.. من (فقه اللغة: مفهومه - موضوعاته - قضاياه) لمحمد بن إبراهيم الحمد
أولًا: صاحبه
هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب القزويني، المعروف بالرازي، والمشهور بابن فارس.
ثانيًا: هدف ابن فارس من تأليف المجمل
يتبين من مقدمة الكتاب أن المؤلف كان يهدف من وراء تأليفه إلى إخراج معجم حسن الترتيب صغير الحجم، ولهذا جاء كتابه هذا في أربعة أجزاء في مجلدين.
ومن طبعاته طبعة الرسالة دراسة وتحقيق زهير عبدالمحسن سلطان.
ثالثًا: منهجه
اتبع ابن فارس في تنظيمه لمواد المجمل، وكذلك معجم المقاييس - كما سيأتي - طريقة لم يُسبق إليها.
يقول الأستاذ عبدالسلام هارون في مقدمة كتاب "معجم مقاييس اللغة" مبينًا نظام ابن فارس في معجميه المجمل والمقاييس: جرى ابن فارس على طريقة فاذة بين مؤلفي المعاجم في وضع معجميه المجمل والمقاييس، فهو لم يرتب موادهما على أوائل الحروف وتقليباتها كما صنع ابن دريد في الجمهرة، ولم يطردها على أبواب أواخر الكلمات كما ابتدع الجوهري في الصحاح وكما فعل ابن منظور والفيروز أبادي في معجميهما، ولم يَنْسُقها على أوائل الحروف فقط كما صنع الزمخشري في أساس البلاغة والفيومي في المصباح المنير.
ولكنه سلك طريقًا خاصا به لم يفطن إليه أحد من العلماء، ولا نبه عليه. وكنت قد ظننت أنه لم يلتزم نظامًا في إيراد المواد على أوائل الحروف، وأنه ساقها في أبوابها هملًا على غير نظام، ولكني بتتبع المجمل والمقاييس ألفيته يلتزم النظام الدقيق التالي:
1- فهو قد قسم مواد اللغة أولًا إلى كتب، تبدأ بكتاب الهمزة وتنتتهي بكتاب الياء.
2- ثم قسم كل كتاب إلى أبواب ثلاثة أولها باب الثنائي المضاعف والمطابق، وثانيها أبواب الثلاثي الأصول من المواد، وثالثها باب ما جاء على أكثر من ثلاثة أحرف أصلية.
3- والأمر الدقيق في هذا التقسيم أن كل قسم من القسمين الأولين قد التُزم فيه ترتيب خاص، وهو ألا يبدأ بعد الحرف الأول إلا بالذي يليه؛ ولذا جاء باب المضاعف في كتاب الهمزة، وباب الثلاثي مما أوله همزة وباء ترتيبًا طبيعيًا على نسق حروف الهجاء.
ولكن في (باب الهمزة والتاء وما يثلثهما) يتوقع القارئ أن يأتي المؤلف بالمواد على هذا الترتيب (أتب، أتل، أتم، أتن، أته، أتو، أتى)، ولكن الباء في (أتب) لا تلي التاء بل تسبقها، ولذلك أخرها في الترتيب إلى آخر الباب فجعلها بعد مادة (أتى).
وفي باب التاء من المضاعف يذكر أولًا (تخ) ثم (تر) إلى أن تنتهي الحروف، ثم يرجع إلى التاء والباء (تب) لأن أقرب ما يلي التاء من الحروف في المواد المستعملة هو الخاء.
وفي أبواب الثلاثي من التاء لا يذكر أولًا التاء والهمزة وما يثلثهما، بل يؤخر هذا إلى أواخر الأبواب، ويبدأ بباب التاء والجيم وما يثلثهما، ثم باب التاء والحاء وما يثلثهما. وهكذا إلى أن ينتهي من الحروف، ثم يرجع أدراجه ويستأنف الترتيب من باب التاء والهمزة وما يثلثهما.
وذلك لأن أقرب ما يلي التاء من الحروف في المواد المستعملة هو الجيم.
وتجد - أيضًا - أن الحرف الثالث يراعى فيه هذا الترتيب، ففي باب التاء والواو وما يثلثهما يبدأ بـ (توى) ثم (توب) ثم (توت) إلى آخره، وذلك لأن أقرب الحروف التي تلي الواو هو الياء.
وفي باب الثاء من المضاعف لا يبدأ بالثاء والهمزة ثم بالثاء والباء، بل يرجئ ذلك إلى أواخر الأبواب، ويبدأ بالثاء والجيم (ثج) ثم بالثاء والراء (ثر) إلى أن تنتهي الحروف، ثم يستأنف الترتيب بالثاء والهمزة (ثا) ثم بالثاء والباء (ثب).
وفي أبواب الثلاثي من الثاء لا يبدأ بالثاء والهمزة وما يثلثهما ثم يعقب بالثاء والباء وما يثلثهما، بل يدع ذلك إلى أواخر الأبواب، فيبدأ بالثاء والجيم وما يثلثهما إلى أن تنتهي الحروف، ثم يرجع إلى الأبواب التي تركها.
وتجد - أيضًا - أن الحرف الثالث يراعى فيه الترتيب.
ففي باب الثاء واللام وما يثلثهما يكون هذا الترتيب (ثلم، ثلب، ثلث، ثلج). . . إلخ.
وفي باب الجيم من المضاعف يبدأ بالجيم والحاء (جح) إلى أن تنتهي الحروف (جو) ثم ينسق بعد ذلك (جأ، جب).
وفي أبواب الثلاثي من الجيم يبدأ بباب الجيم والحاء وما يثلثهما إلى أن تنتهي الحروف، ثم يذكر باب الجيم والهمزة وما يثلثهما، ثم باب الجيم والباء، ثم الجيم والثاء، مع مراعاة الترتيب في الحرف الثالث، ففي الجيم والنون وما يثلثهما يبدأ أولًا بـ (جنه) ثم (جنى) ويعود بعد ذلك إلى (جنًا، جنب، جنث) إلخ.
هذا هو الترتيب الذي التزمه ابن فارس في كتابيه (المجمل) و(المقاييس) وهو بِدْع كما ترى.
رابعًا: مميزات المجمل
امتاز المجمل بمميزات كثيرة، أبرزها أمران:
1- الإجمال والاختصار: ومن مظاهر ذلك حذف الشواهد، وقلة العناية بالمجاز، ويظهر ذلك في بعض المواد إذا قورنت بما يقابلها في المقاييس كما في مادة (بيض).
2- اقتصاره على الصحيح: فلقد اشتهر ابن فارس بإيراده الصحيح من كلام العرب، واقتصاره عليه في كتابه (المجمل).
خامسًا: المآخذ على المجمل
1- إهماله الترتيب في بعض المواد؛ فقد أتى بها مخالفة للترتيب الذي رسمه لنفسه؛ فمادة (أتر) مثلًا كان حقها أن تذكر أول مادة في باب الألف والتاء وما يثلثهما، ولكنه أخرها آخر الباب.
وكذلك مادة (أذر) أخرها وكان حقها أن تذكر أولًا.
2- الاختصار المخل: حيث اختصر بعض المواد اختصارًا أخل بمعناها، فمثلًا مادة (أدر) لا يذكر إلا تصاريفها: أدر الرجل يأدر أدرًا، وهو آدر بيِّن الأدرة. ولا يذكر في (أقه) إلا قوله: (الأقه: الطاعة). وفي مادة (أقر) يقول: (أقر: موضع) وهكذا. وقد ذكر بعض الباحثين - كما يقول د. أمين فاخر - مآخذ على كتاب المجمل، ولكنها في الواقع مآخذ يسيرة لا تقدح فيه، ولا تقلل من قيمته بين المعاجم الأخرى.
وذكر صاحب كتاب كشف الظنون أن مجد الدين الفيروزأبادي صاحب القاموس المحيط ألف كتابًا على مجمل ابن فارس أورد فيه ألف سؤال وأخذه عليه مع ثنائه وحبه. وذكر البرهان الحلبي أن صاحب القاموس تتبع أوهام ابن فارس في المجمل مع تعظيمه له، وثنائه عليه.