في هذه الزاوية سنحرص على نشر معظم قصائد شعراء العراق ، لتكون إرشيفاً وذاكرة في نبع العواطف الأدبية .
القصائد من مصادر ألكترونية مختلفة
والكثير منها ، من دواوين الشعراء أنفسهم .
الإرشيف يضم القصائد العمودية وقصائد التفعيلة والحر وقصائد النثر و قصائد الشعر الشعبي
ومن مختلف الأجيال الشعرية .
فلنبدأ على بركة الله
التوقيع
هي تذكرة الى مدن الحب والورد .. مدن الحلم .. مدن القمر .. مدن الحزن .. مدن الأمل ..
فالحياة محطات سفر ، والكلمات كذلك ..
*****
تذكرتي وكل خلجاتي مهداة الى أسرتي الجميلة
حيّيْتُ سفحكِ من بُعد فحييني
يا دجلة الخير يا أم البساتين
حيّيْتُ سفحكِ ظمآناً ألوذُ به
لوْذَ الحمائم بين الماءِ والطينِ
يا دجلةَ الخير يا نبْعاً أفارقُهُ
على الكراهةِ بين الحين والحينِ
إنّي وردْتُ عيون الماءِ صافيةً
نبْعاً فنبْعاً، فما كانت لترويني
وأنت يا قارباً تلْوي الرياحُ بهِ
ليَّ النسائمِ أطرافَ الأفانينِ(1)
وددْتُ ذاك الشراع الرّخصَ لو كفني(2)
يُحاكُ منه، غداة البيْنِ، يطويني
يا دجلة الخير: قد هانت مطامحُنا
حتى لأَدنى طِماحٍ غيرُ مضمونِ
أتضمنين مقيلاً لي سواسيةً
بين الحشائشْ أو بين الرياحينِ
خِلْواً من الهمِّ إلا همَّ خافقةٍ
بين الجوانح أعنيها وتعْنيني
تهزّني فأجاريها فتدفعُني
كالريح تُعْجلُ في دفع الطواحينِ
يا دجلة الخير: يا أطياف ساحرةٍ
يا خمر خابيةٍ في ظلّ عُرجونِ(3)
يا سكْتَةَ الموتِ، يا أطيافَ ساحرةٍ
يا خنْجَر الغدر، يا أغصان زيتونِ
يا أمّ بغدادَ، من ظَرْفٍ ومن غَنجٍ
متى التبغْددُ حتى في الدهاقينِ(4)
يا أمّ تلك التي من (ألف ليلتها)
للآنَ يعبقُ عطرٌ في التلاحينِ
يا مُسْتجمَّ (النواسيّ) الذي لبستْ(5)
به الحضارة ثوباً وشْيَ (هارون)(6)
الغاسلِ الهمّ في ثغرٍ وفي حَببٍ
والمُلْبسِ العقْلَ أزياءَ المجانينِ
والسّاحبِ الزقّ يأباهُ ويُكرِههُ(7)
والمُنْفقِ اليوْمَ يُفْدَى بالثلاثينِ(8)
والرّاهنِ السّابريَّ الخزّ في قَدحٍ(9)
والمُلهمِ الفن من لهوٍ أفانينِ
والمُسمعِ الدّهرَ والدنيا وساكنَها
قرْعَ النواقيسِ في عيد الشّعانينِ(10)
يا دجلةَ الخير: ما يُغْليكِ من حَنقٍ
يُغلي فؤادي، وما يُشجيكِ يُشجيني
ما إن تزالُ سياطُ البغْى ناقعةً
في مائكِ الطُهرِ بين الحين والحينِ
ووالغاتٌ خيولُ البغْيِ مُصبحةً
على القُرى - آمناتٍ - والدهاقينِ
يا دجْلَة الخير: أدري بالذي طَفحتْ به
مجاريك من فوقٍ إلى دُونِ
أدري على أيّ قيثارٍ قد انفجرتْ
أنغامُكِ السمّرُ عن أناتِ محزونِ
أدري بأنك من ألفٍ مَضَتْ هَدراً
للآنَ تهزْينَ من حكمِ السلاطين
تَهزين أنْ لم تَزَلْ في الشرق شاردةً(11)
من النواويس أرواحُ الفراعينِ(12)
تهزين من خِصْب جنّاتٍ مُنثرةٍ
على الضفافِ ومن بُؤسِ الملايينِ
تهزيْنَ من عُتقاءٍ يوم ملحمةٍ(13)
أضفوْا دروع مطاعيمٍ مطاعينِ
الضارعين لأقدارٍ تحِلُّ بهمْ كما
تلوّى ببطن الحوت ذو النونِ
يروْن سود الرزايا في حقيقتها
ويفزعون إلى حدْسٍ وتخمينِ
والخائفين اجتداع الفقر مالهمو
والمُفضلينَ عليه جَدْعَ عِرْنينِ(14)
واللائذين بدعوى الصبر مَجْبنةً
مستعصمين بحبْلٍ منه موهونِ
والصبرُ ما انفكّ مرداةً لمحتربٍ(15)
ومستميتٍ، ومنجاةً لمسكينِ
يا دجلةَ الخير: والدنيا مفارقةٌ
وأيّ شرٍّ بخيرٍ غيرُ مقرونِ
وأيُّ خيْرٍ بلا شرٍّ يُلقّحهُ
طهْرُ الملائكِ من رجْسِ الشياطينِ
يا دجلةَ الخير: كم من كنْز موهبةٍ
لديْكِ في (القُمْقُمِ) المسحور مخزون
لعلّ يوماً عصُوفاً جارفاً عرساً
آت فترضيك عقبان وتُرضيني
يا دجلةَ الخير: إن الشعر هدهدةٌ
للسمع، ما بين ترخيمٍ وتنوين
عفْواً يردّد في رَفْهٍ وفي عَللٍ
لحن الحياة رخيّاً غَيْرَ ملحونِ
يا دجلة الخير: كان الشعر مُذْ رسمتْ
كفّ الطبيعةِ لوْحاً (سفرَ تكوينِ)
يا دجلة الخير: لم نصحبْ لمسْكنةٍ
لكنْ لنلْمِسَ أوجاعَ المساكينِ
هذى الخلائقُ أسفارٌ مُجسّدةٌ
المُلهمونَ عليها كالعناوينِ
إذا دجا الخطْبُ شعَت في ضمائرهم
أضواءُ حرْفٍ بليل البؤسِ مرهونِ
دَيْنٌ لزامٌ، ومحسودٌ بِنِعمتهِ
من راح منهم خليصاً غير مديونِ
يا دجلةَ الخير: هلا بعض عارفةٍ(16)
تُسدى إليَّ على بُعدٍ فَتجْزيني
يا دجلةَ الخير: منّيني بعاطفةٍ
وألهميني سُلواناً يُسلّيني
يا دجلةَ الخير: من كلّ الاُلى خبروا
بلوايَ لم أُلْفِ حتّى مَنْ يُواسيني
يا دجلةَ الخير: خلِّي الموج مُرتفعاً
طيفاً يمرُّ وإن بعْضَ الأحايينِ
وحمّليه بحيثُ الثلجُ يغمُرني
دفْءَ (الكوانينِ) أو عطر (التشارين)(17)
يا دجلةَ الخير: يا مَن ظلَّ طائفُها
عن كلّ ما جلت الأحلامُ يُلهيني
لو تعلمين بأطيافي ووحشتها
وددّتِ مثلي لو أنّ النوْمَ يجفوني
يا دجلةَ الخير: خلّيني وما قَسمت
لي المقاديرَ من لدْغِ الثعابينِ
(1) الأفانين والأفنان: الأغصان.
(2) الرّخص: الناعم.
(3) الخابية: وعاء من الفخار يُعتّق فيه الشراب. العرجون: عذْق النخل إذا يبس واعوجّ.
(4) التبغدد: تقليد أهل بغداد ومحاكاتهم في عاداتهم وتحضّرهم.
الدهاقين: جمع دهقان: رئيس المدينة أو القرية (فارسية معرّبة).
(5) النواسي: أبو نواس.
(6) هارون: هارون الرشيد.
(7) الزق: وعاء من الجلد يتخذ للماء والخمر.
(8) بالثلاثين أي بالثلاثين يوما مجموع أيام الشهر.
(9) في هذا البيت إشارة إلى قول أبي نواس من قصيدة له وقد رهن ثيابه الثمينة كلها ومن بينها خلع العباسيين عليه.
(10) عيد الشعانين: من أعياد النصارى.
(11) تهزيْن: تهزئين (بتسهيل الهمزة).
(12) النواويس: التوابيت.
(13) العتقاء: من يؤسرون ثم يطلق سراحهم.
(14) جدع عرنين: يقال جُدع عرنينه أي قُطع أنفه.
(15) مرداة: مهلكة.
(16) العارفة: الفضل والإحسان.
(17) الكوانين: جمع كانون وهو الموقد
أي طراطرا تطرطري تقدمي تأخري
تشيعي ، تسنني ، تهودي ، تنصري
تكردي ،تعربي ،تهاتري بالعنصرِ
تعممي تبرنطي ،تعقلي تسدري
كوني - إذا رمت العلا - من قُبُلٍ أو دُبُرِ
صالحة كصالح عامرة كالعمري
وأنت إن لم تجدي أبا حميد الأثر
ومفخرا من الجدود طيب المنحدر
ولم تري في النفس ما يغنيك أن تفتخري
شأن عصام قد كفته النفس شر مفخر
طوفي على الأعراب من بادٍ ومن محتضر
والتمسي منهم جدودا جددا وزوري
تزيدي تزبدي تعنـزي تشمري
تقلبي تقلب الدهر بشتى العبر
تصرفي كما تشائين ولا تعتذري
أي طرطرا إن كان شعب جاع أو خلق عري
أو أجمع الست الملايين على التذمر
أو كحم النساء حكم الغاصب المقتدر
أو صاح نهبا بالبلاد بائع ومشتري
أو نفذ المرسوم في محابر واسطر
أو أخذ البريء بالمجرم أخذ طرطر
أو دفع العراق للذل أو التدهور
فاحتكمي تحكمي وتحمدي وتؤجري
أي طرطرا تطرطري وهللي وكبري
وطبلي لكل ما يخزي الفتى وزمري
وسبحي بحمد مأفون وشكر أبتر
أعطي سمات فارع شمردل لبحتر
واغتصبي لضفدع سمات ليث قسور
وعطري قاذورة وبالمديح بخري
وصيري من جُعَل حديقة من زهر
وشبهي الظلام ظلما بالصباح المسفر
وألبسي الغبي والأحمق ثوب عبقر
وأفرغي على المخانيث دروع عنتر
إن قيل إن مجدهم مزيف فأنكري
أو قيل إن بطشهم من بطشة المستعمر
وإن هذا المستعير صولة الغضنفر
أهون من ذبابة في مستحم قذر
فهي تطير حرة جناحها لم يعر
أي طرطراً سيري نهجهم والأثر
واستقبلي يومك من يومهم واستدبري
وأجمعي أمرك من أمرهم تستكثري
كوني بغاثا واسلمي بالنفس ثم استنسري
أي طرطرا لا تنكري ذنبا ولا تستغفري
ولا تغطي سوءة بانت ولا تتزري
ولا تغضي الطرف عن فرط الحيا والخفر
كوني على شاكلة من أمرهم تؤمري
أي طرطرا كوني على تاريخك المحتقر
أحرص من صاحبة النحيين إن تذكري
طولي على كسرى ولا تعني بتاج قيصر
كوني على ما فيك من مساوئ لم تحصر
كوني على الأضداد في تكوينك المبعثر
شامخة شموخ قرن الثور بين البقر
أي طرطرا أقسم بالسويكة المشهر
والخرز المعقود في البطن فويق المشعر
بوجهك المعتكر وثغرك المنور
وعينك الحمراء ترمي حاسدا بالشرر
وصنوك الثور يثار غيظه بالأحمر
أقسم بالكافور لا أقصد شتم العنبر
لأنت فوق البشر فوق القضا والقدر
أي طرطرا يالك من قبرة بمعمر
خلا لك الجو وقد طاب فبيضي واصفري
ونقري من بعدهم ما شئت أن تنقري
قد غفل الصياد في لندن عنك فابشري .
هامش :
هذه معاني بعض الكلمات الواردة في القصيدة :
تعممي = ضعي العمامة .
تبرنطي = ضعي برنيطة أي قبعة أوروبية
تعقلي = ضعي عقالا
تسدري = ضعي سدارة وهي غطاء للرأس يعتقد إنه هندي
تزبدي = كوني من قبيلة زبيد
أبتر = الخبيث من الحيات .
الشمردل = الطويل .
البحتر = القصير
استنسري = كوني نسرا
صنوك = مثيلك وشبيهك
السويكة / صاحبة النحيين = لم أتوصل الى معناهما .
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
.أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر
يرجه المجداف وهنا ساعة السحر
... كأنما تنبض في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
.كنشوة الطفل إذا خاف من القمر
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
.. وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
مطر
مطر
تثاءبي المساء و الغيوم ما تزال
.تسح ما تسح من دموعها الثقال
:كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه - التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال
قالوا له : " بعد غد تعود" -
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
،تسف من ترابها و تشربي المطر
كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
المطر
أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
،بلا انتهاء_ كالدم المراق، كالجياع
كالحب كالأطفال كالموتى - هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم و المحار
كأنها تهم بالبروق
.فيسحب الليل عليها من دم دثار
اصح بالخيلج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
".. يا واهب المحار و الردى
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
.في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
و اسمع القرى تئن ، و المهاجرين
،يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع
:عواصف الخليج و الرعود ، منشدين
مطر"
مطر
مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحى تدور في الحقول … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا - خوف أن نلام - بالمطر
مطر
مطر
و منذ أن كنا صغارا، كانت السماء
تغيم في الشتاء
،و يهطل المطر
وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع
ما مر عام و العراق ليس فيه جوع
مطر
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
.حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على ف الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر
مطر
مطر
".. سيعشب العراق بالمطر
أصيح بالخليج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
" يا واهب المحار و الردى
وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال ، رغوه الاجاج ، و المحار
و ما تبقى ن عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
. من زهرة يربها الرفات بالندى
و اسمع الصدى
يرن في الخليج
مطر"
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي ، واهب الحياة "
بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قارة البحر
الماء في الجرار، و الغروب في الشجر
وتنضج الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
" بويب .. يا بويب"
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدوت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و اسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر؟
و السمك الساهر هل ينام في السحر؟
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلاف من الإبر ؟
و أنت يا بويب
أود لو غرقت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصغار
وبابه الخفي كان فيك يا بويب
2
بويب .. يا بويب
عشرون قد مضين كالدهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و استقر في السرير دون أن أنام
و ارهف الضمير دوحة إلى السحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحس بالدماء و الدموع كالمطر
ينضحهن العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزؤام
أعماق ، كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
اشد قبضتي ثم أصفع القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
.و أبعث الحياة ، إن موتي انتصار
يا ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا
إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء ؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُولِ ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ ؟
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ
نازك الملائكة
مر المساء...وكاد يغيب جبين القمر
وكدنا نشيع أمسية ثانية
ونشهد كيف تسير السعادة للهاوية
ولم تأت أنت ... وضعت مع الأمنيات الأخر
وأبقيت كرسيك الخاليا
يشاغل مجلسنا الذاويا
ويبقى يضج ويسأل عن زائر لم يجئ
وماكنت أعلم انك ان غبت خلف السنين
تخلف ظلك في كل لفظ وفي كل معنى
وفي كل زاوية من رؤاي وفي كل محنى
وماكنت اعلم انك أقوى من الحاضرين
وأن مئات من الزائرين
يضيعون في لحظة من حنين
يمد ويجزر شوقا إلى زائر لم يجيء
***
ولو كنت جئت..وكنا جلسنا مع الآخرين
ودار الحديث دوائر وانشعب الأصدقاء
أما كنت تصبح كالحاضرين وكان المساء
يمر ونحن نقلب أعيننا حائرين
ونسأل حتى فراغ الكراسي
عن الغائبين وراء الأماسي
ونصرخ أن لنا بينهم زائرا لم يجيء ؟
***
ولو جئت يوما – وما زلت أوثر ألا تجيء-
لجف عبير الفراغ الملون في ذكرياتي
وقص جناح التخيل واكتأبت أغنياتي
وأمسكت في راحتي حطام رجائي البريء
وأدركت أني أحبك حلما
وما دمت قد جئت لحما وعظما
سأحلم بالزائر المستحيل الذي لم يجيء
نازك الملائكة
1947م
سكن الليلُ
اصغ إلى وقع صدى الأناتْ
في عمق الظلمة، تحت الصمت،
على الأمواتْ
صرخات تعلو، تضطربُ
حزن يتدفّق، يلتهبُ
يتعثر فيه صدى الآهاتْ
في كل فؤاد غليانُ
في الكوخ الساكن أحزانُ
في كل مكان روح تصرخُ في الظلماتْ
في كل مكان يبكي صوتْ
هذا ما قد مزقهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حزن النيل الصارخ مما فعل الموتْ
طلع الفجرُ
اصغ إلى وقع خطى الماشينْ
في صمت الفجر، أصخ، انظر ركب الباكين
عشرة أموات، عشرونا
لا تحص أصخْ للباكينا
اسمع صوت الطفل المسكين
موتى، موتى، ضاع العددُ
موتى، موتى، لم يبقَ غدُ
في كل مكان جسد يندبه محزون
لا لحظة إخلاد لا صمتْ
هذا ما فعلتْ كف الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموتْ
الكوليرا
في كهف الرعب مع الأشلاءْ
في صمت الأبد القاسي حيث الموت دواءْ
استيقظ داء الكوليرا
حقداً يتدفق موتوراً
هبط الوادي المرح الوضاءُ
يصرخ مضطرباً مجنوناً
لا يسمع صوت الباكينا
في كل مكان خلف مخلبه أصداءْ
في كوخ الفلاحة في البيتْ
لا شيء سوى صرخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمت مريرْ
لاشيء سوى رجع التكبيرْ
حتى حفار القبر ثوى لم يبق نصيرْ
الجامع مات مؤذنهُ
الميتُ من سيؤبنهُ
لم يبق سوى نوح وزفيرْ
الطفل بلا أم وأب
يبكي من قلب ملتهب
وغداً لا شك سيلقفه الداء الشريرْ
يا شبح الهيضة ما أبقيتْ
لاشيء سوى أحزان الموتْ
الموتُ، الموتُ، الموتْ
يا مصرُ شعوري مزقه ما فعل الموتْ