السيابطائر الشعر غرد كما لم تغرد طيور.. أخذه الموت بعد ثمانية وثلاثين عاما...
ولد في عام 1926 وكان الموت له بالمرصاد 1964 في الرابع والعشرين من كانون الأول ديسمبر
قرية صغيرة بحجم قصيدة اسمها"جيكور" وغابات نخيل بحجم القوافي الشاردة وقمر الجنوب الذي ودعه السياب إلى أضواء المدينة الزائفة ولياليها الغامضة الثقيلة....
ودع السياب شماريخ الرطب وصلاة الأزاهير وبويب...
في المدينة فقد التوازن... تكسر في روحه غصن الفرح وهو الريفي اليتيم الناحل الدميم أمام رجال أنيقين يتأبطون فتيات جميلات..
عاد إلى جيكور وتزوج من إحدى قريباته ...
وكانت الصدمة إذ أصيب بالسل.. وهكذا صار طائر الشعر"طائر الحديد" يتنقل من سرير إلى سرير... وحين مات في الكويت لم يكن أحد قربه... جاؤوا بجثمانه إلى جيكور ولم يسر خلف جنازته إلا نفر قليل... وبكى عليه الشعر ..الدواوين الكثيرة ....
الكثير منها شعر عادي والقليل نفخ الروح في جسد الشعر العربي المريض فكان بذلك مبدعا خلاقا ومؤسسا ورائدا من رواد الحداثة الشعرية... وبذلك انتصر على المرض وعلى الموت بقوة الإبداع ..فهو ملحمة من ملاحم الشعر والكفاح ..حارب الطبقية الرهيبة ...قلة متخمة بالمال والتفاهة وكثرة تتضور ..تنتظر أنشودة المطر :
أصيح بالخليج..يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى كأنه النشيج
يا واهب المحار والردى السياب شعريا نجح قليلا ككل الذين يقتحمون السبل غير الممهدة والمطروقة..
لكنه يبقى سيد الريادة والتجديد كما كان البارودي في مجاله الإحيائي ومطران في مجاله الرومنسي...
الشاعر علي الجندي يعترف بأستاذية السياب فيقول:" موهبته كانت أقوى من كل مواهبنا ..كان مثل ثوب مغبر ..إذا ما هززته يسقط منه الشعر غزيرا طريفا"
علي كنعان يقول:" يوم كنا ندرب أجنحتنا على الخفقان كان بدر يحلق عاليا في فضاءات الشعر ويستكشف آفاقا جديدة ..لم تكن أعمارنا ولا طاقاتنا الغضة قادرة على إدراكها إلا بالأحلام"
عبدالكريم كاصد يقول:" لقد عرفت لحظة الشعر في نفس السياب أطراف النقيضين:نشوة البطولة وانكسار المغدور البائس وانسحاقه في الموت"
كما قالت سلمى الخضراء الجيوسي:" أما الشاعر السياب فقد قال أمام سرير مرضه معزيا نفسه قبيبل الموت قصيدته المؤثرة المزدحمة بالألم "الوصية"
أجل كثيرمن الشعر يموت وأصحابه أحياء..وكثير من الشعر يبقى وأصحابه أموات....