تثاقل أمير دولة العشاق التائبين عن تلبية دعوة ملكة العشق لإلقاء كلمة بلاده في المؤتمر وبدا في تردده وتثاقله
كمن عمل عملاً شائناً لا يريد لأحدٍ الإطلاع عليه ما دام قد أضحى نادماً على ارتكابه عازماَ على عدم العودة لمثله
إلا أن تلك النظرات الواثقة الهادئة التي قرأها في أعين أعضاء وفد دولته جعلته يلملم شتات أفكاره و يستجمع بقية
جأشه ويكمل خطواته الخجلة إلى المنبر .
بدأ الأمير خطابه بالآية الكريمة
بسم الله الرحمن الرحيم
َ(( ومَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً )) صدق الله العظيم
أما بعد :
اسمحوا لي أيّها الأحبة أن أُهديكم تلك النسمات الروحانية المُفعمة بالرأفة و الرحمة
والتي تلامس شغاف قلوبنا مع كل لحظة نقضيها في كنف تلك الآية الكريمة المعطاء
ولعمري إنها الآية التي نهتدي بنورها لمبادىء الرجوع عن خطايا العشق
و إذا كان كل أمير منكم قد أتى إلى مؤتمرنا هذا حاملاً في ثنايا فكره مبادىء دولته في العشق مُمنياً النفس بأن
تلقى تلك المبادىء منّا كل الرضا والقبول والمديح والثناء و يحذوه الأمل بقدوم يومٍ يُمسي فيه قانون دولته في
العشق منارة تهتدي بها سفن العشاق إلى شواطىء لا تعرف معاني الهجر فإننا والله الذي رفع السماء وبسط
الأرض وأجرى السحاب لا نرجو من لقياكم في هذا المساء الجميل إلا النّصح والرشاد لقوم نحسبهم من المتقين
حتى في مسائل العشق .
إن المسألة عندنا لم تكن خطيئة عشق واحدة قد سرت حُمتها المُعدية في كل أرجاء مدن العشق لدينا فحسب بل
كانت قصصا من الخطايا وكل خطيئة كان وراءها قصة وكل قصة حملت بين سطورها نعّياً لفضيلة وولادة لرذيلة
ولعلّي في هذا المقام الكريم أجد نفسي مُخبركم ببعض خطايا العشق عندنا حتى نتعظ سوياً و نتعلم كيف نتجنب
الوقوع في شراكها و لعل أهمُ تلك الخطايا و أكثرها ضراوةً وتأثيراً هي خطيئة العين العاشقة التي ماتت فضائلها
عندما باتت تلتقط صور المعاصي باسم الحب هاتكةً للأستار والأعراض ناظرة إلى ما حرم الله عليها أن تنظر
ثم تركناها تذرف دموعها تنهمر كالمطر لأجل امرأة فحسب ومتى ذُرفت دموع العشاق لأجل امرأة لا تمت لهم
بصلة القرابة ولا تحظى بمرتبة الزوجة كانت تلك الدموع ألواناً يتفنن بها الشيطان في رسم ابتساماته الساخرة
الهازئة من أصحاب تلك الدموع و لربما أتت هذه الدموع يوم القيامة عاتبة علينا لأننا لم نسكبها في الإناء الذي
كان من الواجب علينا أن نسكبها به ألا وهو إناء الخوف من الله .
وبقينا على تلك الحالة حتى أنعم الله علينا بنعمة البصيرة التي مسحت عن أعيننا غبار الشهوة المنحرفة
ولم تعدُ الشياطين تفلح كثيراً في جذب أبصارنا إلى صور العشق المحرمة علاوةً على أننا قد أمسينا نمّقت النظر
إليها لأننا تعلمنا أن لجارحة العين حقها في تذوق الجمال ولكنه الجمال الشريف الذي تُقر وتُحل شريعة السماء
النظر إليه فلا ننظر بشهوة بذريعة الحب ونحن كما نكره أن ينظر الغير إلى بناتنا و أخواتنا و أزواجنا تحت
مُسمياتٍ مختلفة فإن الغير كذلك أيضاً يكره أن ننظر إلى أهله نظرة غير شرعية تحت أي مسمى إن تلك المعادلة
قد أضحت موضع التطبيق في دولتنا .
وهناك خطيئةٌ لجارحةٍ أخرى أشار إليها شاعر المجون والهوى بشار بن برد حين قال
(( والأذن تعشق قبل العين أحيانا ) )
وهو تعبيرٌ يمثل حالنا مع تلك الجارحة إذ كانت لا تنصت إلا لكلمات عشق لا يحضر في أذهان المرء عند
سماعها إلا فساد ذوق صاحبها وسذاجة فكره ورداءة خياله ولا تستمع إلا لموسيقى تُشعرك بتُعكر صفاء
نفسك ومزاجك طيلة مدة سماعها
ورغم أن آذاننا كانت تلتقط من حين للآخر أصوات الواعظين والحكماء التي تحدثنا عن قصور نظرتنا للحياة
وعن ضعف تجاربنا إلا أنّ تلك الأصوات لم تكن لتطرق مسامعنا إلا لترتد منها كما يرتد الصوت في الفضاء رغم
أنّ سريرتنا وفطرتنا كانتا تخامرهما الشكوك حول حقيقة ما ننصت له وبتنا قوماً لا يؤمنون بخاصية الاحتراق لدى
النار إلا إذا لامستها أيديهم فإذا ما تعالى صراخهم من الألم والعذاب أدركوا حينها تلك الخاصية .
وهناك خطيئة لا نحسب أنفسنا إلا من ضحاياها قبل أن نكون من أهلها وهي ما نسميه في دولتنا خطيئة اختلال
مفهوم الأولويات في حياتنا ولعلّ تلك الخطيئة من صنع الطبيعة التي ترعرع كل عاشق فينا في كنفها وتربى في
مدارسها والتي قصرت في غرس حب الأوطّان و إرادة بناء المجتمعات والقيم والمبادىء الأخلاقية في أنفسنا
ولعلكم أيّها السادة لتذكرون ذلك الرجل الذي بعث به أحد ملوك إسبانيا أيام الأندلس ليتطلع على حال شبابها
فرأى فتى صغيرا يبكي فلما سأل عن سبب بكائه وعرف الجواب سارع بالهرب خائفا مذعورا من تلك النّفس
الكبيرة التي كان يحملها ذاك الفتى في صدره فما كان يبكيه هو بأنّ لديه سهما واحد ويخاف أن لا يقتل بها
سوى رجلا واحداً من أعداء أمته فصرف الملك رغبته عن دخول الأندلس وبعد عشرين عاما أرسله مرّة أخرى
فوجد شابا جزعا يبكي فلمّا سأل عن سبب بكائه عاد فرحا متفائلا بالنّصر إلى ملكه فما كان يبكي ذلك الشاب إلا
هجر حبيبته له فقال له بأن000 الآن حان دخول الأندلس ولعمّري كأننا من أبناء ذاك الزمان لا نفهم من الحياة إلا
كلمة العشق وكفى بتلك الكلمة تفسيرا لمعاني خيبتنا .
وهكذا كان حالنا أيّها السادة أمراء دول العشق الكرام إلى أن أنعم الله علينا بالتوبة النصوحا ورزقنا نعمة البصيّرة
فكنا وما زلنا عشاقا لكننا نسير في ضوابط شريعة السماء وكنا وما زلنا عشاقا لكننا نملك أنفسا تواقة لصور
العشق الجميلة والرّاقية مستلهمين من القاعدة الشرعية (( من اسعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه )) معاني
الصبر الجميل ما زلنا نبكي لكنه بُكاء الندامة وما زلنا نستمع لكنه استماع لأصوات الحكمة هذا ونسأل الله عزّ
وجل أن يتوب علينا وعليكم أجمعين وأنا يهدينا و إياكم إلى خير ما يرتضيه لنا.......... دمتم في رعاية الله .
أخوكم في الله
أمير دولة العشاق التائبين
لم تملك الوفود مقاومة رغبتها الجامحة بالبكاء فبعضهم أخفى دمعته كمن يخبأ كنزاً السرّ و آخرون
أطلقوا لها العنان كُل ذلك كان من وقع كلماته في أنفسهم حتى ملكة مملكة العشق أخرجت منديلها المُعطر ومسحت
به دمعة قد وجدت طريقها للتسلل خلسة من سجن قلبها إلا أنها سارعت لإنهاء تلك اللحظات الإنسانية المؤثرة
حرصاً منها على سير المؤتمر كما خططت له وقالت :
لا يسعني إلا أن أشكر أمير دولة العشاق التائبين على كلمته الجميلة
أما الآن دعونا أيّها الأحبة نستمع لكلمة لأمير دولة العشاق الصامتين وعاصمتها مدينة 000الصمت
يتبع
هذا وما الفضل إلا من الرحمن
بقلم............ياسر ميمو