آخر ما أذكره أنني تجرأت على إقتحام عزلة ذلك الرجل الغامض ويبدو أنني كنت داخل حلم من أحلامه ..وكان علي أن أمعن وأن أحدد مكاني من ذكرياته ..لكن كل شيء كان مظلما .. وفي لحظة..بدا أن هناك بصيصا من النور ينبعث من نهاية الظلمة!!!
تبعت مصدر النور ذاك على أمل أن أشبع فضولي الذي أبتدأت به رحلة البحث هذه
وصلت إلى شق ما ..نظرت من خلاله إلى ذلك الشيء الذي يشغل باله ..
إمرأة كانت في تلك الغرفة المتواضعة تجلس في وقار الكاتبة ..
مضت نصف ساعه وهي على حالها إستطعت أن أقرأ ما قالته ملامحها وربما فهمت ..
لقد كان عليها أن تحاول للمرة الألف ..كان عليها مالم يكن باستطاعة أناملها تدوينه ..كان عليها مالم يكن باستطاعة قلم واحد اتمامه ..
كان ذلك الفعل الناقص الذي لنقصه أتمت سلسة حبها ..لماض مجهول لاتدري لاي الاسباب فضلته ..قد يكون النسيان المتهم الاول في تحريضها على حب عقيم ولربما وجد في نفسه الجرأة لإقناعها بحصر الماضي داخل اطار هذا الحب لانها لم تحب ولاتحب الا على اساس الضعف المخزون داخل الاشياء فكيف يمكن أن يكون حاضرها متناقضا أشد تناقض ليرغم ماضيها على ممارسة هذا القبح الذي لم تتق نفسها اليه يوما ..
كان يمكن أن تستمر أكثر في هذا الغموض .. وأن تستنزف صبرها فإلى أي هدف مضت في عقدها وماذا جنت من ذلك سوى إثارة آلامها ..
نهضت بعدما كتبت آخر الكلمات وغابت عن ناظري كما اتت مع بصيص النور ذاك
وأنا لم أنته بعد فقد خلفت المرأة الراحلة ورقة فيها مايشغل الرجل في بقعة الضوء ..كانت على المكتب القديم ..هي رسالة منها اليه ..كلمات لم تصل الى صاحبها لسبب ما ..أردت أن أقرأ كل حرف فيها لا لشيء ولكن لأعلم أي امرأة هي وأي رجل أحبته ولتكتمل الحكاية كانت الرسالة كالآتي:
...
على لسان قلمي تتلعثم الكلمات وتخطو بجبن الحروف
فمهمتي في إيصال أحاسيسي اليك في هذه الاوقات من أصعب مامررت به
وبينما أنا في قمة غضبي منك أفيض بمايناقض طبيعة هذا الاحساس الذي يوشك أن يكون أعمى بفضل هذا الفيض الهائل من الشوق إلى أحضانك وإلى قبلة تطبعها برقة على جبيني كترياق يمحو آثار السموم التي تأخذ طريقها في كبح حاجتي العارمة لاستوطن عالمك..
وها أنا أكتب لك الآن في شدة حنقي على غيابك وعلى البياض الذي تخلفه بكبرياء بحت
أظنني الآن هناك أشعر بك وبأشواقك العطشى لقربي
لكنك تقاوم ..تقاوم بيأس
وكل هذا بسبب طيشي الذي عرفته فيّ مذ عرفتني
كنت أتساءل دوما وفي أعماقي إن كنت سبب تعاستك ولطالما رجوت الله أن يريحك من التعاسة ومني (فهذا زمن المعجزات )..
لكنني على ما أسببه لك من تعاسة أبقى بحاجة اليك طالما أنني على قيد الحياة فلا تفهم كلامي هذا على أنه رجاء ولا تظن أني سأقول لك أني تركت حياتي بأسرها لأعتكف عند أبوابك طلبا لما يروي ظمأ قلبي
فأنا اليوم أقف على أقدام الوهم وأستند على جدران الصبر كي أعيش ماقدر لي عيشه بطوله وعرضه
أعيش لحظاتي بجميع مافيهامن أفراح وأتراح وأنتظر الليل كي يحل وأسهر بعد أن تنام الاطياف وبعد أن تغفو آذان الجدران وتصم ..أسمح للبوح الخافت أن يصرخ بصمت في وجه هذه الحياة وفي وجه هذا اليوم المليء بكل شيء وأعترف بأن
حبي لك هو الحقيقة الوحيدة وماعداها مجرد وهم سينجلي مع ذات فجر..
حبيبي..اليوم أيقنت أني لم أكن لأكون بهذه البراعة لولا وجودك
و لم أكن لأتقن التعبير قبل أن أستنشق أول ذرة عشق سربها إلي عالمك
فسابقا لم أكن الا طفلة ساذجة لاتفقه في اللغة الا القليل ولاتعرف للحب معنى بعيدا عن ابتسامة مجهولة على وجه بلاستيكي(الحب أيضا يصنع المعجزات ) ووجودك بقربي هو بمثابة معجزة ايضا...............الخ
لا أظن بأن الحكاية انتهت عند هذه الرسالة القديمة فهي ليست الا مجرد ذكرى في عقل ذلك الرجل المسجون في ماضيه البعيد ..في تلك الغرفه..وفي أعماق تلك العاشقه ..وبين حروفها ..