النهاية اللائقة
(قصة قصيرة)
-----
شعبان رجل كهل تجاوز الأربعين من عمره محب لعمله ومحب للحياة والناس خاصة سكان
قريته الصغيرة التي تقع قرب غابة على مقربة من سفح الجبل عاش طفولته فيها وكبرت
أحلامه هناك . تزوج من إحدى بنات القرية التي أحبها بصدق وإخلاص فأنجبت له من البنات
اثنين ومن الذكور اثنين.
لقد كان شغوفا بحبهم وتربيتهم وتعليمهم رغم بعد المدارس عن القرية .لقد تعلم شعبان من
والده الشيخ قبل وفاته صتاعة القطران التي كانت مصدر رزق الأسرة . حيث كان يقضي وقتا
كبيرا في جمع الحطب من الغابة لأنه يمثل المادة الأولية لصناعة القطران بمختبره الذي يوجد
بالهواء الطلق الذي كان يسمى بالخابية التي تتشكل من حفرتين اثنتين يصل بينهما أنبوب
معدني سميك حيث كان يضع الحطب في الحفرة الأولى ويشعل النار التي يداعبها وبلا عبها
لتخبو قليلا حتى يتكاثر الدخان ويتكاثف فيمر الدخان الكثيف عبر الأنبوب ويتبخر ويتحول
إلى سائل أسود يصب في الحفرة الثانية التي شيدها بإتقان ليبقى السائل المتبخر محافظا
على حجمه في جرة من الخزف تصب فيها كل قطرة تشكلت في الأنبوب. إنه عمل منهك
ويتطلب صبرا كبيرا .وكعادته كان يجمع السائل الأسود في دلو وبعد أن يتفقد كل شيء في
خابيته يعود مطمئنا إلى بيته .
كانت كل هذه الأعمال تحدث صباحا وفي المساء يتفرغ لوضع القطران في قارورات صغيرة
لتسويقها في سوق المدينة .
هكذا كان دأب شعبان الذي خصص معظم أيام الأسبوع لهذا العمل حتى يحين موعد السوق
الأسبوعية التي تقام في المدينة التي تقع على بعد أميال من قريته الجميلة فيتوجه إليها صباحا
حاملا بضاعته في كيس وسجاد يضعه على كتفه متوكلا على الله وما إن يخطو خطوته الأولى
من باب منزله الخارجي يقول: يا فتاح يارزاق . ويواصل سيره
عندما يصل إلى سوق المدينة التي كان يتنقل إليها بصعوبة لقلة المواصلات . يستقبله
حارس السوق بكلماته المعهودة . أهلا ببائع العسل الأسود . فيبتسم شعبان ابتسامة عريضة و
يحييه وعندما يقدم له أتاوة مقابل بيع بضاعته يدخل السوق ويضع سجاده على الأرض ويعرض
عليه القارورات التي عبأها لتكون على مرأى المتسوقين.
لم يكن شعبان يطول وقته في السوق لأن مادته المعروضة من العسل الأسود كانت مطلوبة
عند شريحة كبيرة من الناس لأنهم كانوا يستغلونها لأغراض متعددة في حياتهم اليومية
ليتفرغ بعد ذلك لقضاء ما يلزم الأسرة من متطلبات ويعود لقريته التي يجتمع برجالها
وشيوخها ليتناول معهم أطراف الحديث عن السوق وأسعار السلع والأخبار المتناقلة من عمق
القرى والمدينة .
لقد تعود شعبان هلى هذه المهنة ولما بدأت تتقدم به السن كان يفكر في نشاط آخر وقد اهتدى
لفتح دكان للتوابل والأعشاب الطبية التي كان يعرف عنها الكثير في علاج بعض الأمراض
والحد من فعاليتها . لقد كون ملفا لأجل هذا الغرض وقدمه لمديرية التجارة التي وافقت على
طلبه وقدمت له السجل التجاري لممارسة نشاطه كتاجر فكانت فرحته كبيرة . وبدأ في ممارسة
نشاطه التجاري فكان مقصد الكثير من سكان القرية والقرى المجاورة ما جعل مشروعه الجديد
يدر عليه الربح الوفير لإعالة أسرته وتسديد الضرائب والمساهمة في مستحقات صندوق التقاعد
هذا الأخير الذي ضمن له معاشا محترما بعد اصابته بوعكة صحية وعجزه عن العمل مع امتيازات
الضمان الإجتماعي في العلاج.
----
بقلم / تواتيت نصرالدين
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه
آخر تعديل تواتيت نصرالدين يوم 06-23-2020 في 06:39 PM.
في حلة بهية نجدك هنا شاعرنا الكريم مع قصة واقعية شيقة
سلمت حواسكم والأنامل ودمتم بخير
مساؤك سعيد أستاذ ألبير
القصة مستوحاة من واقع الكادحين الذين يقومون
بأعمال غير وضيفية وكثير منهم تكون نهايته مأسوية
تحية تليق ودمت في رعاية الله وحفظه .
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه