نضع بين أيديكم ثنائية لعلها تنال رضاكم وإعجابكم ..
============================
الآن وقد هلت بشائر الربيع ، وأزهرت الأشجار واهتزت التلال والربى وارتدت الأرض حلتها القشيبة ، وتعانق كل حي يروم الشوق وينشد الحب .. ماذا تبقى لي من ذكريات جمعتني بك ؟ وما الذي يجذبني إليها لأعيشها لحظة بلحظة ؟
ما الذي يجعلني أتطلع إلى الأفق البهيج من هذا البحر المستكين أمامي في دعة وطمأنينة ؟ وما هذا الشعور الخفي الذي تبثه مويجاته في قدمي المنتشيتين ببرودتها ؟
قد يكون الحديث عن الذكريات مجرد كلام عابر أو اجترارا لأحاديث عادية .. لكن ذكرياتنا لها مذاق خاص لأنها حوت مشاعرنا في أوج توهجها .. ونسجت أحلى حكاية حب عرفها الأنام .. بل ربما تكون أول وآخر حكاية ..
هي حكاية ترددت على كل الألسن .. لهجت بها المروج فاخضرت ، وهمست بها الأنهار تردد صداها بين الوديان ..
حين أحببتك ، كنت أعرف أنني سلكت عن طواعية متاهة لا نهاية لها .. وأنني سأقضي بعضا من عمري ، أو عمري كله في ارتشاف أجمل شهد والنهل من أشهى رحيق ، وأن حبك سيكون بلسما لجراحي التي أثخنت مني الروح والجسد .
ها هو الربيع فأين أنت ؟ .. أتراني أجدك في غفوة الغدير بعد نهار قائظ ؟ أم استشف أنفاسك في عبير السنديان المنتصب في إباء ؟
ربما يكون حفيف الأوراق وقد غازلها النسيم في رقة وحنان صدى لترنيمتك التي تعودت عليها كلما هاجت أشجانك .
ولم لا يكون انسياب ذاك الجدول الحالم بين المروج من وحي همسك الذي طالما عانق همسي فتمخض عن أجمل قصيدة حب نسجتها أشواقنا ؟
سيكون هذا المساء موعدا لكي انطلق من جديد في رحلة البحث عنك .. لأني لا أريد ان ينتهي الربيع دون أن أهديك شيئا منه .. وسينطلق شراعي مع بزوغ أول وميض من الفجر ليعلن للكون أن لحكايتنا بدايات .. لا نهاية لها .
آخر تعديل رشيد الميموني يوم 04-06-2017 في 11:03 PM.
وصلتني رسالتك مع حلول المساء، كانت الشوارع على وشك أن تغفو على حلم استقبال صباحٍ نيساني جميل، قبل أن تضج من جديد بنبض حرفك، استوقفت همس الليل، لتنصت بإعجاب لنسج قوافي قصيدنا،فكان أن أعلن شراعك الإبحار، وكان أن استمهلت الطبيعة حضور الغد!!
هاهو الربيعُ أقبل، وجُرحي ياصديقي مواويلٌ وطنية، يروي الجداول التي تنتهي في موطني،
بقوافي استوطنت ضفافها..استمهلُ اعترافاتك بحبي، فقلبي مشغولٌ بعواصف وطنية مُدمرة
وحكاياتٍ موجعة..
في استرسالنا بذكريات الأمس دواء من هموم حاضرنا الذي تغتالُ ورديته حربُ النفوس الضعيفة، هذا الصباح استقبلناه بمزيد من نعوش الشبيبة! بكينا الأمن والأمان، وصلينا وتوسلنا إجراءاتٌ روتينية ! الحرب لا ضابط لها..
هاهو الربيع أقبل، ونيسانُ أحلى فصوله، لولا ضبابيةُ العدوان، لكان لنا بيوت قصائد من غزلٍ ومن آمالٍ نُكمِلُ بها مشاويرنا الربيعية، فوق أعالي الِقمم، وتحت سماءٍ مِن أزاهيرٍ..
حلمت الليلة أني أحب لأول مرة ..
رأيت نفسي وشراعي يمخر عباب المتوسط وأصادف حوريات تحف مركبي في موكب بهيج ..
حلمت أني وصلت إلى ضفته الشرقية لتطالعني اللاذقية بمرفئها وعبق التاريخ يفوح منها ليحملني إلى فينيقيا وطريق القطن ..
كنت أنت الشام .. بكل بهائها .. بكل معاناتها ..
آه يا شآم .. كم أنت عذبة حين تنثرين عبير ياسمينك فيتغلغل في المسام وتحضنين الوافد عليك فتبثين فيه سحرك ..
أحببت العاصي فصرت رذاذا من مياهه .. وعشقت بردى فتحولت ضفة من ضفافه .. وولهت بدمشق فكنت عريشا من ياسمينها ومساحة من غوطتها ..
أغرمت بحلب فاحتوتني مدينتها القديمة وهمت بين أزقتها أعانق التاريخ وأنصهر فيه ..
أحببت حمص وحماه وهما تضاهيان الحب والحلم بهاء في حرفهما الأول كما حلب .
أحببت قاسيون والشيخ فكنت قمة من قممهما ..
ما أجمل حبك يا شام .. رغم الألم .. رغم الدم .. رغم الأنين ..
وما أعذب العشق على ترابك ..
وما أشهى الشوق حين يتأجج بين أفيائك .
أحببتك قبل أن أراك ..
وتوهج حبي حين رأيتك ..
عرفت الحب حين عرفتك ..
تعلمت أبجديته من تقاسيم حروفك وبهاء محياك ..
أفقت من حلمي .. لأجدني أحبك أكثر ..
وأعشقك أكثر ..
ورغبتي جامحة في أن أشد الرحال إليك ..
وأجملُ حلمٍ زار طيفي غسق الليل شراعُ سلامٍ بِعمق مياه المتوسط النقية
خلفه تيهاً عشرات الحوريات، وحلِمتُ باقتراب الضفة الغربية المُلاصقة لمياه الأطلسي، عِند تماسه مع مياه المتوسط..
كانت اللاذقية في خُلدي كما طنجة، وكما الخلود الأموي..
أرسلت دمشق ذات غضب سيفها، فكان أن عبر التاريخ إلى مجدها، وكان أن خلدتها غرناطة، وكان أن التقيت بك، وقد تسلل الياسمين
عبر نوافذنا ينسِجُ حكايات أُمسياتنا تغزلاً وهياماً، بعبق الغار من حلب، ونكهة الجوري مِن دمشق، لو تُطالع وجه حلب كم ستعشق التاريخ
وكم سيصهل حرفك إباءً..
من جبل الشيخ ثلج صبرها يأتيك صموداً، ومن شموخ قاسيون وشاحاً يُقلدك الكبرياء الأبدي.
آه لو استمر حُلمي، امتداد الأطلسي، لعانق حرفي مآذنكم
وكَبّر وعمّر، ومَجّد وحمّد، وأهدى تلال الحُب بين أفياء روضكم حروف الود مدى الدهر
وأنا أترنم هذا الصباح منتشيا :"علمني حبك أن أحزن ..." أحسست بنرجسية تتملكني فأنظر بإعجاب إلى مرآتي .. وأتمعن في تقاسيم وجهي فأجد أن رجولتي قد اكتملت .
جعلتني أميرا يزهو بوسامته ممتشقا سيفه ليبارز ويبدي صولاته وجولاته على فرسه المطهم مرددا في إباء:"قولي أحبك كي تزيد وسامتي .."
وبقدر ما توهجت نرجسيتي زادت أنانيتي وحرصي على أن تكوني لي ولا لأحد غيري .. وطالت غيرتي كل شيء يخصك أو يحيط بك .. حتى الحزن الساكن ليل نهار في قلبك ، المرتسم في نبل على محياك جعلني منفعلا متوترا متسائلا كيف لي أن أطرده عنك وأحل محله .. فلم أجد سوى أن أصير حزنا وأتغلغل في أعماقك ..
أنانيتي جعلت مني الفرح الذي يسكنك أحيانا ، والدهشة التي تغمر عينيك متسائلة لم كل هذا الحماس الذي يطبع حروفي وأنا أكتب عنك ..
حتى الألم الذي أراه على ملامحك تارة وأحس به يعصرك على مر الأيام صار ديدني ، وأصبحت أتقمصه وأعايشه لعلي أتسلل إليك كما تسلل هو إلى جوانحك ..
أنانيتي طالت أحلامك فوجدت نفسي أترقب الليل وأطارد طيفك الحائم من حولي علني أقتنص حلما من أحلامك فأنصهر فيه وأتلاشى بين ثناياه .
نرجسيتي وأنانيتي وغيرتي جعلتني أدندن في ثمالة :" علمني حزنك أن أحب".. فأحببتك .
يارب قلبي لم يعد كافيا
حتى أحب
فضع في صدري واحداً يكون في مساحة الدنيا
كم تصير الدُنيا حُلوة عندما يخفق القلب على نبضها، فتتسلل قطراتُ المطر خِلسة عن الوجود، تغسل وجوه المُحبين، تنتشي أنفاسهم، وعبثاً يحاولون النسيان!
كم كان جميلاً حُلم الأمس ومرآتي تحتضنه صباحاً، أخبرتها بابتسام براعمه ذاك الوجد الذي لا يستوعبه قلبٌ واحدٌ، فأمهلتني حتى تُرسل دعواتها للسماء فينمنحنا الإله آخراً يكون خارج مساحات الدنيا..
عِندما رست قوارِبُ إبحارك في هدأة ذلك الليل، كم اجتاحني إحساسٌ بالوحشة، بكيت وامتزج دمعي ومطر السماء، وامتزج الأمل بالرجاء
وامتزجت الحياة بالموت، كُنت كما ياسمينة نهاية أيلول ذبُلت لكنها تستعد للرجوع
تسللت الآلام لي، وتسلل الحزن لقلبي، لست وحدك الحزين، في كل مسحة حزنٍ خيبة تقطر في قلبي، إلا أن الأمل كان أقوى، وكان أن رقصت السماء، وكان أن زغرد قلبي لعودة ذاك البحار الذي تاه بين حوريات البحار، رست أشرعته عِند أرصفة قلبي، وكان أن هطل المطر، وعاد الياسمين ليضحك..
حين هطل المطر وعاد الياسمين ليضحك كنت أنا على موعد جديد مع الحزن ولم أستطع أن أخلفه .
طالما حددنا مواعيد وألغينا أخرى ، وطالبت بتأجيل بعضها لكنه اليوم أبى التأجيل .. قال إنه محتاج إلي ، وأن قلبي أغراه ليملأه ولو للحظة .. أخبرني أنه اشتاق لرؤية دمعي الذي أغالبه دوما كي لا يجرؤ على الصعود إلى عيني ..
رجوته أن يترك ذلك لفرصة أخرى فلم يصغ إلي .. ناشدته أن يرحم قلبي المثخن جراحا فلم يلق بالا إلى توسلاتي .. ذكرته بأن آخر زيارته لي لم يمر عليها وقت طويل وأن آثاره لم تمح بعد فأصم أذنيه عن تضرعي .
ألتفت من حولي لعلي أجدك بجانبي كي أخفي دمعي المتفجر والحزن يتغلغل عبر مسامي بكل عنفوانه .. ما أقساه حين يبدأ بالتوغل وكأنه أخطبوط يلف النفس ويضيق عليها الخناق ..
لا أطيق أن يراني أحد أبكي .. ليس ضعفا مني وإنما أعتبر أن ذلك يسمح للحزن بالتجذر في أعماقي فيستحيل انسلاخه عني لمدة قد تطول كثيرا .
ما أحوجني لكتفك أدس فيها رأسي لتلفني جدائل شعرك وتسمح لي بالنحيب .. أحاذر أن يعلو شهيقي أو أن ينفرج شعرك عن عيني المحمرتين .. أريد أن أحس بأناملك تربت على رأسي وتتخلل شعري لتبث في نفسي طمأنينة وتهدئ من روعي .. أحتاج إلي همسك ليجتث جذور الحزن فيتلاشى .
أحتاجك فقط لأن مجرد ذكرك يجعل الحزن يحمل حقائبه ويبتعد عني في انتظار موعد آخر قد تكشفه لي إحدى العرافات لتعيد لي نفس الترنيمة التي لازمتني منذ الأزل :
وبرغم الحزن
الساكن فينا ليل نهار
وبرغم الريح
وبرغم الجو الماطر
والإعصار
الحب سيبقى يا ولدي
أحلى الأقدار