قوله تعالى: { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم...} الآية
قال السُّدِّي: قال بعض المنافقين: والله لوددت أني قُدِّمت فَجُلِدْتُ مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا، فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم، ثم يقولون: عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.
...................
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { يحذر المنافقون} خبر وليس بأمر. ويدل على أنه خبر أن ما بعده { إن الله مخرج ما تحذرون} لأنهم كفروا عنادا.
وقال السدي: قال بعض المنافقين والله وددت لو أني قدمت فجلدت مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا، فنزلت الآية. { يَحْذر} أي يتحرز.
وقال الزجاج: معناه ليحذر، فهو أمر، كما يقال: يفعل ذلك.
الثانية: قوله تعالى: { أن تنزل عليهم} { أن} في موضع نصب، أي من أن تنزل.
ويجوز على قول سيبويه أن تكون في موضع خفض على حذف من.
ويجوز أن تكون في موضع نصب مفعولة ليحذر، لأن سيبويه أجاز : حذرت زيدا، وأنشد:
حذر أمورا لا تضير وآمن
ما ليس منجيه من الأقدار
ولم يجزه المبرد، لأن الحذر شيء في الهيئة. ومعنى { عليهم} أي على المؤمنين { سورة} في شأن المنافقين تخبرهم بمخازيهم ومساويهم ومثالبهم، ولهذا سميت الفاضحة والمثيرة والمبعثرة، كما تقدم أول السورة.
وقال الحسن: كان المسلمون يسمون هذه السورة الحفارة لأنها حفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته.
الثالثة: قوله تعالى: { قل استهزئوا} هذا أمر وعيد وتهديد.
{ إن الله مخرج} أي مظهر {ما تحذرون} ظهوره.
قال ابن عباس: أنزل الله أسماء المنافقين وكانوا سبعين رجلا، ثم نسخ تلك الأسماء من القرآن رأفة منه ورحمة، لأن أولادهم كانوا مسلمين والناس يعير بعضهم بعضا.
فعلى هذا قد أنجز الله وعده بإظهاره ذلك إذ قال: { إن الله مخرج ما تحذرون}.
وقيل: إخراج الله أنه عرف نبيه عليه السلام أحوالهم وأسماءهم لا أنها نزلت في القرآن، ولقد قال الله تعالى: { ولتعرفنهم في لحن القول}[2]وهو نوع إلهام.
وكان من المنافقين من يتردد ولا يقطع بتكذيب محمد عليه السلام ولا بصدقه.
وكان فيهم من يعرف صدقه ويعاند.
[1] أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي [2] [محمد : 30]