نص المومس واليوم العصيب لصلاح الدين السلطان تحت الضّوء...
لنصوص الكاتب صلاح الدين سلطان نبض مختلف فهي تنزاح الى شخصيات وأحداث واقعيّة وهي ترتكز على أسلوب سرديّ متميّز تتشكّل فيها آلية القصّ الذي تبنى عليه الأحداث واستحضار المواقف وتطوّرها ...وقد عنّ لي أن أتناول إحدى نصوصه في قراءة متواضعة غير أكادميّة لأبرز خصائص الكتابة عند هذا المبدع
النّص المشتغل عليه
المومس واليوم العصيب
وبدءا أقف عند العنوان الذي يعدّ من أهمّ عتبات النّص المكتوب
فالعنوان هنا جاء مضطلعا بدور كبير في اثارة فضول المتلقي ولعبارة المومس مضمون في الأذهان وووظيفة دلالية مندسّة في اللاّوعي الجماعي لسماجتهاحتّى كأنّها المحضور والمسكوت عنه .
وكأنّي به يريد شطب هذا المحضور واختراق فضاءاته وعالمه من خلال هذه المومس لمزيد فكّ ازرار حكايتها مع البغاء المعلن والتّأمّل في واقعها والتباساته المليئة وجعا .وما نلاحظه في قراءة هذا النّص قدرة الكاتب على منح شخصيات النّصّ سماتها الباطنيّة حسّا واحساسا وانتماء ومرجعيّة بما يجعلها في احالات وايحاءات ومحاصرة وربّما على نقيض مع بعضها البعض
ففي مستهلّ هذا النّص تجيئ شخصيّةأبو مصطفى[/COLORالمتشبّعة تقى من الدّين والنّابذة لأدران وأرجاس وموبيقات الدّنيا الفانيّة
ابو مصطفى نموذج حي لابن البادية. تقي ورع ، بسيط غير معقد ، صريح ، مفتوح القلب ، تحس فيه نقاوة ابن الصحراء.
روى لي ، كيف سبحانه وتعالى وفقه ، لسلامة نيته ، و ايمانه العميق برب العباد ، ونبيه العظيم ، وكتابه الشريف ، و كان يستشهد كثيرا ابان حديثه بايات من القران الكريم ، والحديث النبوي الشريف ، والحق يقال ، تعلمت منه الكثير ، نعم تعلمت منه الكثير.
ابو مصطفى وكما قلت ، نموذج حي لابن الصحراء ، بطيبه ، وبساطته ، وسلامة نيته.
كل عام يذهب ، وعائلته ، الى الصحراء ، ويعيشوا في خيمة ، لمدة ثلاث أسابيع ، ليعيد لنفسه حلاوة الحياة التي كان يعيشها.
فكأنّه بالتّركيز على شخصيّة أبو مصطفى في تقاها وعفّتها هو ينسج لنصّه الموقف الحرج والمعادي لشخصيّته الثّانية في النّص وهي المومس
وهذا المنحى في الكتابة الذي يجمع بين مواقف متضّادة ومتباينة ينهض بدلالات في اعطاف ومفاصل النّص بما يجعل المتلقي في جدليّة مع نسيج من المجتمع
مقدّس ومدنّس ...
دينيّ ودنيويّ ..
ليجعله مشدودا لما سيكشف عنه السّرد في لاحق النّص
وقد بلغ التّوتّر حدّه هنا في هذا المقطع
وكنت مندمجا بحديث ابو مصطفى الشيق ، و اذا بصوت امرأة تناديني باسمي الحقيقي قائلة : كيفك يا صلاح ؟ !!!!!!! وكأنها تعرفني منذ سنين !!!!!!!!!
التفت اليها في الحال ، و اذا بمومس محترفة نصف عارية ، لدرجة حتى الاوربي العادي يخجل ان يكلمها في الطريق ، بفستانها القصير وصدرها المكشوف والعياذ بالله. !!!!!!!!!!
فالموقف يحيل هنا في نداء المرأة على مواجهة مباشرة والهدف منها توسيع مدارات وفضاءات السّرد وفضحها والإفصاح عنها
لتتحوّل الكتابة الى موقف شائك مذهل غيرمنتظر البتّة
اما ابو مصطفى ، اخذه العجب ، وصار يضرب اخماسا بأسداس بتفكيره ، وحار بأمر نفسه وأمري ، وشعر بموقفي المحرج ، ولو انه كان غير قانع ببراءتي !!!!!!! وأعطيه كل الحق.
وهنا تبرز خصوصيّة كتابةالنّص عند صلاح والتي تتفرّد بتأزّم وأحراج وممارسة قدرة الذّات في اتّجاه هذا وذاك في علاقة عميقة بفهم الذّات البشريّة والغوص فيها والتّمعّن بأكثر تروّ
فالكاتب مأسوربالغوص في شخصيّة المرأة المومس لتقصّي الحقيقة ولتبرير ذاته أمام ضيفه وهو ما اعتبره في النّصّ قمّة التّأزّم والمغامرة الفعلية التي تحدث لا فقط في سياق بينه وبين ضيفه والمومس وإنّما في فضاء اسمه الشّارع قد تأخذ به الحكاية تأثّرا لمجراها لعموميّة المكان وهو ما أشار له صلاح في هذا المقطع من النّصّ
تصوروا الموقف: المارة تنظر الينا ، ونحن نتحدث مع عاهرة نصف عارية في شارع عام ومزدحم !!!!! هناك من يضحك على عقولنا ، وهناك من يسبنا لرداءة اخلاقنا ، ورأيت ان الكثير من المارين ينظرون الينا بنوع من الكراهية ظنا منهم اننا ذئاب بشرية
وهو في كلّ هذا لم يهمل التقاط ورصد كلّ أحوال المتعلّقة بضيفه وبه هو وبالمومس وبكلّ ما يدور باستحداث واثارة أسئلة لا تنتظر أجوبة بقدر ما ترمي بالقارئ والمتلقّي في معايشة واقع مضاه ومرتبك ومتداخل للحادثة وملابساتها ومن أطرف وأدقّ ما كتب في حالة ضيفه النّفسيّة
اما ابو أبومصطفى ، اخذه العجب ، وصار يضرب اخماسا بأسداس بتفكيره ، وحار بأمر نفسه وأمري ، وشعر بموقفي المحرج ، ولو انه كان غير قانع ببراءتي !!!!!!! وأعطيه كل الحق.
اما في وصف حالته هو فقد اعتمد على رؤيته الشّخصيّة في توسيع لواقع يحتضن وضعيّة ونمطا من الأنماط الإجتماعية قصد تعريته وصولا الى الاسباب والمسبات وهو إتّجاه مخصوص يندرج في خاصيّة هذا النّص أو لنقل خاصيّة الكتابة عند صلاح في نصوصه عموما ...وهو ما أراه التّحرّر الفعلي والتّعلّق باختراق الحواجز القائمة بين واقع واسبابه
وحتى لو كانت مومس ، اليست انسانة ؟ المومس الحقيقية هي التي تخون ضميرها ، وزوجها ، وشرف عائلتها. المومس الحقيقية هي التي تزحلق بدهاء مكرها ، الكثير من البريئات لتكسر رقابهن.وأما المومس الحقيقي ذلك العفن الذي يتاجر بالبريئات من الفتيات الصغار ، مستغل فقرهن. المومس الحقيقي الذي يستغل مركزه الاجتماعي في الدولة ، او مركزه المالي ، لكسر رقاب الناس. يعتدي ، يقتل ، ويغتصب حتى الطفلات البريئات ، ليحلل لنفسه ما يريد ، ويحرم على الاخرين ما يريده الله.
(( يحرم فيكم الصهباء صبحا .. ويشربها على عمد مساء ))
فالمسافة النفسيّة لأبي مصطفى من المومس غير المسافة عند صلاح
يا عمي العزيز ابو مصطفى ، انها مريضة نفسيا ، وعلينا ان نمد لها يد المساعدة ، انها قد سقطت في بئر الماسي ، والواجب يحتم علينا ان ننتشلها من هذا الجب المظلم المشين.
ليجيبه أبو مصطفى بصرامة
، دعها ، انها مومس محترفة ، كيف نجلس معها ؟ اين الغيرة ، و اين الشرف ؟ !!!!!!!!!!
فما يمكن ملااحظته هنا في هذا النّص التّداخل الذي يحدث في ذهن الكاتب وهو تداخل زمنيّ يكون فيه الحاضر والرّاهن لوضعية المومس نتيجة لواقعة ما وحدث ما وصدمة ما في الزّمن الماضي تحتاج توقّفا وتمعّنا
فالمومس هذه ليست الاّ نتيجة لتطوّر نفسيّ حادّ راجّ لكائن مرجوّ في أذهاننا وتقاليدنا وأعرافنا الأخلاقيّة...
وكم كان استدراج الكاتب للمومس في حديث وربّما اعترافات صعب الإقتلاع منها لولا قدرته على تكييف استحضاره فيها ومنحها فرصة الإنصات إليها
ما ان جلسنا الا وبادرتنا قائلة:
ارجو ان تعذروني على موقفي المشين ، ثقوا انا لست مومس ، انا انسانة شريفة ، لكني منكوبة ، وصارت تبكي بشكل يعجز قلمي عن وصفه.ايرينا تحولت الى طفلة بريئة ، بعد ان وجدت من يصغي اليها ، وصارت تخرج ما في داخلها من الآم بشكل بكاء ، حتى الصخر لا يتحمله. دموع ايرينا ذكرتني بدموع الملايين من البريئات ، اللواتي لا يجدن من يساعدهن ، بل وحتى من يسمع اهاتهن ويا اسفاه.
فالكاتب تبنّى بردّة فعله هذه ابلاغ حديث من المومس لم يكن بالهيّن ولا بالمتاح فالمخلّفات والتّرسبّات لها آثارها وانعكاساتها على النّفس .....والأقتراب من الآخرين والانصات لدواخلهم يمكّن من الاصلاح ...
وهو ما منح النّص تقوّقا غير مسبوق في مقدّراته ومضامينه المعلنة والمضمرة وجعل التّواصل والإتّصال بين أطرافه وشخصياته غير مستعص وفي غاية من الرّوعة
فكم كان موقف الكاتب نبيلا محفّزا لإيرينا على العودة الى الإستقامة والورع ونبذ الدّعارة
الفضل يعود لك وللعم ابو مصطفى ، ورجتني ان اتصل به هاتفيا ، لانها تريد ان تشكره ، وتعرفه بزوجها.اتصلت بوالد صديقي ابو مصطفى ، وهو في دولة خليجية ، وكلمته قائلة:
السلام عليكم يا ابا مصطفى ، انا ايرينا المسلمة ، ساعطيك زوجي المسلم ، وهكذا تم التعارف بينهما ، بفضل ايمان و اخلاق ايرينا ، ووفائها لزوجها.
أسجّل أنبهاري بهذا النّص الرّائع الذي تنبني فيه الكتابة على مدار غير منعزل عن الواقع بل مقتطع من حياة ونمط حقيقي ومهما تكون افتراضية الحكاية على أنّها حدثت في الواقع أو في متخيّل كاتبها فهي مؤثّرة لأنّه تمتّ بصلة لأناس ...لذوات بشريّة ...لنوع من النّساء يتنفسن الهواء الذي نتنفّسه ويمشين على الأرض التي عليها نمشي
تحيّة للقدير صلاح الدين سلطان الذي كلّما قرأت نصّا من نصوصه أيقنت أنّها ضرب من الكتابة التي تخرج عن المألوف وتنفتح على الواقع والمسكوت عنه وتنبش في الذّاكرة بقيّمها وموروثها الثّقافي ..الإجتماعي والجمالي ...[/SIZE]
رد: نص المومس واليوم العصيب لصلاح الدين السلطان تحت الضّوء...
هنا أوجه التحية للغالية دعد على هذه القراءة الجميلة لعمق النص والتوقف عند المعنى الحقيقي للمومس
وتحية للأستاذ صلاح الدين سلطان لطريقته في السرد وشد القاريء لما في أرض الواقع من صور علينا التوقف إليها والنظرة إليها وفق رؤى مختلفة
رد: نص المومس واليوم العصيب لصلاح الدين السلطان تحت الضّوء...
وأنا أيضا أسجل انبهاري
بهذه القراءة الشهسة والبهية
لنص جميل رقراق
بأي مداد تكتبين
وبأي عين تقرأين سيدة الروعة
ما أجمل النصوص بين أناملك
تحية قلبية من الأعماق لهذا الجمال
رد: نص المومس واليوم العصيب لصلاح الدين السلطان تحت الضّوء...
شكرا لمن مرّوا هنا منوهين بهذه القراءة المتواضعة لنّص الأديب صلاح الدين السلطان ...
فكم يحرجُني ألاّ أردّ التّحية ولو بهذا اللإقتضاب....وكم يقلقُني أن تبقى تعليقاتكم عالقة لا تجد ردّا منّي
فمعذرة إن سهوت وسأتناول كلّ ردودكم هنا وفي غير هنا بما يليق .
التوقيع
لِنَذْهَبَ كما نَحْنُ:
سيِّدةً حُرَّةً
وصديقاً وفيّاً’
لنذهبْ معاً في طريقَيْنِ مُخْتَلِفَيْن
لنذهَبْ كما نحنُ مُتَّحِدَيْن
ومُنْفَصِلَيْن’
ولا شيءَ يُوجِعُنا
درويش
آخر تعديل منوبية كامل الغضباني يوم 08-24-2016 في 02:49 PM.