آخر 10 مشاركات
يا هوى (الكاتـب : - )           »          شعاع هارب (الكاتـب : - )           »          على الود..نلتقي (الكاتـب : - )           »          مساجلة النبع للخواطر (12) (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          إعتراف (الكاتـب : - )           »          يوميات فنجان قهوة (الكاتـب : - )           »          رحلة عمر (الكاتـب : - )           »          لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم (الكاتـب : - )           »          اللَّهمَّ صلِّ على سَيِّدِنا محمد (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          سجل دخولك بنطق الشهادتين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع الأدب العربي والفكر النقدي > دراسات نقدية,قراءات,إضاءات, ورؤى أدبية > قراءات ,إضاءات,ودراسات نقدية

الملاحظات

الإهداءات
عصام احمد من فلسطين : الف الحمد لله على سلامتكم الاخت الفاضله منوبيه ودعواتنا لكم ان ترفلى دوما بثياب الصحة والعافيه ******** عصام احمد من فلسطين : اطيب الاوقات لكم ************ اتمنى ان يكون سبب غياب الغائبين خيرا ************ منوبية كامل الغضباني من من تونس : عميق الإمتنان ووفر العرفان لكم أستاذنا الخلوق عوض لجميل اهتمامكم وتعاطفكم ************متّعكم الله جميعا بموفزوالصّحة والعافية عوض بديوي من الوطن العربي الكبير : سلامات و شفاء عاجلا لمبدعتنا و أديبتنا أ**** منوبية كامل و طهور و مغفرة بإذن الله************محبتي و الود منوبية كامل الغضباني من من القلب إلى القلب : كلّ الإمتنان صديقتي ديزي الرّقيقة اللّطيفة لفيض نبلك وأحاسيسك نحوي في محنتي الصّحيّة التي تمرّ بسلام بفضل دعائكم ومؤازرتكم جميعا دوريس سمعان من ألف سلامة : حمدا لله على سلامتك أديبتنا المتألقة منوبية من القلب دعاء بتمام الشفاء وعودتك لأهلك وأحبابك بخير وسلامة

 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 03-15-2024, 12:46 AM   رقم المشاركة : 1
أديب





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : الفرحان بوعزة متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 ارتباك
0 ظننت نفسي عاقلا
0 تَضْلِيل

افتراضي قراءة تحليلية لقصة "جنون" للأديبة أحلام المصري/ مصر

قراءة تحليلية لقصة "جنون" للأديبة أحلام المصري/ مصر
تحت عنوان: الحياة الإبداعية بين الصراعات الداخلية واعتقال الأفكار الهاربة.
القصة:
تتقافز أفكار الجنون أمامي، وأراني على الجدار المقابل مصلوبة
وظلّي يحاول فكَّ وثاقي.. وأنا...العنيدةُ أخذلُ ظلي...!
1ــــ دلالة عتبة النص "جنون"
كلمة "جنون" مأخوذة من الفعل، جنَّنَ يجنِّن، تجنينًا، فهو مُجنِّ، والمفعول مُجنَّن، والجَنَن هو الساتر، والمستور، والجَنَن له معاني كثيرة منها: القبر والكفن...
يعتبر العنوان في القصة القصيرة جدا هو عتبة تسمح للقارئ أن يلج عالم النص، ويطلع على متنه. فالعنوان "جنون" يعتبر نصا آخر موازيا للنص/ المتن. ويمكن اعتباره كنص مستقل بنفسه. لذلك قد يتساءل القارئ، هل العنوان يحيل على مضمون النص؟ هل يكشف بنيته الدلالية؟ فالجنون له علاقة بالعقل، والسلوك المغاير الذي يصعب تفسيره، فهل ابتعدت وانحرفت دلالة العنوان عن المتن النصي؟ فهل المستوى الدلالي (الدلالة) متعالق مع مضمون النص برابط خفي؟
ـــ فما معنى الجنون اصطلاحا؟
يقول الدكتور صبري ممد؟ خليل: "الجنون هو عدم القدرة على السيطرة على العقل، أو هو مجموعة من السلوكيات الشاذة التي تميز أنماطا من السلوك الشاذ، التي يقوم بها الأشخاص، بدون وعي وإدراك ورغما عن إرادتهم، والذي يؤدي إلى انتهاك المعايير الاجتماعية، وقد يصبح هؤلاء الأشخاص يشكلون خطرا على أنفسهم أو الآخرين".(1)
وقد يمتد الجنون مدة زمنية قصيرة أو طويلة، وعند آخرين قد لا يمتد سوى يوم أو ليلة. مما يدفعنا للتساؤل: هل طال زمن الجنون، أم مرَّ كحالة عابرة؟ هل وقع اضطراب في العقل؟ هل ذهبت المقدرة العقلية لشخصية القصة؟ هل طرأ تغيير في السلوك والتفكير؟ هل كان الجنون في بدايته أم تطور إلى مرض؟ أسئلة كثيرة قد تقودنا إلى البحث عن الرابط بين العنوان "جنون" بمضمون النص الموازي له. فأي جنون تقصده الكاتبة؟ فهل لهذا الجنون علاقة بالإبداع؟ هذه الأسئلة هي تأويلات وتوقعات، قد يتخلى القارئ عن بعضها، وقد يستفيد من بعضها عند مواجهة مضمون النص.
2ــــ تفكيك خطاب النص
أ ــ تتقافز أفكار الجنون أمامي،/ فكلمة" تتقافز" لها حمولة لغوية تصور حالة تواثب الأفكار تباعا، فقد كانت مستقرة وساكنة ولكنها تنافرت واختلطت، وأصبحت شبيهة بحالة الكائن الحي الذي يقفز بعد سكون، مما يثير فضول نظر الآخر، وانتباهه بعدما يكون غافلا عنها.
تتقافز/ صورة انتزعتها الكاتبة من الواقع، تدل على ظهور الأفكار فجأة، وغيابها دفعة واحدة. فمن كثرة حركتها وتداخلها، لا تستقر في الذهن، فلم تتمكن البطلة من القبض عليها، ليتسنى لها ترتيبها. فمن الصعب مطاردتها واللحاق بها، لأنها قد تدخل في الغياب بسرعة.
فإذا كان الرسام يرسم بالألوان، فإن الكاتبة رسمت الصورة باللغة، فجعلتها متحركة ومتطورة، وقريبة من ذهن المتلقي وفكره، محفزة إياه على بناء تأويلات وتوقعات توضح أزمة البطلة، والدخول مع الساردة في جدلية الأسئلة: كيف تتقافز الأفكار أمام المبدع؟ لماذا سمتها ب "أفكار الجنون"؟ أهي أفكار خارقة للعادة؟ أهي أفكار أصيلة ومبتكرة؟ أهي أفكار قاتلة لإلهام المبدع؟ أهي أفكار مسببة لمرض نفسي؟ هل كل المبدعين مجانين؟ أهو الإلهام الإبداعي الذي يتلبس بالجنون؟ أهي فتنة أصابت العقل؟ أهي أفكار سلبية، أم أفكار إيجابية؟
جاء في مقال نشرته الدكتورة هند بنت عبد الله آل ثنيان تحت عنوان:"الأفكار القافزة، فكرة أصيلة لاحتضان الإبداع"، فقالت: "الأفكار القافزة هي أفكار مفاجئة وغالبا ما تكون مبتكرة وأصيلة؛ أي أنها ليست مأخوذة من أي موقف معتاد (...) ويمكن تسميتها بالأفكار الطارئة أو العارضة، لكونها تقفز إلى الذهن دون تخطيط لاعتراضها سلسلة الأفكار المقصودة أو للحظات السكون والهدوء العقلي. وتتسم الأفكار القافزة بالتنوع، فمنها الإيجابي ومنها السلبي، فأما الإيجابي فيُدعم ويُعزز ويُطور، وأما السلبي فيعدل ويوجه توجيها صحيحا، وقابلا للإنجاز".(2)
فالكثير من الأفكار تكون مفاجئة للمبدع، وتهجم على الذهن، دون التقيد بأي مكان وزمان في بعض الأحيان، خاصة في لحظات الهدوء والسكون. وكم من أفكار مرت بنا في الطفولة والشباب، في المدرسة، في الجامعة، في الطريق، في الشارع. ولكن الكثير منها لا يخرج إلى حيز التداول، ولا يتم إثراؤها ورعايتها، ولا يعمل على مباشرة تطبيقها وتفعيلها، أو على الأقل يمكن تسريع تدوينها، وإذا تغافل عنها المبدع، فإنها تندثر وتنسى في الغالب، رغم أهمية الكثير منها، والفكرة الأصيلة قد تحتضن الإبداع الجيد.
نعود للجملة السردية السابقة/ تتقافز أفكار الجنون أمامي،/ قد نتساءل: ما هي نوعية الأفكار التي تقافزت أمام البطلة؟ والتي وصفتها ب"الجنون". أهو جنون له علاقة بالإبداع؟ كما قلت سابقا. أم هو جنون مهلك قضى على العقل؟ فــترك فجوة لبروز أفكار مغايرة في السلوك والتفكير وغيرها، فاختلت وظائف عديدة أدت إلى عدة أمراض نفسية عديدة.
يقول الدكتور رشيد بنحدو:
"فالعلاقة بين النص والقارئ، تصبح خاضعة لمنطق المعضلة والحل، السؤال والجواب، حيث يكون النص جوابا عن سؤال. وبتعبير آخر، فالقارئ لا يدرك من النص سوى ما يعنيه. بيد أن جواب النص على سؤال القارئ لا يكون دائما كافيا. فالنص نفسه يطرح أسئلة التي تتطلب بدورها جواب القارئ عنها. فينتج عن ذلك، أن منطق السؤال والجواب يتمظهر في شكل حواري، ما دام الأمر يتعلق بسيرورة تأويلية، لذلك، فإن فهم النص الأدبي، يعني فهم السؤال الذي على القارئ أن يجيب عنه".(3)
لعل الجنون الذي تقصده الكاتبة هو جنون مرتبط بالإبداع، بعدما وجدت عسرا وصعوبة في توليد إبداع ما. فرغم هجمة الأفكار وتواثبها، فإنها لم تستطع أن تتحكم فيها، وتلملمها، أو ترتبها قصد تنميتها، وفرز ما هو إيجابي عن ما هو سلبي. فما كان إيجابيا يمكن ضبطه وتدوينه، وتحويله إلى مشروع إبداعي، وما كان سلبيا يمكن تعديله وترميمه ليكون قابلا للأجرأة في المستقبل.
فماذا حدث للبطلة؟ ذلك ما سنعرفه من الجملة السردية التالية التي تصور الحالة المتطورة للبطلة.
ب ـــ وأراني على الجدار المقابل مصلوبة/ لقد كان انسياب الأفكار قويا، فدخلت في دوامة ملتوية، تُعرف في علم النفس ب "الهستيريا القوية"، فأصبح عقلها ينحو نحو الاضطراب وعدم التوازن. فشبهت البطلة نفسها بحالة الإنسان المصلوب على جدار يمنعها من الحركة والحيوية الفكرية. ولا يترك لها منفذا تطل من خلاله على الأفكار الجيدة، والقابلة للاستقرار في الذهن. حالة خلقت للبطلة وضعية مقلقة. فقد نجد دلالة "الصلب على الجدار" انتقلت إلى معنى آخر، بمعنى انزاحت إلى معنى جديد يتجلى في الثبات، وشل حركة الإلهام الإبداعي. فتحولت الحالة الفكرية للبطلة إلى حياة باردة ومتجمدة. فقد توقف التفكير، واختل التخييل، فحاولت بكل قواها أن تطرد تلك الأفكار الجنونية، أو تعدلها، لكنها لم تستطع أن تخضعها إلى إبداع فني.
فلماذا اختارت السادرة حالة الصلب على "الجدار المقابل"؟ ولماذا لم تنتظر حتى تختمر الأفكار في ذهنها عن طريق تغيير المكان، والمشي في باحة المنزل، أو الخروج إلى الهواء الطلق؟ فكلما اشتد إعصار الأفكار، كلما تحفز المبدع لمطاردتها قبل الانفلات منه.
نعود إلى جملة: "وأراني"، هو تعبير ناتج عن معاناة، وهي حالة ربما ــ فريدة ــــ لم تحدث لها من قبل، مع أنها مشتركة بين كل المبدعين والمبدعات وغيرهم. فتخيلت أن الجدار المقابل لها هو بمثابة مانع لاختراق الفضاء الضيق، والتطلع إلى ما وراء الجدار لمحاصرة الأفكار، وغربلتها حتى تكون مكتملة لتسكن صفاء الذهن، وتظهر واضحة جلية دون غموض أو التباس. فكان الجدار حاجزا للقفز إلى الأعلى، لفتح مجموعة من الآفاق الجديدة، تساعد على مطاردة أفكار جديدة وبديلة، حتى تصبح طيعة لقلمها. فكان من البطلة أن عاشت لحظة انغلاق ومحاصرة كأنها مصلوبة، فاقدة للحركة والحيوية.
ج ـــ و ظلّي يحاول فكَّ وثاقي../ عملت الساردة إلى نقل القارئ من وضعية التجنن، واختلال كبير في الوظائف والمقدرات العقلية، إلى وضعية الخلاص والخروج من اندفاع الأفكار المشوشة والمقلقة، أي الخروج من المعضلة عسى أن تجد الحل، وهذا ما أشار إليه الناقد رشيد بنحدو سابقا. فكان الظل كمساعد لها، بعدما فك وثاقها، فلماذا لا يعتبر خيال المبدع هو نوع من الجنون؟ فالخيال ملكة عقلية، مضمونها إعادة تشكيل الواقع في حلة جديدة، وجعله ذا قيمة إنسانية. فهل لابد لكل المبدعين أن يكونوا مجانين حتى يركبوا سفينة الإبداع الجيد بسلاسة دون عوائق؟
يقول الدكتور صبري محمد خليل، وهو يرد على بعض الباحثين الذين يربطون بين الجنون والإبداع: "إن هذا الربط خاطئ، فالإبداع هو مقدرة على تحقيق إضافة معينة في مجال معين. والاختلال في الوظائف العقلية(الجنون) للمبدعين، لم يؤثر على مقدرتهم على تحقيق إضافة (الإبداع)، هذا فضلا عن أنه ليس كل المبدعين مجانين، فضلا عن إنه ليس كل المجانين مبدعين". (4)
د ــــ و أنا...العنيدةُ أخذلُ ظلي...!/ صدرت الساردة هذه الجملة السردية بضمير المتكلم"أنا"، بعدما أتبعته بنقط الحذف، للتعبير عن أشياء محذوفة أو غائبة في النص. يقول الدكتور حميد لحميداني: "وفي هذه الحالة تشغل البياض بين الكلمات والجمل نقط متتابعة قد تنحصر في نقطتين، وقد تصبح ثلاث نقط أو أكثر(...) وقد يكون هذا الانتقال دالا على مرور زمني أو حدثي، وما يتبع ذلك أيضا من تغيرات مكانية على مستوى القصة ذاتها".(5)
فالضمير"أنا" جاء مسبوقا ب: الواو"و" الذي يدل على الانفصال بين حالتين: حالة عسر الإبداع، وحالة الانفراج، والانتقال من جنون إلى حالة التحدي والاعتداد بالنفس، بعدما دخلت البطلة في حالة الهدوء والسكينة، فاختزلت البطلة رد فعلها فيما آلت إليها حالة التوتر في كلمة "العنيدة". فهناك فاصل زمني ومكاني بين القول والحركة، قول يتجلى في التعبير الصامت، وهي تتحرك من مكان ومكان، حتى انتهت إلى لملمة حركة الانفعال والتوتر في كلمة "العنيدة".
يقول عصام عبد االله محمد من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا – كلية اللغات، نقلا عن مصطفى الغلاييني: "فالضمير سمي ضميرا من قولهم أضمرت الشيء، إذا سترته أو أخفيته، أو من الضمور وهو الهزال لأنه في الغالب قليل الحروف، و يلاحظ أن الحروف الموضوعة له غالبها مهموسة وهي التاء، الكاف و الهاء و الهمس هو الصوت الخفي. و(أنا) ضمير للمتكلم الواحد، ويصح أن يكنى به عن نفسه كل متكلم".(6)
إن التركيز على الضمير سواء كان في الأسلوب القصصي، أو النص المجرد أمر له مدلوله الذهني، فهو يجعل السامع في حالة نشاط عقلي دائم. ويتجلى دور الضمير في إثارة انتباه المتلقي. ويمكن أن نتساءل: أين موضع الإثارة؟ أهي في بنية الضمير، أم هي في كونه أداة ربط؟
ــــ وأنا...العنيدةُ أخذلُ ظلي...!/ جملة سردية مشحونة بصور تجسد حالة البطلة المتحولة والمتغيرة في التفكير والسلوك، كاشفة مقدرتها على الانتقال من المشكلة إلى الحل، عن طريق البحث عن مسلك جديد. فالعناد هنا هو الثبات، وعدم قبول الضعف والتراخي، لتعيد فكرها وذهنها إلى حالتهما الطبيعة، كنوع من التمرد على تلك الأفكار المجنونة. فالبطلة أحست أنها سقطت في فخ الخداع، وأن ظلها كان متواطئا على الإيقاع بها تحت سلطة هجوم الأفكار المجنونة، لذلك خذلته وتخلت عنه، بعدما وضعته تحت الاختبار والتجربة، بل تحت المجهر لترى ردة فعله، أهو معها أم ضدها ؟ فهي أكبر من الظل، وأكبر من الجنون، فرغم ضيق أفق الإبداع في بعض الأحيان، فهي قادرة على التغلب عليه بقدراتها العقلية التي تستطيع أن تفرق بين الجنون والتعقل.
ــــ أخذلُ ظلي...!/ اعتراف وتصريح ينم عن البحث عن مبرر أو ذريعة تسترجع بها شخصيتها الإبداعية المتزنة، بعيدا عن الجنون الذي ادعته في البداية. فالخذلان مس نفسها وذاتها وفكرها، عبرت عنه بالظل. فالساردة خذلت المتلقي بعدما ادعت الجنون، وذلك لإثارة انتباهه، ودفعه للتعاطف معها. والواقع أنها ليست مصابة بجنون الأفكار، وما هي بمجنونة، وإنما أصابها الضعف والكسل والتعب والتشتت، والانشغال بأمور أخرى، فتصلب عقلها، وتاه في الوهم السيئ، والتخيل المضطرب. فخافت أن تسقط في الإبداع الجاف والرديء، بعيدا عن الإبداع الجاد والهادف. فقد كانت غير مقتنعة بواقعة الجنون، لذلك أنهت الجملة السردية/ و أنا...العنيدةُ أخذلُ ظلي...!/ بعلامة التعجب التي تدل على حالة الانفعال والاستغراب، فجاءت نقط الحذف دالة على التوتر والانفعال كفجوة تستدعي الملء من المتلقي، ولا تبتعد نقط الحذف عن كلام صامت لاكته البطلة في نفسها، كلام لا يبتعد عن لوم النفس والظروف المحيطة بها.
3 ـــ من الاختلال الفكري إلى التوازن
فالساردة لا تختبئ وراء الظل، بل جعلت منه صورة مصاحبة لها، يشبهها ويحمل كل مواصفاتها العقلية والفكرية، كان حاضرا وشاهدا على الإعصار الإبداعي الذي يحد من قدراتها الفكرية والعقلية. فكان يتعاطف معها في صمت، ينتظر النتيجة في تأن وروية، حتى دخلت البطلة في أزمة نقلتها إلى ما وراء العقل، فعجزت عن توليد أفكار بديلة. فأصابها الاضطراب والاختلال، وساءت عملية التقاط الأفكار، فهي تحتاج إلى "عصف ذهني" جديد.
إن الساردة لا تعتمد الرؤية الضبابية لوظيفة الظل في القصة، لكي لا تشتت انتباه القارئ خارج النص. فالظل ساعد البطلة على انفراج أزمة عُسْر ضبط الأفكار. فلقد وظفته كحارس أعلى، فهو ليس انعكاسا لجسمها أمام انبساط الضوء، بل هو كائن يعيش داخل نفسها وذاتها، لا تراه العين، ولكنها تحس به. ظل مستتر وغرائبي له ميزة على البطلة، لما يحمله من حمولات دلالية متعددة ومتنوعة بين طياته. فهو لا يتأثر بالتحولات النفسية، ولا يمسه الجنون. له تأثير قوي على البطلة، فهو العاقل المتزن، له مقدرة كبيرة على توجيه البطلة وجعلها ترضى على أفكارها.
فتوظيف الظل ليس محصورا في الفنون الأدبية وحدها، بل نجده في فنون كثيرة منها: الرسم، المسرح، والتمثيل وغيرها. يقول الناقد المغربي"رضوان السائحي:" فمنذ القديم، ارتبط البطل بالأساطير والخرافات لدى الأمم والشعوب، فكانوا يسمون العالم ما بعد الموت بأرض الظلال".
فالظل الذي أنقذ البطلة، وفك وثاقها، وساعدها على العودة إلى قدراتها العقلية والفكرية والإبداعية، ونظامها الطبيعي في التفكير، هي حالة بعيدة عن تخيلات مجنحة، ومغرقة في متاهة التشتت إلى حد الجنون، مما جعلها تحس أنها تفوقت عليه، ولكنها خذلته بعدما أدركت أن المعضلة لا تكمن في جنون الأفكار، ولكنها تكمن في الظروف المحيطة بها. والحل هو التحدي، وتجديد العزيمة، واستباقها لمطاردة الأفكار، وانتقاء الأجود منها، قبل أن تقف على باب ذهنها أفكار متلبسة بالاختلال والجنون. فقالت: وأنا... العنيدة أخذل ظلي/
4 ـــ بين الحمولة الثقافية والتناص
فكلمة "مصلوبة" التي وظفتها الساردة لحالتها النهائية، قد تلاقت مع قصة الكاتب محمد خالد بدوي "قلق الوقت". مع اختلاف في التركيب والدلالة، والتوظيف مع تناص مواز مغرق في القدم يستدعي حادثة ادعاء صلب سيدنا المسيح". وهذا يدل على أن اللغة العربية هي وعاء كبير لا ينضب، يغرف منه كل الناس على اختلاف مذاهبهم. لكن الاختلاف، هو كيفية توظيف الكلمة في النص من مبدع إلى آخر. إن حالة البطلة لم تدم طويلا، فعادت إلى حالتها الطبيعة، بعدما عاندت وكابرت، فسيطرت على أفكارها الهاربة، فقالت: "وأنا.... العنيدة".
5 ـــ بين تغييب الواقع والعودة إليه
ما دامت الأفكار تتقافز تباعا على الذهن، فإنها تبحث عن مستقر لها، وكل ما وجدت المكان ضيقا إلا وأصابها الخلل. إنه الخلل في كيفية تفعيل البطلة لأفكارها المشتتة وإخضاعها إلى أرض الواقع. إنها حيرة كبيرة تعيشها البطلة، فلم تعرف كيف تختار أجود الأفكار، وبذلك سقطت في اختلال يؤدي إلى اتهام الأفكار بالجنون، بدل اتهام الظروف المحيطة بها.
فبدون تخطيط وتدبير واستعداد للحظة الإبداع، وتوفير الظروف لصفاء الذهن، فإن البطلة /المبدعة سوف تسقط فيما هو أصعب. وربما يكون إبداعها معقدا وغامضا لا يقبل عليه القراء، نظرا للتسرع والاندفاع في الانتقاء والاختيار. إن البطلة سقطت في اختبار غير عاد، حين رأت نفسها مصلوبة على الجدار، فسكنت في مرجل الوساوس والهواجس، وأصبحت لا تفرق بين الصواب والخطأ. ولما وصل التوهم ذروته تحول إلى جنون، لأنها لم تضبط الوسيلة المؤدية إلى غربلة الأفكار. فكان من الطبيعي أن تنفصل عن نفسها، فكبر الشرخ بين ذاتها وظلها. وما الظل إلا نسخة وهمية بديلة عن الذات الأصلية..
إنه انقسام في الذات، في الرغبة والتوجه، في طريقة الاختيار. ذات غير مبالية، وذات أخرى متيقظة. إنه الصراع الفكري والنفسي في ظل غياب الإلهام الإبداعي، وصعوبة القبض عليه، وأخيرا، إنه الفشل في اقتناص الأفكار الهاربة.
وختام القول قصة قصيرة جدا، وصلت إلى هدفها، بعدما أوصلت رسالتها إلى القارئ وهي محملة بدلالات عميقة، فالقصة لم تقل كل شيء، ولم تتحدث عن الظروف المعيقة والمساعدة لعملية الإبداع، لكي لا تكون القصة تعليمية، بل اكتفت بوصف حالة من حالات الإبداع العسيرة التي مرت بها، وهي حالة قد يمر بها كل مبدع. فلكل مبدع طريقته في اقتناص الأفكار واعتقالها حتى تصبح تحت سيطرة قلمه. وقد جاءت نظرية التحليل النفسي والسيكولوجي على يد "سيجموند فرويد"؛ التي تركز على العوامل النفسية. يقول الدكتور مولاي المصطفى البرجاوي:
"وهذه النظرية تزعَّمها "سيجموند فرويد"؛ تهتم بدراسة الدوافع النفسية؛ أي: العوامل الداخليَّة (وليس الخارجية) التي تدفع بالمبدعين إلى إنجاز أعمالهم الإبداعية، وترتكز على أن الصراعات الداخلية للفرد والتي ظلَّت مكبوتة تولِّد عنده الإبداع في مرحلة معيَّنة، وكأنه تفجير للمشاعر والأحاسيس والغرائز، وكأنه يحاول إشباع غرائزه بجرِّ هذا الإبداع".(7)
المراجــع
1ــ الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل /أستاذ فلسفه القيم الإسلامية في جامعه الخرطوم
2 ــ د. هند بنت عبدالله آل ثنيان/ الأفكار القافزة ، فكرة أصيلة لاحتضان الإبداع / موقع تعليم جديد/ أخبار وأفكار تقنيات التعليم / مقال منشور بتاريخ/2019/05/30
3 ـــ الدكتور رشيد بنحدو/ العلاقة بين القارئ والنص في التفكير الأدبي المعاصر/ عالم المعرفة/المجلد الثالث والعشرون/العددان: الأول والثاني /يوليو /سبتمبر /أكتوبر/ 1994/ ص:488
4 ــ الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل / مصدر السابق
5 ـــ الدكتور حميد لحميداني، بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي، الطبعة 1،1991، ص 58
6 ــ عصام عبد االله محمد جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا– كلية اللغات،/ الضمير ودوره في إثارة انتباه السامع/ عمادة البحث العلمي/ مجلة العلوم الإنسانية/ مجلد 15 4 (2014)
7ــــ الدكتور مولاي المصطفى البرجاوي/ مقال: الإبداع والتربية الإبداعية/ شبكة الألوكة الاجتماعية/ بتاريخ/ 28/02/2020







  رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة تحليلية لقصة "إفلاس" للمبدع مشتاق عبد الهادي تحت عنوان: الفرحان بوعزة قراءات ,إضاءات,ودراسات نقدية 14 03-19-2021 08:55 PM
قراءة نقدية في قصيدة "عنترة يعيد الشرعية" للشاعر "شاكر القزويني" فاكية صباحي قراءات ,إضاءات,ودراسات نقدية 4 04-13-2017 09:42 AM
فائض القول يُفسد البناء الفني لقصة "المنصور والطيور" في السادس الابتدائي، ويُربك الفكر فيها فريد البيدق معلم اللغة العربية,المكتبة اللغوية,الأدب العربي ونقده 2 11-15-2013 08:13 AM
قراءة نقدية بقلم: د. هشام البرجاوي لقصة : أرض الأحلام للأديبة سولاف هلال هشام البرجاوي قراءات ,إضاءات,ودراسات نقدية 11 08-02-2013 01:34 PM
مقاربة تحليلية للقصيدة المعنونة ب:"عندما مات الشاعر بين يديه"لصاحبها الشاعر العراقي :"اسماعيل حقي " كوكب البدري قراءات ,إضاءات,ودراسات نقدية 6 06-24-2011 01:36 PM


الساعة الآن 02:41 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::