توأم الجنون! يوما ما حلمت بالحب، فاستفقت على عالم لا يحوي سوى العقلاء فكنت مجنوناً وسط العقلاء.. حينما تتغير الأحوال وتتبدل المفاهيم يصبح الجنون قمة العقل، ويصبح التعقل قمة السخف.. حينها كرهت عالمي.. كرهت وجودي في عالم لا يؤمن بجمال الجنون، ولا بلذة السكون، ولا بطعم الزيزفون، فيرى الحب جريمة لا تغتفر، وقبلة المحبين خطيئة البشر، ولا يرى في العقل جزءاً من الخدر. كرهت ذلك العالم الفاقع المشبع بالعقول.. كرهت ابتسامته الخداعة كرهت فيه قول الزور كرهت حكمة العقول ما أجمل أن يكون الإنسان في عالم مجنون.. جربت يوماً الدخول إلى مصحة عقلية بمهمة مجنونة هناك حيث تختلط الخطوط تجد كل الخطوب تجد الحكمة تنبع من أفواه الجنون بعض (العاقلات) صرن يتغزلن بي، وبعضهن جاهدن لفتح أزرار القميص وبعضهن نطقن كلمات الحب والغزل والعشق بلا تثريب. هناك حيث لا ثياب على الأجساد لم أجد أجمل من أن يتجرد الإنسان من الزيف ومن بقايا العقل ويصبح نقياً كما خلقه الرب. نشوة السكر التي لم تمر بي عرفتها هناك.. هناك، حيث يصبح للصدق نافذتان الجن والجان بدل السكر والغضب.. هناك أحسست بلذة الحياة، بطعم الحياة، بنفحات الجنون.. لتعرف قيمة العقل لابد أن تتذوق الجنون لتكشف نواصع الأشياء لابد لك بخيط من الجنون.. خرجت من تلك المصحة بعد سويعات لكنني لازلت أحن لكل تفاصيلها وأستجمع كل قوانين الجنون فيها وكل سمات الجنون كل تفاصيل الجنون مزايا الجنون جنون الجنون عدت عاقلاً إلى عالمي حتى حانت ساعة الجنون ولكن في مصحة أخرى.. لا اعرف لمَ مكتوب علي حب المصحات!! ونزيلات المصحات ومرشدات المصحات هل هو عشق الجنون أم أنه جنون العشق فحالما توقف قطار عقلي في مصحتها لوهلة.. وجدتها تبحث عن فاقد عقل يعزز لها صدق نظرية الجنون وجدتها تبحث عن عالم أشد جنوناً من عالمي المجنون بل وأشد جنوناً من جنوني المجنون.. عبارة كانت كافية لتقلب كل أوراقي وتتناثر على أعتابها كل كلماتي.. (ميتة حُفر قبرها منذ آلاف السنين و لم تدفن بعد)! كم ظننت أن كلمات الحب والعشق قد غادرتني منذ أمد بعيد لكن اليوم اكتشفت أن تلك لم تكن سوى استراحة محارب مجنون.. محارب أدمن العشق وأحب الجنون.. ومع أنني اكتشفتها قدراً لكني كنت أعرفها من زمن غابر مجنون المجانين على أشكالهم يقعون هكذا اكتشفت أنا! وهكذا اكتشفت هي! قررت الاستقالة من عالمي العاقل، وقررت بدورها تثبيت أسس عالمها المجنون.. فأصبحنا توأم الحب بالتبني لأب أسمه: (مجنون)!!