخالك تعرف الجواب، أو هكذا بدا لي على الأقل ما كنتَ تريده من طرحه
الحقيقة كرويّة جدّا أيها العزيز
تشبه الكرة حين نجلس أمامها، فلا نرى منها إلاّ وجها واحدا
للحقيقة جوانب متعدّدة ربّما أدركناها الآن، بعد هذا التغيير المهول في الأماكن!
ما زلت تتشبّث القلب رغم كلّ محاولاتي الجادة للنسيان
هكذا إذن
تقتلني بك بقلب بارد، أو هكذا يبدو ظاهريًا!
فلم يبق لي إلاّ ظاهرك المبهم وبعض الظنون المتراوحة بين غضب مسنون وحنين مجنون
يؤلمني الزمن اللئيم الذي يتسحّب منا دون أدنى التفاتة نحونا
يمضي بسرعة مرعبة، تاركًا إيانا في ذات المحطّة الصفراء المسكونة بعفاريت الذكرى
يؤلمني الحنين وهو يمزّق أعماقي بمخالب اللا جدوى
تعبت أيها العزيز، متى ينتهي امتحاني الصعب؟
أحبّك فتصمت، أشتاقك فتصمت، أبكيك فتصمت، أحترق فتصمت
عودة أيلول تفتح شهيتي لحماقات عتيقة تملؤني بك
وتفرغني من محتواي
ما كنتُ لأحصد من بستان الحبّ كلّ هذه الثمار اليانعة لولا بذور الصدق الدقيقة
وفأس الإنسانية المتين ومذراة الوفاء المتفرّعة ومجرفة الإرادة المتماسكة وإبريق ريّ العواطف
ما كنتُ لأبلغ ذروة النور إن لم أتجرّع وحشة الظلام
ما كنت لأحظى بعينيه لو لم أكن أنا.. بكلّ ما أوتيتُ من ثبات