الموجود الأول هو السبب الأول لوجود سائر الموجودات كلها ، وهو برئ من جميع أنحاء النقص ، وكل ما سواه فليس يخلو من أن يكون فيه شيئ من أنحاء النقص إما واحدا وإما أكثر من واحد .
أما الأول فهو خلو من أنحائها كلها ، فوجوده أفضل الوجود ، وأقدم الوجود ، ولا يمكن أن يكون وجودٌ أفضل ولا أقدم من وجوده . وهو من فضيلة الوجود فى أعلى أنحائه ، ومن كمال الوجود فى أرفع المراتب ، ولذلك لا يمكن أن يشوب وجوده وجوهره عدمٌ أصلا ، والعدم والضد لايكونان إلا فيما دون فلك القمر ، والعدم هو لا وجود ما من شأنه أن يوجد .
أن نقول أعلى المراتب فقد حددنا وهو في مقام لا يُحد
هو الأول والأخر مثلما جاء في محكم التنزيل
وهذا الأول والأخر لا شيء بينهما
لا شيء في الوجود يحده
ولا عقل قادر على تصوره
هو فوق أي شيء في هذا الوجود
فوق كل شيء
....
لو أردنا أن نعمل التفكير في هذا الأمر فله محاذير
لأنه عالم روحاني ربما يزل من يخطو فيه
..........
لك كل التقدير
أن نقول أعلى المراتب فقد حددنا وهو في مقام لا يُحد
هو الأول والأخر مثلما جاء في محكم التنزيل
وهذا الأول والأخر لا شيء بينهما
لا شيء في الوجود يحده
ولا عقل قادر على تصوره
هو فوق أي شيء في هذا الوجود
فوق كل شيء
....
لو أردنا أن نعمل التفكير في هذا الأمر فله محاذير
لأنه عالم روحاني ربما يزل من يخطو فيه
..........
لك كل التقدير
يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام في هذا المعنى، ما ورد في دعائه ليوم الجمعة:
(( الحمد لله الذّي لا من شيءٍ كان، ولا من شيءٍ كوَّن ما قد كان، مستشهدٌ بحدوثِ الأشياء على أزليَّته،
وبما وسَمها به من العجزِ على قدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناءِ على دوامه.
لم يخلُ منه مكانٌ فيُدرَكِ بأينيّته، ولا له شبهٌ ولا مثالٌ فيوصف بكيفيّته،
ولم يغبْ عن شيءٍ فيُعلم بحيثيّته.
مبائنٌ لجميع ما أحدثَ في الصِّفات، وممتنعٌ عن الإدراكِ بما ابتدعَ من تصرُّفِ الحالات.
محرَّمٌ على بوارعِ ثاقِباتِ الفِطنِ تحديده، وعلى عوامقِ ثاقِباتِ الفِكرِ تكييفه،
وعلى غوامضِ سابقاتِ الفِطرِ تصويره، ولا تحويهِ الأماكنُ لعظمته،
ولا تذرعهُ المقاديرُ لجلاله، ولا تقطعهُ المقاييسُ لكبريائه.
ممتنعٌ عن الأوهامِ أن تستغرقَه، وعن الأذهانِ أن تُمثِّله.
قد يئِست عن استنباطِ الإحاطةِ بهِ طوامحُ العقول، ونضبت عن الإشارةِ إليهِ بالِاكتناهِ بحارُ العلوم،
ورجعت عن الأهواءِ إلى وصفِ قدرتهِ لطائفُ الخصوم.
واحدٌ لا من عدد، ودائمٌ لا بأمد، وقائمٌ لا بعمد.
ليس بجنسٍ فتُعادلهُ الأجناس، ولا بشبحٍ فتُضارعهُ الأشباح،
ولا كالأشياءِ فتقعُ عليهِ الصِّفات.
قد ضلّتْ العقولُ في أمواجِ تيّار إدراكه، وتحيَّرت الأوهامُ عن ذكرِ إحاطةِ أزليّته،
وحصَرتِ الأفهامُ عم استشعارِ وصفِ قُدرته، وغرَقتِ الأذهانُ في لُججِ بحارِ أفلاكِ ملكوتهِ.
مقتدرٌ بالآلاءِ، وممتنعٌ بالكبرياء، ومتملِّكٌ على الأشياء.
فلا دهرٌ يُخْلِقه، ولا وصفٌ يُحيطُ به.
قد خضعت لهُ رقابُ الصِّعابِ في محَلِّ تخومِ قرارِها،
وأذعنت لهُ رواصِنُ الأسبابِ في منتهى شواهقِ أقطارها.
مستشهدٌ بكلِّيةِ الأجناسِ على ربوبيّتهِ، وبعجزها على قُدرته، وبفطورها على قِدْمته،
وبزوالها على بقائه.
فلا لها محيصٌ عن إدراكه إيّاها، ولا خروجٌ عن إحاطتهِ بها، ولا احتجابٌ عن إحصائهِ لها،
ولا امتناعٌ من قُدرتهِ عليها.
كفى بإتقانِ الصُّنعِ لهُ آية، وبتركيبِ الطّّبعِ عليهِ دلالة، وبحدوثِ الفِطرِ عليهِ قِدْمةً،
وبإحكامِ الصَّنعةِ عليهِ عِبرة.
فلا إليهِ حدٌّ منسوب، ولا لهُ مثلٌ مضروب، ولا شيءٌ عنهُ بمحجوب.
تعالى عن ضربِ الأمثالِ لهُ والصِّفاتِ المخلوقةِ علوَّاً كبيرا.
وسبحان اللهِ الّذي خلقَ الدُّنيا للفناءِ والبيود، والآخرةِ للبقاءِ والخلود.
وسبحان اللهِ الّذي لا ينقصهُ ما أعطى فأسنى، وإن جازَ المدى في المُنى وبلغَ الغايةَ القُصوى،
ولا يجورُ في حُكمهِ إذا قضى.
وسبحان اللهِ الّذي لا يُردُّ ما قضى، ولا يُصرفُ ما أمضى، ولا يُمنعُ ما أعطى،
ولا يهفو ولا يسنى ولا يعجل، بل يُمهِّلُ ويعفو ويغفرُ ويرحمُ ويصبر،
ولا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألون.
ولا إلهَ إلَا الله الشّاكرُ للمطيع له، المُملي للمشركِ به، القريبِ ممَّن دعاهُ على حالِ بُعده،
والبرُّ الرّحيمُ لمن لجأ إلى ظلِّهِ واعتصم بحبله.
ولا إله إلّا الله المجيبُ لمن ناداهُ بأخفضِ صوته، السَّميعُ لمن ناجاهُ لأغمضِ سرِّه،
الرَّؤوفُ بمن رجاهُ لتفريجِ همِّه، القريبُ ممَّن دعاهُ لتنفيسِ كربهِ وغمِّه.
ولا إلهَ إلّا الله الحليمُ عمَّن ألحدَ في آياته،وانحرفَ عن بيِّناته، ودان بالحجودِ في كلِّ حالاته.
واللهُ أكبرُ القاهرُ للأضداد، المتعالي عن الأنداد، المتفرِّدُ بالمنيَّةِ على جميعِ العِباد.
والله أكبرُ المحتجبُ بالملكوتِ والعزَّة، المتوحِّدُ بالجبروتِ والقدرة،
المتردِّي بالكبرياءِ والعظمة.
والله أكبرُ المتقدِّسُ بدوامِ السُّلطان، والغالب بالحجَّةِ والبرهان، ونفاذِ المشيئةِ في كلِّ حينٍ وأوان.))
أقول:
هذا الدُّعاء الجليل، وقد قام بتعريف الذّات الإلهيّة أيّما تعريف!
قامت عليه الشُّروح والبحوثُ والكتب تبياناً وتوضيحا...
وربّما قمتم -أيّها القدير- بالخوضِ في غماره الزّاخرة غوصاً وفكراً، وعرضتم علينا خُلّص أفكاركم وتلميحاتكم.