روسيا بعيون جديدة ..(..!!..)..
بقلم : سامح عوده – فلسطين
خلال فترة الحرب الباردة شنت على الاتحاد السوفيتي السابق حرب إعلامية هائلة، قادتها الولايات المتحدة وحلفائها الرأسماليون، وتجلت معالم تلك الحرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ ازدادت الحرب الإعلامية قوة واستعاراً، بحيث وظفت إمكانيات هائلة لغزو وريثة الاتحاد السوفيتي - روسيا - إعلامياً .
نحن العرب كنا أول المتأثرين بتلك الحرب، لان الإعلام الغربي استطاع أن يوجه أنظارنا إلى العديد من الإخفاقات التي مني بها المجتمع الروسي، فاستغلال حادث تحطم طائرة روسية على سبيل المثال كان يغطى في أكثر من وسيلة إعلام، باعتقادي لم يكن الهدف نقلاً إعلامياً محايداً، كموطن بعيد عن مكان الصراع ً كنتُ انظرُ إلى ذلك إخفاقاً للنظام السياسي والاقتصادي في روسيا، صحيح أن الفوضى عمت جميع أركان المجتمع الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وصحيح أن ذلك انعكس على جميع مناحي الحياة في روسيا، تراجع الاقتصاد، وارتفعت معدلات الجرائم، والعديد من الإخفاقات التي لا يمكن حصرها .
ولكن الحال لم يدم على ما هو عليه طويلاً فرياح التغيير قد هبت على المجتمع الروسي بعد تولي الرئيس " بوتن " مقاليد الحكم، حيثُ استطاع أن يحدث ثورة تغيير في روسيا، تمثلت في فرض الأمن والنظام في البلاد، ومحاربة " المافيات " الاقتصادية التي أضرت بكل مقومات المجتمع في روسيا، بل واستطاع الرئيس بوتين أن يعيد مجد روسيا الغابر، فكان حازماً في ذلك الأمر، فبعث ثورة تجديد في كافة مناحي الحياة، فبدأت تعود روسيا إلى مجدها المعهود، وتغيرت الأوضاع في ذلك البلد كثيراً، سيشاهد من يزور روسيا ذلك التغيير، فبعد انتهاء ولاية الرئيس " بوتين " سار خلفه الرئيس " ميدفيدف " على نفس النهج من التغيير، والتحديث .
السنوات القلية الماضية جعلت روسيا تتدرج من دولة ذات مديونية عالية إلى دولة لديها من الفائض الملايين، بحيث أنها استطاعت أن تتغلب على الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في غضون عدة سنوات، وهذا ملاحظ من خلال قيمة " الروبل " الذي تعافى بتعافي الاقتصاد الروسي، لقد عادت روسيا بفضل الزعيمين إلى تقييم تجربتها في كافة المجالات، فقيمت الأخطاء، وصوبت المسار باتجاه الإقلاع نحو القمة، وانطلاق المركبُ باتجاه النجاح حاملاً معه نجاحات الماضي، وتطلعات المستقبل .
لقد نجحت روسيا أن تستثمر كافة الثروات في البلاد، وتجري تحديثاً في طرق استخرجها – خاصة البترول والغاز – لتحقق أعلى العائدات الاقتصادية عالمياً، والأرقام تشير إلى أن عائدات روسيا من المواد الخام بلغت أعلى مستوياتها عالمياً، فقد سارت روسيا في خط موازٍ لاستغلال الثروات من خلال تجديد كافة أنواع الصناعات لديها ، فحدثت مصانعها وأدارتها بطرق علمية وحديثة، وبالتأكيد فان المتابع للحالة الروسية سيجد أن صناعاتها تجددت من الصناعات البسيطة؛ إلى الصناعات الحديثة والمعقدة كالأقمار الصناعية، حيث حدثت روسيا أقمارها الصناعية؛ ورفدت نظام الملاحة لديها بالقمر الصناعي " غوناس – ك "، ويسعى رئيس الوزراء الروسي تطوير قطاع التصنيع العسكري في البلاد ليصل إلى ( 1.175 ) تريليون روبل خلال العام 2010 م حسب معطيات نشرتها وسائل إعلام روسية مؤخراً، وهذا بالتأكيد يعود إلى الوضع المالي لروسيا إذ أن روسيا الآن تمتلك ثاني اكبر احتياطي مالي في العالم بعد الصين برصيد حوالي 500 مليار دولار ,
.
هذه صورة مصغرة عن واقع روسيا من الدخل، والباحثُ في هذا الشأن سوف يجد أن هناك الكثير من الإنجازات، تحققت في روسيا البلد الذي عاني من أزمات عصفت به أواخر القرن الماضي، ولتغيير الصورة النمطية المرتسمة في أذهان الكثيرين في العالم سعت الدولة الفتية لدخول ميدان الإعلام العصري، لتنقلَ لملاين المشاهدين في العالم تلك الصورة المشرقة لروسيا من الداخل، فخلال عامين أو أكثر بقليل بدأت فضائية " روسيا اليوم " بثها باللغتين العربية والإنجليزية، وأرى كمهتم بقضايا الإعلام أن الفضائية الروسية الفتيه هي الأكثر تفوقا على وسائل الإعلام الأخرى، كثيرٌ من المثقفين ممن أعرفهم أراهم أكثرُ ميلاً إلى تلك القناة ربما لأنها تلبي رغباتهم كمشاهدين في العديد من المواضيع التي تطرحها .
ولان روسيا التي كانت وما زالت صديقاً للعرب ومناصرة لقضاياهم، بل وسنداً لهم في الأزمات، فان عليهم أن يعملوا في اتجاهين الأول : أن يغيروا الصورة النمطية المرسومة في أذهانهم عن روسيا كــَ " مجتمع منهك اقتصادياً تعصف به الأزمات، وصناعات ذات جودة منخفضة " ، الأمر الثاني : على دولنا العربية والتي تنفق تريليونات الدولارات في التعاون الاقتصادي مع أمريكيا ودول الغرب، أن توظف الجزء الأكبر منها لتعاون مع روسيا كدولة ذات اعتدال في التعاون مع القضايا العربية، ولديها الباع الطويل في كافة المجالات العلمية، خاصة بعد الفشل الكبير الذي مني به العرب في تعليقهم آمالاً، ما لبثت أن تلاشت .. على الرئيس " اوباما " في تغيير السياسة الأمريكية تجاههم ، وان لم نفلح لا في هذا الاتجاه فعلينا أن ننظر إلى روسيا بعيون جديدة تتناسب وحجم الإنجازات التي حققها ذلك البلد، فكفانا عيشاً في سراديب هرطقات الإعلام الغربي المظلمة .