الرسول المربي(صلى الله عليه وسلم)

الرسول المربي(صلى الله عليه وسلم)
عبد الناصر طاووس 2/1/2012

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المعلم الأول سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .وبعد.
قال تعالى:} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { [ الأحزاب:33/45، 46]، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم ): " أدبني ربي فأحسن تأديبي "([1])
وقال ول ديورانت – في كتابه قصة الحضارة-: " إذا ما حكمنا على العظمة بمكان فإن محمداً هو أعظم العظماء وقلَّما استطاع مصلحٌ أن يصلِ إلى ما وصلَ إليه محمد "([2]).
توطئة
علم الله أن البشرية تحتاج إلى تربية فبعث محمدا r ليكون قدوة للناس، ووضع في شخصه الصورة الحية الخالدة على مدارالتاريخ، حتى غدا طاقة من نور شفيف بعثها الله لتنير للناس على الأرض السبيل؛ ذلك لأنه النورقال تعالى: } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا *{[ الأحزاب:33/45 ، 46]
قال ابن عاشور:افتتاح السورة بخطاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وندائه بوصفه مُؤذِنٌ بأن الأهم من سوق هذه السورة يتعلق بأحوال النبي rوقد نودي فيها خمس مرات في افتتاح أغراض مختلفة من التشريع بعضها خاص به وبعضها يتعلق بغيره وله ملابسة له .
فالنداء الأول : لافتتاح غرض تحديد واجبات رسالته نحو ربه .
والنداء الثاني : لافتتاح غرض التنويه بمقام أزواجه واقترابه من مقامه .
والنداء الثالث : لافتتاح بيان تحديد تقلبات شؤون رسالته في معاملة الأمة .
والنداء الرابع : في طالعَة غرض أحكام تزوجه وسيرته مع نسائه .
والنداء الخامس : في غرض تبليغه آداب النساء من أهل بيته ومن المؤمنات .
ونداء النبي r بوصف النبوة دون اسمه العلم تشريف له بفضل هذا الوصف ليُربأ بمقامه عن أن يخاطب بمثل ما يخاطب به غيره ولذلك لم يناد في القرآن بغير }يا أيها النبي{ أو }يا أيها الرسول{ [ المائدة: 67 ] بخلاف الإخبار عنه فقد يجيء بهذا الوصف كقوله: }يوم لا يُخزِي الله النبي{ [ التحريم : 8 ] }وقال الرسول يا رب{ [ الفرقان:30 ] }قل الأنفال لله والرسول{ [ الأنفال: 1 ] }النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم{ [ الأحزاب: 6 ] ، ويجيء باسمه العلم كقوله: }ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم{ [ الأحزاب:40] . ([3]) و} يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ {[المائدة:5/15] أرسله النور }اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {[النور:34/35] وجاء بالنور }فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) {[التغابن: 64/8]
إذاً فمحمد rنور أرسله النور بالنور فوا عجباً لأمة تَضِلُّ وربها نور ونبيها نور وكتابها نور؟! لقد فاض هذا النور في القلوب كما فاض في الوجود حتى كشف للناس الطريق فساروا مهتدين واصلين وهذا المنهج الذي جاء به سيبقى حبراً على ورق مالم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض وما لم يترجم وتحول إلى منهج وحقيقة وإلى حركة وتاريخ وقد كان محمد rكذلك فقد سئلت السيدة عائشة عن خلقه r فقالت : " كان خلقه القرآن " وكان الترجمة الحية لروح القرآن وحقائقه وتوجهاته، حتى التقت وتكاملت به النواميس.
مفهوم التربية :
من المعلوم أن التربية هي: عملية نقل التراث من الآباء والمعلمين إلى الأبناء مع التوجيه لشخصياتهم ( نفسياً، وعقليً، ووجدانياً، وجسمياً، واجتماعياً) ليتكيفوا مع الحياة، ويتغلبوا على صعوباتها إلى أن يبلغوا الكمال ).
بين والتعليم التربية :
والتربية تشمل مختلف جوانب الإنسان كما سبق في التعريف بينما يختص التعليم بالجانب العقلي، ولما كان الشخص يتأثر بمحيطه، ويتفاعل معه، يأخذ منه ويعطيه، فقد أكد النبي rعلى ضرورة اختيار الأم الصالحة؛ لأن الأرض الخصبة تنبت الزرع الطيب، وكذلك الأم الطيبة تنجب الأبناء الطيبين. وقد حث النبي على انتقاء واختيار الزوجات فقال: (صلى الله عليه وسلم)" تزوَّجوا في الحِجٍْرِ الصَّالحِ ، وتخيَّروا لنطَفِكُمْ ، وإيَّاكم وخَضَراءَ الدِّمَنِ " ([4])
ومن هنا فقد جُعِل الأب مسؤولا عن اختياره الأم ليحمل المولود الذي سيأتي من بعده اسمه، فلا يخجل الولد من أبيه ولا من أمه ولا من نسبه، لأن الطفل يتأثر بالظروف المحيطة به سواء أكانت بيئية أم وراثية فإن روعيت هذه الجوانب نشأ هذا الكائن منسجما متوازنا ناجحا في حياته، ولنستعرض معا كيف استطاع النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يبني بشرا سويا منسجما في جميع جوانبه ليكون اللبنة المثلى فينطلق منها الفرد والأسرة والمجتمع الأمثل، هذه التربية انطلقت باختيار الرسول rلمكونات الفرد من أب وأم وأولاد نهج في تربيتها التدرج قبل اللقاء وعنده وبعده .

التربية قبل اللقاء :
وشملت اختيار الزوج الصالح، قال رسول الله r:"تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم " ([5]) وقال (صلى الله عليه وسلم) : تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس"([6]). وقال: أن النبيrقال : " إياكم وخضراء الدمن " ، فقيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدمن ؟ قال : "المرأة الحسناء في المنبت السوء "([7]).
التربية منذ اللقاء :
كي ينشأ هذا الطفل الرجل فيما بعدعلى الفطرة الصحيحة بعيدا عن التدسية الشيطانية لا بد للرجل أن يراعي التوجيهات النبوية التي أمر بها الزوج والزوجة عند اللقاء والمعاشرة ، فلا يهملوها وهي أنم يكون التقاء النطفة بالبويضة على اسم الله ولأجل أن يخرج هذا الطفل عبدا لله لا عبدا لشهواته ، وأن يدعو كما علمه النبي (صلى الله عليه وسلم):لو أن أحدهم إذا جامع قال : "اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فقضي بينهما ولد ، لم يضره الشيطان إن شاء الله". ([8]).
التربية بعد اللقاء :
المقصود من هذا الكلام هو بعد أن يخرج الطفل إلى الحياة من ظلمة الرحم إلى ظلمة الدنيا، يأتي واجب الأبوين بعد ذلك تجاه ابنهما وما من شك في أن للوالدين الدور الأكبر في تربية الأولاد، فكرياً، وجسمياً، وعاطفياً، ودينياً، فهما اللذان يجعلانه كما يقول (صلى الله عليه وسلم) :"كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه، وينصرانه، ويشركانه " ([9])
إذا فالوالدان هما اللذان ينميان فيه فطرة الإيمان والتوحيد اللذان يخرج إلى الدنيا وهو مفطور عليهما وهما اللذان يثبتانهما فيه وهما اللذان يحرفانهما عنه وبالتالي فالمولود ينشأ على العقيدة التي ارتضاها له أبواه له بعد الله تعالى .فليحذر الأبوان من التقصير والإهمال في هذا الجانب التربوي الإيماني العقائدي؛ لأنه من أهم جوانب الكائن البشري في هذه المرحلة من عمره حتى يخرج هذا الطفل مواطنا صالحا فيما بعد ،متصفا بالإيمان بالله ومحبا للرسول محبا للعدل والعلم والحكمة والخلق الكريم بعيدا عن مزالق الهوى،سليم النفس لايضل ولاينسى أنه عبد لله .
كيف ربى رسول اللهr صحابته ؟
لم يأخذ النبي جانباً دون آخر من جوانب الشخصية وإنما أخذ بجميع جوانبها على السواء بحيث جمع بين تحصيل الثواب والسعادة في الدنيا وإحراز النجاة في الآخرة ،ولم يؤخذ عنه أن ميز بين صحابي وآخر بحيث جعل لكل صحابي تربية مختلفة عن الآخر وإنما كان الكل يتلقون منه التربية والتوجيهات على حد سواء ،وبالمساواة دون تفريق بين شخص وآخر كشأن اليونان، والتربية الحديثة، أكرمهم عند الله اتقاهم وكلهم لآدم وآدم من تراب هذا هو الميزان الذي سار عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ميزان الإسلام ؛ لأنه في النهاية لافرق بين تراب وآخر .
كما قال الشاعر:

الناس في معدن التكوين أكفـاء ****أبـوهــم آدم والأم حــواء


وإن يكـن يوما تفــاخر بينهم**** فالطـين معدنهم والعنصروالماء

فالكل من هذه المادة خرجوا منها وإليها يعودون فعلام التكبر والتميز، وبهذا استطاع الرسول r أن يخَرِّج رجالاً من مدرسته حتى صاروا مشاعل هداية، ورواد حقيقة، وبناة حضارة ومدنية ، تطبق قولا وعملا ،وأضحوا مثلا يضرب بهم في شيمهم وقيمهم وتصرفاتهم، كل ذلك بما كان من تأثير رسول الله فيهم ، لقد أطلق سراح قلوبهم من أسر الشهوات، ونمى فيهم سمو الروح، وإباء النفس، وارتقاء العقل، وصفاء السريرة، وبعد النظر، فكأنما غدوا الحكمة نفسها، وصدق الله إذ يقول:}لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) {. [الأحزاب : 33/ 21]
فقدم بتوجيهاته هذه رجالا كملت صفاتهم، حتى صاروا القدوة والأمة الخير، ولم يحتفظوا بها لأنفسهم، وإنما نقلوها للعالم، وتحملوا في سبيل إيصالها أشد العذاب.
التربية على مراعاة الفروق الفردية :
وقد أثبتت نظريات علم النفس أن هناك اختلافا بين قدرات الأشخاص واستعداداتهم ، وأن لكل مرحلة من مراحل حياة الإنسان سماتها الشخصية، وخصائصها الفيزيولوجية، والعقلية ، والنفسية، والعاطفية. وما على المربي سوى مراعاة خصائص كل مرحلة في مناهجهم التربوية الحديثة .
ولكن تربية رسول الله r امتازت بسبقها لهذه النظريات ووضعها الخطط الأساسية للتربية من خلال أقواله وأفعاله r. فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يخاطب الناس على قدر عقولهموقد أخرج الديلمي عن أبي قلابةقال r: "يحاسب الناس يوم القيامة على قدر عقولهم". ([10]).وقال r: " كل ميسر لما خلق له "([11]) ، وكان(صلى الله عليه وسلم) يختار منهم للتعليم وكان يكرر القول ويتكلم بكلام لو عده العادُّ لأحصاه كما وصفه الصحابة رضوان الله عليهم كل ذلك ليستوعب المتلقي منه فيحفظ ويعي. وكان rيقول : " نضَّرَ الله امرئ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما وعاها فربَّ مُبَلِّغٍ أوعى من سامعٍ "([12])
وبذلك استطاع أن يطمئن أن هناك من سيوصل الرسالة إلى غيره، وقد نقل إلينا الصحابة الكثير من الأحاديث، ومن أمثلة الذين كان يختارهم(صلى الله عليه وسلم). معاذ بن جبل وأنس وعلي وأبو ذررضي الله عنهم، وغيرهم، كل كان(صلى الله عليه وسلم) يعطيه ماكان يراه مناسبا له .
التربية على القواعد الصحية الصحيحة :
بدا هذا من خلال نهيه r عن بعض المأكولات وبعض المشروبات التي أبت الطب اليوم أثرها الكبير على صحة الإنسان فقعد بذلك القواعد الصحيحة التي إن سار عليها الإنسان سلم من الأمراض .ومما نهى عنه أكل الميتة ، وأكل لحم الخنزير، وشرب الدم، وشرب الخمر، وكل ما أسكر ،وتحريمه للزنا، وأمره بالمقابل بالزواج والتمتع بالطيبات مع الالتزام بالاعتدال في المأكل والمشرب بدا ذلك من خلال أقواله (صلى الله عليه وسلم)." مَا مَلأَ آدَمِىٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِىِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِىَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ"([13]).
ثم قال : واقرأوا إن شئتم قوله تعالى }يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { [الأعراف :7/31] .
وهذا أعظم مبدأ طبي صحي سبق فيه النبي rالأطباء إلى مفهوم الحمية.وهذا مما دعى بعض مستشفيات الغرب إلى أن تدون على أبواب غرفة العمليات.أما قول الحارث الضبي "المعدة بيت الداء والحمية دوائها " فليس بحديث. ومما قال (صلى الله عليه وسلم) أيضا: " إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا ". فَقُلْتُ أَنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا وَلاَ يُنْكِرُهُ قَالَ نَعَمْ . ". ([14])
وبما أن المسلم نظيف، فقد كانrهو أول من أولى النظافة اهتمامه الكامل، فدعا إلى الطهارة وحث على إسباغ الوضوء وعده من النظافة، وكان يقول: " الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ([15])". وقال (صلى الله عليه وسلم): "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ([16])".وفي رواية مع كل وضوء . وكان يقول: " صوموا تصحوا([17]) " .
فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وسلم) إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. ([18])". أي: ينظف فمه قبل النوم.ومن المعلوم أن بقاء الفضلات في الفم تتخمر بسبب تفاعلها مع لعاب الإنسان ، فتؤدي إلى ظهور رائحة للفم و نخر للأسنان.
التربية على التلازم بين القول والعمل:
كما ربى رسول الله r صحابته على قرن القول بالعمل انطلاقا من قوله تعالى :}إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ {[الأعراف:40/30] والاستقامة لا تكون إلا إذا أتُقِنَ العمل، وصدق في إنجازه، ولا يستقيم هذا إلا إذا استقام اللسان كذلك قال (صلى الله عليه وسلم):" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم "([19]) من سلم المسلمون من لسانه من الغيبة والنميمة، ويده من الاعتداء العملي على الآخرين .
وبالتالي فليس للإنسان مكانة في المجتمع إذا لم يعمل أو كان عاطلاً عن العمل ،بذلك عبر عمر رضي الله عنه بقوله : " يعجبني الرجل فأسأل اله حرفة ؟ فإن قيل لا سقط من عيني." لأن العمل يجعل يده العليا، والبطالة تجعلها السفلى، وهذه هي التربية التي ارتضاها النبي (صلى الله عليه وسلم)لأصحابه، فقد جاءه ذات يوم شاب يطلب المساعدة، فلفت نظر النبي قوته وشبابه، فوجهه إلى الاحتطاب بقوله: " لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِىَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ " ([20]).
ولله درقول الشاعر :

أكرم بقوم يزين القول فعلهم ****ما أبشع الخلف بين القول والعمل

هكذا ظل (صلى الله عليه وسلم) يوجه أصحابه حتى استطاع أن يقضي على البطالة وأن يربي أصحابه على حب العمل والعمال لينشلها من جريمة التقاعس والكسل .
التربية على المساواة :
اتضح هذا من خلال احترام الذات وإنزال الآخرين مكانتهم ، وجعل معيار التفاضل والتفاخر هو الاستقامة والتقوى ،حتى تساوى لديه الناس كأسنان المشط ." يا أيها الناس ، إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر ، إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت ؟ " ، قالوا: بلى يا رسول الله ، قال : " فليبلغ الشاهد الغائب " ([21]). وكان شعار هذه التربية " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه " ([22]) .
والمساواة بين الحر وبين العبد بحيث يتساوى الشعور اجتماعيا، وتسودهم المحبة والتواد، والتراحم، والتعاطف، والإيثار.
التربية على أن يكون المسلم قويا :
يوضح ذلك قول الله : }وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) { [ الأنفال: 8/60] وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في أحاديثه " علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل "([23]). وقد ورد عنه rقوله: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " ([24]).
ولا شك أن التدرب على الباحة والرماية وركوب الخيل يكسب مهارات وقوة تبنى فيها الأجسام لتكون مستعدة لرد الظلم والعدوان والدفاع عن النفس ورد الظلم والعدوان الواقع على النفس والمال والدين والعرض والوطن ونصرة المظلوم والمستضعفين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا سبيل إلى الأمن والاستقرار بغير امتلاك زمام القوة، ولا سبيل إلى استعادة المقدسات بغير امتلاك هذه القوة ، فلتتنبه الأمة إلى ذلك .

عبد الناصر طاووس2/1/2012

[1]) ينظر، السيوطي، جلال الدين ، جامع الأحاديث - (2 / 88) 959- (ابن السمعانى فى أدب الإملاء عن ابن مسعود. ابن
الجوزى فى الأحاديث الواهية عن على)وأخرجه ابن السمعاني فى أدب الإملاء (ص1- طبعة العلمية) ، وابن الجوزي في
العلل (1/178 ، رقم 284) ، وقال : لا يصح ، وفيه مجهولون وضعفاء . والحديث ذكره السخاوي في المقاصد (ص 39،
رقم 45) وضعفه ، وكذا العجلونى (ص72 ، رقم 164) .

[2] ) قصة الحضارة وول ديورانت.

[3] ) ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير - (ج11 ص 187).

[4] ) رواه ابن ماجة في النكاح والسيوطي : الجامع الصغير ،ج 1 ص 243.

[5] ) أورده الإمام الغزالي في علوم الدين ج 2 ص42.

[6] ) عن أنس، أخرجه السيوطي – جامع الأحاديث ، ج11ص 259، برقم: 2291 و، الديلمى،برقم:10727،ج2ص51.
وأخرجه أيضًا : ابن الجوزى فى العلل المتناهية (2/617 ، رقم 1015) .

[7] ) عن أبي سعيد الخدري، ، أخرجه ابن عساكر [كنز العمال ،برقم: 37069] ج3ص509 . السيوطي – جمع الجوامع أو
الجامع الكبير، برقم: (8480)ج1، ص 243و10131، ومسند الشهاب القضاعي - ج3 ص 469، برقم: 890.

[8] ) ينظر مسلم : صحيح مسلم ج4/2047 / ت ، وفي مصنف عبد الرزاق - (6 / 194)،برقم10466) عن ابن عباس
و الغزالي :في إحياء علوم الدين :ج 2 ص ، 42 .

[9] ) ينظر صحيح مسلم ج4/2047 / ت إحياء علوم الدين للغزالي ج 2 ص ( 42 )

[10] ) السيوطي، جلال الدين (849 - 911 هـ، 1445 - 1505م) ، جامع الأحاديث : (6 / 401)،5414 ورد بهذا اللففظ:
أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم وأخرجه الديلمى عن ابن عباس (1/398 ، رقم 1611) . قال العجلونى (1/225)
: رواه وسند الديلمى ضعيف، رواه، البوصيري، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل ،اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد
العشرة - (6 / 6) برقم:[5227].

[11] ) النسائي، في السنن الكبرى - ج6 ص 517، برقم: (11681) والبيهقي : في شعب الإيمان - ج1 ص 211،برقم: 189 ،
في معرض الحديث عن قوله r: " الخير والشر خليقتان تنصبان للناس يوم القيامة ".

[12]) البخاري: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي ، الجامع الصحيح المختصر، دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت،ط3
، 1407 هـ– 1987م، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق، عدد
الأجزاء: 6،مع الكتاب : تعليق د. مصطفى ديب البغا -ج1 ص 128، برقم : 9- باب قَوْلِ النَّبِىِّ - r- « رُبَّ مُبَلَّغٍ
أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ » ،والبيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1،1410هـ.
تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول،عدد الأجزاء : 7- (2 / 274)، 1738 - عن عبد الله بن مسعود، وابن حبان في
صحيحه –ج1 ص130 ،باب ذكر دعاء المصطفىr ، برقم:66 . وغيرهم كثير|.

[13]) ابن ماجه، أبوعبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه - ج10 ص 243، برقم:3474 ، باب الاقتصاد في
الأكل– عن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ ، وفي رياض الصالحين ص 357 .

[14] ) البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله صحيح البخاري (19 / 168) برقم: 728
باب مايذكر في الطاعون،عن حفص بن عمرو طرفاه 3473 ، 6974 - تحفة 84، وأخرجه مسلم من حديث شعبة
والحميدي: محمد بن فتوح ،الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، عدد الأجزاء / 4، دار النشر / دار ابن حزم - لبنان/
بيروت - 1423هـ - 2002م،الطبعة: الثانية،تحقيق : د. علي حسين البواب (3 / 257) برقم:2797، والبيهقي، السنن
الكبرى - (3 / 376)، أسامة بن زيد يحدث سعدا عن النبي r، والنووي، في كتابه : رياض الصالحين، ص 967.

[15] ) الإمام مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، (2 / 167) برقم: 556، باب فضل الوضوء.

[16] ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رواه،البخاري، في صحيحه - (3 / 488)برقم: 887 باب السواك يوم الجمعة،. ومسلم في صحيحه ،
(2 / 167) وأبو داود، سنن أبى داود - (1 / 73) برقم:47.

[17] ) الألباني: السلسلة الضعيفة - (1 / 330)، برقم: 253 عن أبي هريرة، وقال الألباني:ضعيف. ( 1 / 420 ). علي بن حسام
الدين المتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسسة الرسالة - بيروت 1989م، (8 / 450) برقم:
23605،( طب عن ابن عباس).

[18] ) صحيح البخارى - (1 / 431)برقم: 245،باب السواك، صحيح مسلم - (2 / 241)برقم:616، وبلفظإِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ
يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ، والبيهقي، سنن البيهقى - (1 / 38) برقم:166-31- باب تَأْكِيدِ السِّوَاكِ عِنْدَ الاِسْتِيقَاظِ مِنَ النَّوْمِ.

[19] ) صحيح البخارى - (1 / 23)،برقم:10، باب (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) عن عبد الله بن عمرو، صحيح
مسلم - (1 / 198)، برقم:171، باب تفاضل الإسلام أي أموره أحسن، صحيح ابن حبان - (1 / 353) برقم: 180، باب
فرض الإيمان،عن أبي هريرة، رواه النسائي، في السنن الكبرى (5 / 214) برقم: (8701).

[20] ) عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ،رواه البخاري في صحيحه (5 / 472) برقم: 1471، . طرفاه 2075 ، 2373 - تحفة 3633
باب الاستعفاف عن المسألة، السنن الكبرى للبيهقي- (4 / 195) وعبد الرزاق في مصنفه - (11 / 91) برقم:.20010.

[21] ) الألباني ،محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة - مختصرة، مكتبة المعارف – الرياض، - (6/ 203)،برقم:2700،أول
الكتاب ، عدد الأجزاء : 7. والبيهقي: في شعب الإيمان - (11 / 130) برقم:4921 ، عن جابر بن عبد الله قال : خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، الحديث، ذكر في خطبة الوداع ، وفال :في هذا الإسناد بعض من
يجهل.

[22] ) الإمام الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد، المستدرك بتعليق الذهبي،المحقق : تعليق الإمام الذهبي شمس الدين
أبوعبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز(673؟ - 748؟هـ، 1275؟ - 1347؟م).عدد الأجزاء :7 عن أبي هريرة
المستدرك على الصحيحين للحاكم مع تعليقات الذهبي في التلخيص ، المستدرك ج 1 - ص 165 ، برقم:299 ، ، كتاب
العلم. والبيهقي ، في شعب الإيمان - (2 / 261)، برقم: 1695، باب فضل العلم وشرف مقداره.

[23] )عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري فِى الصَّحِيحِ صحيح مسلم (17 / 208).برقم:
6945، ورواه البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي مؤلف الجوهر النقي:
علاء الدين علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني،مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر
آبا، دط1، 1344 هـ- ج2 ص 237، برقم: 20668، باب فضل المؤمن القوي.

[24] ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رواه مسلم صحيحه (17 / 208) ،باب في الأمر بالقوة وترك العجز، رواه النسائي، في السنن الكبرى–
(6 / 159)، برقم10457).

بوركت وجوزيت خيرا

جعلها الله لك في ميزان الحسنات

بارك الله بك وبوركت جهودك

جوزيتم خيراً ، وشكراً لإطلالتكم
وفقنا الله وإياكم لاتباع هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

اللهم صل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وبوركت اخي الكريم عبد الناصر الطاووس.