الفنانة
عـبـيـر علي عـربـيـد
ريشة ساحرة ... وقلم سيال
مقدّمة وحوار: حسين أحمد ىسليم
المقدمة
آتية على جناح الحلم الآخر , تمتطي صهوة الفن التشكيلي في رومانسية مغايرة , تحمل كل المعالم التراثية في ذاكرتها الإنسانية , تحتفظ بالمخزون الثري من المناقب والأخلاق الرفيعة .
قادمة إلينا من ربوع البلدة الجنوبية العريقة , ناقلة كل الفلكلور الشعبي الجميل , مجسدة الرؤى المنهمرة من فضاءات الإمدادات , في معالم من البوح الأنثوي الشفاف , تعكس لنا صورا مبتكرة خلاقة في تشكيل من الإبداع المرهف , محاكاة أثيرية شفيفة , في طيف من الألوان الزاهية حينا , الثائرة حينا آخر , تمتد على مساحة كبرى , أوسع من محدودية القماشة , وأبعد من شكل الإطار .
تأخذنا في عالمها اللوني , وتحملنا إلى عالم فني مستحدث , فيه الكثير من معالم وجهها الفني , وفيه الوفير من رؤى الإنسان والحب والحياة والجمال والوجود , تأكيدا خالصا لرؤى الحق والجمال , من خلال معالم الإنسان واحتياجاته إلى الحب والجمال والحياة والوجود , ضمانا لاستمرارية العيش في كنف الحياة ...
عبير علي عربيد , فنانة جنوبية , تمتلك من الثقة بالنفس , والعنفوان الإنساني العظيم , ما يؤهلها لخوض الغمار الأوسع , لفنون الرسم التشكيلي , وتأكيد ذاتيتها الإنسانية , في تشكيل فني لوني واسع , مجسدة ما تبوح به جوارحها , في لوحات ناطقة لونا ومضمونا , على وقع الموسيقى اللونية الطيفية , المتناغمة على مساحة لوحاتها ...
عبير علي عربيد , العازفة بريشتها السحرية , على سيالات الأطياف اللونية , منمنمة أنغامها الإيقاعية , المتناسقة , المتجانسة , المعبرة عن شفافيتها النفسية , وطهارتها الروحية , في إنائها الجسدي . ننساب إلى عالمها الفني , ندغدغ خيالها , نحرض أفكارها , نستجلي رؤاها , نحاورها , فتعزف لنا ألحانها الفنية , في حروف فنية من نوع آخر , وفي كلمات تشكيلية حالمة , تعكس أحلامها من خلالها ...
الحوار
متى وكيف تفجر الإبداع الفني عندك ؟
تفجر الإبداع الفني عندي منذ الطفولة , وكان ذلك في المراحل الدراسية الابتدائية , وليس عن طريق الرسم , بل الشعر والأدب وحفظ القرآن الكريم , ثم الحرف والأشغال اليدوية , أما في المرحلة المتوسطة , فظهرت موهبة الرسم عندي بشكل لفت نظر المدرسة , وكنت أشارك بعدها سنويا وحتى المرحلة الثانوية , على مستوى التعليم الخاص بدولة الكويت وأفوز دائما بالمرتبة الأولى . وكان الاحتراف الفني أثناء الدراسة الجامعية حيث بدأت مشاركتي بالمعارض الجماعية التشكيلية .
أين , ولماذا اخترت الفن مسارا لك ؟
الفن كان ولم يزل في ذاتي وكياني , من الكويت البادية والغوص والسدو , إلى لبنان البحر والجبل والوطن . الفن هو الذي اختارني , وكانت نتيجته , التفرغ الخالص للفن , من الناحية الأكاديمية والشخصية والثقافية , لكي أكون إيجابية معه , وجديرة بهذا الاختيار .
من أنت بالمفهوم الفني ؟
عاشقة الحلم باليقظة قبل النوم , والإنسان التي تحلم بالماضي , وتعيش الحاضر بواقع تجاربه , طامحة دائما لمستقبل جديد .
لماذا ولمن ترسمين ؟
إنني إذا ما رسمت كلماتي وأحلامي , وتحدثت عن علاقتي بمحيطي وأمنياتي , وترجمت بريشتي وألو أني , فما هي هويتي إذن في هذا العالم الجميل الفاني .
أرسم للإنسان , والزهرة , والطير , وكل من يصرخ الآه , ولمن يرسم البسمة ويرى ويتأمل , ولكل عاشق بالروح والجسد , للحياة بألوانها , وللحق الآتي بأسراره وألوانه .
أين أنت كموقع فني , ماضيا وحاضرا ومستقبلا ؟
أعيش الحدث والحاضر , وأرسم دائما كل جديد , بعيدا عن النقل والتقليد . وأشعر دائما أنني من الماضي البعيد , حيث أعشق الطرب الأصيل , وبيوت الطين , والحجارة التي عمرت منها البيوت القديمة , وأعمدة التاريخ .
أتأمل بشغف وحب , التجاعيد في وجه جدي وجدتي , وكل مسن وشيخ كبير , يحملون فيها حكايات الخير والبركة , وأساطير من التاريخ .
وبالتالي أرسم , ما هو ملتصق بحياتنا وأحلامنا , حتى نترك أعمالا لأجيالنا , وللحاضر الذي سيغدو بعد حين تاريخا , ويجب أن يكون بعيدا , عن السلبيات والانفعالات الهشة .
ما هو السر الفني الخفي في كنه الشكل المجرد ؟
هو أن تكون نقطة البداية للعمل الفني ممزوجة بعلاقتها مع الفنان صادقة مجردة من كل الزيف .
ما الأصل في المحاكاة الفنية مع التصميم ؟
الفكرة والقدرة على التعبير بالخط واللون والتأليف المتوازن للعمل الفني .
ما علاقتك بالمشهد الفني ؟
كعلاقتي بكل شيء حي يتنفس أمامي , حتى علاقتي بالنماذج الصامتة والجماد عندما أحاكيها , أشعر وكأنها حية ناطقة , فأرسمها حتى تعيش دلالتها باللون والتعبير الفني .
ما هو المحور الأساسي للحركة التشكيلية ؟
المحور الأساسي في الحركة التشكيلية , هي المصداقية النابعة من ذات الفنان , الذي تأخذه إلى البعد في الرؤيا اللونية والفكرية , المرتبطة بالتأليف المتناسق للعمل الفني .
ما وتر الشكل في البعد التكويني ؟
الوتر هو اكتمال التأليف الخطي واللوني والفكري , الذي يسمح لعيون القارئ والمشاهد بعد الفنان , أن يرى العمل بشكل تام , لا تنفر العين من أي نقطة أمامه في هذا العمل .
ما الذي تودين قوله في أعمالك الفنية ؟
أود أن أجسد كل معنى ومدلول لا أكتبه خطيا , وكل ما يدور في عقلي الباطني , من ترجمات وطقوس خاصة , نابعة من النفس المتعايشة مع الواقع والمحيط , الذي يمكن أن يسمعني قبل أن يراني , من خلال صوتي الناطق عبر الخطوط والألوان .
ماذا تمثل النقطة في كنه الشكل الفني للوحة ؟
النقطة وتحديد مركزية بدايتها , هي الأساس في تكوين العمل الفني , الناتج من عمق الذات , المسافرة إلى رؤى البعد الحي للخيال , في كنه الشكل الفني للوحة .
ماذا يمثل الخط سيكولوجيا ؟
الخط هو التعريف عن الهوية الفنية لشخصية الفنان , حيث نعرف من طريقة رسمه , مدى جرأة ـ خوف ـ راحة , أو تعب فكر , ونفسية الفنان , وبالتالي هو التعبير الأصدق بعفوية , والذي يمكن المشاهد الوصول , طفولة وبيئة الفنان , وتأثيرها السلبي والإيجابي عليه .
كيف تقرأ اللوحة الفنية ؟
لها العديد من القراءات , فالبعض يقرأ اللون وتمازجه وبرودة وقوية , وآخر يغوص في الفكرة وعمقها , ويكتشف مكنوناتها , وغيره يتساءل ويسأل صاحبها عن المضمون , ومن تكون أمامه واضحة , يرى الجمال والقبح , وما الجديد فيها , ومنهم من يقرأ الصورة كما هي , وكلها تهم وتعني الفنان .
هل يمكن اعتماد حس الفنان وحده كمعيل وحيد في تقييم العمل الفني ؟
الفنان معيل نفسه وفكره , ولا يمكن اعتماد حسه وحده كمعيل وحيد , كمعدل نسبي للتأثير المباشر , وغير المباشر , بين الفنان والتلقي .
هل حققت في أعمالك ما تطمحين إليه من خلال حركة التشكيل الفني ؟
استطعت أن أحصل على البعض مما أنشده , ولكن , إذا اعتبرت أنني حققت ما أطمح إليه , فلسوف أكتفي بهذا القدر , وهذا مستحيل , فما زلت حتى الآن , أبحث وأرى الجديد في القديم قبل الحديث , مما يجعلني أشعر وكأن بدايتي اليوم , حتى بالعودة إلى التاريخ .
بداية لا أريد أن أختزلها وأنهيها , لكي يبقى الطموح والهدف منشودان .
هل تقومين بمواكبة عملقة أعمالك ؟
بالطبع , أسعى دائما لهذه المواكبة , بالنسبة للوحة والفكرة والإحساس الفني .
ما هي السمة الفنية الأساسية في شخصيتك ؟
أسعى دائما لتقديم ما هو جديد , ليس بالضرورة , التغيير بالأسلوب أو الفكرة . ولي أكثر من شخصية ـ رأي ـ أسلوب تتجسد في جسد وفكر واحد , لا يتغير , إلا بطريقة تكيفه وتأقلمه مع هذه الأفكار والشخصيات , ثم رسمها , فتبقى الألوان بقوتها الحارة والباردة معا , والخط بخصوصيته الفنية .
مساراتك التجريبية مع التشكيل الفني ؟
لقد بدأت بالكلاسيكية , ثم الواقعية , والانطباعية , واللوحات الشرقية , ولم أقصد ذلك , ولكن كان مساري آنذاك . ثم بدأت الخطوط والألوان , تناجيني أبعاد تعبيرها , على طريقتها الخاصة بي , فكان عندي مجموعة من الأعمال اقتصرت على دراسة الخط العربي , ورسمه بطريقة مقروءة واضحة , لا تنتمي إلى أي من الخطوط المعروفة , وتدرجت الألوان الزاهية و " الفاقعة " حوله , والكتابة في هذه الأعمال , عبارة عن أبيات من قصائد شعرية , أو آيات من القرآن الكريم , فارتبطت الحداثة اللونية بالتاريخ أيضا , فكانت أعمالي الناتجة عن هذا المحور , ثم رسمت الحركة الشفافة , المضيئة بتدرج اللون في مكان خاص في اللوحة , حيث كانت هذه حركة قراءة خاصة , تحوم حول الفكرة المقصودة , وأصبحت كتوقيع خاص , عبر هذا التدرج اللولبي اللوني في العمل الفني , وبعدها انتقلت وأخذني الحبر الجاف إليه , حيث شعرت يومها بمحاورته لي , ونطقه بعد صمت طويل , وكان الرسم بالحبر الجاف وألوانه المحدودة , وللتجسيد فيه أجمل الصور التعبيرية , والمعاني الإنسانية والطبيعية .
هل جسدت في أعمالك الفنية حركة الفعل الفني من خلال ما ورائيات العمل الفني ؟
جسدت في البعض من أعمالي الفنية , حركة الفعل الفني , من خلال ما ورائيات العمل الفني , فرسمت الجنة والنار , الملائكة والشياطين , الجن والإنس , وحرب النفس , ودمار الإنسان , وروحانية العشق الإلهي والبشري , وحديث الجن والبشر , عبر آلات العزف والطرب , وحوار الجماد وبث الروح اللونية الشاعرية , حتى تحول إلى معزوفة ناطقة باللون والتصوير .
ما هي الحدود التي أبدعت فيها مع الشكل ؟
لقد حددت الشكل بإطاره الخارجي في بعض الأعمال , ولم أحد من حدوده ومعانيه الإبداعية , وفلسفته الجمالية , والبعض تجردت من الشكل وكان التعبير عنه , من خلال إبراز الفكرة من خلال الحالة اللونية في اللوحة التجريدية .
ما هي العلاقة بين اللون والإحساس ؟
كعلاقة الأم بر ضيعها أثناء الأشهر الأولى من ولادته .
هل يجسد الشكل الفني المرآة الذاتية لشفافية السمو في حركة الإبداع الفني ؟
نعم وبنسبة عالية إلى حد ما .
كيف تكون حالتك وأنت أثناء الحضور الفني ؟
لا أرى أمامي , سوى بدء التكوين , وبداية الخلق , ولا أسمع سوى اللحن المناسب , لحالتي الثابتة على الأرض جسدا , عائمة فكرا على سطح البحر المتموج , والهائج بثورته , من أسرار البشر في هذا الكون , فأغني الألوان مثله , فأثور وأهدأ , ولا أبوح بمكنون النفس , إلا على قطعة القماش , أو الورق , ولا أشم إلا رائحة الأرض الطيبة , بكل حالاتها الخصبة واليابسة , فأحدث الريشة فتناقشني , وأغني لها فترقص لي , فينتج العمل الفني بعيدا عن أي انفعال هزيل .
هل في فلسفة لقاء الجمال بالحق في قمة الإبداع الفني شكلا وإشراقا ومضمونا , تلتقي كل الحقائق من إيحاءات الشكل ضمن الإطار لهذا الوجود ؟
هناك لقاء حسي تعبيري لكل الحقائق من إيحاءات الشكل ضمن الإطار في الوجود لفلسفة لقاء الجمال بالحق في قمة الإبداع ... بالنسبة لي , حيث أسعى في أعمالي آلي خلق الدفء الذي يبعث في نفوس الناظرين آلي اللوحات كل الأمل الواعد ... والتفاؤل بالحياة , والسعادة , وبالتالي نجد الريشة أصبحت قلما ينص شعرا , أو يكتب نثرا أم قصصا , وحكايا عن الناس الذين مضوا , وعن القادمين في الأزمنة اللاحقة ... آلي عالم الحرية , والعدالة ... ثم أترجم الإيحاءات والمصطلحات عبر انفعالاتي الحسية , ومشاعري الاجتماعية في لقاء تصويري لوني بين الحق والجمال ... فلا أحب أن أترك فراغا في مساحة كبيرة أو صغيرة في العمل ... حتى لا يكون هناك فسحة من اللامعنى ... فمن خلال الألوان التي أجسدها تعبيريا على القماش ... الكل يتحدث عن حركة الإنسان وحركة الزمن .. حتى الموت وهو قدر الإنسان , ورسالتي في ذلك أن تكون كل نقطة وخط ولون مدخلا وباعثا على الحياة .. إنها المقدمة , والنتيجة هي استمرارية الحياة والثقة بأنها حلوة ويجب أن تعاش ّ
كل الهموم والمتاعب تزول من خاطري عندما أنتقل من عمل لآخر ... ويدور الزمن دورته .. لكنه لا يمضي .
الإنسان يمضي ... الإنسان يتغير .. الزمن هو الزمن .. إذن هناك لقاء وجداني في ترجمة لقاء الحق بالجمال .
ما هي المحاكاة الماورائية للكتابة على الشكل الفني , في قلم فيه من السحر مس ما فوق المحسوس , وعزف مستحدث , على أوتار الشكل الفني , في حركة فنية , تحاكي الإبداع ؟
المحاكاة الماورائية للكتابة على الشكل الفني , هي محاكاة سريالية وصوفية .. تدعو آلي الحوار والنقاش , وحتى بارتفاع الأصوات ... فالفرح آت , والصبر هو الوسيلة الشريفة ... التي توصلنا آلي الغايات النبيلة , والمهم في هذه المحاكاة الماورائية أن نقول الحقيقة , على أن تكون واضحة صريحة شفافة ... كما الألوان التي اختارها بإحساسي ومشاعري تلقائيا , غير متعمدة مزجها وتركيبها أثناء الحالة الفنية التي أعيشها , فرؤية الفنان تحب دوما أن تجد مرماها , وكلما كانت الرؤية واضحة يصبح الحلم أكثر واقعية , ويتحقق كما حركة الحياة ... فلقد تحدثت مع اللون الأخضر والأصفر حديث العمر في ربيع الشيخوخة الحية وخريف الصبا اليائس وإشراق الشمس بينهما , وعن الدوائر اللولبية المفتوحة بدون حركة خاتمة لهذه الدوائر , والصعود والهبوط , والالتزام بجوهر الإنسان , فمن خلال المحاكاة الماورائية للشيء يمكننا أن نعزف على أوتار اللوحة الخطية , واللونية بحركة فنية تحاكي الإبداع , وتدعو آلي العيش بحرية وكرامة , وعشق الحياة , لأنها تستمر في الإنسانية لتكون مدرسة الحياة , من خلال التعبير الفني الهادف .
هل تؤمنين بوجود حالة فنية أثناء الإبداع ؟
هناك صمت ناطق بطريقة خاصة جدا , حيث يحاور العقل والقلب معا العقل الباطن , والخيال الساحر , فلا يتكلم اللسان الصامت المتأمل , فتنوب عنه الحواس فتنطق عن طريق يد الفنان الذي يترجم هذه الأفكار بأسلحة الشفافة ... الريشة والفحم والألوان .. فيؤلف ويعزف ويصور باستعماله لهذه المواد , وهو في حالته الفنية ... مجسدا أحاسيسه .. فيكون الإبداع أثناء الإبداع .
هل الترميز الفني الماورائي , محاكاة أثيرية في كنه الشكل , لمساعدة العالم الترابي على فعل الارتقاء والسمو في حركة ثورية على الواقع ؟
نعم , فعندما يدخل الإنسان المشاهد متأملا العمل الفني , ومن ثم يغوص تلقائيا آلي أن يصل لروح الفنان المبدع ... من الصعب عليه الخروج من عالمه الذي يرسمه على أرقى القلوب العالمة والصوفية المستوحاة من رسومات الفنان نفسه ... خصوصا إذا كان الفنان هو المبدع المتواضع بمكنوناته وإنتاجياته الفنية ... فيملأ وجود الحاضر بهجة إبداعاته التي تأخذ المشاهد آلي عالم هو فوق العالم الناسوتي الجامع لكل ما يمكن أن يحتوي من ذوق , وحلاوة , وصفاء , وجاذبية , وكأن الله يلهمه استخدام الألوان لتكون المنفردة بين حبال الأعمال والمعارض المشهودة , فيكون جهده الفني الذي ينبثق من روحه الشفافة , ومقاومته الهادفة , وأناشيده وتلاوته المرتلة عبر ألوانه الزاهية من جهة والترميز الفني محاكاة أثيرية في كنه الشكل تساعد العالم الترابي على فعل الارتقاء والسمو من جهة أخرى .
أفكار لوحتك تختمر في ذهنك ثم تولد على اللوحة أم أنها تبدأ مع بداية الفرشاة والباليتة ؟
إنها تبدأ مع بداية الفرشاة والباليتة , فتكون اللوحة الفنية وتأتي الأفكار والعناوين وفلسفة العمل ورموزه بعد نهاية من العمل وتوقيعه وليست نهايته .. حيث تتجدد اللوحة دوما برأيي فيصعب علي تسميتها وحصرها تحت عنوان واحد في أغلب الأوقات ... لكن هذا لا يمنع أن تكون هذه الحالة ناتجة مخزون فكري يترسب تدريجيا من ذاكرتي المتعايشة مع حياتها المتأثرة بالحدث المتجدد عادة فتتكون الأفكار لا شعوريا فتختمر باطنيا ثم ينتج العمل الفني مبتدئا مع الفرشاة والباليتة .
هل ما تشعر به النفس الواحدة , تشعر به كل النفوس , وما يختلج في قلب إنسان يختلج في كل القلوب من خلال مشهدية اللوحة الفنية ؟
بالطبع , لا , فان الشعور والإحساس والتعبير عنهما يختلف بين النفس والأخرى وقناعات القلوب وخفقاتها المعنوية تسرع وتبطئ بتفاوت واختلاف بين خلجات قلب إنسان وآخر , مثلا : أمام العمل التجريدي أو التعبيري تجد أمامك البعض يرى العمل بمنظور سطحي ( جميل أو غير جميل ) والبعض يراه من الناحية الجمالية فقط , أما البعض الآخر ممكن أن يصل فيهم المشهد التشكيلي التجريدي عامة بدلالاته آلي قراءة أنفسهم والتعبير عن حالاتهم المختلفة من خلال مشهدية اللوحة الفنية .
ماذا تسمعين أثناء رحلة الإبداع ؟
أحيانا الموسيقى الكلاسيكية والسمفونية الخامسة أو التاسعة لبيتهوفن وموسيقى الرحباني ومارسيل أوقاتا أخرى ... فأسمع الكثير مما ترعب فيه حالتي في الوقت التي تبدأ فيه رحلتي مع الرسم ... فمثلا : أسمع ( فيروز " جارة الوادي , سكن الليل " , صباح " عالضيعة " , وديع الصافي " عندك بحرية يا ريس " , وأم كلثوم " أنت عمري " في أوقات مختلفة , وأكتشف أو أستنتج أنني أعيش مع العظمة والتعبير والتعدد في الأسلوب الفني الراقي واللحن الحي الشاعري وشجن الطرب الأصيل العاطفي الطربي والشعبي وكله نتاج شخصية واحدة أضحت عملاقة الموسيقى العربية بألحانها التي تطربنا وترقصنا فنقفز بأرواحنا ونغني ونحلم معها في آن واحد , ألا وهي موسيقى " محمد عبد الوهاب " المبدع الحالم ... الوحيد بذاته ... الاجتماعي بروحانيته ... وأعشق من جسد ألحانه طربا بأدائهم وإحساسهم العظيم من عملاقة الطرب الأصيل .
هل للألوان موسيقى ؟
لقد دمجت الألوان بالموسيقى وجعلتها تقترن ببعضها في سؤالكم الكريم ... وهذا يعني أن للألوان موسيقى كما للموسيقى ألوان ... وهما معا يخضعان بشفافية مطلقة للفكر والحس والروح والمشاعر في العقل الباطن فيكون الإبداع اللوني في اللوحة التشكيلية , والموسيقى واللحن والنوتة الماسية .
فالألوان كالعود الشرقي الأصيل يحمل في صندوقه السلحفائي الألوان بمداها الواسع الكثير , وكل ما اختارته أنامل الفنان لونا أصبح وترا مستقيما جالسا له دوره الجمالي الفني , ولا يكون هناك لحنا إذا فقد العود وترا , فكل لون له وزنه وصوته ومعناه الموسيقي ودلالته الأدبية عندما يصبح وترا وتعزف عليه أنامل الفنان بريشته وألوانه الصدوقة لإنتاج اللحن الأصيل في اللون الجميل للعمل التشكيلي الناجح .
ما الشيء الذي في أعمالك الفنية سواء في الخطوط أو الأبعاد أو الألوان أو غيرها ؟
حقيقتي الإنسانية , التي أجسدها تحت كل هذه العناوين التي ذكرتها مسبقا في أجوبتي السابقة .
آلي أين تودين الوصول ؟
الطموح والمثابرة موجودة دوما لتحقيق الأهداف المنشودة ... لكن لا أحب أن أحدد نقطة الوصول حتى لا تكون هناك نهاية للعمل الفكري الفني المحسوس والملموس .
ماذا يتراءى لك في الفضاءات الفنية اللامتناهية ؟
أشعر وكأنني أحوم احترافيا في حدائق الجمال والفن باحثة متوجهة لأعثر على وردتي الخاصة بأسلوبها الذي لا يقترب من سواها لا بالشبه ولا بالتأثر ... حيث أقدم عادة في معارضي السابقة القطاف المختار من زهور حدائقي لكي تكون في عيون القاصد ألوانا ورسوما تنبت أصالة الريشة التي أحترمها لأنها صديقتي المخلصة الودودة ... التي لا أحب أن أخسرها ... والمقدرة على الخلق التي أشكر ربي خاشعة على الموهبة التي منحني إياها ... فأبقى لا شعوريا حالمة بكل تأمل ودقة فيما حولي داعية المولى العزيز أن ينعم علي بالصبر ... حتى أقف مخلصة آلي أن أصل آلي ذروة الصدق والعطاء التي يشار إليها بالتفرد في الفضاءات اللامتناهية .
هل ما زلت تبحثين بين الشكل والإشراق التصميمي عن معالم وجهك الفني ؟
أبحث على تجديد التقاسيم الخطية واللونية وإنعاشها , لتحاكي التجديد اليومي بعمق ثقافي فني إنساني متعايش مع محيطه وما يحيط به ... مع مراعاة حقيقة هذه المعالم ومضمونها في المضمون الشخصي , وبذلك تتجدد التقاسيم المرئية الملموسة والمحسوسة لمعالم ووجدان الوجه الفني الخاص بي .