طلبت مني أن تكون هديتي لها في عيد ميلادها قصيدة شعرية،
لكن ظروفي القاسية منعتني أحيانا من ذلك، حيث أن فن الشعر في بدايته وحيا، ثم تصقله الصناعة.
والوحي لا يخضع لإرادة الشاعر، بل هو عبارة عن تشابك معقد بين الظروف والمعاناة والحالة النفسية..
لولا عيــونُكِ.. لم أحفِـلْ بمُنتقِدِ=ولا ركبتُ بُحُــورَ الشِّعرِ في أَبَدي
فالشِّعرُ أصبح كابوسـاً يخـوِّفني..=قدْ غابَ وَحْيُهُ.. واستعْفَى مِنَ المَدَدِ
كم ذا جمعتُ شَـتَاتِي.. حين أطلبُهُ!=وكم فقـدتُ على تطـويعِهِ جَلَدي!
أنهكتُ عقلي.. وأسرجتُ الخيالَ لهُ=فما تمادَى خـيالي فيهِ.. أو خَلَدِي
يا وَحْيُ أَقْـبِلْ! حبيبي نام منتظِـراً=غـداً هـديَّتَهُ.. وَاحَـيْرَتِي بِغَـدِ!
ما سَـرَّ عينٌ كَنَظْراتٍ لِمَنْ عشقتْ=وأيُّ بلـوَى.. إذا أغضتْ من الرَّمَدِ
**=**
سبحانَ مَنْ بدَّلَ الأحوالَ.. فامتنعتْ=ترنيمةُ الفرْح عنْ طير الهوى الغَرِدِ
ولِلهُمـومِ ضغـوطٌ.. لا يحسُّ بها=إلا مكابــدُها بالـرُّوح.. والجسدِ
**=**
حبيبتي أنتِ.. قدْ شـاركتِنِي ألمي..=ومـا تملَّكـني في العيش مِنْ كَمَدِ
لأجل عينيكِ روّضتُ الحروفَ.. فإنْ=دنوتُ منها بسـوْطِ الشِّعر.. ترتعدِ
وقمتُ أغـزل من تشـرينَ أغنـيةً=لعـيد ميـلادكِ الغـالي على كبدي
وأبعثُ الشَّـوقَ أنسـاماً معطَّـرةً=إليك تهفـو.. كتــوَّابٍ إلى الرَّشَدِ
يغْـنى الزَّواج بحـبٍّ.. معْ معاملةٍ=عليهما.. بعدَ أمـرِ الله.. فاعتمدي
**=**
يا مَنْ نسجتُ لها.. في عيد مولدها=قصيدةً مِنْ حروفِ الوجْدِ.. لم تردِ
سيثمرُ الحـبُّ في أغصـاننا ولداً=وليس يُثلِـجُ صـدْرَ الحبِّ كالولدِ
يأتي لنا سـندٌ.. نقـوَى بهِ.. ولهُ=ما أضعف المرءُ في الدُّنيا بلا سندِ
فالعـيد عيدان.. عـيدٌ أنتِ محورُهُ=وعـيدُ تكريمـنا مِنْ واحـدٍ أحـدِ
كان ياما كان، في قريب الزمان.. رجل معدم نخر الفقر منه العظام، ورغم أنه كان بحاجة إلى القليل من الطعام، لكن حنينا تملكه إلى حرية الكلام.
وعلى أمل ألا تصله.. قصد ديوان السلطان، وترك له هذه الرسالة:
يا سيّدي!
شكوايَ.. أرفعها بإجلالٍ إليكْ
من قلب ملتاعٍ.. ونفسٍ ضارعهْ
لا.. لستُ أنوي أن أثيركَ
يشهدُ اللهُ.. وربِّ القارعهْ!
فلقد كتبتُ إليك أنتَ رسالتي..
وقصدتُ عرشكمُ القريبَ
مناصراً في محنتي
حين استحال عليّ عرش الله
في أعلى السماء السابعهْ
*****
من أين أبدؤك الكلامْ؟!
من طفرة المازوت والبنزينِ..
من فوق الغمام!؟
من موج "سونامي" الغلاءْ؟!
من كهرباءٍ دونها يحلو الظلامْ؟!
أم من قضاءْ؟!
من بين آهات الرعيّةِ..
تحت أكداس الضرائب راكعهْ!؟
قلْ لي بربّكَ سيّدي!
من أين أستجلي حدود الفاجعهْ؟!
*****
يا أيّها الراعي المطاعْ!
قد جئتُ بالشكوى إليكْ
برجاء أن تبقى على طول المدى
حكرا عليكْ
لا تطلعِ الحوذيّ والسجّانَ..
والحجّابَ والحرّاس.. عن بَوْحي إليكْ!
فجميعهم يا سيّدي..
سلطات أمنٍ قامعهْ
حتى ينالوا قصدهم في كلّ حالْ..
ونصيبهم من كلّ مالْ
ما همّهم وطنٌ وشعبٌ..
ليس تجمعهم بهمْ في الحقّ أيّةُ جامعهْ
*****
يا سيّدي!
مع كلّ حبّي والولاءْ..
أثقلتََ في عيشي المقنّع كاهلي
بضرائبٍ دقّّتْ عظام مفاصلي..
ظفرتْ بها دوماً..
حكوماتُ اغتصابٍ جائعهْ
أفرادها متزلّفونْ..
بلحوم شعبكَ ينهشونْ..
ودِمَ الخزينة يشربونْ..
خبراتهم في كلّ ذلك بارعهْ
*****
ماذا أفيدكَ.. سيّدي؟!
فإذا الإدارة بالفساد تلوّثتْ
أضحتْ به كلّ الحكومة ضالعهْ
قبَسُ الفساد إذا استقرّ بموضعٍٍ
تسعى به كلُّ المواضع والعهْ
ويظلّ صمّامُ الأمان هو القضاءْ
فبه الخلاصُ.. ومنه ينبعث الرجاءْ
لكنهُ.. يا سيّدي..
قد صار أنقاضاً.. سقوفه خاشعهْ
وفمُ العدالة لم يظنَّ ببصقةٍ
في وجه أصحاب الحقوق الضائعهْ
وفنون سمسرة المحامي..
تستهين بحقِّ مظلومٍ.. وتقفل بالغنائم راجعهْ
*****
لا تنتقدْني.. سيّدي؟!
أني تمنّيتُ التقرُّبَ من جهنّم.. في الشتاءْ
ورمقتُ مَن فيها بنظرات الحسودْ
أمضيتُ فصل البرد تحت إقامةٍ جبريةٍ..
مستدفئاً تحت الغطاءْ
لمّا نبا عن طاقتي ثمن الوقودْ
أكبرتُ دفء الله بالمجّانِ.. مشتاقا إليهْ:
يا ليت شمسي في الليالي والنهارِ..
تظلّ دوما طالعهْ!
*****
لا.. لا تلمني سيّدي!
أنا لستُ في صمتي ملامْ
قد علّموني: أنَّ صمتي ألفُ أفضل من كلامْ..
فاسكتْ!! ودعْ عنكَ التشكِّي والملامْ
كيلا ترى دنيا جهنّم واقعهْ!
وصمتُّ.. حتى أُفلتتْ أسبابُ صمتي من يدي
لكنه .. يا سيّدي!
قد زاد من إمعانهمْ بالظلمِ.. حتّى أنّهمْ..
لم يلحظوا شعباً يجفّف بالهوان مدامعهْ
*****
يا سيّدي!
جئتم بأحكام الطوارئِ.. أو قوانين الأمان القاصعهْ
لمّا هوتْ عن ردع من قصدوا الإساءة رادعهْ
فبذلتُ في حفظ النظام وصونه حرّيتي
سلّمتُكم حقي بتعبيرٍ.. بفعلٍ أو كلامْ..
حقي بعدل.. أو بأمنٍ داخليٍّ مستدامْ
وأجبتُ مختارا.. بنفسٍ طائعهْ
*****
أحسستُ أني.. سيّدي!
سلمتُ أمري من يسوس مصالحي
ويذبُّ عني أيّ سوءٍ..
قبل أن يأتي وقوع الواقعهْ
من يهتدي لمواجعي قبلي..
كأمٍّ لم تزلْ.. تستشعر الألم الدفينَ
بعمق أعماق البنينِِ
بدقةٍ.. وصرامةٍ.. ومتابعهْ
*****
لو أنني.. يا سيّدي!
لا قدّر الله.. استربتُ بطالبٍ أو مطلبِ
لو خالجتني ريبةٌ..
أني أمام حكومة نصّابة ومخادعهْ
شطبتْ حقوق المخلصينْ..
نهشتْ قلوب بناتنا.. ثمّ البنينْ
وبدتْ بظاهر أمرها متواضعهْ
ما كنت.. لا واللهِ..
أقبل أن أفرّط في الحقوقْ..
ولكنتُ أعلنتُ التمرّد والعقوقْ
وجمعتُ لجّة ثورتي..
من كلّ عينٍ دامعهْ
*****
لكنني يا سيّدي!
آمنتُ بالفوز القريب لأمّتي..
وبأنّ ظلماءَ الدُّجى متراجعهْ
أدركتُ أنَّ العصمة الغرّاء ليستْ للبشرْ..
جلّ الذي أبداً تنزّه عن زللْ..
والناس أمثال الدولْ
والخير فيمن لا ينام على دَغَلْ
بل يستردّ إلى صراط مستقيمٍ
حكمَهُ.. وشرائعهْ
*****
***
يا صاحب السلطانِ!
إني قد تجرّعتُ المذلّة والهوانْ
وفزعتُ.. أطلب في عدالتكَ الأمانْ
وطريق قصركَ.. سيدي..
حممٌ تسيلُ.. ونار صبرٍ حاميهْ
وأملتُ أنّ الظلم يأتي من فساد الحاشيهْ
وبأنّها من غير علمكَ باغيهْ
***** ْ
قد كنتُ أحسب.. سيدي..
أنّ الأمور عليكَ كانتْ خافيهْ
وبأنهم حجبوكَ عن مجرى الزمانْ!
راهنتُ أنك لم تقارف مرّةً ظلم الورى
بل لستَ تعلم ما جرى
أمّا وقد وصلتْ إليّ من المحكَّم حاشيهْ
وخسرتُ للأسف الرهانْ
أيقنتُ أنكَ.. يا وليّ الأمر أكبر طاغيهْ!
*****
فأنا المهانْ
أنا لست أملك صولة أو صولجانْ
بل أستمدّ من الشعوب صلابتي..
من كل كفّ أو لسانْ
لجمته أصفاد الظلام العاتيهْ
أرجوك لا تنظر إليّ كأنني
فردٌ ضعيف.. قد تمسّك بالحياة الفانيهْ
يسعى إلى بر الأمانْ
ويخاف.. يفزع من قيام الغاشيهْ
*****
سهل عليكَ.. فإن أردتَ قتلتني
ورميتَ جسمي للوحوش الضاريهْ
ولربما أقضي.. ولا ألقى المخلص والخلاصْ
من ذا تجاوز مفردا أسوار قصر عاليهْ؟!
لكنني يا سيدي..
أبقى بذاكرة الجماعة ماثلا
بتراكمات جمّة متتاليهْ
حتى يحين لثورة الشعب الأوانْ
لا شكّ تعرف عندها..
ثارات نفسي ما هيهْ!
*****
أملي بفهمكَ سيدي.. أن تتعظْ
وترى الأمور بعين ذي لبٍّ تَبصّرُ واعيهْ
"نيرون" مات.. وتلك "روما" لم تزلْ
وشعوبها بعد المجازر باقيهْ
يا منْ تحوَّلتِ.. لولايَ منْ أنتِ!؟
حسناءُ ضارعةٌ في معبد الصَّمتِ
أو رغبةٌ خرساءْ
بصوامع الكبتِ
*****
لولاي ما انفرجتْ شفتاكِ عن صوتِ
الثَّغرُ منْ رسمي..
والصَّدرُ منْ نحتي
والنَّظرةُ السَّكرى.. أقداحُهَا وقتي
لو لم أروضْكِ للحبِّ..
ما كنتِ
*****
قطَّعتُ أحلامي.. وصنعتُها طوقا
ووصلتُ آمالي.. وشددتُها أفقا
بخَّرْت أيَّامي.. ونثرتُها عبقا
والقلب في صدري.. لسواكِ ما خفقا
أبديتِ ما أضناهْ
فبوجدِهِ احترقا
من أنتِ لولاهُ!
أولستِ منْ خلقا؟!
*****
الشَّعرُ.. ذاك اللَّيلْ
منْ كان يحميهِ؟!
منْ كان يفرشُهُ.. منْ كان يطويهِ؟!
منْ كان يُطلقهُ حرّاً بما فيهِ..
للرِّيح تلثمُهُ..
للشَّمس تُغنيهِ؟! هل صار يجهلني.. وأنا مُربِّيهِ؟!
وداع لا تبلله الدموع
(معدلة)
يحدث مع أكثر طلابنا في خارج الوطن العربي، أن يتعاملوا مع الفتيات الأجنبيات بنفس المبادئ التي تربَّوا عليها في وطننا العربي.. فينتهي أمرهم غالبا إلى زواج فاشل، لا تسانده وحدة المفاهيم والعادات.
وهنا رد طالب عارف بمجريات الأمور، يحاول أن يجيب من تعلقت به، انطلاقا من نفس منطق مجتمعها:
لا تغــرقي جفـنيكِ.. أيتها الجمــيلهْ
حان الوداع.. ولم تعد في الأمـر حـيلهْ
حــان الـوداع.. وكـلُّ آتٍ ذاهــبٌ
مهما تطـلْ أيامـهُ.. ليسـت طــويلهْ