عبد الجبار العتابي من بغداد: تلك (ملوية سامراء)، من ايما مكان وزمان تنظرها تراها سامقة بشكلها المميز الذي تتباهى به بين ابراج العالم ومناراته، تراها تحكي للناس حكاياتها وهي تقف هناك متأملة الازمنة وهي تمر من بين جدرانها، ملتوية بقدرتها العجيبة على البقاء والصمود، وتذكرت مع الخبر الذي قرأته عن اعادة افتتاح الملوية امام السياح والمواطنين، ما قاله له صديق من ان هذه الملوية لو كانت في دولة غير العراق لكانت قبلة للسياح ومن اجمل الامكنة السياحية، ولكان طولها السامق وشكلها الملتوي يشكل حالة من الدهشة والمتعة وعلامة فارقة من علامات البلد الذي اسمه العراق، لانها واحدة من العجائب وان لم تذكر ضمنها، لكنما الاهمال ظل مصاحبا لها ولم يفكر احد في ان يضيف الى رحابها ابتكارات كالتي يبتكرها الاخرون في دول العالم لأي شيء بسيط ويجعلون منه تحفة فنية.
سأقرأ لكم الخبر الجديد الذي يمكنني ان ارتب سعادتي به وفق حنيني الى الملوية: (أعلنت السلطات المحلية في سامراء بالتنسيق مع قيادة عمليات سامراء افتتاح مئذنة الملوية للسياح والزوار والمواطنين بعد اغلاق دام اكثرمن ست سنوات، وقال محافظ صلاح الدين مطشر حسين عليوي محافظ صلاح الدين: تم افتتاح مآذنة ملوية سامراء بعد اغلاق دام اكثر(ست سنوات) متتالية حيث إن المئذنة أهملت طوال الفترة الماضية، وأضاف عليوي: سوف نطلب من مجلس المحافظة في السنة القادمة تخصيص مبالغ لإعادة تأهيل وتنظيم الحركة السياحية في المدينة، وأوضح عليوي: ان الاجهزة الامنية في سامراء وضعت خطة أمنية محكمة ومعدة مسبقا لاستقبال الزوار وحمايتهم ليستعيد الناس جزءا بسيطا من عادات افتقدوها منذ زمن بعيد وهي التنزه والمرح في مجمع ملوية سامراء خلال الأعياد والمناسبات)، وهذا خبر مميز لا بد ان يقام له احتفال له معانيه الكبيرة والجميلة.
هذا يعني ان ملوية سامراء التي تعرضت للتفجير أواخر عام 2006 من قبل مسلحين مجهولين، نفضت عنها غبار الاهمال ورماد الحرائق، وهي الان تحاول استعادة بهجتها المفقودة، ويمكن في اللحظة هذه التساؤل عمن حاول تفجير هذا الاثر الشامخ، الذي يمثل جزء من حضارة العراق التي يجب احترامها والاعتزاز بها، كما يجب الاشارة هنا إلى أن منظمة (اليونسكو) أدرجت سامراء من ضمن محمياتها، جعلني الخبر اهاتف صديقي الزميل الدكتور مجيد السامرائي في هاجس غريب مني ان اخبره ان حنينك الذي كنت تشرح به صدرك الى الملوية ها هو الان يقف على (مرمى حجر) سمعته يردد تلك العبارات المفعمة بالشوق والحنين الى سامراء قاطبة والى الملوية التي كان يقترب منها كثيرا وشهد افراحها يوم كان الناس يذهبون اليه زرافات للتمتع بجمالها، ويصعدون درجاتها مشيا وركضا ويتطلعون من اعلى نقطة فيها الى مدينة سامراء التي ترفرف اجنحتها بالسؤدد على مرأى نهر دجلة وبالذهب اللامع من قباب الامامين العسكريين، قال مجيد: (اخر مرة زرتها لم اجد فيها مايشدني اليها فلا قبة الذهب يسطع ضياؤها ليلا، والملوية لايجرؤ احد على ارتقائها)، لم اجد الا ان اقول: سيجرؤ ايها السامرائي الكثيرون وسوف تجد المكان يحفل بالوافدين، وربما سيأتي صاحبك بدراجته البخارية ليرتقي اكتاف الملوية ليكون مشهدا لافتا، وما كان مني الا ان اردد ابيات شعر للجواهري قال فيها:
حَييْتُ (سامَرّا) تحيَّةَ مُعجَبٍ
بروُاءِ مُتَّسِعِ الفِناء ظَليله
بَلدٌ تساوَى الحسنُ فيه، فليلُهُ
كنهاره، وضَّحاؤه كأصيله
ساجي الرياحِ كأنما حلَفَ الصَّبا
أن لا يمُرَّ عليه غيرُ عليله
طَلْقُ الضواحي كاد يُربي مُقفِرٌ
منه بنُزهتهِ على مأهوله
وكفاكَ من بلدٍ جَمالاً أنَّه
حَدِبٌ على إنعاش قلبِ نزيله
هذه هي ملوية سامراء، اراها شاخصة امام اعيني بطولها الفارع وان كانت ثمة اضرار اصابتها، صحيح.. (ان الملوية لاتزال تعاني من التهشم في بعض جوانبها والذي نتج عن الانفجار الارهابي القوي الذي تسبب بخلخلة جوانب قمتها، وهذا قد يتسبب بتعرض الذي يصعدون على قمتها الى السقوط)، لكن بالتأكيد ستكون على ما يرام بشيء من الاهتمام والترميم والمحبة، وكان عليّ ان استذكر.. انني صعدتها مرة واحدة قبل سنوات بعيدة، رفعت نظراتي لأراها كاملة وأرى تاريخها كله والاقوام التي مرت عليها، بل والخطى التي ارتقت اكتافها، ولازلت اتذكر خطواتي الواجفة الوئيدة على طابوقها المتراص الذي لا يشبه طابوقنا الحالي، فيما كنت اعجب للذين يركضون، كنت اتلمس كل شيء فيها، وحين وصلت الى اعلاها كانت الدنيا تحتي تتصاغر وما حولي يبدو اجمل.
هذه الملوية يجب ان اقرأها مجددا وهي تفتح فضاءاتها للزائرين، انها تقع ضمن مساحة (جامع سامراء الكبير) الذي بناه الخليفة المتوكل حوالي سنة (849 م)، ويعد من أكبر المساجد مساحة حيث تبلغ مساحته حوالي (156 × 200 م) وهذا بدون الزيادة المحيطة، المسجد مبني من الطوب، والسقف خشبي مستوي يرتكز على أكتاف من الطوب في أركانها أعمدة ملتصقة، و الزخارف جصية (من الجبس) و له مسقط أفقي تقليدي، و للمسجد فناء مكشوف تحيط به ثلاث أروقة أعمقها رواق القبلة، ومئذنة الملوية مقامة على قاعدة مربعة ضلعها (33 م) و ارتفاعها (3 م) يعلوها جزء اسطواني يحيط به من الخارج درج حلزوني يلتف حول بدن المئذنة من الخارج و ارتفاع الجزء الدائري حوالي (50 متر)، وتدور الملوية من الأسفل إلى الأعلى، عكس اتجاه عقارب الساعة، وهي بهذه الخاصة تبدو في عناد مع الزمن، وتفصح عن سر حفظها من الفناء.
سامراء.. بكامل ما فيها من آثار أدرجتها منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) الى لائحة التراث العالمي، وقالت فوزية مهدي مديرة قسم النشر في دائرة الدراسات والبحوث: ان لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو اقرت في اجتماعها الدوري الـ (31) المنعقد في نيوزلندا قبول مدينة سامراء الاثرية وادراجها في لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر نظرا للقيمة العالمية الاستثنائية وفق المعايير التي اقرتها اتفاقية التراث العالمي.
اذن.. ستفتح سامراء ابوابها الملونة الزاهية للزائرين الذين يشعرون بالشوق بعد فراق قسري لسنوات، ها هي تشد الافاق اليها وتعلن انها استعادت جمالها المكنون، زكم اتمنى ان لا يمر الحدث على قدر كبير من الصمت، لكنني تساءلت ترى: هل ستمتد الايدي الى ازالة الوحشة من الملوية وتصبح لها مكانتها السياحية المميزة؟