معنى الصفح لغةً واصطلاحاً:
تقول العرب : (صَفَحَ عنه يَصْفَح صَفْحًا أَعرض عن ذنبه وهو صَفُوحٌ وصَفَّاحٌ عَفُوٌّ والصَّفُوحُ الكريم؛ لأَنه يَصْفَح عن من جَنى عليه، واستَصْفَحَه ذنبه استغفره إِياه وطلب أَن يَصْفَحَ له عنه)
وفي لغة العرب إيضاً الصفح هو : ترك التأنيب وقيل أنه أبلغ من العفو. فقد يعفو ولا يصفح، وصفحتُ عنه أوليته مني صفحة جميلة معرضًا عن ذنبه بالكلية، ولذلك قال تعالى : فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [البقرة:109] وقال تعالى " فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلام " [الزخرف:89]. وقال تعالى " فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ " [الحجر:85]، " وقال تعالى " أفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ".
في لسان العرب لابن منظور :
العفو
عفا
في أَسماءِ الله تعالى: العَفُوُّ، وهو فَعُولٌ من العَفْوِ، وهو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقابِ عليه، وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس، وهو من أَبْنِية المُبالَغةِ. يقال: عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ وعَفُوٌّ.
قال الليث: العَفْوُ عَفْوُ اللهِ، عز وجل، عن خَلْقِه، والله تعالى العَفُوُّ الغَفُور.
وقال ابن الأَنباري في قوله تعالى: "عَفَا الله عنكَ لمَ أَذِنْتَ لهُم"؛ مَحا اللهُ عنكَ، مأْخوذ من قولهم عفَت الرياحُ الآثارَ إذا دَرَسَتْها ومَحَتْها،
وقال الأَزهري: قرأْت بخَطّ شمر لأَبي زيد عَفا الله تعالى عن العبد عَفْواً، وعَفَتِ الريحُ الأَثر عفاءً فعَفَا الأَثَرُ عُفُوّاً.
أطيب ما في الحياة بعد الإيمان الصفح والعفو. قال الله تعالى في محكم تنزيله :
"فمن عفى وأصلح فأجره على الله."
من منا لا يريد الأجر من الله. جميل من الإنسان أن يمضي بهذه الحياة بلا عناء و بقلب يملؤه الود والنقاء والمحبة، وأن يبتعد عن التنافر والضغائن والحقد وعن الإبتعاد عن أخيه المسلم. لكن كيف يكون ذلك ؟ والصفح مفقود. وسوء الظن موجود ومقيد بالقلوب، وعزة النفس أصبحت مقدمة على أجر الله المكتوب. وما أقسى ذلك الشعور عندما يكون بين الأخوة والأحباب. فمن السهل على الكثير أن يحب. أن يؤاخي، لكن من الصعب عليه قبول الصفح والعفو والاعتذارعند الزلل. فما أروع أن نصفي السرائر، نزيل الأحقاد، نحسن الظن، ونسير بهذه الحياة في موكب المحبة، ننبذ منها الأحقاد والضغائن ونلقيها في مزبلة هذه الدنيا الفانية . حينها يخالجنا شعور بالحنين. شعور مرهف نابض بالحب العميق الذي سكن أضلع الأحبة. فنتمنى تواصلهم معنا لنثبت لهم إن ما صدر منا ليس سوء الظن فيهم، ليجسد ويعالج المشاعر المجروحة، واعتذار يصف أحاسيسها الرقيقة.
حينها يتحول سوء الظن الى لمسات حانية تقرب القلوب المتحابة من خالقها، وتربطها برباط الأخوة الإيمانية الحقة بكل ود وتآلف. ثم يتسارع المتحابون هامسين بكل حنان مبادرين بالاعتذار الجميل كل يبادر أن يقول لأخيه من أعماق قلبه : لايسؤك ياأخي سوء تصرفي تجاهك.. فأنا أحمل لك من الحب ما عجز العالم عن حمله، ولا يضيق صدرك بزلات أخيك فإنما ذاك من طمعي في تسامحك، وتجاوزك عن زلاتي ولا أقصد ماظننته فيّ من سوء الظن. فماأروعه من إعتراف بين الأحباب. حينه يتولد التآلف. وتتجدد وتتجسد المحبة. وتتحول تلك الضغائن الى روافد تصب في بحر المحبة. وتصبح ينابيع متدفقة من الخير والعطاء والنماء ، ترطب القلب. وتزكي النفس، وتغذي الروح.
وما أعذب أن نشم عبير الصفاء. ونرتشف رحيق المحبة.. فتمتلئ القلوب بفيض المحبة الذي منَّ الله علينا بأن وهبنا أطيب مافي الحياة الا وهو : " الصفح والعفو" : فما أروع هذا بين الأخوة والأصدقاء، الذي يمسح عن النفس الشقاء، ويحيل الظلام إلى ضياء. حينما يسارع ذاك الأخ المحب رافعاً أكفه ضارعاً في جوف الليل، ليدعو لك بإخلاص مناجياً " إلهي لي أخ أو أخت أحببتها فيك طريقه الإيمان، ونوره القران، فأرض عنه يا رحمن ".
فما أروع وأجمل أن يدرك المرء أنه في كل لحظه هناك من يدعو له بظهرالغيب بإخلاص " اللهم لي أحبة وأخوة يعتقدون أنني أسأت الظن فيهم فأحفظهم وأنعم عليهم وأبعد الهموم عنهم برحمتك يا أرحم الراحمين" . ودعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب من الأدعية المستجابة كما قال سيدنا رسول الله الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.