على بركة الله أبدأ بتدوين قصائد الشاعر زيد الأنصاري
خبا الشوق خَبَا الشَّوْقُ مِنْكَ وَقَدْ كَانَ نَارَا وَقَلَّ السَّلَامُ فَصَارَ اخْتِصَارَا وَكُنْتَ كَطِيبِ نَسِيمِ الصَّبَاحِ أُطَوِّعُهُ يَمْنةً أَوْ يَسَارَا وَكُنْتَ تُبَاهِي نُجُومَ السَّمَاءِ بِحُبٍّ تَضَاءَلَ حَتَّى تَوَارَى وَمَا جَدَّ مِنِّي جَدِيدٌ فَإِنِّي كَعَهْدِكَ بِي جَفْوَةً وِنِفَارَا وَأَنْتَ رَضِيتَ عَلى سُوءِ طَبْعِي إِخَائِي فَكَانَ الإِخَاءُ اخْتِيَارَا وَأَعْلَمُ أَنِّيَ لَسْتُ جَدِيرًا بِمَنْ ظَنَّ هَذَا الحَدِيدَ نُضَارَا وَأَعْذُرُ خِلًّا رَمَانِي بِكِبْرٍ وَأَنِّيَ أُعْرِضُ عَنْهُ احْتِقَارَا كَذَلِكَ تَبْدُو تَقَاطِيعُ وَجْهِي وَبُعْدِي عَنِ النَّاسِ إِلَّا غِرَارَا وَتَعْلَمُ أَنِّي صَدَقْتُ الإِخَاءَ وَبَيَّنْتُ سُوْءَ طِبَاعِي جِهَارَا فَظُنَّ كَمَا شِئْتَ كَمْ مِنْ لَهِيبٍ تَجَلَّى الظَّلَامُ بِهِ وأَنَارَا أَلِفْتُ تَلَوُّنَ هَذَا الزَّمَانِ وَمَا زَالَ أَهْلُوهُ مِنُهُ حَيَارَى فَكَمْ مَرَّ بِي مِنْ مَآسٍ وَكَمْ تَجَرَّعْتُ مُرَّ الحَيَاةِ مِرَارَا فَوَطَّنْتُ نَفْسِي لِغَدْرِ اللَّيَالِي ولَمْ أَرْجُ مِمَّنْ جَفَانِي اعْتِذَارَا وَلَكِنْ نَدِمْتُ عَلَى حُسْنِ ظَنِّي فَأَعْقَبَنِي خَيْبَةً وانْكِسَارَا فَعَمَّا قَلِيلٍ أَصِيرُ لَرَبٍّ عَلِيمٍ بِأَنِّي جَفَوْتُ اضْطِرَارَا كَأَنَّ وِصَالَكَ حُلْمٌ وَوَلَّى فَأَرْخَى عَلَيهِ الزَّمَانُ السِّتَارَا
مصرع كلب مَاتَ كَلْبٌ ذَاتَ يَوْمٍ بَغْتَةً فَتَوَلَّى صَاحِبُ الْكَلْبِ حَزِينَا فَلَقَدْ رَبَّاهُ جُرْوًا نَاعِمًا وَقَضَى فِي صُحْبَةِ الكَلْبِ سِنِينَا وَتَحَرَّى اللَّيْلَ فِي ظَلْمَائِهِ كَيْ يُوَارِي تَحْتَهُ الْفِعْلَ الْمُشِينَا حَمَلَ الْكَلْبَ بِرِفْقٍ وَمَشَى يَرْصُدُ الدَّرْبَ شِمَالاً وَيَمِينَا فَرآهُ مِنْ بَعِيدٍ رَجُلٌ فَاقْتَفَاهُ فِي أَنَاةٍ مُسْتَكِينَا حَفَرَ الْقَبْرَ وَوَارَى كَلْبَهُ بِارْتِبَاكٍ فِي قُبُورِ الْمُسْلِمِينَا فَتَخَفَّى قَاصِدًا مَنْزِلَهُ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ الشَّخْصَ الكَمِينَا فَمَشَى مِنْ خَلْفِهِ يَطْمَعُ أَنْ يَتَحَرَّى مَوْقِعَ الْبَيْتِ يَقِينَا رَاحَ لِلْقَاضِي لِيَرْوِي كُلَّ مَا أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ صِدْقًا مُسْتَبِينَا وَمَضَى يَشْكُو الَّذِي شَاهَدَهُ حَالِفًا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَا طَلَبَ الْقَاضِي بِأَنْ يَأْتُوا بِهِ عِبْرَةً بِالْحَقِّ لِلْمُعْتَبِرِينَا أَحْضَرُوهُ صَاغِرًا مُنْتَكِسًا وَلِحُكْمِ اللهِ مَذْمُوْمًا مَهِينَا هَلْ دَفَنْتَ الْكَلْبَ فِي مَقْبَرَةٍ دُفِنُتْ فِيهَا جُدُودِي الْغَابِرِينَا وَقُلِ الْحَقَّ فَعِنْدِي شَاهِدٌ وَاحْذَرِ الْكِذْبَ فَإِنَّا مَا عَمِينَا قَالَ إِيْ وَاللهِ قَدْ وَارَيْتُهُ فِي جِوَارٍ لِرِجَالٍ صَالِحِينَا صَرَخَ الْقَاضِي بِصَوْتٍ مُرْعِبٍ فَعَلَيْكَ الْخِزْيُ وَالْكَلْبَ اللَّعِينَا وَعَلَيْكَ الذُّلُّ يَا نَجْسُ كَمَا نَجَّسَ الْكَلْبُ قُبُورَ الطَّاهِرِينَا سَتَرَى سِجْنًا شَدِيدًا فَأَنَا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ لَا أَعْرِفُ لِينَا قَالَ يَا مَوْلَايَ لَا تَعْجَلْ وَكُنْ قَاضِيًا عَدْلاً وَفِي الْحُكْمِ أَمِينَا إِنَّ هَذَا الْكَلْبَ أَوْصَانِي بِأَنْ يُدْفَنَ الْمَرْحُومُ مِثْلَ الْعَالَمِينَا وَأَنَا أَنْفَذْتُ مَا أَوْصَى بِهِ مِثْلَمَا أَوْصَى بِرَبِّي مُسْتَعِينَا نَهَضَ الْقَاضِي لِكَي يَصْفَعَهُ قَالَ قَدْ أَصْبَحْتَ غِرًا مُسْتَهِينَا إِنَّ مَنْ يَسْخَرُ مِنِّي جَهْرَةً سَيُعَانِي ضَيْعَةَ العُمْرِ سَجِينَا قَالَ إِنَّ الْكَلْبَ قَدْ أَوْصَى لَكُمْ بِدَنَانِيرَ مِئَاتٍ أَرْبَعِينَا ثُمَّ أَوْصَانِي بِأَنْ أُهْدِيَكُمْ صُرَّةً حَمْرَا حَوَتْ عِقْدًا ثَمِينَا صَرَخَ الْقَاضِي بِهِ مُسْتَبْشِرًا رَبِّ فَارْحَمْ ذَلِكَ الْكَلْبَ الأَمِينَا طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ مِثْلَمَا جَاوَرَ اليَوْمَ الجُدُودَ الأَوَّلِينَا رُبَّ كَلْبٍ صَالِحٍ رَبَّيْتَهُ كَانَ خَيرًا مِنْ بَنَاتٍ أَوْ بَنِينَا هَاتِ مَا أَوْصَاكَ وَاذْهَبْ رَاشِدًا فَلَقَدْ أَصْبَحْتَ فِي النَّاسِ حَصِينَا اِنْطَلِقْ لِلْبَيْتِ حُرًّا آمِنًا فَأَنَا مَا زِلْتُ لِلْوَافِي ضَمِينَا وَإذَا مَاتَ لَكُمْ كَلْبٌ فَعُدْ لِتَرَانِي سَاعَةَ الدَّفْنِ مُعِينَا
هذا ابن عمك هَذَا ابنُ عَمِّكَ فَاقَ النَّاسَ مَرْتَبَةً وَأَصْبَحَ اليَوْمَ مِلْءَ السَّمْعِ وَالبَصَرِ وَكَادَ يَبْلُغُ آفَاقَ السَّمَاءِ غِنًى فِي عِلْمِهِ الجَمِّ أَوْ فِي ذِكْرِهِ العَطِرِ وَأَنْتَ مَازِلْتَ لَا ذِكْرٌ وَلَا شَرَفٌ ضَيَّعْتَ عُمْرَكَ فِي جَرْيٍ بِلَا ظَفَرِ هَذَا ابنُ عَمِّكَ يَعْلُو بَعْدَ خِسَّتِهِ وَأَنْتَ تَنْحَطُّ مِنْ عَالٍ لِمُنْحَدَرِ طَارَتْ مَحَاسِنُهُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ وَأَنْتَ كَالفَرْخِ لَمْ تَنْهَضْ وَلَمْ تَطِرِ تُرْغِي وَتُزْبِدُ بِالآمَالِ كَاذِبَةً هَلْ يُثْمِرُ الزَّرْعُ مِنْ رَعْدٍ بِلَا مَطَرِ زَعَمْتَ أَنَّكَ فَذٌّ لَا مَثِيْلَ لَهُ لَأَنْتَ أَكْذَبُ خَلْقِ اللهِ فَاسْتَتَرِ إِنْ كَانَ يَسْهَرُ فِي جِدٍّ وَفِي تَعَبٍ فَأَنْتَ تَقَوَى عَلَى اللَّذَاتِ بِالسَّهَرِ لَكِنَّهُ دَائِبٌ فِي العِلْمِ مُجْتَهَدٌ وَأَنْتَ لَاهٍ مَعَ الأَصْحَابِ فِي الهَذَرِ يَا خَيْبَةَ العُمْرِ كَمْ أَنْفَقْتُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَمْ أَجِدْ لِجُهُودِي فِيكَ مِنْ أَثَرِ قُمْ وَاكْتَسِبْ مِثْلَهُ عِلْمًا وَلَوْ طَرَفًا فَقَدْ رَضِيتُ مِنَ العَيْنَيْنِ بِالعَوَرِ يَا قَبَّحَ اللهُ صَحْبًا تَسْتَعِينُ بِهِمْ مَاذَا أَفَادُوكَ غَيْرَ العَجْزِ وَالخَوَرِ شَتَّانَ بَيْنَ خَدِينِ الكُتْبِ يَعْشَقُهَا كَأَنَّ مَنْطِقَهُ دُرٌّ مِنْ الدُّرَرِ وَمَنْ يَقَطِّعُ كُلَّ العُمْرِ فِي لَعِبٍ شَتَّانَ بَيْنَ أُسُودِ الغَابِ وَالهِرَرِ لَا دَرْبَ لِلْفَخْرِ غَيْرَ العِلْمِ تَسْلُكُهُ وَهَلْ يُفِيدُ الفَتَى عِلْمٌ عَلَى كِبَرِ غَرَسْتُ غَرْسًا وَأَمَّلْتُ القِطَافَ غَدًا فَكَانَ كَالعَوْسَجِ البَالِي بِلَا ثَمَرِ يَا خَامِلَ الصِّيْتِ لَا عِلْمٌ وَلَا أَدَبٌ رَجَوْتُ حَتَّى مَلَلْتُ العَيْشَ مِنْ ضَجَرِي لَنْ يُثْمِرِ الغَرْسُ إِلَّا وَانْقَضَى عُمُرِي لَمْ أَقْضِ مِنْ أَمَلِي فِي أُسْرَتِي وَطَرِي سَوَّدْتَ وَجْهِيَ بَيْنَ الأَهْلِ قَاطِبَةً جَعَلْتَنِي عِبْرَةً فِيهِمْ لِمُعْتَبِرِ