أطلق إيريك شميدت، المدير التنفيذي لشركة غوغل، تحذيراً قوياً حول حجم المعلومات الشخصية التي يتركها الناس على الإنترنت، وقال إن العديدين منهم سوف يجبرون على تغيير أسمائهم للهروب من ماضيهم على الشبكة.
وفي اعتراف مدهش من رجل كسبت شركته البلايين عن طريق إتقان فن اكتناز وتخزين واستعادة المعلومات الخاصة بنا، قال السيد شميدت إن كمية هائلة من التفاصيل التي نتركها على الشبكة الإلكترونية ربما لا تكون شيئاً حسناً بعد كل شيء.
هذا الرجل الذي يدير، إلى جانب مؤسسي غوغل، سيرجي برين ولاري بيج، أكبر محرك بحث في العالم، قال إن الشباب سوف يضطرون إلى الذهاب حد تغيير هوياتهم إذا كانوا يرغبون حقاً في مسح ما تركوه على الشبكة. وقال لصحيفة "وول ستريت جورنال": "إنني لا أعتقد بأن المجتمع يفهم ما يحدث عندما يكون كل شيء متاحاً، ويمكن أن يعرفه ويسجله أي شخص كل الوقت. أعني أن علينا التفكير فعلاً بهذه الأمور، كمجتمع".
وبالنسبة لرجل بنيت شركته على قدرة تخزين المعلومات واستعادتها مرة أخرى وبطريقة أكثر سرعة وفعالية من منافساتها، فقد كشف تصريح السيد شميدت عن قلق مفاجئ في أوساط قيادة غوغل حول أهمية خصوصية المعلومات. لكن تصريحاته أثارت أيضاً نقاشاً أوسع حول القدر الكبير من المعلومات التي نعطيها عن أنفسنا على الشبكة، وكيف تكون معظم هذه المعلومات غير قابلة للمسح فعلياً.
ربما تكون شركة غوغل قد ساعدت أكثر من أي شركة أخرى في خلق عالم نقوم فيه طوعاً بإيداع مقادير كبيرة من المعلومات الشخصية في الفضاء العام -وهي معلومات ربما كانت تتطلب سابقاً شهوراً من العمل الاستقصائي الذي يقوم به محترفون للحصول عليها.
وقد جنت شركة غوغل بلايين الدولارات من تخزين المعلومات الخاصة بعادات تصفح زبائنها، وبحيث يمكن استخدام هذه المعلومات من أجل استهدافهم بتوظيف تصريحاتهم الشخصية. كما تدير الشركة ذلك النوع من المواقع الذي كانت الرائدة فيه، والتي تعتمد على التقاسم المفتوح للمعلومات على الشبكة. وتمتلك شركة الإنترنت الكاليفورنية العملاقة موقع "يو تيوب"، أكبر موقع في العالم لتقاسم أشرطة الفيديو؛ وهي تعالج البلايين من رسائلنا الإلكترونية عبر Gmail؛ وإذا كنت تعيش في مدينة كبيرة، فإن الفرص تكون كبيرة في أن تكون سيارة "غوغل ستريت فيو" قد صورتك وأنت على عتبة بيتك. كما توحي سلسلة من الحيازات الجديدة أيضاً بأن الشركة تأمل بالانتقال إلى سوق الشبكات الاجتماعية، وهي منطقة الإنترنت التي تقلق أكثر ما يكون جماعات الناشطين من أجل الخصوصية.
بفضل الشعبية العالمية للشبكات الاجتماعية -يقدر أن 600 مليون شخص لديهم ملفات على الشبكة- يتمكن الأصدقاء، وأصحاب الوظائف المستقبليون والأعداء على السواء، من الوصول إلى الصور، وأشرطة الفيديو والمداخلات التي ربما نكون قد نسيناها منذ زمن طويل، وبمجرد ضغطات قليلة على فأرة الحاسوب. وقد ذهب أحد الكتاب في صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً إلى حد وصف عالمنا الحالي بأنه العصر الذي تحدده "استحالة مسح ماضيك الذي أرسلته بالبريد والمضي بحياتك قدماً".
وقبل أيام، التقطت العديد من المواقع الإلكترونية الافتراق الواضح بين تعليقات السيد شميدت وروح شركته.
وقال كريس وليامز، من موقع الأخبار الإلكتروني "ذا ريجستر": "إن تسجيل كل شيء وجعله معروفاً لكل شخص كل الوقت هو مهمة غوغل المعلنة، وهي تربح بشكل كبير من حقيقة أن المجتمع لا يفهم طبيعة التبعات".
وعلقت مواقع أخرى مذكرة بأن ثمة مناسبة أخرى اعترف فيها السيد شميدت بمخاوف حول حجم المعلومات الشخصية المخزنة على الشبكة كانت في العام 2005، عندما وضعت غوغل مجلة التكنولوجيا الإلكترونية "سي.نت" على اللائحة السوداء لسنة كاملة.
وفي مقالة تصف القلق حول الخصوصية التي ولدتها قدرات غوغل على التعدين في المعلومات، نشر صحافيو "سي.نت" تفاصيل عن راتب السيد شميدت، وذكروا اسم الحي الذي يعيش فيه، وبعضاً من عاداته وتبرعاته السياسية. وكانت كل تلك المعلومات قد جاءت من البحث في غوغل.
ولكن، وفي الوقت الذي استجاب فيه المداخلون ومنتديات الشبكة بشكل محسوس لتعليقات شميدت، فقد رحب آخرون بصراحته. وقال دايلان شاربي، من منظمة المراقبة "بيج براذر ووتش"، التي كانت تشن الحملات ضد جمع غوغل للمعلومات وأخذ الصور بسياراتها التي تصور مشهد الشارع: "إن تعليقاته تبدو منطوية على بعض المفارقة، لكنها جاءت في وقتها أيضاً. إن غوغل هي شركة تتخصص في معرفة أين أنت، وماذا تفعل وإلى من تتحدث. وذلك احتمال مرعب حتى لو كان مستخدمو غوغل يدخلون إلى مواقع هذا النوع من جمع المعلومات بمحض إرادتهم".
وأضاف: "لكن السيد شميدت محق تماماً حول كم المعلومات الشخصية التي نكشف عنها على الشبكة. وفي الوقت الحالي، هناك الملايين من الأطفال الصغار والمراهقين الذين سيجدون حين يتقدمون لشغل الوظائف في غضون 10 سنوات، أن هناك الكثير جداً من المعلومات المحرجة عنهم موجودة على الشبكة، والتي لا يستطيعون التخلص منها".
وفي الأثناء، ربما يجد الذين يرغبون مسح ما كانوا قد وضعوه على الشبكة أن من شبه المستحيل مسح ماضيهم كاملاً من فضاء الإنترنت. وقال ريك فيرغسون، خبير أمن الفضاء الإلكتروني في شركة "تريند ميكرو": "إن ما لا يدركه العديد من الناس هو أنك بمجرد أن تضع شيئاً على الشبكة، فإنك تخسر الإذن والسيطرة على تلك المعلومات على الفور. ويستطيع أي شخص تنزيل وتخزين وتوزيع تلك المعلومات التي تكون قد خرجت من أيدينا".
ويقول الناشطون من أجل الخصوصية إنه ينبغي القيام بشيء لوقف الفتيان والفتيات الصغار بشكل خاص عن وضع المعلومات على الشبكة الإلكترونية، والتي ربما تعود لتطاردهم مستقبلاً. ويقول السيد شاربي: "أعتقد بأننا بحاجة لأن نغير منظومة الناس العقلية (بشأن خصوصية المعلومات) من خلال التعليم بدلاً من التشريعات والقوانين، لكن ذلك يبقى بالتأكيد شيئاً نحتاج للتحدث إلى أبنائنا بشأنه".
ومن جهته، يعتقد السيد فيرغسون بأن مستخدمي الشبكة سوف يطالبون باطراد بمستويات أعلى من خصوصية المعلومات خلال العقد المقبل. وأضاف: "إن ما سيكون مثالياً هو ابتكار نوع من التكنولوجيا الذكية، حيث يمكن لك كمستخدم نهائي أن تتمكن من تعيين الاستخدام الصحيح، وأن تنسخ وتسهم بالمعلومات عن نفسك لأناس حسب اختيارك أنت. وهذا النوع من التكنولوجيا مستخدم فعلاً في رسائل البريد الإلكتروني المشفرة. وأنا واثق من أن الناس سيشرعون قريباً بطلب شكل ما من الشبكات الاجتماعية المشفرة، وسوف تستجيب الشركات لمطالبهم". بكلماته نفسها...
•"إن الإنترنت هو أول شيء بنته الإنسانية، والذي لا تفهمه، وهو أكبر فوضوية نخوضها في تاريخنا".
•"دعنا نرى 14 صورة من صورك، ويمكننا أن نعرف من أنت. أتعتقد بأنها لا توجد لك 14 صورة على الإنترنت؟ إن لديك صوراً على "فيسبوك! وسيجد الناس من المفيد جداً وجود أدوات تتذكر لك ما تريد أن تفعله، لأنك نسيت... لكن المجتمع ليس جاهزاً للإجابة عن الأسئلة التي ستثار نتيجة للمحتوى الذي وضعه المستخدم نفسه".
•عندما بدأت شعبية الإنترنت بالصعود، أتذكر أنني اندهشت بكم كان العالم على غير الطريقة التي ظنناه عليها، وكم كان هناك اختلاف لا نهاية له في الطرق التي ينظر الناس بها إلى العالم".
•"يبدو الناس مندهشين لدى معرفة أن عدداً هائلاً من الناس يعتقدون بأنهم حمقى".
حالة للدراسة: مزحة "القرصان المخمور" دمرت مهنة ستيسي
تنطوي قصة ستيسي شنايدر و"القرصان المخمور" على تحذير قوي لأي شاب يأمل الانخراط في مهنة واعدة.
كانت الآنسة شنايدر، وهي معلمة متدربة، قد اجتازت اختباراتها كافة وأنهت تدريبها. ولم تكن تشوب سجلها الأكاديمي أي شائبة. وبقي الحال كذلك حتى الفصل الصيفي النهائي، عندما قرر أساتذتها، من دون سبب واضح، أن السلوك الذي عرضته في حياتها الشخصية لا يليق بمعلمة.
وجريمتها؟ كانت قد أطلقت صورة لنفسها على موقع شبكة تواصل اجتماعي، في أزياء قرصان وهي تشرب شيئاً غير محدد من كوب بلاستيكي، مع شرح على الصورة يقول: "قرصان مخمور".
وكان زميل في المدرسة التي تتدرب فيها قد شاهد الصورة وأبلغ عنها، قائلاً إن من السلوك غير المحترف أن تكون هناك احتمالية لأن تعرض للطلاب صورة معلمة تشرب الكحول.
وعندما قال لها مسؤولو الجامعة إن المهنة التي كانت تحلم بها لم تعد في متناولها الآن، عرضت أن تزيل الصورة، وقالت إن من المستحيل رؤية ما كان في الكأس. وبعد كل شيء، كما قالت لهم: "هل هناك ما هو خطأ في أن يشرب الكحول شخص مؤهل قانونياً؟"
لكنه تم تجاهل التماساتها. ولم تحصل الآنسة شنايدر أبداً على الشهادة التي كانت في حاجة إليها لكي تعمل في التعليم، وقد فشلت محاولتها لمقاضاة الجامعة.
لقد كان وضع ستيسي صورة لنفسها في "حالة غير احترافية" خطيئتها وسقطتها: فقد وضعت محركات البحث الصورة في الكاتالوج. وفي الوقت الذي أدركت فيه ذلك الخطر، كان من المستحيل التراجع عن الصورة أو انتزاعها.
جيرومي تيلور - (الإندبندنت)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Google chief: My fears for Generation Facebook
عن جريدة الغد