رجل من ذلك الزمن
(صليب) كانت صاد العم دحّام: شينا !!..فقد أكل الدهر على أسنانه وشرب ..فأضحى الهواء يخرج من بين شفتيه مبعثرا لا يلوي على شيء. .محركا شاربه الجاثم على شفته العليا كسنبلة قمح فاتها موسم الحصاد من اثر التدخين.. وحتى العينين لم يفت دخانه الرخيص ان يمر بهما
فكانتا مغرورقتين بالدموع طوال الوقت ... كان العم دحّام يشعر بالفخر وهو يحرك أنامله الخشنة برتابة على صليب محفور على بدن بندقيته وكأنه وشم غجري يحكي للناظر: اسطورة قديمه
بالفعل كان اسم البندقية القادمة من اعماق الزمن صليب ) فقد رأيت الصليب بأم عيني
حين سمح لي مرة بلمسها وهو يلفها بين ذراعيه كحيوان خجول التجأ الى حضن امه....
كنّا نقف على رؤوس اقدامنا متحلقين حوله ليرينا بيت النار او مكان رص العتاد....
لم نكن لنصل حتى صدره ..فقد كنّا صغارا آنذاك ,والرجل باذخ بالطول ..
كان الاعجاب يغمرنا ونحن نتأمّل ذلك العملاق الصارخ الرجولة والنضج من أعلى شعره
الاشيب حتى أخمص قدميه الكبيرتين ..وكم نشعر بالضعف ونحن ننظر الى اجسامنا , كأغصان الصفصاف أوان الخريف ,,
نعم كان العم دحام طويلا كنخلة لم تستطع العواصف أن تثني من قامتها قيد أنملة. .رغم
الستين كما يدّعي هو.....لكن الواضح إن عمره كان أكبر بكثير فلم يكن يشعر بالزمن كالآخرين.
فقد ذكر لنا مرة أنه أصاب تركيّا بحجر وهرب ,حين ضرب الأخير كلبه العزيز المسمى: (بارود) لأنه كان يجفل الخيول اثناء الانسحاب من العراق ,, بلونه الأسود ,,,,
بدأ أثر العم دحام يتنامى داخل نفوسنا حتى تجاوز دور المعلمين, ورجل الدين الذي كنّا
مجبرين ان نصلي خلفه ,,وان نستمع لمحاضرته المكررة عشرات المرات....
بالمناسبة ..كان العم دحام يسمي رجل الدين بصاحب اليد الناعمة ...وحين يسترسل في
التهكم كان يشبهه برجل الكعك , بقوله :وهل هؤلاء رجال مثلنا ؟..اقسم انني استطيع ان آكل
اربعة مثله على الافطار...الظاهر كان يحبه جدا !!
والغريب ان اغلب اهل القرية لم يكونوا على معرفة جيدة بالعم دحّام,, فقد كان قليل المرور
بالقرية وعلاقاته محدودة, حيث يقيم مع نعجاته في اطراف المراعي كطير بريّ شأنه
شأن جميع(الغنّامة) في البلدان العربية....
كان الاعجاب والود متبادلين فحتى العم كان يصطنع العفوية في البحث عنّا , فقد تعود
الحديث معنا قضاء ا للوقت والتسلية ..كنا نحلّق حوله , نقرأه كل يوم كقاموس قادم من باطن الزمن البعيد...
كان الكثير من الطلاب يراجعون المواضيع والواجبات المدرسية في المراعي طلبا للهدوء
او الرعي لمن كانت لهم نعاج....فلم تكن الكهرباء قد وصلت قرانا بعد ,,, ولكنه كان يؤثر الحديث مع مجموعتنا فقط ..
(اخشى ان الهيكم عن الدروس......)
قالها وهو يتكئ على جنبه .....مصوبا بندقيته نحو الافق حيث قتل ذئبه الاول قبل ما شاء الله من السنين,,,,
. يوم أصابه بطلقة واحدة بين عينيه ..على إحدى الروايات فقد سمعنا روايات مختلفة مع تقدم العمر بمحدثنا العزيز .......... كان الوقت مبكرا حيث ان عيني الذئب كانتا
تلمعان ذلك اللمعان المخيف... حتى إذا سقط على التراب جثة هامدة ,, يستلّ خنجره فيقلع نابيه واحدى عينيه وقبل ان نسأله عن السبب ,,قال ,,وهو يضع قطعة من العشب في فمه...النابان بعتهما لصائغ في بغداد حيث يكسوهما بالذهب او الفضة ويبيعهما تميمة تعلّق على صدور الأطفال تحميهم من شرور الجن,,, اما العين فتترك حتى تجف وتلف بالجلد حيث يحملها النواطير دفعا للنعاس. .طبعا والعهدة على الراوي. .العم دحّام
لقد شاع استخدام كلمة العم (صليب)بين افراد المجموعة بإفراط حتى اصبحت سرنا الصغير
كنّا نسمي بها كل ما هو جيد واصيل ,,,,فدرجة ,,تسعون في الامتحان: صليب ,,واستاذ الرياضة طبعا صليب,, أما بنت الحارس :صاحبة القوام الجميل بثوبها الاحمر القاني ,وعيونها الجريئة وهو تخترق المعلمين من خلف سحابة الكحل شديد السواد,,, فصلييييب ونصف , وبالصاد القريبة من خانة الشين .
وهكذا بمطٌّها قدر المستطاع,, على طريقة العم دحام.
كانت امرأة طيبة ,يرحمها الله ,, قالها العم وهو يستذكر أيامه الطيبة مع زوجته أم غائب وقد استل من حزامه بعصبية واضحة : كيس التبغ ووريقات شفافة ,,
وينفث الدخان بحسرة كمدفأة حجرية ,, محدّقا في الافق البعيد وكانه يستعيد ذكرى خجولة
يقتات عليها كلما طالت به مسافات الشوق,,,, ,أتدرون ماذا فعلْتْ؟ ومن المؤكد انها لم
تصنع طبق كانتاكي في ذلك المرعى البائس على رأي احد الاصدقاء ,,ابتسم ابتسامة خفيفة ثم اضاف ,,,, لقد باعت خلخالها الذهبي لتشتري لي بثمنه هذه البندقية,,,
كانت تلاحظ حسرتي وانا انظر الى المحتفلين في الأعياد,
وهم يطلقون النار في الهواء من بنادقهم ,,حيث يختلط الدخان بتراب الدبكة
بزغاريد الجميلات بملابسهن الحمراء الصارخة والاحذية البيضاء وسحابات الكحل السوداء على عادة بنات الارياف,,,,,,,, طبعا لم تكن باهتة كما ترونها الآن ,,,
فقد كانت برّاقة كعيون أم غائب يرحمها الله,,,, واسترسل ..لم اتزوج بعدها ابدا وبقيت اخدم نفسي بنفسي طوال هذه السنين..
فقد سمعت :ان المرأة تحزن حزنا شديدا حين يتزوج زوجها حتى وهي في القبر!!
يرن المحمول وعلى الشاشة رقم دولي ..وما ان فتحت زر الاجابة حتى صدحت طويلة كما
الايام الخوالي ..بصادها المقلوبة شينا...(صلييييييييب)وعلى طريقة العم دحام
لم تستطع العشرون عاما في السويد ان تقتلع العم دحام من صدر ذلك المغترب البعيد من رفاق الصبا ايام المراعي ..حيث هاجر بعد ان اكمل الجامعه.
هو ايضا امسى دحّام كما الجميع والذئب ينظر اليه من خلال زجاج إحدى المستشفيات الاوربية , لوحده لا دحّام ولا صبيان يجوبون المراعي كطيور بريه ,,,
والاهم من كل ذلك لا صلييييييييب بالشين