"أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي" لمحمد بن عبد الكريم المغيلي، تقديم وتحقيق الأستاذ عبد القادر زبايدية، ص29-32
فإن قلت: قد بينت وأوضحت أن كثيرا من علماء هذه الأمة ليسوا من أهل الذكر، إنما هم من علماء السوء الضالين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله. ولكن كلا منهم يقرأ القرآن والحديث ويسرد كثيرا من نصوص الكتاب، ويزعم أنه من أهل الذكر، وينكر أنه من علماء السوء؛ فبأي شيء نفرق بين أهل الذكر وعلماء السوء؟ وكيف يفعل من ولي شيئا من هذا الأمر ولم يجد في بلده أحدا من أهل الذكر؟ فالجواب والله الموفق للصواب: إنه ليلتبس حال أهل الذكر بحال علماء السوء أصلا لا قولا ولا فعلا، بل لا بد أن يجعل الله لكل هاد من أهل الذكر أنوارا في كل عصر من الأعصار هداية لسهم الجنة وحجة علي سهم النار. وبيان ذلك أن من حكمة الله تعالى أن لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون، وتلك سنة الله في الأولين والآخرين؛ لئلا يقولوا يوم القيامة: "إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ". ومن حكمته جل وعلا أن جعل ذلك البيان على لسان البشر من الأنبياء في الآخرين، وأهل الذكر في الآخرين. وجعل لكل هاد منهم عدوا من المجرمين، وهم شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. فلا بد إذن من نور واضح يعلم به صدق الهادين وكذب الشياطين. فجعل الله ذلك للأنبياء بخوارق العادات، وأهل الذكر بالأعمال الصالحات، فما من نبي أرسله لعباده إلا وجعل له نورا واضحا بين الناس كلهم أنه الحق المبين، ومن خالفه وشاققه إنما هو من الضالين المضللين.
وكذلك أهل الذكر من هذه الأمة إلى يوم القيامة؛ لأن الله جعلهم للهداية وإقامة الحجة في هذه الأمة كالأنبياء في الأمم الماضية؛ ولذلك روي "أن في رأس كل قرن يرسل الله للناس عالما يجدد لهم دينهم". فلا بد لهذا العالم في كل قرن أن يكون أحواله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح أمور الناس والعدل بينهم ونصر الحق على الباطل والمظلوم على الظالم بخلاف علماء عصره، فيكون بذلك غريبا بينهم لانفراده بصفاء أحواله وقلة أمثاله.
وحينئذ يتبين ويتعين أنه من الصالحين وأن من خالفه وشاققه ليصرف الناس عنه إنما هو من المفسدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء! وقيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الزمان"، وذلك من أبين علامات أهل الذكر الذين يحدد الله للناس بهم دينهم.
ومن أبين علامات علماء السوء أنهم لا يصلحون ولا يتركون من يصلح، فمثلهم كمثل الصخرة في باب النهر لا تشرب ولا تترك من يشرب، كل واحد منهم أضر من ألف شيطان، وليس الخبر كالعيان.
وإن لم تفهم ما قررناه وأشكل عليك شيئا مما ذكرناه فاعلم أن القراء كلهم ثلاثة أنواع: الأول من تبين لك بلا شك أنه عالم تقي. الثاني من تبين لك أنه ليس بعالم أو أنه ليس بتقي. الثالث من شككت فيه، فلم تعلم هل هو عالم تقي أم لا؟ فمن تبين لك أنه عالم تقي فهو من أهل الذكر، فاسأله عن دينك وقلده بنجيك ويكفيك، كمن أنه خبير وتبين بلا شك أنه عارف أمين.
ومن تبين لك أنه ليس بعالم، وأنه ليس بتقي- فليس هو من أهل الذكر فلا تقلده في شيء من دينك ولا تسأله عنه، كمن زعم أنه خبير وتبين لك أنه ليس بعارف، وأنه ليس بأمين. ومن لم يتبين لك حاله، فلم تعلم هل هو عالم تقي أم لا- فقف عنه أيضا، ولا تقلده في شيء من دينك، ولا تسأله ولو كان فصيحا عربيا يحفظ ما في جميع الكتب، حتى يتبين لك بلا شك أنه عالم تقي. فمن زعم أنه خبير عارف أمين، ولم يتبين لك هل هو صادق أو كاذب. وإذا علمت ذلك لم يلتبس عليك أمر القراء في هذا الزمان، ووجب عليك أن تطلب عالما من أهل الذكر؛ فالعلماء في هذه الأمة كالأنبياء في الأمم الماضية يجب الاعتماد عليهم والسعي وإن بعدوا.
سيدي الكريم كيف سيصل العالم التقي العارف بامور الدين والجاهر بها في زمننا هذا الذي تتدخل حكومة الكراسي في الامور وحتى القنوات الدينية لا تفتح ابوابها الا للمشايخ الذين ينعمون برضى الكرسي ويهتفون له لنا الله و نرجوا من الله عز وجل ان يجعلنا في الفرقة والشعبة الناجية من النار