يا سيد الخلق ها قد جئت أشعاري = لما استبد الهوى عشقا بأوتاري
في كل يوم لنا فيها مساءلة = نفسي وما فتئت أطماع أوزاري
لكنما طمع بالنفس يقهرني = وقد يلازم صدري سيْء أفكار
سكنت قصرا وما زالت تراودني = أن لو جرت تحته آلاف أنهار
كأنني ما سمعت الزهد ديدنكم = ولا علمت عن (الداعون) والغار-1
ولا علمت بتمرات وعن حجر = في يوم جوع بلا إفراط بُذّار
ما زلت أطمع في دنيا وفي سعة = ما أتفه السعي ما يُفضي إلى عار
لا أنكر الدأب لكني وفي طمعي = أسعى إلى الله في أحلام مهذار
أنسى وتنسى لزهد النفس ألجمها = حب الحياة فما عاشت لأشبار
ولا أعدت ليوم الجد باطنها = وقد تؤازر من بلوى لفجار
أحاسب النفس أرجوها مقاومة = لكن شيطانها يُغري بغفار
كم من قيان تمنت نفس فاجرها = والمال والعز من ظهر ومزمار
أما ترى ورسول الله قدوتنا = كان الأبي كريما غير مقتار
لو شربة من حليب كان يُرزقها = لجاد جاد بها للصحب والجار
وكم علمت عن الأصحاب في ورع = يقاومون لرغبات بإصرار
ما زاد عن قوتهم رزق لمعسرنا = وهم ملوك وما تاقوا لدينار
أيأكلون لحلوى بعدما حملوا = عبء العدالة من دار إلى دار
تلك الرعية أولى من مطامحهم = ويقبلون على نصح بإكبار
يا سيدي يا حبيبي نحن في زمن = من جوْر من حكموا نحيا على نار
هم أفسدوا لشعوب بعدما فجروا = وأودعونا لأشرار وكفار
تحكّم الظلم فينا كل ناحية = وقد رأيت لغدار ومكار
وكل أحمق لا ترجى فضائله = وكل ذي صلف في جهل جوّار
من كل من يَدّعي علما ومعرفة = وهم على ما أرى فرعونهم عاري
هو المثال الذي بالجهل يشبههم = وما رأيت لهم ودا لأحرار
ولا رأيت لهم تبجيل عالِمِنا = وحولهم من بطانات لتجار
كم من ثكالى ومن أيتام ننظرهم = والموت قاصف أرواح وأعمار
الظلم غالى فهل عود لشرعتكم = نحيي بها ميتا , جاءت كإعصار
يجتث من أجزعوا جذعا بأفرعه = وليس يُبقى لهم من عود أشجار
وحشية ظهرت في غير موضعها = وكنت رحمتنا يا فجر أنوار
واليوم قتل وتشريد وملحمة = من المآسي تجرُّ لذيل غدار
كأن شرعك ما لاقوا له أبدا = يا للقلوب إذا رانت على قار
حتى غدوت أظن العيش مفسدة = حينا أشاهد من زهق وإهدار
فحرمة من دماء الناس أعلمها = أغلى على الله من بيت لزوار
فالروح يُزهقها سجان مختبل = وليس يرمش من طرف بمدرار
ألوم نفسي وألوي من طبائعها = خوفا من الله لا من خوف أشرار
مستيقنا أن عمر المرء واحده = ولن تؤخرَ آجال لخوّار
علام نحيا على آمال من خُدعوا = رأوا الحياة بلذات وأسفار
يا سيدي يا حبيب الله معذرة = لما أتيتك تروي الحال أشعاري
الحكم ما عاد إلا جلَّ معصية = والناس صلّت صلاة الغائب الجاري
هوى وميْن وتدليس ومعصية = إن الصلاة لإيمان وأذكار
تظاهروا يفعلون الخير ما بخلوا = مدحا لذات بإعلام وأخبار
ما ساعدوا أبدا محتاج يسألهم = ويجزلون على غيدٍ وسُمّار
ما زلت أطمع في عفو ومغفرة = من الكربم نهار الحشر والنار
نهار نُسأل عن إحصاء ما كتبت = ملائك العرش في حصر بمقدار
ما فرطوا في قليل من مسائلنا = حاشا ولا ظلموا في عُشر معشار
ينفذون بعدل أمر خالقهم = يستبشرون متى عدنا إلى الباري
يا رب فامح الخطايا من صحائفنا = واسبغ رضاك ولا تفضح لأسراري
لو لم تسابق لنا من رحمة سبقت = عدلا فإني بأخماس وأعشار
صلي إلهي على المختار ما بزغت = شمس على الكون أو أنوار أقمار
والصحب والآل والأنصار من سبقوا = ومن يظل لصيق القبر والغار
أنجو بها وبأهلي يوم يحشرنا = ذاك القيام بأهوال لمحتار
وارزق لذريتي في الخلد متكأ = واجعل لمن ولدوا رضوان أبرار
يا رب يسر لنا درب النجاة كما = وارحم لمن رحلوا عن هذه الدار
فلا يضيرك من ذنب لهم فعلوا = فما عذاب لهم أجدى لجبار
لا تغضبي مني ومن أشعاري = حب الجمال أقام فيّ , جواري
إني محب للجمال أما كفى = عذرا وحسنك زاحم أفكاري
هذا الجمال وقد تخطّف هيبتي = أذكى غرامي واستباح وقاري
ولكم ذكرتك في صباح باكر = عند المقيل ونسمة الأسحار
وسهرت ليلي والحنين يشدني = وأراك لوحاتي تزين جداري
وأراك في شفق الغروب وسحره = وأراك في خيط لضوء نهار
أصبحت لي وكأن غيرك لم يكن = لفت انتباهي أو غزا أشعاري
وأكاد أسمع من عنادل غردت = صوتا رخيما جاس في أغواري
لا تغضبي مني فمالي حيلة = حتى أقاوم للشعور أداري
قولي فمن ينسى الربيع بطله = وجماله وبدائع الأزهار
كم كنت أحلم أن تكوني سلوتي = فإذا بسحرك كان أقسى ناري
وكأنني كوم الهشيم بلحظة = يغدو رمادا غاب عن أنظار
لا تغضبي مني فإني شاعر = عشق الجمال وفلقة الأقمار
لا تغضبي مني فرب مفاتن = باتت تؤرقني وتزحم غاري
أحيا بها عمرا رفيقة خلوتي = لحنا تردد آسرا مزماري
ولربما كان الخيال وسيلتي = هل في خيال الشعر من أثمار
لا تغضبي فأنا سليل محامد = تحيا بحرف ساحر الأوتار
لا تغضبي إن غازلت لك أحرفي = ونظمت حسنك في شجي كناري
كوني لجرح نازف أسطورة = تأسو الجراح برقة الأسمار
ما كنت إلا شاعرا متأملا = فن الجمال وقدرة للباري
لا تغضبي , حاولت جهدي باذلا = أنساك لكن ضاع حزم قراري
لا تغضبي فأنا أحبك ربما = والحب لم يك في قوائم عار
لا تغضبي مني ولا تتحرجي = فالحب كان ولا يزال شعاري
غنيت كل الفاتنات ولم أزل = أهفو لفاتنة تجيد حواري
فهمت بأن الشعر وطف سحائب= يهمي ويغسل عالق الأوزار
فالشعر يحلو إن يكن مترفعا = وصف الجمال ودونما استهتار
لا تغضبي مني فما أنا ساخر = ذكر الحبيب يكون للإكبار
وظننت أنك تفهمين مقالتي = ألقى لديك معزتي وفخاري
وظننت آسية لبعض بواطني = فوجدت منك قساوة الأقدار
وظننت عطفا أرتويه وأنتشي = فإذا بحبك كان فيه عواري
تدري فكم أهفو لبسمة ثغرها= وفتون طرف آسري وإساري
لكنما دل الغواني جائر =يخفي لرغبات وفي إصرار
كل الحسان لها بشعري غاية =لكنها تمضي مع الإنكار
لا تغضبي مني فتلك حقيقة = من قال سوق الشعر سوق بوار ؟
لا تغضبي مني فماذا في يدي = إلا أجاري لوعة المحتار
أنا لن أعود إلى رحابك مرة = أخرى وأكره ذلة التكرار
تلك القساوة صيرتني ناسيا = ولكل فعل رِدّة الأدوار
(هل غادر الشعراء) شيئاً ينظم؟ = فعلام تنفخ في الهـواء وتزخـم؟
و ترى بأن الشعر صرت مليكـه= هوّن عليـك فـإن مثلـك يفهـم
ما عاد من شرف لنا في شعرنـا=إن قـام فينـا البحتـري ترنـم
ما عاد للشعر الـرواج ومثلمـا = كان النصالَ و كان عـزاً يُسهـم
و الحق أين الشعـر بيـن قنابـل= ترمي على بعد المسافـة ترجـم
كن واقعيـا يـا شويعـر ناظـرا= في واقـع الحـال الـذي يتكـوم
ما قـلّ دلّ و ذا زمـان تطـور= فاصرف جهودك بانيـا لا يظلـم
بحماسة الشعراء , بل وغرورهم = والعنتريـات التـي لا تـخـدم
ما صادفت عينـي ممـات ذبابـة = أبـدا ولا قتلـت لفـأر يقضـم
وكذا يقول (نزار) فـي أشعـاره = والصدق في قـول لـه يتعظـم
الناس تبني مجدهـا مـن حولنـا = ولنا القوافـي تستثيـر و تشتـم
هل نال من قوم مكـان صـدارة = إلا بـدأب واجتهـاد يَعـْظُـم ؟
مـاذا يفيـد الشعـر إن أغدقتـه = تبكـي لتاريـخ لنـا يتصـرّم ؟
ماذا يفيد الشعـر ينعـي دارسـا = مـن عـزة وكرامـة تتـهـدم
إن كنت تحسب أن شعرا ساخنـاً = يُغني عن السيف الـذي لا يرحـم
أو أن يعبـئ لانتصـار قــادم = عشت الحياة بكـل صـدق تحلـم
جهز لسيفـك أولا واسلـل لـه = مـن غمـده متبخـتـرا تتـقـدم
فلربمـا عـادت لنـا بغـدادنـا =أو عاد مسجدنـا يضرّجـه الـدم
ثم انشد الأشعار ما طابـت لكـم = حتى يخاف لما نظمـت الضيغـم
أما الضعيف فكيف يُخشى بأسـه = بل أين بأس للضعيـف تترجـم ؟
لو كانت الأشعار تـردع غازيـا = ما كانت العرب الفصيحـة تكْلـَم
كم من معـان دبجوهـا شعرهـم= والريـح تذروهـا فـلا تتلملـم
إن شئت ترسـم صـورة مرئيـة = لوجـدت آلاف المناظـر تَـقْـدُم
إيوانَ كسرى ماثلا فـي ناظـري = والروضة الأُنُـف التـي أتوسـم
أما اليتيمة فهـي مـلأى بالـذي = تدري ولا تـدري مثـالا يحسـم
إفكا بـأن الشعـر ظـل بحاجـة = للمحدثيـن ومـن غـدا يتهجـم
أسفي على فكر ضوى من ضعفـه =ويظـن بالأشعـار مـا يتوهـم
فبشعرنا صـور تميـّزعرضهـا = وبشعرنـا درر بهـا لا تـسـأم
ويكاد يخنقنـي الغبـاربشعـره = أعمى تهاوى الليـلَ فيـه الأنجـم
النفس تصغر عند شِعـب بوانـه = من روعة وصفت عجيبـا يرْهـم
من ظن أن يأتي جديـدا بعدهـم= ضل الطريق وخاب وهْمٌ مفعـم
أفنيتُ عمرا مـن زمـان ضائـع = صلفا وزهوا إذ يجـور ويهـدم
كانت مشاعرنـا وكـان لساننـا =بالسـم يقطـر غيرنـا لا يرحـم
ولسان حالي لا يطيـق مغامـرا = يأتـي بمنكـر قولـه أو يـذمـم
وعجبت أن يلقى قريضي قدح من = في شعره الهذيان أحمـقَ يُرسـم
أنا شاعر الفصحى وأرفع ركنها = ولغيرنـا الأشعـار لا تُتَيَـمـم
وأغض عن طرف لنا متجاهـلا = كيدَ الـذي لا يستفيـق ويُجـرم
( و إذا أتتك مذمتي مـن جاهـل= فهي الشهادة لي بأنـي ) الأقـوم
لكننـي وبرغـم ذلــك كـلـه = أغلى من الشعراء أرفـع عنهـم
سرقوا الجميل من القديم فأنجبـوا= ثكلـى معوقـة وريحـا تزكـم
إني لمـن قـوم يطـول مديحهـم= ووفاؤهم بيـن الخلائـق أعظـم
ما لان من عود لهـم أو داهنـوا = أو عاش فـي ختـل أبـي منهـم
لي فـي مديـح (محمـد) داليـة = تشفي غليـل العاشقيـن وتُلهـم
أُعْلِي بها شأني وترفـع هامتـي = ولعلهـا يـوم الشفاعـة بلـسـم
هذا زمان الأدعيـاء أمـا تـرى = أني انزويت إلـى قصـي يُبهـم
فالشعر أنفاس وعبـق أريجهـا= يحلـو لسامعهـا فيحمدهـا فــم
والشعر ليس بما نظمـت مُقفيّـا =كجـدار بيـت بالحجـارة يركـم
والشعر إحساس وصدق مقالـة = وجميـل معنـى بالـذي تتكلـم
والشعر يلـزم أن يهـز لعطفـه = مـن كـان ذا حـس لـه يتفهّـم
والشعر فن كـم يحـرِّك ساكنـا = رقصت به الأعطاف تطرب تنعم
ما زلت أومن بالحطيئـة شاعـرا= وضع النقاط على الحروف يُعَلِّـم
فالشعر إن ما مسَّ وجدان الفتـى = ما كان شعرا يستسـاغ ويهضـم
والشعر كـلا لـم يكـن إليـاذة = جمعـت دوارس نافـرات تُقحـم
والشعر تجديـد وفيـه نبـوءة = نَفَسٌ وإلهـام وجـرْس يزحـم
فلعـل بيتـا أن يكـون بـلاغـة = أغنت عـن الآلاف ممـا يَسْقُـم
وتواضعي لا يُنْقصـنَّ مكانتـي = إن كان فيهـم مـن يُلـم ويفهـم
وقرأت من كتب كثيـرات بهـا = تاهـت مراكبنـا أضـل وأُلجـم
حتى وصلت إلى طريق واضـح = حـواء ترضـع غيرنـا أوتُفطـم
فكر الفتى شيءٌ وفيض شعـوره= للنـاس تلفـظ قولـه أوتـكـرم
لا أدعـي علمـا ولكـن ربمـا = قبضا من الريـح التـي لا تخـدم
ماذا أكون وما تكون بلاغتي =إن كنت تسـأل أي شعر أنظـم
جميلة أنت يا سمراء عوديني = فإن بعض لماك الحلو يشفيني
لو عادني من شباب قد مضى هدرا = لقيت عندك ما يحيي ويحييني
لا تأخذيني مزاحا عابرا وكفى = فالجدُّ لا زمني من بدء تكويني
أخال أنك للإكسير ينفحني = زهو الشباب الذي ولّى يجافيني
هلا يعود شباب العمر ثانية = أحيا به من جديد ما يراضيني
زرعت ودا وتفاحا وقافية = أندى من الورد إذ ما الورد يسبيني
سمراء عودي فكم أشتاق طلعة من = كان النجاة إذا ما الموج يحويني
سمراء بعدك لا شيء يسامرني =سمراء أهفو إلى لقياك لي بيني
سمراء كنت لنا لحنا نردده = يشنّف الأذن في كل الأحايين
لا ما مللت له يوما لثانية = وما يزال حنيني بعد يكويني
تصوري صرت أهوى للحياة وما = قد كان قبلك حرُّ الشعر يأتيني
ولا عرفت من الأشواق لوعتها = أقاوم الشوق أحيانا فيلويني
سمراء ماذا تبقّى والهوى قدر = إلا اعتراف بما فاضت مواعيني
هلا يجود زمان بعد ما صرمت = أيامه بعطاء جاد يرضيني
وهل أعود إلى الدنيا فألبسها = ثوبا أنيقا وما ينفك يغريني
لا الشيب يقهرني أني أغازلها = سمراء يوما ولا دنياي ترميني
أصبحت في أسر من شاخوا بلا أمل = يعيش ذكرى مع الأحلام تُضويني
وكنت ذاك الفتى ما بات ليلته = إلا على موعد أجلى براكيني]
لا بارك الله في شيب وسيرته = إن لم يكن واعظا للخير يهديني
إن لم يكن طاردا زلات معتكف = يقاوم الشر أو مكر الشياطين
سمراء لا أمل عندي تنادمه = هند وسلمى وبلقيس الأساطين
ما عدت أنظر إلا حسن خاتمتي = وإن مزحت بلا مكر وتلوين
أسائل الله في صدق برحمته = أن ينشل القلب من وحل ومن طين
وأن أعود لذكر الله في أمل = أنجو به من خبايا كم تعاديني
أعود من خطأ أسعى إلى خطأ = أمارة السوء تغوي القلب تغويني
بقوة العزم والإيمان جمّلني = يا رب إن شئت كان العفو كافيني
قولي سئمتك واذْهِبي لحنيني= ما أنت آخر من سعى يرميني
صادفت غيرك من تحب فصاحتي = أبدت دلالا تارة يكويني
أو ربما ظهرت كذلك إنما = في داخل الحسناء ودُّ مكين
لابدَّ من حبل إليك يشدني = فأنا بشعر الحب غير ضنين
في كل يوم للظباء مسافر= أجني ورودا داعبت ليميني
لا تحسبي الشعراء عندك دمية = يلهو بها الأطفال , بعض الحين
كم شاعر من روعة يروي ظما = ذات الخدور , سبى للب قرين
متعمّق في فكره وفنونه = ويجيد فهما للخفي مبين
لا تظلمي الشعراء فيما أظهروا = فبداخل الشعراء ألف دفين
إن تمكري , مكروا وهم من طينة = تسمو على الأضغان والتلوين
لكنما شأن الكرامة دائما = ألا تهادن ساخرا بمهين
هم يصنعون من الدوارس جنة = خلدتْ بشعر محكم ورصين
إيوان كسرى ما يزال لعصرنا = يمتاز في رسم بحرف متين
أو روضة أُنُفٌ لعنترة الذي = رسم الذباب بدقة التكوين
لا تسخري أبدا فما من شاعر = إلا وكان الصدق جدَّ أمين